بعد أن تجاوز سعره عتبة 2000 دينار جزائري للكلغ الواحد في المدن الساحلية، وفي ظل الوفرة الغزيرة لهذا النوع من الأسماك على سواحل ولايات بعينها، من المتوقّع أن تعرف أسعار التونة ـ المُصطادة عرضيا ـ تراجعا تدريجيا مع انطلاق موسم صيد حصّة الجزائر من التونة الحمراء في المياه الإقليمية نهاية ماي الجاري، في وقت تؤرق فيه بعض السلوكات السلبية المستهلكين وخصوصًا تلك التي تتعلق بعرض سمك التونة للبيع تحت أشعة الشمس دون احترام لأدنى شروط الصحة والسلامة، بالرغم من أن وزارة الصيد البحري تعوّل كثيرا على وضع آلية لضبط السوق ورفع الاحتكار على المنتجات الصيدية.
الجزائر محظوظة بشريط ساحلي يفوق 1200 كلم وإطلالة على ضفّة البحر الأبيض المتوسط المُميّز بتنوّع بيولوجي هائل بالإضافة إلى الأسماك الكثيرة الترحال كأسماك التونة الحمراء ـ ذات الزعنفة الزرقاء التي تقوم بهجرات كبرى بأعداد كبيرة جدا ـ قادمة من شمال الأطلسي لتتكاثر في شرق البحر المتوسط (خليج ليبيا)، لكن الجزائر أيضا مُطالبة ـ عبر حكومتها ـ باستغلال هذه الموارد البيولوجية البحرية باعتبارها ثروة متجدّدة تضّم آلاف أنواع الكائنات الحيّة ذات القيمة الاقتصادية العالية، ناهيك عن القيمة الغذائية للإنسان.
وكما هو معلوم فقد انطلق الصيد العرضي للتونة الذي تقوم به قوارب صيد مهني القطاع منذ أكثر من 15 يوما، لتتواصل خلال الشهرين المقبلين بالتزامن مع انطلاق حملة صيد حصة الجزائرية من قبل حوالي 30 سفينة صيد كبيرة في أعالي البحار، حسبما كشفه المختص في شؤون الصيد البحري والمنتجات الصيدية، محمد بوريس.
أسعار التونة بعدة مناطق
وبالحديث عما تشهده السوق الجزائرية للسمك الطازج خلال الأيام الأخيرة، ولاسيما بالمدن الساحلية فإن أسعار التونة التي يتم اصطيادها “عرضيا”، قفزت إلى 2400 دينار للكلغ غرام الواحد، وتحديدا خارج المسمكات حيث تُسوّق من قبل تجار غير نظاميين، وهو ما أثار حفيظة الكثير من المواطنين الذين تذمّروا من السعر المعروض، لمادة تمتاز بقيمة غذائية عالية.
وفي مسح بسيط فإن سعر التونة ـ على مستوى ميناء بوهارون ـ يتجاوز سقف 1400 دينار ليصل إلى 1600 دينار للكلغ الواحد، بينما يصل السعر في السوق المغطاة بحجوط إلى 1800 دينار للكلغ الواحد، فيما تشهد مدينة سكيكدة إقبالا على هذه المادة في انتظار تراجع أسعارها تدريجيا، إذ بلغ الكلغ الواحد من سمك التونة 2100 دينار على مستوى سعر سوق السمك بوسط مدينة القل ليتراجع بعد يومين إلى 1600 دينار.
وغير بعيد عن ذلك فإن سعرها بولاية عنابة تراوح خلال هذا الأسبوع بين 1600 إلى 1800 دينار للكلغ الواحد، دون الحديث عن أسعار قد تكون مُبالغا فيها في نظر الكثيرين وهذا على مستوى مسمكات المدن الكبرى كالعاصمة التي تجاوز سعرها 2600 دينار للكلغ الواحد.
السعر خلال فترة الذروة!
وبما أن السعر الحالي ليس في متناول الجميع، في ظل وجود اصطياد محدود لهذه المادة الحيوية، فإن مهني وفاعلي القطاع يتوقعون انخفاضا تدريجيا لهذه الأسعار لاسيما بعد انطلاق حملة اصطياد حصة الجزائر ـ في 26 ماي الجاري إلى غاية 30 جوان الداخل ـ والتي من المنتظر أن يتم تسويق حوالي 5 طن من جملة ما يتم اصطياده في أعالي البحار، على مستوى المسمكات، في وقت يُواصل فيه مختلف مهني القطاع عملية اصطيادهم لحوالي سبعة أنواع معروفة من التونة من أصل 40 نوعا، وهذا بشكل عرضي أي من خلال تعلق الأسماك في شباكهم وصنانيرهم مثلها مثل باقي الأسماك.
وعليه فإنه من المنتظر أن يصل سعر التونة ـ بداية من 30 ماي الجاري ـ سقف 700 دينار للكلغ الواحد، حيث ستشهد مختلف المسمكات وفرة في العرض قد تُلبي الطلب، ما يعني أن الوفرة الكبيرة لاسيما في المدن الساحلية، سينتج عنها استقرار نسبي في أسعار التجزئة ما سيشجع المستهلك على الإقبال أكثر على سمك التونة نظرا للقيمة الغذائية العالية التي يتوفر عليه باعتباره سمكا «نبيلا» يتميّز عن مختلف الأسماك الأخرى.
وفي هذا الشأن، أكد محمد بوريس، في حديث لـ«الأيام نيوز»، أن سمك التونة الذي يتم تسويقه بأسعار قد تتجاوز الـ2000 دينار للكلغ الواحد منذ أكثر من أسبوعين، سينخفض سعره إلى حوالي 1000 دينار للكلغ خلال فترة ذروة الصيد نهاية شهر ماي الجاري، معتبرا أن أسعار التونة الحمراء معقولة مقارنة مع أسعارها بالبورصات الدولية، حيث يصل سعرها إلى أكثر من 200 دولار للكلغ الواحد ببورصة طوكيو، مذكرا بأن هذه الاسماك المهاجرة ثروة اقتصادية حقيقية تدر ملايين الدولارات على أصحاب شركات الصيد في أعالي البحار، ولها قيمة غدائية عالية وسعرات حرارية مرتفعة جدا، ولحمها من أفخم لحوم الأسماك.
ممنوع نشر صور التونة
وبعد أن أوضح بأن التونة المُسوّقة حاليا هي المُصطادة عرضيا من قبل الصيادين الحرفيين عبر مختلف موانئ الصيد بالمدن الساحلية، أكد مدير الصيد البحري وتربية المائيات بولاية عنابة عز الدين بوكزية، أن المجتمعين من مديري الصيد ومسؤولي الوصاية يوم الأحد الفارط درسوا الملفات المرشحة للمشاركة في حملة التونة 2023، في ظل وجود هيئة تراقب عملية صيد الحصة المخصصة لكل ولاية.
بالمناسبة، أشار بوكزية إلى الحصة الوطنية لهذه السنة (2023 طن) والتي خصص منها 5 طن للصيد العرضي كـ”تونة ميتة” تُصطاد عبر السفن الصغيرة وتُسوّق للمواطنين، بالرغم من أنها حصة صغيرة مقارنة بالطلب والإقبال على هذا النوع من السمك في موسمه، يضيف المسؤول ذاته.
وذكّر المتحدث، في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن هذه الأسماك في طريقها إلى مالطة، تدخل سواحل بعض الولايات وتكون فرصة لاصطيادها، إلا أن نبّه إلى ضرورة عدم تداولها إعلاميا أو عبر منصات التواصل الاجتماعي ولاسيما قطع الأسماك الميتة بالموانئ، وهذا تفاديا لأي عقوبة قد تلحق بالجزائر الملتزمة باحترام قواعد الهيئة الدولية للتونيات.
وفي هذا السياق، تطرق المسؤول نفسه، إلى مراسلة بعث بها إلى مختلف المصالح التابعة لقطاعه على مستوى الولاية، حين نبّه إلى ضرورة عدم نشر صور عن سمك التونة الحمراء على خلفية أن صيد التونة الحمراء مقنّن ومرخص للصيد من طرف سفن صيد التونة فقط لأنهم يدفعون إتاوات لخزينة الدولة، كما أنه ممنوع صيدها من طرف باقي السفن الأخرى، مُذكرا بأن عملية صيد التونة الحمراء، عملية منظمة ومُراقبة من طرف هيئة دولية (ICCAT)عن طريق اتفاقيات دولية، ليختم مراسلته بضرورة الأخذ بعين الاعتبار ملاحظاته بصفته مديرا للصيد البحري وتربية المائيات لولاية عنابة، لاسيما وأن مثل عمليات الصيد لسمك التونة هذه تؤثر على الحصة الوطنية.
هذا وتثير ظاهرة تسويق أسماك التونة على مستوى الأسواق بعيدا عن المسمكات، تذمّر المواطنين المُقبلين على شراء كميات من المادة، لاسيما مسألة عرض هذه المادة البحرية تحت أشعة الشمس دون احترم أدنى شروط الصحة والسلامة، وهو ما انتقدته المنظمة الجزائرية لحماية والدفاع عن المستهلك، على لسان منسّقها فادي تميم، حين أكد على أن عرض التونة على طاولات وتحت مظلة على قارعة الطرقات، مرفوض تماما، بما أن مادة السمك حساسة للحرارة، تحتاج للبرودة دائما، حتى أثناء بيعها وجب وضعها في الثلج.
المسمكات محلات مُؤمنة لتسويق التونة
وأبرز، أن عدم بيعها في محلات تتوفر على شروط تبريد ونظافة، سيُعرض هذه الأسماك إلى البكتيريا نتيجة تلوث الشارع من غبار وغازات السيارات، ناهيك عن الوسائل المستعملة أثناء البيع كالسكين والطاولة، ما يجعل المستهلك يدفع الضريبة بما أنه المتضرر الأول، مؤكدا على ضرورة تحلّي المسؤولين والتجار بالمسؤولية التامة تجاه المستهلك، هذا الأخير المُطالب أيضا بالتحلي باليقظة وعدم الإقبال على شراء مواد غالبا ما تتسبّب في تسممات تعرّضه إلى الخطر، في ظل وجود مسمكات ومحلات بيع بطريقة نظامية، يقول تميم.
وفي حديثه عن مراقبة هذا النشاط، أوضح ممثل المستهلك، في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن غالبية هؤلاء التّجار فوضويون وليس لديهم أي سجل تجاري، ما يعني أن رقابتهم لا تقع على عاتق مصالح وزارة التجارة، بل إن المصالح الأمنية المُعتادة على التّدخل في القضايا الاستهلاكية مُطالبة بالتّحرك لمنع هذا النوع من النشاط حفاظا على صحة المواطنين وردع هؤلاء المُخالفين، وفي الأخير، كشف تميم، أن هيئته تعمل على توعية المستهلكين في إطار الحملة الوطنية للحماية من التسممات الغذائية، وهي المبادرة المُنتظر إطلاقها مع بداية موسم الاصطياف.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، انتقد الخبير الاقتصادي، حمزة بوغادي، طرقة بيع التونة بهذا الشكل، حينما كتب على حسابه الرسمية «فيسبوك»: “لا أدري أين هي مصالح الرقابة من بيع سمكة التونة على الأرصفة في الغبار والحرارة وانعدام أدنى شروط النظافة؟ ولا أدري كيف للمواطن أن يقبل على الشراء والمخاطرة بصحته وصحة أولاده؟!”.
كما أدلى الدكتور إلياس مرابط بدلوه حيال هذه المسألة على حسابه «فيسبوك»، من خلال مهاجمته لتجّار هذا المادة الذين يعرضون التونة في أماكن غير مهيأة وتنعدم فيها أدنى شروط النظافة الصحية، إضافة إلى عرض السلعة ذاتها طيلة أيام على قارعة الطريق تحت درجات حرارة مرتفعة بلا حسيب ولا رقيب، يضيف مرابط.