في يوم الاحتفال بتحرير 200 أسير.. سماء غزة تمطر ورودا وحلوى وزغاريد

في يوم تاريخي لن ينساه الشعب الفلسطيني وكل أحرار العالم، تحقق الحلم وارتسمت البسمة على وجوه الآلاف من الأسرى وعائلاتهم في فلسطين المحتلة. فقد تمّ أمس السبت، الإفراج عن 200 أسير ضمن الدفعة الثانية من عملية تبادل الأسرى، أكثرهم قضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال. ومن بين هؤلاء الأسرى، يوجد أبطالٌ من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية التي تخطت الحدود الإنسانية. وقد كانت لحظة الإفراج عنهم مشهودة، حيث وصلت ثلاث حافلات تحمل الأسرى المفرج عنهم إلى مدينة رام الله، التي شهدت استقبالاً جماهيرياً ضخماً يعكس التلاحم الشعبي والوفاء لأولئك الذين ضحّوا بحرية أنفسهم في سبيل فلسطين. وفي مشهد معبّر آخر، ظهرت طائرات مسيّرة تلقي الورود والحلوى على المحتشدين في ساحة فلسطين بمدينة غزة، بينما كانت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تقوم بتسليم أربع مجنّدات إسرائيليات إلى الصليب الأحمر الدولي ضمن صفقة تبادل الأسرى. ومثلت هذه الصورة رسالة من المقاومة الفلسطينية إلى حاضنتها الشعبية في قطاع غزة، بعدما كانت مسيّرات الاحتلال الصهيوني تطلق النار وتلقي القنابل على الغزيين على مدى 15 شهرا من حرب الإبادة.

من ناحية أخرى، تداول ناشطون مقاطع فيديو تظهر نساء ينثرن الورود على عناصر المقاومة في ساحة فلسطين قبيل تسليم الأسيرات الإسرائيليات، وقام أحد عناصر كتائب القسام بتقبيل رأس إحدى هؤلاء السيدات، فيما هتفت سيدة أخرى “بالروح والدم نفديك يا أقصى”.

من جانبه، قال الناطق باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع في بيان إن “احتشاد جماهير شعبنا لمواكبة عملية التسليم بقيادة المقاومة هو تجسيد للتلاحم الشعبي معها، وتأكيد للالتفاف حولها، واحتضانها على امتداد 471 يوما”، وذكر القانوع أن تفاصيل تسليم المقاومة للأسيرات “تحكي إبداع مقاومة وترسخ نموذج عزة وكبرياء”، وأضاف أن هذه المشاهد “تبعث برسائل عميقة ذات دلالات إستراتيجية لحكومة الاحتلال الفاشية وجيشها المجرم”.

وأكد الناطق باسم حماس أن المقاومة تقف مع شعبها “في هذه اللحظات التاريخية”، وتدعو إلى “حشد كل الإمكانيات، عربيا وإسلاميا ودوليا، لإغاثة أهلنا وتضميد جراحهم والانتصار لحقوقهم”، وأوضح القانوع أن الحركة تنتظر انسحاب الاحتلال وفق بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وبدء عودة النازحين إلى أراضيهم وبيوتهم.

من “نفق الحرية” إلى الحرية

وكان بين الأسرى الفلسطينيين المحررين الأسير محمد العارضة، أحد أبطال عملية “نفق الحرية”، والأسير إياد جرادات، الذي شارك أيضاً في هذه العملية، إضافة إلى عميد أسرى جنين رائد السعدي، الذي أمضى 36 عاماً داخل سجون الاحتلال، ضمن محكوميته بالمؤبد مرتين و20 عاماً، والأسير ثابت المرداوي، الذي اتهمه الاحتلال بحفر نفق في سجن “شطة”، ومحاولة التحرّر.

وشمل التبادل الإفراج عن الأسير حسام عابد، الذي أصدر الاحتلال بحقه حكماً بالسَّجن المؤبد ثلاث مرات، إضافة إلى 55 عاماً ونصف عام.وحملت الحشود في رام الله الأسرى المحررين على الأكتاف، ولوحوا بعلامة النصر، بينما شكر الأسرى المقاومة الفلسطينية في غزة، التي كانت السبب في حريّتهم وإتمام صفقة التبادل. وبالتزامن مع وصول حافلات الأسرى المحرّرين إلى الضفة الغربية، وصل 16 من الأسرى الفلسطينيين المفرَج عنهم إلى مستشفى غزّة الأوروبي، في مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، حيث يشهد محيط المستشفى حشوداً من الجماهير التي كانت تهتف للمقاومة.

وفي السياق، قال مراسلون ميدانيون في غزة إنها “المرة الأولى، منذ السابع من أكتوبر، نسمع في القطاع أصوات الزغاريد بعودة الأسرى المحررين”، ووصل عدد من الأسرى الفلسطينيين المبعَدين إلى الخارج إلى معبر رفح، في طريقهم إلى مصر، حيث دخلت حافلتان الأراضي المصرية، تُقلان 70 أسيراً فلسطينياً من ذوي المؤبدات، بعد الإفراج عنهم.

أوفيت بعهدك يا سنوار

ووجّه عدد من الأسرى المفرج عنهم التحية إلى أهالي غزة وعناصر مقاومتها، والذين “لولا تضحياتهم لما حصل الأسرى على الحرية”، وقال أحد الأسرى المفرج عنهم لقناة لبنانية: “نشكر غزة وأهلها. أوفيتم بعهدكم”. وقال أسير آخر: “نشكر أهل غزة، وحريتنا هي بفضل المقاومة، التي علينا أن نحافظ عليها، ويجب أن نبقى موحدين”. وحيّا أحد الأسرى “شعبنا في غزة، الذي قدم تضحيات كبيرة”.

واتهمت حماس، سلطة الاحتلال بـ”التلكؤ” في تنفيذ شروط وقف إطلاق النار بمنع النازحين الفلسطينيين من العودة إلى شمال قطاع غزة، محذرة من أن مثل هذه التأخيرات قد تكون لها تداعيات على المراحل اللاحقة من الاتفاق.وقالت حماس في بيان “ما زال الاحتلال يتلكأ في تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بمواصلة إغلاق شارع الرشيد ومنع عودة النازحين المشاة من الجنوب إلى الشمال”.

وأعلن “الجيش” الصهيوني -في بيان- وصول 4 مجندات أطلقت حماس سراحهن إلى الكيان، ومقابل كل مجندة إسرائيلية يتم تبادل 50 أسيرا فلسطينيا بينهم 30 من أصحاب المؤبدات و20 من ذوي الأحكام العالية -وفق ما أفاد به مصدر من حماس لوكالة الأناضول- أمس السبت.وإجمالا، تحتجز (إسرائيل) حاليا أكثر من 10 آلاف و300 أسير فلسطيني في سجونها، وتقدر وجود نحو 96 أسيرا إسرائيليا بغزة.

فيما تضمن اتفاق وقف إطلاق النار بغزة -الذي بدأ سريانه في 19 جانفي الجاري- صفقة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بغزة مقابل أعداد من الأسرى الفلسطينيين بالسجون الصهيونية.وفي المرحلة الأولى من الاتفاق -المكون من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما- تنص البنود على الإفراج تدريجيا عن 33 إسرائيليا محتجزا بغزة سواء الأحياء أو جثامين الأموات مقابل عدد من المعتقلين الفلسطينيين يُقدر بين 1700 و2000.وبالفعل شهد التبادل الأول، الذي تم في أول أيام الاتفاق، الإفراج عن 3 أسيرات مدنيات إسرائيليات مقابل 90 معتقلا طفلا ومعتقلة فلسطينيين، جميعهم من الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس.

يدٌ عليا

وحول ردود الفعل الصهيونية، أكد رئيس شعبة العمليات السابق في “جيش” الاحتلال الصهيوني، “إسرائيل زيف”، أن حركة حماس “تخرج من هذه الحرب، ولا تزال يدها هي العليا، بعد وصولها إلى وقف لإطلاق النار ومحافظتها على سلطتها في قطاع غزة”، وذلك في حديث إلى قناة عبرية. في السياق نفسه، أكد المسؤول السابق في “الشاباك” الصهيوني، عيدي كرمي، أنّ “(إسرائيل) تدفع الآن ثمن الفشل والكارثة والغطرسة في الـ7 من أكتوبر عام 2023″، وقال كرمي إنّ كل ما تقوم به حركة حماس “منظّم، مع وثائق وأسماء”، بحيث “تحاول أن تظهر كونها المسيطر والقوي، وكجيش منظم”.

وعقب بدء تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، علّق محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عاموس هرئل، على ظهور المئات من عناصر حماس على بعد بضعة كيلومترات من المكان الذي كانت توجد فيه قوات لـ”الجيش” الصهيوني، حتى قبل بضعة أيام فقط، موضحاً أنّ الحركة “أظهرت من خلال عرضها قوتها العسكرية وعلامات الحكم المدني”، وشدّد هرئل على أنّ الحقيقة تكمن في أنّ “(إسرائيل) خسرت الحرب إلى حد كبير، في الـ7 من أكتوبر عام 2023”. ومنذ ذلك الحين، “كان كلّ ما فعلته (إسرائيل) محاولةً لتقليل بعض الضرر”، وفقاً له.

جنين .. مستنقع الصهاينة

هذا، وأقرّ “جيش” الاحتلال الصهيوني بإصابة 3 من جنوده بجراح، أحدهم خطيرة، خلال اشتباكات في جنين في الضفة الغربية، حيث يواصل المقاومون الفلسطينيون التصدي للعدوان، فيما أعلنت سرايا القدس – كتيبة جنين أن مقاتليها يخوضون معارك ضارية مع قوات الاحتلال في محور الدمج، و”يمطرون قوات الاحتلال والآليات العسكرية بزخات كثيفة من الرصاص والعبوات الناسفة”، مؤكدةً تحقيق إصابات في القوات الصهيونية.

وخلال ساعات الفجر من يوم أمس، تمكن مقاتلو السرايا في كتيبة جنين من تفجير عبوة ناسفة أرضية من نوع “kj37” في تحشد للآليات العسكرية الصهيونية في محور البساتين، محققين إصابات مؤكدة. وبدورها أعلنت كتائب شهداء الأقصى – جنين أنّ مقاتليها خاضوا اشتباكات ضارية مع القوات الصهيونية في مختلف محاور القتال في مدينة جنين بالأسلحة الرشاشة والعبوات المتفجرة، محققين إصابات مباشرة في صفوف الاحتلال. ويأتي ذلك فيما يواصل الاحتلال عدوانه على جنين حيث فرض حظر التجوال على المخيم، وعمدت قواته إلى اقتحام منازل الفلسطينيين.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا