تُعرف الشاعرة الفلسطينية “نهى شحادة عودة” في المجتمع الأدبي العربي باسم “ياسمينة عكَّا”، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة “الأيام نيوز” بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..
فلسطين وطن العطاء والوجع والشهداء والأسرى واللاجئين. هذا الوطن الذي يحمل بين حدوده الكثير من الحكايا المؤلمة، الكثير من الشقاء والكثير الكثير من الكرامة والعزة والتضحيات من أجل أن يبقى هذا الوطن نابضا بأبنائه، هامسا لهم: ليس بعد كل هذا الكرب إلا الربيع المزهر، والعناق الطويل، واللقاء الذي لا يعقبه فراق أبدا.
الأسير المُحرَّر “جمال أبو محسن” من مواليد عام 1971، في مدينة “طوباس” وهي مدينة فلسطينية تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة “جنين” على بعد 19 كم، وإلى الشمال الشرقي من مدينة “نابلس” على بعد حوالي 25 كم، وتقابل الحدود الأردنية على الضفة الشرقية وتحاذي نهر الأردن.
نشأ جمال في عائلة بسيطة ترتكز حياتها على العمل في الزراعة، يقول: “كان والداي مزارعَين بسيطَين ألِفَا الأرض وألفتهما، وكانت حياة عائلتنا بسيطة يغمرها الكثير من الدفء والطمأنينة.. ترعرعت على نسمات مدينتنا التي يسودها طقسٌ جميلٌ. كنت أذهب إلى مدرستي بهمّة عالية ونفسٍ توّاقة للمستقبل الذي خُيِّل إليَّ بأنّه سيكون مُبهرًا ويحمل الكثير من النجاحات. أنهيتُ دراستي الثانوية في مدرسة طوباس الثانوية، لكنني كأيّ فلسطيني يعشق أرضه وتتفتّح عيناه على مأساة الاحتلال.. هذا ما دفعني خلال دراستي إلى الالتحاق بصفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والشبيبة، هناك تعلَّمنا حب الوطن والانتماء له وخاصة مع اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987 فقد شاركنا في فعاليات الانتفاضة ولجانها.. وقد كانت الانتفاضة الأولى وإجراءات الاحتلال سببًا محوريًّا في الانخراط بالعمل الوطني.
التحقتُ بمجموعة الشهيد “سعد صايل”، التي كانت تعمل مع مجموعات أخرى على مصادرة البضائع “الإسرائيلية”، وتنظيم حياة الناس والسَّهر على رعايتهم. كما كانت تقوم بالمشاركة في فعاليات المقاومة مثل المظاهرات وكتابة الشعارات وأيضا ملاحقة العملاء. لم يقتصر الأمر على التحاقي بمجموعة الشهيد “سعد صايل”، فقد انخرطتُ أيضا في مجموعة مُسلّحة تابعة إلى “حركة فتح”، كانت تُسمّى “مجموعات الفهد الأسود”، وكان لها نشاط عسكري وميداني وجماهيري.
التحقت بجامعة الخليل بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة، وخلال وقت قصير تمّ اعتقالنا بتهمة الانتماء إلى “حركة فتح” في جناحها العسكري.. لتبدأ مرحلةٌ جديدة في حياتي وهي مرحلة الأَسر.
في ليلة الجمعة في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1991 تمّ اعتقالي من البيت، في أجواء رُعبٍ وتفتيش وإرهاب وترهيب للأهل. ومع صراخ أمي ولوعتها وهي تراني مُكبّلا ومُقادا إلى السجن أمام عينيها.. كنتُ أشعرُ بثقلٍ في خطواتي وأنا أسير إلى الحافلة العسكرية التي لم تصل إلى مكان الاعتقال حتى خلتُ أنّ الزّمن قد تكلّس ولم يعد ممكنًا حسابه بالدقائق والساعات..
في الطريق إلى المعتقل، تعرّضتُ إلى الاعتداء بالضرب والشتائم والتهديد بالقتل.. بل إنّ أحد الضباط طلب مني النّزول من الحافلة العسكرية والشّرر يتطاير من عينيه كأنما كان يشاور عقله ليقتلني لكن شيئا ما كان يمنعه، ولكنه كان يُردّد عبارة واحدة: “إن لم تهرب، ستقضي حياتك بالسجن”!.
