قطاع التعليم في أمريكا.. رواتب المعلمين متدنية والمناهج مُسيّسة والأولياء منقسمون

المتابع للصحافة الأمريكية يلاحظ كثرة العناوين الرئيسية المتعلّقة بحظر كتب مدرسية، وسنّ قوانين وتشريعات تحدّد كيفية تناول المعلمين لموضوع الهوية الجنسية والعنصرية، والمقالات والتقارير التي تعجّ بانقسامات تمزّق أوصال الفصول الدراسية، ولكن: هل يشعر الأولياء والمعلمون والجمهور بالانقسام كما يبدو في العناوين الرئيسية للصحف؟

كشف استطلاع رأي قادته “Ipsos” ـ وهي مؤسسة مختصة في استطلاعات الرأي مقرها باريس ـ وذلك بالتعاون مع “National Public Radio” ـ وهي الإذاعة الوطنية العمومية الأمريكية المعروفة اختصارا “NPR” ـ أن انقساما كبيرا في وسط المجتمع الأمريكي حول مسائل تتعلق بقطاع التربية.

وخلصت النتائج بشكل عام، إلى أن غالبية الآباء الجمهوريين قلقون على نطاق واسع بشأن ما يتعلمه الأطفال، مقارنة بأقلية من الآباء الديمقراطيين، كما انكشف انقسام داخل الحزب الجمهوري في حدّ ذاته، حول كيفية معالجة هذا القلق وعما إذا كان حظر الكتب أو تقييد المعلمين أمرًا مناسبًا، في حين كان هناك إجماع مفاجئ بين عامة الناس حول احترام المعلمين واتفاق واسع على أن المهام المرهقة التي يكلفون بها لا تتناسب مع الأجور المنخفضة التي يتلقونها.

معلمون مُرهقون يتقاضون رواتب هزيلة

اتفق غالبية المستجوبين في استطلاع الرأي الذي شمل 1316 شخصا من الجمهور العام، و452 وليا، إضافة إلى 510 معلما في مختلف الأطوار، على أن المعلمين لا يتلقون رواتب عادلة، وقال 19℅ فقط من المعلمين المستجوبين إنهم يتلقّون مقابلا ماديا مناسبا لمهامهم التدريسية، فيما رأى 93℅ من الجمهور العام أن الأساتذة مطالبون بفعل الكثير مقابل رواتب غير مناسبة.

الرواتب المنخفضة التي يتلقاها المعلمون في الولايات المتحدة الأمريكية أدّت إلى نقص في صفوفهم خاصة في المدارس العامة التي يُسجّل نصف عددها كل بداية موسم دراسي نقص مدرّس واحد على الأقل، والسبب حسب استطلاع   IpsosوNPR أن ثلاثة أرباع المشاركين في الاستطلاع يوافقون على أن المعلمين يعملون فوق طاقتهم وأن 7 من كل 10 معلمين يقولون إنهم يتقاضون رواتب منخفضة.

من يحدّد محتوى المناهج؟

على عكس ما يصدر في وسائل الإعلام الأمريكية من قصص حول تحدي الآباء والنشطاء للمعلمين بشأن مجموعة من القضايا، خاصة مسألة التربية الجنسية و العنصرية، وكيفية شرحهما للأطفال، وافق ثلاثة أرباع أولياء الأمور وعامة الناس على أن “المدرسين مهنيون يجب الوثوق بهم لاتخاذ قرارات بشأن مناهج الفصل الدراسي”، ومع ذلك تبقى مسألة الثقة أمر معقد في المجتمع الأمريكي، فعندما سئلوا من يجب أن يكون المسؤول الأول عن القرارات المتعلقة بما يتم تلقينه في المدارس العامة، انقسم المشاركون بشكل كبير.

وقال 30℅ إن المعلمين يجب أن يكونوا مسؤولين عن ذلك بشكل أساسي، في حين قال حوالي 27℅ أن أولياء الأمور هم من يجب أن يحدّد ما يتم تلقينه لأبنائهم، ورأى حوالي 26℅ أن مجالس المدارس هي المخولة لذلك، وتعليقا على نتائج الاستطلاع هذه، قالت مالوري نيوال، نائب رئيس معهد إبسوس للإذاعة الوطنية العمومية الأمريكية “من الناحية المجردة، يثق الناس بالمعلمين، لكن المستجوبين والأولياء الجمهوريين يظهرون بعض بوادر القلق بهذا الشأن”.

وعلى سبيل المثال، قال 15℅ فقط من الجمهوريين عموما إن المعلمين يجب أن يكونوا مسؤولين بشكل أساسي عما يتم تدريسه في المدارس، وقال 48℅ إن السلطة يجب أن تكون في يد الوالدين لتحديد ما يدرسه أبناءهم، في المقابل، قال 46℅ من الديموقراطيين إن المعلمين يجب أن يكونوا مسؤولين بشكل أساسي على ما يتلقاه التلاميذ، بينما قال 9℅ فقط منهم إن تلك مهمة الأولياء.

وعند سؤال المعلمين عمن يعتقدون أنه يجب أن يكون مسؤولاً بشكل أساسي عن القرارات المتعلقة بما يتم تدريسه، قال 60℅ منهم إن المعلمين هم من يجب أن يكون مسؤولا عن ذلك، في حين قال 15℅ أن المهمة يجب أن تُسند لمجالس المدارس ووافق 10℅ فقط من المعلمين المستوجبين على إسناد المهمة للأولياء.

تسييس المدارس وحظر الكتب

شن المسؤولون الجمهوريون في العديد من الولايات، أبرزها فلوريدا، أيوا، تكساس، أريزونا، أوكلاهوما وجورجيا، معارك طاحنة حول ما يمكن وما لا يمكن مناقشته في الفصول الدراسية، ففي ولاية فلوريدا التي يحكمها المترشح الجمهوري لرئاسيات 2024، رون ديسانتيس، تم سن نصوص قانونية استهدفت المناهج الدراسية في شقها المتعلق بالعرق والعنصرية والهوية الجنسية، وكان أبرزها قانون عُرف بـ “Don’t Say Gay”أو لا تقل “مثلي”.

وعند سؤال المستجوبين حول المشرعين الذين يضعون سياسات لتقييد المواد التي يمكن للمدرسين والطلاب مناقشتها، أيد 38℅ من الجمهوريين فقط ما فعلوه، في حين قال ما يقرب نصفهم (48℅) أن تحديد المواد التي يمكن للمعلمين والتلاميذ مناقشتها، هي مهمة مجالس المدارس.

وإضافة للانقسام حول من يحدد محتويات المناهج الدراسية، يشعر العديد من الأولياء بالقلق حيال ما يحدث في الفصول الدراسية، ويقول 65℅ من الآباء الجمهوريين و46℅ من الأولياء المستقلين إنهم قلقون بشأن ما يتعلمه أطفالهم في المدارس، في حين قال 30℅ فقط من الأولياء الديمقراطيين إنهم يشاركونهم هذا القلق.

تجدر الإشارة إلى أن الأمريكيين منقسمون أيضا حول حظر بعض الكتب المدرسية من قبل المشرعين، ويتعلق الأمر بالكتب التي تحتوي مضمونا أو صورا حول الجنس، ومحتويات تتعلق بالعنصرية، وفي حين يؤيد 35℅ من الجمهوريين و16℅ من المستقلين و5℅ فقط من الديمقراطيين هذا الحظر، يرى البقية أن الحظر سلوك غير أمريكي.

 

سميرة بلعكري - واشنطن

سميرة بلعكري - واشنطن

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
حينما تكون الغَلبة لمنطق اللون.. إرث العبودية في أمريكا.. علامة مُسجلة بالتقادم السنوار ينسفُ حسابات نتنياهو بجرّة قلم.. رسائل مشفّرة من غزة إلى اليمن غزة تحت النار.. كيف يساير الصمت الروسي والصيني التوحش الصهيوني؟ الدفع برمز الاستجابة السريعة ابتداء من أكتوبر.. بنوك جزائرية تتبنى تقنية QR وفق نظرية "الضفدع المغلي".. اليمن السعيد يرسم مستقبلا غير سعيد للكيان الصهيوني هل تعرّض دونالد ترامب لمحاولة اغتيال ثانية؟ ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 41226 شهيدا قسنطينة.. وفاة شخصين في حادث انهيار تربة حوادث المرور.. وفاة 12 شخصا خلال الـ 24 ساعة الأخيرة بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية.. ميلوني تهنئ الرئيس تبون أمطار رعدية غزيرة عبر 17 ولاية الرئيس تبون يتلقى تهنئة من أمير قطر السابق ‏عطاف يستقبل سفير جنوب إفريقيا وممثل الصليب الأحمر في الجزائر مباحثات جديدة لمشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف وزير اقتصاد المعرفة يدعو الشركات الناشئة إلى المشاركة بقوة في المؤتمر الإفريقي أبو الغيط يهنئ الرئيس تبون الرئيس تبون يدعو قادة العالم إلى إنهاء ٱخر مظاهر الهيمنة والاحتلال والاستعمار هكذا يتم تغيير التوجيه البيداغوجي لحاملي البكالوريا وزارة التربية تكشف عن موعد الدخول المدرسي أمطار رعدية غزيرة عبر 11 ولاية