في خضم النقلة النوعية التي يشهدها قطاع الصيد البحري والمنتجات الصيدية ـ بتجسيده لاستراتيجية مبنية على تعزيز أسطول الصيد وتأهيله، لاسيما بناء سفن كبيرة الحجم، وتشجيع الصيد في أعالي البحار وفي المياه الخاضعة لفضاء دول أخرى كموريتانيا وليبيا وغينيا بيساو في إطار اتفاقيات ـ تُطرح مسألة الارتقاء بالقطاع ليُصبح فاعلا مهمّا في منظومة التصدير والمساهمة في رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات، من خلال ولوج أسواق إفريقية وعربية بالمنتجات الصيدية الجزائرية.
الجزائر التي تملك شريطا ساحليا يتجاوز 1200 كلم مُطلا على الضفّة الجنوبية للبحر المتوسط، وكذا إمكانيات هائلة تسمح لها بتنويع إنتاج الاستزراع المائي أو تربية المائيات في المزارع المُدمجة، مُطالبة اليوم بتحقيق قفزة نوعية لتمهيد الطريق نحو التصدير، تماشيا ورؤية الحكومة الرامية إلى مضاعفة التصدير خارج المحروقات وولوج أسواق قريبة وفي العمق الإفريقي، إلا أن ذلك يتطلب توفّر جملة من المعطيات تعكس استقرار سوق المنتجات الصيدية وأسعارها في الداخل.
أرقام يجب تحقيقها في آفاق 2024
سطرت الوزارة ضمن استراتيجيتها المبنية على ضمان وفرة الأسماك والمنتجات الصيدية كأولوية، هدف رفع إنتاج المنتجات الصيدية من خلال تربية المائيات إلى 142 ألف طن في آفاق 2024، ولتحقيق ذلك تسير الوزارة بخطى ثابتة نحو عصرنة وتحديث تسيير موانئ الصيد البحري لرفع الإنتاج وتحسين ظروف ممارسة نشاطات الصيد، وكذا تهيئة مواقع الرسو الخاصة بسفن الصيد التقليدي.
هذا بالإضافة إلى هدف يتمثل في إنشاء مزرعة لتسمين التونة الحمراء في إطار الشراكة مع متعاملين أجانب ما يساهم في الرفع من القيمة المضافة للقطاع، حسبما ما جاء على لسان وزير القطاع السابق هشام سفيان صلواتشي (الخميس 19 جانفي2023) خلال لقاء الحكومة/ الولاة، بالموازاة مع ما حققته في إطار رفع حصة الجزائر من التونة الحمراء الحية على المستوى الدولي تطبيقا لتوجيهات رئيس الجمهورية، من 1655 طن 2023 طن، أي بزيادة قدرها 368 طن ما يعادل نسبة نمو 22.23 بالمائة، وهي أكبر حصة تحصلت عليها الجزائر منذ انضمامها إلى المنظمة الدولية لحماية التونة الحمراء سنة 2003.
هذا ما جعل تفكر أيضا في الصناعات التحويلية للمنتجات الصيدية، حيث تعمل ـ حسب المسؤول ذاته ـ على مرافقة انجاز 5 وحدات جديدة آفاق سنة 2024، تُضاف إلى 16 وحدة بطاقة إنتاجية إجمالية تفوق 20 ألف طن سنويا، من أجل مواكبة الهدف سالف الذكر الخاص برفع إنتاج المنتجات الصيدية، والذي سطرت الدائرة الوزارية برنامجا خاصا يكمن في تهيئة مناطق النشاطات الخاصة بتربية المائيات ومنح الأوعية العقارية للمستثمرين، إنشاء وحدات لإنتاج صغار الأسماك البحرية والقارية من خلال منح الأوعية العقارية، تعميم المزارع ذات الإنتاج المكثف في الولايات ذات المؤهلات من أجل ترقية الاستزراع المائي، إنشاء أقطاب لتربية المائيات البحرية والقارية، إلى جانب المرافقة المالية للاستثمارات وتحسين القروض الخاصة بالاستغلال وكذا تنويع مصادر التمويل، إلى جانب تعزيز شبكة توزيع وتسويق منتجات هذه الشعبة، وفقا لصلواشي.
مزارع كوسيدار لتربية المائية تحقق نتائج مشجعة
كما يسعى القطاع إلى تعميم مشاريع إنتاج أسماك القاجوج الملكي وذئب البحر بالأقفاص العائمة بالبحر، لتصل إلى 14 ولاية ساحلية آفاق سنة 2024، مقابل 9 ولايات حاليا، فيما حُدد الهدف بالنسبة لسمك البلطي (تيلابيا) في تجسيد مشاريع جديدة لبلوغ إنتاج 5000 طن بحلول 2024.
في إطار تجسيد رهان إنعاش شعبة إصلاح وبناء السفن محليا من أجل اقتصاد الملايير، لاكتساح الصيد في أعالي البحار، تم تدشين ثلاث سفن بسواعد جزائرية تابعة لشركة كوريناف، فيما تعمل مديريات الصيد البحر ي بالولايات على تشجيع تربية المائيات في المزارع النموذجية من خلال تكوين الفلاحين وتحفيزهم على ولوج هذا النشاط ولاسيما تربية البلطي الأحمر، وهو ما نجح فيه الكثيرون واستفاد منه المستهلك عبر أسواق البيع المباشر، كما لا يمكن إغفال دخول شركات عمومية نشاط تربية المائيات، ولعل أهمها مؤسسة «كوسيدار» التي استطاعت من خلال مزارعها النموذجية في الجلفة، خنشلة، تحقيق قفزة نوعية في إنتاج سمك البلطي الأحمر.
شباب يطمحون للاستثمار في مجال تربية المائيات
وبما أن الحكومة تؤكد على مرافقة المستثمرين ولاسيما الشباب منهم، فإن الإحصائيات الأخيرة تكشف عن أكثر من 400 طلب استثمار ـ محل دراسة ـ تقدم بها شباب راغبون في الاستثمار في مجال تربية المائيات، على أمل الحصول على قروض مصغرة على غرار 1000 قرض مصغر عن طريق وكالة الدعم وتنمية المقاولاتية و1000 قرض مصغر من طرف الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، على أن تتم مرافقتهم وتكوينهم وتجسيد مشاريعهم للوصول إلى الأهداف المسطرة ومن ثمة توفير المنتوجات البحرية، حسبما كشفه المدير العام للغرفة الجزائرية للصيد البحري وتربية المائيات نبيل عويش نهاية مارس الفارط، في تصريحات للإذاعة.
كما ذكر بأن منتوجات الصيد البحري متوفرة وبأسعار معقولة في متناول المواطنين عبر مختلف نقاط البيع المنتشرة، وتسطير برنامج لتوفير مختلف المنتوجات الصيدية والتربيات المائية في الأسواق خلال شهر رمضان، وكذا إبرام أربع اتفاقيات مع منتجي تربية المائيات عبر مختلف ولايات لتوفير منتوجات الصيد البحري من المنتج إلى المتعامل، معلنا عن جملة من المشاريع الخاصة بشعبة تربية المائيات والتي دخلت حيز الخدمة حيث بلغ عددها تسعة مشاريع في 09 ولايات ساحلية من الوطن على أن يتم رفعها إلى 14 مشروعا مستقبلا.
بعيدا عن معدل «الفاو»
وفي الموضوع، قال الخبير في مجال الصيد البحري وتربية المائيات، محمد بورويس، إن الحكومة وضعت أربعة محاور، تنموية للقطاع تكمن في تطوير الصيد في أعالي البحار، تنمية تربية المائيات وتنمية صناعة السفن الكبيرة الحجم وأخيرا تنظيم المهنة، مبرزا أن القطاع ـ على المستوى العملي ـ شهد تحسنا طفيفا في إنتاج تربية المائيات خاصة سمك القاجوج في الأقفاص العائمة وسمك البلطي في المياه العذبة، رغم وجود تراجع في إنتاج الصيد القاري في السدود وصيد الأسماك البيضاء
وبعد أن ذكر بأن موريتانيا رائدة في المجال بالمنطقة بفضل الموارد الطبيعية الغنية جدا على سواحل المحيط الأطلسي، يرى المختص في مجال الصيد وتربية المائيات، في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن الانتقال بالقطاع إلى التصدير متعلق بعدة عوامل، منها عدم استقرار سياسات القطاع بتغير مسؤوليه ما جعل التصدير أمر مستبعد، مشيرا إلى أن الطريق لا يزل طويلا للتفكير في تصدير المنتجات الصيدية والحصة السنوية للمواطن الجزائري لازالت بعيدة عن المعدل الموصى به من طرف «الفاو»، وحتى الموارد الصيدية البيولوجية تتناقص عام بعد عام لعدة أسباب منها التغيرات المناخية وفوضى الصيد الساحلي لسفن النزهة وتلوث الوديان مغذيات البحر…. الخ.
تطوير الصيد في أعالي البحار
وبصفته تقني، اقترح بورويس، أولا حماية الموارد الصيدية من الاستنزاف وتلوث الوديان، وتنظيم صيد النزهة وزرع السدود بأسماك ذات قيمة تجارية، وكذا دعم الصيد في أعالي البحار وفي دول أخرى مثل موريتانيا، من خلال تكوين عالي المستوى واتفاقيات دولية، واستغلال عشرات الأنواع البيولوجية كالطحالب وخيار البحر…. الخ، وأيضا فتح الاستثمار في تربية المائيات بمحفزات، تشمل أنواع سمكية أخرى، مع دعم التربية السمكية المدمجة مع الفلاحة، خلص بالقول: إنه دون تطوير الصيد في أعالي البحار وصيد الأسماك كثيرة التّرحال على غرار التونة وأنواع أخرى، لا يمكن الحديث صناعة الصيد البحري والتحويل.
وبدوره قال الخبير الدولي والمستشار في الاستثمار، محمد سعيود، إن الجزائر عليها في البداية تسهيل الاستثمار في بناء مختلف أنواع السفن مثل Rainettes وسفن الصيد وقوارب صيد التونة، للوصول إلى عدد يتجاوز 500 قارب صيد، ما سيسمح بتحقيق إنتاج وفير من المنتجات الصيدية، وبالتالي المساعدة على تخفيض الأسعار، مؤكدا بالمناسبة، على ضرورة استغلال الوقت من خلال اعتماد تسهيلات لاستقطاب مالا يقل عن 500 مستثمر في مجال الاستزراع المائي كتربية الدنيس، القاروص، وكذلك الجمبري في أحواض مياه البحر وفي المياه العذبة في الأراضي الزراعية مثلما هو معمول به في الصين وكوريا الجنوبية.
كما شدّد الخبير الدولي في تصريح لـ«الأيام نيوز»، على من ضرورة توفير سفن صيد كبيرة طويلة المدى (صناعية) في البحر لمدة 5 إلى 15 يومًا والتي يمكن أن تعود بما لا يقل عن 100 طن من الأسماك لكل رحلة، وهو ما يُصطلح على تسميته بـ”الصيد الصناعي”.
هذا هو الطريق الوحيد نحو التصدير
وربط محمد سعيود، توجّه الجزائر إلى تصدير المنتجات الصيدية إلى وجهات متعددة، بجزئيتين يتعلقان بتطوير القطاع من خلال التركيز على بناء مختلف سفن الصيد، وكذا فتح الاستثمار في مجال الاستزراع المائي، وعليه فإن تصدير الأسماك الجزائرية في هذه الحالة مُستبعدة، بما أن صيدها لا يكون بكميات كبيرة يمكنها تحقيق وفرة في السوق الوطنية وضبط الأسعار لتكون في متناول فئات المجتمع الجزائري، يضيف سعيود، الذي كشف بأن 95 بالمائة من التونة التي نستهلكها في علب بالجزائر تأتي من الخارج، ليتساءل: كيف نفكر حاليا في التصدير على الرغم من استيراد التونة وأنواع مختلفة من الأسماك من الخارج؟ وفي الأخير، ذكر المتحدث أن سعر مختلف الأسماك في الأسواق الوطنية باهظ ولا يُشجع على تحقيق توازن على مستواها، في وقت تُصدر الجارة موريتانيا أسماكها بأسعار جيدة للغاية.