تَعوَّد المُتابع العربي أن تتمّ مُهاجمة القمم العربية والتشكيك في أهدافها ونتائجها، و”إنتاج” النّكت والنّوادر حولها، قبل وبعد انعقادها. وهذه هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها مُهاجمة الدّولة التي ستحتضن القمّة، وهي الجزائر، على بعد شهرين من انعقادها، كأنّما هي قمةُ “سياحة سياسية” للقادة العرب في العاصمة الجزائرية، ولم يسبقها تشاورات وتوافقات وتجاذبات حول ملفات مُعيّنة، ربّما وصلت إلى حدّ التّعقيد الذي يجعل عقد القمّة “أهون” بكثير من “إقناع” الأعضاء بضرورة الحضور والمُشاركة فيها.
فلماذا التركيز على مهاجمة الجزائر، بتفكير سطحيّ لم يرتق إلى مستوى الغباء؟ وهل الجعجعة والتّشويش يستهدف التشكيك في الإرادة الجزائرية من أجل لملمة التّشرذم العربي، أم هو إعلان ضمنّي بأن هناك مخاوف من أنّ قمّة الجزائر ستُرسّم نقطة انعطاف في التاريخ العربي، تستوجبها الظروف الدولية الراهنة، وضرورات الأحلاف والتحالفات وما سيفرضها النظام العالمي الجديد الذي يتوجّه إلى تعدّد الأقطاب؟
قمّة الجزائر الرابعة
الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد، تحتضن قمة قادة الدّول العربية في طبعتها الواحدة والثلاثين، وقد اختارت لها الأول من نوفمبر/تشرين الثاني لانطلاق أشغالها على مدى يومين، بكل ما يعنيه هذا التاريخ من دلالات ثورية ضدّ قوى الشّر العالمية التي مثّلتها، آنذاك، فرنسا والحلف الأطلسي. ويُذكر أن القمة قد تأجّلت ثلاث مرّات متتالية: (2020، 2021، مارس/آذار 2022)، كما يُذكر أن الجزائر احتضنت ثلاث قمم عربية، منذ انضمامها إلى جامعة الدول العربية في أوت /أغسطس 1962. حيث احتضنت مؤتمر القمة السادس للجامعة العربية، في 26 إلى 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1973، وعرف انضمام موريتانيا. ثم احتضنت المؤتمر غير العادي الخامس للقمة العربية، في 7 إلى 9 جوان / يونيو 1988، وقد صدر عن هذه القمة ثمانية قرارات هي: دعم الانتفاضة الفلسطينية، والمطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تحت إشراف الأمم المتحدة، ودعم لبنان في استعادة أراضيه، وتجديد التّضامن الكامل مع العراق والوقوف معه في حربه ضد إيران، وإدانة الاعتداء الأمريكي على ليبيا، وإدانة الإرهاب الدولي والممارسات العنصرية. وكانت القمّة الثالثة في 22 إلى 23 مارس/ أذار 2005.
الفاتح نوفمبر.. يومٌ تاريخيٌّ للجزائر وللعرب أيضا
اختارت الجزائر أول نوفمبر / تشرين الثاني لعقد القمة العربية، لأن هذا اليوم يمثّل نقطة الانعطاف في تاريخ الشعب الجزائري، حيث جسّد توحّده وإجماعه في تفجير الثورة ضدّ الطّغيان الفرنسي المدعوم من الحلف الأطلسي. وقد أعلنت الجزائر بأن هذه القمة ستكون من أجل لمّ الشمل والاجماع العربي، فقد قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون: “المُهمُّ هو اجتماع الأسرة العربية في الجزائر التي هي أولى بجمع الشّمل والوساطة لحل بعض النزاعات”، وأضاف بأن القمّة “ستكون ناجحة بالنظر إلى أن الجزائر ليست لديها أيّ خلفية من وراء تنظيم هذه القمة، ما عدا لم الشّمل العربي”. وهذا التّوافق في تاريخ انعقاد القمة وهدفها الأساسي كما أعلنه الرئيس الجزائري، مع تاريخ توحّد الجزائريين وتفجير ثورة التحرير الوطني، يعني أن الفاتح نوفمبر / تشرين الثاني سيكون يوما له تاريخٌ عربيٌّ أيضا.
الجزائر تمتلك ضمانات النجاح في لملمة التشرذم العربي
الجزائر لا تقول ما لا تفعل، ومعروفٌ في أدبيّاتها السّياسية أنّها وفيّةٌ لعهودها والتزاماتها الدولية، وتمتلك منظومة أخلاقية سياسية، حيثُ تُعلي المصلحة العربية فوق مصالحها الوطنية. ومن المجدي التذكير هنا، بأنه رغم الخلافات المغربية الجزائرية، فإن الجزائر دعّمت وساندت المغرب في ترشّحه لتنظيم مونديال 2026، عكس دول عربية أخرى، منها من تتخندق مع الرّباط في أخدود التطبيع، و”تؤيد” بشكل غير مُعلن، في وضع القدَم الصهيونية على الحدود الغربية للجزائر.
وفق هذه الرؤية، نُدرك بأن القمة العربية المُرتقبة لن تكون ناجحة فحسب، بل إن الجزائر تمتلك “ضمانات” نجاحها في لململة التشرذم العربي، وتجديد روح الجامعة، وربّما إعادة النّظر في فعاليتها وقوّتها في معالجة القضايا العربية، لا سيما القضية الفلسطينية التي يُراد خنقها واغتيالها.
قمّة للإجماع العربي وليست لإنتاج حلول للأزمات العربية
أوّل خطوة لإنجاح هذه القّمة كانت بالتأكيد على انعقادها في وقتها، وانطلاق أشغالها في اليوم التاريخي الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، فقد قال وزير الشؤون الخارجية الجزائرية بأن القمة ستجري في موعدها، ونفى ما تناقلته بعض الوسائط الإعلامية الخليجية من إشاعات حول تأجيل القمة أو إلغائها. من جانبها، قطعت دمشق الطرّيق أمام كل ذريعة لمن كانوا “يتهامسون” بتأجيلها، حيث قالت دمشق بأنها ” تُفضّل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر، وذلك حرصا منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التّحدّيات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
يكشف الموقف السّوري بأن المُهمّ هو عقد القّمة والتقاء القادة العرب، وتطهير العلاقات العربية – العربية من التلوّث الذي أصابها في ظرفية زمنية لا تحتمل مزيدا من الفُرقة والتشرذم العربي. كما يكشف الموقف بأنه ليس مُنتظرا من القمّة العربية أن تُنتج حلولا للأزمات والقضايا العربية، فالأزمة السورية، مثلا، سائرةٌ إلى الحلّ خارج الإطار العربي، بل في إطار “التّحالف” الذي تعمل روسيا على صناعته، وبدأت تتجلّى ملامحه بعد المناورات العسكرية فوستوك 2022، التي انطلقت منذ أيّام، وشارك فيها خمسون ألف جندي من أربع عشرة دولة، منها روسيا والصين والهند والجزائر.
تخوّفاتٌ غير مُعلنة من إعادة تأهيل الجامعة العربية
في سياق ما تقدّم، يُمكن الفهم بأن الذين استهدفوا مهاجمة الجزائر، لم يكن غرضهم التشويش على القّمة فقط، بل التّشكيك في إرادة الجزائر لتنقية الأجواء العربية من التّلوّث وإعادة تأهيل جامعة الدّول العربية ليكون لها دورها الفاعل على خارطة التّحالفات التي ستفرضها مرحلة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
وحملات السّخرية من الجزائر والترويج للإشاعات حول تأجيل القمة أو إلغائها، هي محاولات لاستباق الزّمن، قبل الفاتح نوفمبر، لإحداث شيء ما يؤثّر على انعقاد القّمة. ويجب قراءة تلك الحملات في سياق “جدّيّ”، لأنها تكشف بأن المُحرّضين عليها يُدركون بأن الجزائر تمتلك فعليا ضمانات نجاح “الاجماع العربي”، وأيضا، لأن حملات التشويش قد تتطوّر إلى انتهاج طرق وأسالب أخرى هدفُها أن تعصف بالقمة و”اغتيال” نوفمبر العربي قبل أن يُولد.
فيصل القاسم.. نموذجٌ لإعلاميّ مُكلّف بالتشويش
“فيصل القاسم” من أبرز المُهاجمين للجزائر، بلغة فيها الكثير من التجاوز الأدبي والأخلاقي، ما يكشف مستواه الفكري الحقيقي، ونواياه السيّئة ضد ما يخدم تطهير العلاقات العربية. فيُفترض بالإعلامي الأصيل، الذي يؤمن برسالة الإعلام النبيلة، أن يُثمّن كل جهد يسعى إلى توحيد العرب، ويدعمه بالأفكار البنّاءة، ولا يعمل على زراعة الشّكوك وإثارة الجعجعات قبل انعقاد القمّة بشهرين.
ولا يُمكن القبول بأن ما غرّد ويغرّد به هذا “فيصل القاسم” من سخرية ضد الجزائر، هو بدافع قناعته الشخصية، لأسباب منها أنه يقيم في دولة سجنت شاعرا من أنبائها بسبب بيت شعري قاله في حاكمها، فلا مجال إذاً للحديث عن حرية التعبير والرأي في بلد يسمح بتوجيه السّخرية لدولة بعظمة الجزائر ومكانتها الدولية والتاريخية، وقد سبق لهذا “الإعلامي أن هاجم حكّاما ودولا عربية من قبل، ما يؤكّد بأن وظيفته ليست إعلامية، بل هو مُكلّف بمهّام أخرى، أقلّها هو إعلان العداء على الدّول والشخصيات العربية، ونشر الفتنة، باستثمار الشّهرة التي صُنعت له، رغم ضحالة تفكيره وركاكة تعبيره التي يُمكن اكتشافها بسهولة من خلال تتبّع منشورته على شبكات التّواصل الاجتماعي.
يُمثّل “فيصل القاسم” نموذجا للإعلامي الذي تم إعداده وإلباسه بردعة الشّهرة، بهدف استغلاله في حملات التشويش والتزييف وإثارة الفتن في البلدان العربية. وشطحاته الأخيرة حول الجزائر، تكشف بأنه أبعد ما يكون عن الرسالة الإعلامية، وهو يؤدّي في مهمّة لصالح من يعملون على تسميم العلاقات العربية – العربية، وإغراقها في مزيد من التلوّث.
لماذا يحتفظون بسارق مقالات في مؤسسة إعلامية “عالمية”؟
من المُجدي التّساؤل: لماذا يتمّ الاحتفاظ بسارق في مؤسسة إعلامية “عالمية” تزعم الاحترافية والدّفاع عن حقوق الشّعوب؟ لو حدث الأمر في مؤسسة غربية – مثلا – لكان السارق قد طُرد من المجال الإعلامي بطريقة تفضحه وتُبقي للإعلام هيبته واحترامه، إضافة إلى تجريم فعله ومتابعته قضائيا.
كثيرةٌ هي جرائم “القاسم” التي تُشكلّ فضائح كبرى في عُرف من يحترمون شرف الكلمة والإعلام، ولكنها في عُرف من يُوظفون “القاسم”، قد تكون أمورا تافهة. وفي الغالب، لأن هذا الإعلامي له وظائف أخرى غير الإعلام، والمهّام التي يُكلّف بها تحتاج إلى شهرته من أجل تنفيذها.
من تلك الجرائم أنه قام بسرقة مقالات لكتّاب مغمورين منها مقال بعنوان “نموت كي يحيا الوطن.. يحيا لمن؟” للكاتب “محمد رفعت الدومي”، ومقال آخر بعنوان “رسالة من حاكم عربي” لصاحبه “منير باهي” الذي اقتبس منه “القاسم” حرفيا مقدّمته في إحدى حلقات برنامجه في الأول ديسمبر /كانون الاول 2009.
بالإضافة إلى مقالات أخرى، سطا عليها من موقع جريدة “عرب تاميز” التي يُصدرها الإعلامي القدير الدكتور “أسمة فوزي” في أمريكا منذ سنة 1985، وقد كتب، وقتها، الدكتور أسامة قائلا: “يا أخ فيصل.. أنا أعلم أنك – إلى جانب عملك كمُقدّم برامج في الجزيرة – تعمل أيضا محاضرا في معهد التدريب الإعلامي التابع للمحطة والذي يقوم بتدريب وتخريج الاعلاميين العرب.. ورغم أنى أكبرك في السن بـ 11 سنة إلا أني أطلب منك أن تعتبرني أحد طلابك في المعهد المذكور، وأن تجيبني عن السؤال التالي: ما هي مبرراتك المهنية والاخلاقية – وأنت الأستاذ والمحاضر في الإعلام – التي سمحت لك بنقل نصف مقالك عن مسلسل باب الحارة حرفيا من مقال زهير جبر المنشور في عرب تايمز، دون الإشارة إلى اسم الكاتب زهير جبر، أو إلى اسم الجريدة التي نشرت مقاله وهي عرب تايمز.. ثم إعادة نشر المادة المنسوخة – حرفيا – في موقعك الخاص، ثم في جريدة قطرية تدفع لك أجرا عن كل مقال تنشره فيها”.
القاسم.. يسرق مقالا عن “القرصنة الإلكترونية”
ومن “أطرف” سرقات فيصل القاسم، سرقته لمقال بعنوان: “القرصنة الالكترونية.. إلى متى؟”، وممّا جاء في المقال: “فما يعنينا في هذا المقام أن الإنترنت تحولت إلى مرتع للقرصنة، إن لم نقل للبلطجة، وقد آن الأوان لوضع حدّ للقراصنة كي لا يتمادوا أكثر فأكثر في انتهاكاتهم وخروقاتهم المتعددة للممتلكات الفكرية بأشكالها كافة”. لا يحتاج الأمر إلى تعليق، فالقرصنة الإلكترونية هي فعلٌ تجرّمه القوانين في الدّول التي تحترم الملكية الفكرية، ولا يقبله الضّمير الحيّ، ولا يقوم به الإعلاميّ الأصيل الواثق من أدواته الفكرية والتعبيرية.
جعجعة تؤكّد النّجاح قبل الانطلاق
إن فيصل القاسم يبقى مجرّد نموذج لكثيرين يعملون في التشويش على قمة الجزائر، ولكنه يختلف عنهم من حيث موقعه الإعلامي في واحدة من أكبر المؤسسات الإعلامية العربية، بالإضافة إلى الشهرة التي اكتسبها عبر عقود في تقديم برنامجه التلفزيوني. وما قام به من “سخرية” في حقّ الجزائر هو دليلٌ على نجاح قمة “الاجماع العربي” قبل ان تنطلق بشهرين، وهو أيضا على مدى الخوف الذي يتلبّس الذين يقفون خلف “القاسم” ويدفعون به إلى مُمارسة الجعجعة التي لا طحين لها، إلاّ طحين فيصل القاسم.