يسطعُ اسم الجزائر ـ اليوم ـ في جوهانسبورغ، حيث يترسّخ هناك، حلم دول شبّت عن الطوق الغربي وها هي تسعى إلى كسر هيمنته، ضمن مجموعة «بريكس» التي تؤثث تكتّلها السياسي والاقتصادي، بمقعد فاخر، آن للجزائر أن تعتليه لتنضمّ إلى كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وهي الدول الطامحة إلى أن يكون تحالفها موازيا ـ رأسا برأس ـ لتحالف دول الطرف المقابل: الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا وغيرها.
وكانت الجزائر قد كثّفت نشاطها ـ خلال الأسابيع الأخيرة ـ إذ اندفعت بكل ثقلها ـ السياسي والدبلوماسي ـ لافتكاك مقعد لها ضمن مجموعة «بريكس» التي يجتمع قادتها ـ اليوم الثلاثاء ـ في قمة تستضيفها جنوب إفريقيا من 22 إلى 24 أوت الجاري، ويشارك فيها وزير المالية، «لعزيز فايد»، بصفته ممثّلا، لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وقال الوزير «فايد» إن مشاركة الجزائر في هذه القمة يعكس اهتمام الدولة الكبير بتعزيز التعددية العادلة والمُنصفة لإصلاح الحوكمة العالمية، وكان الوزير قد وصل ـ أمس الاثنين ـ إلى جوهانسبورغ، للمشاركة في اجتماع قمة بريكس، واستقبله، هناك، السفير الجزائري لدى جنوب إفريقيا، كما أشرف لدى وصوله على التدشين الرسمي للخط الجوي الرابط بين البلدين.
وتترقب دول عربية انعقاد القمة لبحث طلبات انضمامها إلى «بريكس»، التي تسعى إلى كسر هيمنة الغرب، وبحسب ما أعلنته جنوب إفريقيا، فقد قدمت 23 دولة ـ في مقدمتها الجزائر ـ طلبات رسمية للانضمام إلى المجموعة، ومن هذه الدول: مصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وكذلك المغرب الذي خرجت أبواقه الإعلامية بتصريحات غريبة بالتزامن مع الحدث.
وانفجر غيظ نظام المخزن، على لسان وكالة الأنباء الرسمية يوم السبت، حين هاجمت، سلطات جنوب إفريقيا، واصفة علاقات المملكة معها بـ”المتوترة”، والأغرب من كل هذا، أن الرباط نفت أن تكون قد قدّمت أي طلب رسمي للانضمام إلى مجموعة «بريكس»، مثلما كشف عنه وزير الخارجية الجنوب الإفريقية في وقت سابق.
لكنّ نظام المخزن المغربي بقي صامتا ـ بشأن طلب انضمامه ـ إلى أن تأكد بأن المجموعة ليست بحاجة إلى دولة فاشلة مفلسة ـ منعدمة السيادة ـ إلى جانب أن نظامها يتواطأ ـ سرا وعلنا ـ مع كيانات ودول ليس من مصلحتها أن يستمر مشروع «بريكس»، هذا دون نسيان أن انضمام الجزائر إلى المجموعة يعني ـ تلقائيا ـ طرد المغرب إلى غير رجعة.
وكانت الجزائر قد ألقت بكامل ثقلها السياسي والدبلوماسي من أجل الانضمام إلى «بريكس»، بدءا بزيارة الرئيس تبون، إلى كل من روسيا والصين باعتبارهما البلدين المركزيين في المجموعة، حين ضمنت دعمهما رسميا، وانتهاء باستقبال وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف ـ يـوم الأحد, 06 أوت 2023 ـ سفراء وممثلي الدول الخمس الأعضاء في مجموعة بريكس المعتمدين لدى الجزائر.
إعلاء صوت المجموعة عبر العالم
وكان عطاف قد أكد أن “الجزائر بنضالها السياسي المعروف في سبيل إعلاء القيم والمبادئ التي قامت عليها ومن أجلها منظمة بريكس وبالحركية الاقتصادية التي تشهدها في سياق الإصلاحات التي بادر بها رئيس الجمهورية والتي تتجلى في المؤشرات التنموية الإيجابية التي حققتها بلادنا في السنوات الأخيرة، لتطمح إلى تقديم مساهمة نوعية في نشاط هذا التكتل بما يخدم أهداف السلم والأمن والتنمية والرخاء إقليمياً ودوليا”.
وللمرة الأولى، كان الرئيس تبون قد أعلن في صيف 2022 اهتمام الجزائر بالانضمام إلى «بريكس»، وفي نهاية العام ذاته، قالت المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية الكبرى بوزارة الخارجية ليلى زروقي إن الجزائر “قدمت طلبا رسميا بهذا الشأن”، وعقب هذه الخطوة، صدرت تصريحات من كل من الصين وروسيا وجنوب إفريقيا ترحب بمساعي الجزائر للانضمام إلى التكتل.
وكان مشاركون، قد شدّدوا في المنتدى السادس لإعلام بريكس، يوم السبت الماضي، بجوهانسبورغ، على أهمية هذا اللقاء السنوي الذي يمثل منبرا لإعلاء صوت بريكس عبر العالم، داعين إلى إنشاء آليات إعلامية كفيلة بالترويج لرؤية المجموعة وترقية الحوار والتبادل الثقافي مع شركائها.
ولدى تدخلهم أكد ممثلو وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) المنظمة لهذا المنتدى الذي تشارك فيه وسائل الإعلام التابعة لبلدان مجموعة «بريكس» وكذا مسؤولو وسائل إعلامية ومؤسسات عمومية لبلدان إفريقية من بينها الجزائر الممثلة بوكالة الأنباء الجزائرية (وأج) ويومية «لو جان أنديبوندون»، أنهم يعملون من أجل “حوار مفتوح وشامل مع مختلف الحضارات، بما يتماشى والقيم المؤسسة لمجموعة «بريكس» التي تهدف إلى تطوير شراكة وتعاون قائمين على مبدأ التضامن للدفاع عن قيم عالم متعدد الأقطاب، وأكثر عدلا”.
من “الشمال العالمي” إلى “الجنوب العالمي”
ومجموعة «بريكس» هي منظمة سياسية اقتصادية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها في جوان 2009 في مدينة يكاترينبورغ الروسية، وتحول اسمها من «بريك» إلى «بريكس» في 2011، بعد انضمام جنوب أفريقيا إليها، وتهدف هذه المجموعة الدولية إلى تنمية العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، ما يقلل الاعتماد على الدولار.
ومن المتوقع ـ بحلول عام 2050 ـ أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حاليا – بحسب غولدمان ساكس، والتي كان أول من استخدم هذا المصطلح في عام 2001، وصاغ فكرة مجموعة «بريكس» كبير الاقتصاديين في بنك غولدمان ساكس، جيم أونيل، في دراسة أجريت عام 2001 بعنوان “بناء اقتصادات عالمية أفضل لدول بريكس”، وكان أونيل قد استخدم في البداية مصطلح «بريك» لوصف “الأسواق الناشئة” في البرازيل وروسيا والهند والصين.
ومنذ عام 2000 إلى عام 2008، ارتفعت حصة هذه البلدان الأربعة في الناتج العالمي بسرعة، من 16 بالمئة إلى 22 بالمئة، وكان أداء اقتصاداتها أفضل من المتوسط أثناء وبعد فترة الركود العالمي الذي ضربت العالم في 2008، وفي عام 2006، أدى هذا المفهوم بحد ذاته إلى ظهور التجمع الذي تم دمجه بين البرازيل وروسيا والهند والصين، قبل أن تنضم جنوب إفريقيا في القمة الثالثة عام 2011.
ويطمح التكتل، إلى إيجاد نظام اقتصادي مواز للنظام الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي الرؤية التي تناضل من أجلها الجزائر، كما أن ترى الصين في هذا التكتل، نموذجا لمناصرة الاقتصادات النامية والفقيرة، أما من الجانب الاقتصادي، فقد شكّل التكتّل العمود الفقري الرئيس لتأسيس مجموعة «بريكس».
وأخذ الأعضاء يطورون خططهم الاقتصادية كتكتل واحد، وصولا إلى قوة اقتصادية قادرة على مواجهة القوة الاقتصادية الغربية الحالية، ويقوم تحالف «بريكس» بإعادة تشكيل النظام العالمي من خلال تحويل القوة من “الشمال العالمي” إلى “الجنوب العالمي”، وفق الطرح الذي غالبا ما يرافع من أجله الرئيس تبون.