مع مطلع فجر الـ7 أكتوبر 2023، أعلنت غزة إطلاقها “طوفان الأقصى”، الذي لم يكن مجرد عملية عسكرية نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، بسرعة فائقة وكثافة غير مسبوقة ودقة لا متناهية فحسب، بل تعدّاه إلى أن يكون طوفانا جارفا بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ إذ أسقط كل الأقنعة وأظهر الحقائق المخفية والخفيّة، حين أجبر الدول والأشخاص على كشف موقفهم، إما الوقوف مع الحق أو الاصطفاف وراء الباطل، الباطل الملبّس بالحق أو الحق المشوّه بالباطل؛ فمنذ البداية، أطاح طوفان الأقصى بتلك الأسطورة التي حاول الكيان الصهيوني تكريسها دهرا، أسطورة جيشه الذي ادّعى أنه لا يُقهر، كما أسقط طوفان الأقصى الوجه الإنساني المزيف الذي يتخفّى وراءه الغرب وكشف عن الوجه القبيح لمجتمع دولي غارق في نفاقه وعنصريته وعاجز عن الاستماع لصوت الضمير. إضافة إلى ما ذكر، فضح هذا الطوفان انحياز الإعلام الغربي للكيان الصهيوني، ووضع الإعلام العربي على المحك.
=== أعدّ الملف: سهام سعدية سوماتي ومنير بن دادي ===
أظهرت عملية طوفان الأقصى أن الإعلام الغربي اضطر إلى أن يتخلى ـ تماما ـ عن نزاهته وموضوعيته لينخرط بشكل فجّ في تغنّيه بالعبارات الاستعمارية ملطّفة، على اعتبار أن الدفاع عن الصهيونية يمثل ـ بالنسبة إلى الغرب ـ موقفا وجوديا، فلا وجود لمؤسسة إعلامية واحدة قادرة على تبني موقف مستقل عن توجهات القوى الضاغطة المتحكمة في دواليب السلطة (أمريكيا وأوروبيا)، فأضحى أي خبر موضوعي يخص فلسطين، تبثه قناة غربية في ظل العدوان الصهيوني المتواصل يعدّ أمرا مدهشا وبالغ الغرابة!
بالوعة الرواية الصهيونية..
فبمجرد أن أطلقت المقاومة الفلسطينية، في السابع من أكتوبر، عملية طوفان الأقصى، أصبحت أغلب وسائل الإعلام الغربية تتبنى رواية الاحتلال الصهيوني، متجاهلة كل الضوابط المهنية ومبدأ الحياد، وهو ما تجلّى في قصة ملفّقة تمّ تناقلها حول “قطع حماس رؤوسَ أطفال إسرائيليين”، مرورا بتسمية العدوان ذاته بحرب “إسرائيل وحماس”، دون نسيان ما نقلته تلفزيونات الغرب حول مجزرة مستشفى المعمداني في غزة، حين سقطت وسائل الإعلام الغربية في فخ تبني الرواية الصهيونية القائمة على التزوير والتلفيق وليس الحقائق على الأرض.
في المقابل، فإن الإعلام العربي في مجمله، إلا في حالات محددة تمثلها استثناء قناة الميادين اللبنانية وقناة الجزائر الدولية، لم يكن أفضل حالا من الإعلام الغربي، أو لنقل أسوأ من الإعلام الغربي الذي كان واضحا في موقفه المؤيد للكيان الصهيوني، بينما بدا الإعلام العربي من حيث المستوى الاحترافي مرتبكا ومشوشا بطريقة تحيل إلى قاعدة إعلامية يمكن اختصارها كالآتي: إذا لم تستطع أن تكون نزيها، فكن أكثر إيهاما بالنزاهة.
أزمة تضاد ثنائي..
لقد لعبت وسائل الإعلام العربية، وبشكل خاص القنوات الفضائية، دورًا بارزًا في التأثير على مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية في العالم العربي. وكانت قناة “الجزيرة” في المقدمة، لكنها، ورغم نجاحها، إلا أن هذا لم يمنعها من أن تكون مصدرًا للجدل حول هويتها وأهدافها واتجاهاتها، فقد أثارت سياستها بشأن استضافة شخصيات صهيونية على شاشتها جدلا كبيرا، إذ كانت أول قناة تفتح أبوابها أمام الصهاينة للتحدث مباشرة إلى الجمهور العربي من سلطة الاحتلال. وتمثلت هذه الشخصيات في أفراد يعملون في المؤسسات العسكرية والأمنية، يحملون ألقابا من قبيل: كاتب أو باحث أو مختص، لكن، سرعان ما أصبحت الجزيرة تستضيف جنرالات الدم في الكيان، وهو بالضبط ما صارت تقوم به قنوات منافسه لها.
يمكن للمتخصّصين ـ في مجال الإعلام ـ رصد أزمة التضاد الثنائي في الإعلام العربي كظاهرة تتسم بتعقيدات لا حصر لها، إذ وصل هذا التضاد إلى مرحلة الاصطفاف العدائي، غير الواضح خلال الأوقات العادية، ولكنه يتجلى عندما تتصاعد الأحداث وتصل إلى مستويات خطيرة تؤثر في جوهر مبادئ الأمة، إذ يتخذ سياقات تصادمية تخدم مصلحة “الأعداء” وتضر بالقضية العربية الأساسية ، وهي القضية الفلسطينية.
قنوات عربية ترسي قواعد إعلامها على وهم التطبيع وحقيقة الخذلان..
طوفان الأقصى يفضحُ التّحايلَ اللّفظي واستنهاضَ النّزعة المذهبيّة
معادلة التصادم هذه، تمثلها على المستوى العربي ثنائية (العربية – الجزيرة)، فعلى سبيل المثال، يكون المتلقي متابعا لأحداث العدوان الصهيوني ضد قطاع غزة، ليلاحظ أن الجزيرة تنقل صورا عن الجرائم الدموية التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وتعلق بنوع من التعاطف ـ النضالي ـ مع الفلسطينيين، لكنها، من باب انخراطها في اللعبة الإعلامية تقوم باستضافة رموز الدم في الكيان الصهيوني وتمنحهم كل الوقت لتبرير جرائمهم ووصف حماس وقادة المقاومة بالإرهاب.
بالمقابل، تقوم العربية بنقل أحداث العدوان ذاتها، مركزة على المعلومات التي تشير إلى أن الاحتلال الصهيوني يريد القضاء على حماس، التي كانت تصفها العربية ـ في أوقات سابقة ـ بأنها حركة إخوانية تتحكم في توجهاتها دولة قطر، أما حين يلتهب الملف الإيراني فإن العربية لا تتوانى في وصف حماس بأنها مدعومة من نظام طهران، دون أن تنسى القناة إعطاء تلميحات مذهبية بوصف إيران على أنها دولة نظام الملالي أو النظام الشيعي.
أغلب لمتابعين انتبهوا إلى أن العربية تبدو ـ خلال العدوان الصهيوني ـ مهادنة مع الاحتلال، أو على الأقل تتحايل خلال الحديث عن المقاومة كأنها جيش يمتلك كل الأسلحة التي لدى العدو أو لدى الدول المجاورة. وبالتالي، تشجع المتلقي على تجاهل المحرقة التي يتعرض لها سكان غزة، وتركيز انتباهه على ردود فعل المقاومة وكيف أنها قادرة في أية لحظة أن تقتل الآلاف من الإسرائيليين، وهذا نوع من تهدئة الخواطر لإطالة عمر العدوان.
أما الجزيرة، فإنها بالإضافة إلى كونها – غالبا – ما تستضيف متحدثين باسم الجيش الصهيوني الذي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ، يحرص مذيعوها ومذيعاتها على مقاطعة هؤلاء الضيوف، وأحيانا مواجهتهم بتعابير مباشرة، ليتسنى لاحقا، استخدام هذه المقاطع في مجال الدعاية للقناة، لكن. في كل الأحوال، فإن انفعال المذيعات والمذيعين في وجه المتحدثين الصهاينة على شاشة الجزيرة لا يبرر مطلقًا الهرولة لاستضافتهم بكثافة لتبرير ذبحهم الأطفال.
ومع ذلك، ثمة دائرة تلتقي فيها الجزيرة والعربية، إذ يمكنهما نقل الخبر بالطريقة ذاتها، دون أدنى اختلاف: إنه الملف السوري، فعندما تقوم القوات الأمريكية بقصف سوريا فإن القناتين تشيران إلى أن الضربات استهدفت “قوات الأسد”، وبالتال يتشتت انتباه المتلقي، إذ يعتبر أن الضربات الأمريكية ضد سوريا هي ضربات مستحقة، مع أنها الضربات ذاتها التي تُوجه إلى غزة، وهذا يعيدنا إلى الثنائية السابقة: (الأشقاء – الأعداء).
إن الأعداء يصبحون ـ على نحو ما ـ أشقاء، عندما يضربون سوريا، والأشقاء سيصبحون ـ على نحو آخر ـ أعداء، عندما يتضامنون مع سوريا، لأن الجزيرة والعربية كلتيهما تريد أن يسقط النظام في دمشق، لتحترق سوريا كما احترقت ليبيا، وكل هذا يصب في مصلحة الكيان الصهيوني الذي يستثمر في ثنائية الاصطفاف هذه، دون نسيان أن القناتين تحرصان على وصف الرئيس السوري بشار الأسد بـ”العلوي”، لكن القناتين ذاتيها لا تصفان العاهل المغربي محمد السادس بأنه “علوي”، لمجرد أن هذا الأخير منخرط في مشروع التطبيع إلى أبعد حد.
منطق الضوابط الإعلامية لدى الصّهاينة مختل
حين أصدرت سلطة الكيان الصهيوني قراراتها بشأن الضوابط الإعلامية في حالة الطوارئ المرتبطة بالعدوان ضد غزة ، اختلف تعامل الصهاينة في تعاطيهم مع قناتين عربيتين تقومان بالتغطية داخل فلسطين، إذ لم يشمل قرار الغلق مكتب قناة “الجزيرة” القطرية في ، بالرغم من أن وزير الاتصالات شلومو قرعي كان قد أكد، في 15 أكتوبر المنقضي، أنه سيسعى إلى الحصول على موافقة سلطة الكيان لوقف النشاط المحلي لقناة “الجزيرة”، متهما إياها بالتحريض لمصلحة حماس وتعريض حياة الجنود الصهاينة للخطر.
بالمقابل، اختلفت الصورة جذريا في قرار الضوابط الإعلامية الصهيونية الموجهة لقناة “الميادين” اللبنانية، إذ أعلن وزير الاتصالات الصهيوني منع البث المحلي لقناة “الميادين” وإغلاق مكاتب القناة ومنع مراسليها من العمل وفقا لأنظمة الطوارئ، التي تسمح للوزير بإغلاق المكاتب ومصادرة معدات البث، وهكذا تكون سلطة الكيان قد اتخذت إجراء قمعيا ضد الميادين وووجهت تحذيرا للجزيرة حتى تغيّر لهجة خطابها مستقبلا.
واعتبر غسان بن جدو، رئيس مجلس إدارة الميادين، أن هذا القرار هو “جزء من سياسة الاحتلال الدائمة في الاعتقال وتكميم الأفواه ومصادرة حرية الصحافة والتعبير”. وردا على سؤال حول سبب إغفال ذكر القناة في القرار الحكومي الذي صدر الإثنين 13/11، اكتفى المتحدث باسم الوزارة الصهيونية بالقول “لم يناقش مجلس الوزراء الأمني هذا الأمر”.
ويبدو أن ملف القناة القطرية أثار جدلا داخل الحكومة الأمنية المصغرة لدى سلطة الكيان، إذ عاد وزير الخارجية الصهيوني، إيلي كوهين، ليؤكد أنه ما زال يؤيد اتخاذ إجراءات صارمة ضد “الجزيرة”، مشيرا إلى أنه عبر عن رأيه وموقفه بشأن هذه المسألة. ويرى المحللون كافة أن القرار ـ يبدو بالمنطق الصهيوني ـ منطقيا نظرا إلى الدور الذي تلعبه قطر في المفاوضات مع حماس من أجل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، والذين – تقول سلطة الكيان – إن عددهم يصل إلى 240 رهينة.
وقبل مرور أيام من اتخاذ هذا القرار الصهيوني، تعرّضت مراسلة الميادين في القدس المحتلة، هناء محاميد، إلى حملة تهديد من قِبل صحافيين ومستوطنين صهاينة، بالتزامن مع إقرار الحكومة الصهيونية التعديلات التي مكنت مفتشي وزارة الاتصالات والشرطة من إغلاق قنوات إعلامية أجنبية، بحجة كونها تُساعد (العدو) خلال الحرب” ـ وفق التعبير الصهيوني. وقبل ذلك، اقتحمت قوات الاحتلال منزل مدير مكتب شبكة الميادين في فلسطين المحتلّة، ناصر اللحام في بيت لحم جنوبيّ الضفة الغربية واعتدت على زوجته وأولاده، واعتقلت نجليه باسل وباسيل بعد مصادرة هاتف أحدهما.
تسعى إلى قمع الفعل المقاوم من خلال قنواتها الإخبارية..
صراع الأنظمة العربية يُعتِّم المشهد ويشوّش الإرسال!
مواقع إخبارية عربية تسيطر عليها الإمارات ونظام المخزن تشفّت في قناة الميادين، وتأسفت لأن القرار الصهيوني لم يشمل قناة الجزيرة. والغريب هو محاولة إثبات أن الميادين قناة “شريرة” والجزيرة كذلك. وفي هذا الصدد، استخدم موقع “ميدل إيست أون لاين” حجة معروفة مسبقا، إذ استند إلى محلّلين يقولون إن: “تبعية القناتين المتعددة هي السبب في عدم منع الكيان قناة الجزيرة من البث، إذ ترتبط قناة الميادين ارتباطا مباشرا بالنظامين الإيراني والسوري بشكل واضح، وبدعم مباشر من الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله حيث تتركز سلطة إدارة كل الشبكات الإعلامية التابعة لطهران”.
أما قناة الجزيرة القطرية ـ يضيف الموقع ذاته محاولا ليّ عنق الحقيقة ـ “فوجود خيوط دبلوماسية تربط الدوحة بـ “تل أبيب” يساهم في الاستمرار في بقائها، رغم وجود مطالب ملحة بإغلاق مكاتبها في “إسرائيل”، فالشهر الماضي سعى الوزير “قرعي” إلى إغلاق قناة الجزيرة القطرية وقدم خطة بهذا الخصوص إلى مجلس الوزراء بعدما زعم أن هناك أدلة على أن المحتوى الذي تبثه يضر بالأمن القومي لـ “إسرائيل”.
المطبّعون يتخبّطون..
الغريب في الأمر أن هذا الموقع الذي يتهم قطر بالتطبيع هو ذاته تموله الإمارات الغارقة تماما في مشروع التطبيع، كما تموله حكومة المغرب التي أصبحت صهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم؛ إذ، ومهما كانت المآخذ على الجزيرة، فإنها في النهاية قناة ميزتها الاحترافية. وفي المقابل، لا يمكن لأحد أن يطعن في شرف قناة الميادين التي تساند ـ بقوة ـ القضية الفلسطينية، وتستضيف كل من يعادي الكيان الصهيوني.
إن العدوان المتواصل على الصورة الناقلة للحقيقة، في معادلة حظر قناة الميادين، تتجاوز مشهدية إعدام الطفولة الفلسطينية عبر تغطيات مباشرة من غزة، إلى عدوان على روح الفعل المقاوم في الوعي العربي الإسلامي الإنساني، وهو ما امتازت به قناة الميادين في الفضاء الإعلامي العربي، عبر المشاركة في صناعة إيجابية للفعل المقاوم، مع تجاوز الوقوع في سلبية الضحية.
قناة الميادين نقضت السّردية الصهيونية!
لقد نجحت الميادين في نقض السردية الصهيوني وفضح المؤامرة الأمريكية، وهو ما جعلها محل احترام كل حرّ لا همّ له سوى إحقاق الحق. وفي هذا الصدد، أدان تحالف القوى الفلسطينية ـ في بيان له ـ الإجراءات العنصرية الصهيونية التي أوصى بها واتخذها الكابينيت الصهيوني بحق قناة الميادين وإيقاف عملها داخل فلسطين المحتلة.
وأشار البيان ذاته إلى أن هذه الإجراءات تبرهن بشكل واضح على الدور الذي قامت وتقوم به الميادين داخل فلسطين المحتلة، ومواكبتها لمعارك طوفان القدس، وفضحها الدائم للمذابح والإجرام الصهيوني بحق أبناء شعبنا في غزة والضفة الغربية. ونوّه تحالف القوى الفلسطينية بمتابعة القناة الدائمة للعمليات البطولية للثوار والمقاومين في تصديهم لجنود العدو الذين كانوا يتساقطون تحت ضربات المقاومة، والذعر الذي سيطر على الجبهة الداخلية داخل الكيان المغتصب، وهو ما أزعج وأربك ساسة العدو وقياداته، فاتخذوا قرار إيقاف بث القناة وتعطيل عمل طواقمها داخل فلسطين المحتلة.
دأبُ الكيان الصهيوني تكميم الأفواه الحرّة
أعرب تحالف القوى الفلسطينية، في بيان له، عن تضامنه مع قناة الميادين الفضائيّة، التي تتعرّض لحملة تحريضٍ صهيونيّة ممنهجة، مُشدداً على أنّ العدو لن ينجح في إسكات صوت الحقيقة الذي يناضل من أجل إيصال صوت فلسطين إلى العالم أجمع. وأكد البيان أن قناة الميادين كانت على الدوام ومنذ تأسيسها صوت المقاومة، وحاضرة وبزخم كبير أثناء المعارك والحروب التي خاضتها المقاومة في فلسطين وجنوب لبنان والعراق واليمن وفي كل الأماكن حيث الاشتباك مع العدو وأعوانه وداعميه.
ودعا التحالف المؤسسات الصحفيّة الدوليّة، خاصّة الاتحاد الدولي للصحافيين، إلى تَحمّل مسؤولياتهم في التصدي لهذه الجرائم، ومحاكمة قادة الاحتلال على اعتداءاتهم الإجرامية بحق الصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين التي لم تتوقّف يومًا، مؤكداً أن قناة الميادين ستبقى صوت المقاومة والصوت الحرّ، الذي لن ترهبه الإجراءات الصهيونية وستبقى كما عهدناها منبراً حراً مدافعاً عن الحقيقة وصوت المقاومة والمناضلين وصوت كل حرّ شريف.
وصرّح رئيس مجلس إدارة شبكة “الميادين” الإعلامية، غسان بن جدو، من جهته، بأن قرار الكابينت الصهيوني القاضي بحظر قناة “الميادين” في فلسطين، يعدّ جزءا من سياستها في تكميم الأفواه. وقال بن جدو، في بيان: “في جوف الليل وعتمته، اتخذ الكابنيت السياسي والأمني والعسكري الصهيوني قرارًا بحظر شبكة الميادين الإعلامية في فلسطين”.
وأضاف: “وقّع القرار وزير اتصالات الاحتلال وهو يرتجف، ناشرًا صورة الانتصار على الميادين بفخرٍ واهم وزهوٍ كالح”. وتابع بن جدو، قائلا: “حظرنا من سلطات الاحتلال هو جزء من سياستها الدائمة في الاعتقال وكتم الأفواه”، وأضاف: “نحن الميادين لم ننافق يومًا، إننا مع الإنسان في كل مكان، ندعم مقاومة شعوب العالم أيَّ احتلال، في مقدمهم الشعب الفلسطيني”.
ومضى بن جدو بالقول: “نحن الميادين لم نعمل إلا بضمير مهني وحرفية صحافية كشبكة إعلامية تنقل الواقع كما هو بانتماء وطني وأفق أممي”، وتابع، بالقول: “عملنا في فلسطين المحتلة أي في أرضنا بأمانة إعلامية شجاعة، لم نتسول رخصة عمل ولم ننحنِ بدونية جبانة”.
وشدّد ابن جدو بالقول: “حظرنا من سلطات الاحتلال جزء من سياستها الدائمة في مصادرة حرية الصحافة والتعبير المألوفة وإن ادعت غير ذلك”، مؤكدا أن “الميادين لن تتراجع أبدًا عن خياراتها في دعم الشعب الفلسطيني كله ومقاومة الشعب الفلسطيني كلها على أرض فلسطين كلها”.
لا يعترف بالكيان الصهيوني دولةً وكلُّ فلسطيني قُتل فهو شهيد..
الإعلام الجزائري يعتبر القضيةَ الفلسطينيّة مبدأً وحجرَ زاوية
شكلت القضية الفلسطينية محورا رئيسا في الوعي الجزائري، وهو ما يظهر في وسائل الإعلام الوطنية كافة، التي تلعب دورًا هامًا في تشكيل وتوجيه رأي الجمهور نحو هذه القضية المحورية؛ إذ إن أبسط استعراض لموقف وأداء وسائل الإعلام الجزائرية في دعم القضية الفلسطينية، يجعل من الضروري التركيز على السياق الثقافي والسياسي الذي تتحرك ضمن إطاره مسارات معالجة الأحداث، خاصة إذا تعلق الأمر بعدوان غاشم مثل الذي تشهده غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
ففي العدد الأخير من مجلة الجيش، تم التطرق إلى القضية الفلسطينية التي تعد إحدى “القضايا المركزية للجزائر، قيادة وشعبا”،إذ أكدت افتتاحية المجلة أن “كل المؤشرات والوقائع تؤكد أن الاحتلال الصهيوني خطط لتصفيتها، وهو ما تعكسه الإبادة الجماعية الوحشية التي يشنها على المدنيين الفلسطينيين، لاسيما الأطفال والنساء، في انتهاك صارخ وسافر لكل الأعراف والمواثيق الدولية”.
وأضافت مجلة الجيش أن الاحتلال الصهيوني يقترف بذلك “جرائم حرب وجرائم شنيعة ضد الإنسانية في ظل عجز مجلس الأمن والأمم المتحدة عن فرض حلّ الدولتين، الذي يحظى بإجماع دولي (…) وفي ظل إعلام غربي منحاز يتعاطى بازدواجية المعايير مع قضية عادلة لشعب يكافح منذ أكثر من 75 سنة لاسترداد حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة”.
وأكدت المجلة في السياق ذاته أن الجزائر، التي تعد أول دولة في العالم تعترف بالدولة الفلسطينية حينما أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عن قيامها من الجزائر بتاريخ 15 نوفمبر 1988، “ما تزال ثابتة على موقفها المستمد من مبادئ ثورتها المظفرة”. وأكدت مجلة الجيش أن موقف الجزائر هو “وقوف مع الحق ضد التجبر والاضطهاد وسلب الحقوق الوطنية لشعب لم يطلب شيئا سوى العيش بسلام على أرضه، تماما مثلما كان مطلب الشعب الجزائري بالأمس، قبل أن يقرر وضع حد للاحتلال وتجاوز الأمر الواقع واتخاذ الكفاح المسلح وسيلة لتحرير البلاد”.
الإعلام الجزائريّ على قلبِ رجل واحد.. الجزائرُ دائمًا مع فِلسطين
وسبق لـ6 قنوات تلفزيونية محلية في الجزائر أن نظمت بثاً مشتركاً ـ يوم 19 أكتوبر ـ على مدار 15 ساعة، لدعم فلسطين والمقاومة والتنديد بالجرائم البشعة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني، وتضمن البثّ تغطية متواصلة للحدث الفلسطيني، وتحليل للأوضاع القائمة، ومداخلات من قبل سياسيين وخبراء وشخصيات فلسطينية ودولية. ودعي للمشاركة في البث المشترك عدد من قادة المقاومة والشخصيات الفلسطينية والعربية.
وتزامن البثّ المشترك مع “خميس فلسطين” الذي تم تنظيمه في الجزائر، على وقع مسيرات حاشدة في العاصمة والمدن الجزائرية كافة، دعماً لفلسطين وتنديداً بالعدوان على الشعب الفلسطيني، وإسناداً للمقاومة،لتصطف أبرز الصحف الجزائرية في صف القضية الفلسطيني’ من جانبها، لتصدر بعنوان موحّد على صفحاتها الرئيسة، وسم بـ: “غزة.. إعلام يغتال الحقيقة”، متهمة الإعلام الغربي بالانحياز للرواية الصهيونية بشأن الحرب على غزة.
وتزامنت المبادرة مع احتفال الصحافة الجزائرية بيومها الوطني الموافق 22 أكتوبر من كل عام، ونشرت أكثر من 30 صحيفة جزائرية حكومية وخاصة، باللغتين العربية والفرنسية، عنوانا مشتركا في واجهاتها هو “غزة.. إعلام يغتال الحقيقة”، واعتبرت الصحف أن العدوان الصهيوني الحالي على غزة منذ 7 أكتوبر فضح ازدواجية المعايير الغربية، وأبرزت تحيّز الإعلام الغربي لصالح الرواية الصهيونية، كما انتقدت نشر الإعلام الغربي معلومات تبيّن أنها مزيفة لاحقا، مثل المزاعم بأن مقاومين فلسطينيين قطعوا رؤوس أطفال إسرائيليين، وادعاء عدم مسؤولية الجيش الصهيوني عن قصف مستشفى المعمداني بغزة.
النّاشرون الجزائريّون يدينون سقطةَ الإعلام الغربي
وقال الناشرون الجزائريون، عبر بيان: “ندين السقوط المهني والأخلاقي للإعلام الغربي في تغطيته المنحازة للحرب على غزة، وتكريسه الصورة النمطية المشوهة للحقيقة، فهو لم ينحز فقط، بل أصبح آلة دعاية كاذبة بتزييف الوقائع لتضليل الرأي العام وتبرير الخروق السياسية والعسكرية التي ترتكبها “إسرائيل”.
وشدد الناشرون على أن الإعلام الغربي صار طرفا غير محايد، واختار الاصطفاف لجانب الكيان الصهيوني من خلال ترويج أو تلفيق أكاذيب السياسيين والعسكريين، وهو لاعب أساسي في الحرب، يُغمض عين الحقيقة، ويُبقي على عين التضليل.
وقال رئيس نقابة الناشرين الإعلاميين بالجزائر رياض هويلي – للأناضول – إن هذه الخطوة تعتبر سابقة في الإعلام الجزائري والعربي. وتابع أن الناشرين وأصحاب المؤسسات الإعلامية خصصوا عددا للتضامن مع الفلسطينيين ولرفض الاعتداء على القيم المهنية من قبل الإعلام الغربي، الذي انتهك أخلاقيات مهنة الصحافة القائمة على الحقيقة وحرية الإنسان في التعبير والموضوعية والحيادية.
واعتبر رئيس نقابة الناشرين أن العديد من المؤسسات الإعلامية الغربية تحولت إلى آلات لزراعة التضليل وقلب الحقائق وتزييف الأخبار، ومن هنا اختار مسؤولو النشر في الجزائر العنوان الموحّد، كما تهدف الخطوة إلى إظهار تأييد الإعلام الجزائري للقضايا العادلة، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني.
تعتبر القضية الفلسطينية، التي استمرت على مدى العقود الماضية، حجر الزاوية في الوعي الجزائري، إذ لم تتوقف المنابر الإعلامية عن تغطية تفاصيل كفاح الشعب الفلسطيني، ولكن مع بدء العدوان الصهيوني على غزة وسّعت هذه المنابر اهتمامها كل لحظة بالقضية. كما برزت، من جانب آخر، شجاعة الإعلام الجزائري واستمراريته في تسليط الضوء على كل مجريات العدوان دون الوقوع في المصطلحات الملتبسة.
فالكيان الصهيوني ليس “دولة” في الخطاب الإعلامي الجزائري، وضحايا العدوان من الفلسطينيين ليسوا قتلى بل شهداء. كما أن غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين، وليست مجرد قطعة يقاتل أهلها بعيدا عن باقي الجسد الفلسطيني الذي يراه الجزائريون واحدا موحدا، ثم إن الإعلام الجزائري لا يجامل كسبا لمرضاة الغرب بل يصف الوقائع باللغة المناسبة مع الحرص على الدفع نحو محاكمة الكيان الصهيوني أمام القضاء الدولي.
الناطق الإعلامي باسم حركة حماس جهاد طه لـ”الأيام نيوز”:
“طوفان الأقصى كشف التوجّهات الحقيقية لوسائل الإعلام العربية”
يرى الناطق الإعلامي باسم حركة حماس، جهاد طه، أنه ممّا لا شك فيه أن تعاطي الإعلام العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية يتفاوت بين بلد وآخر، إذ إن هناك نسبة كبيرة من الإعلام العربي والإسلامي تُساند القضية والمقاومة الفلسطينية خاصةً بعد العدوان الصهيوني الذي ما يزال متواصلاً على قطاع غزة، وقد أدت المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام كافة من مجازر وحرب إبادة جماعية ومحرقة نازية في حق الشعب الفلسطيني، وبحق المدنيين والمؤسسات الاستشفائية وما إلى ذلك، إلى تشكيل التفاف إعلامي كبير حول القضية الفلسطينية ونقل الرواية الفلسطينية الحقيقية للمجتمع الدولي وللعالم العربي والإسلامي بوجه التحديد.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ طه، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن هذا الواقع لا ينفي أن هناك بعضًا من وسائل الإعلام العربية التي تتماهى مع وجهة النظر الصهيونية، وهذا ما نعتبره إعلاما مطبّعًا وينسجم مع سياسة التّطبيع التي انتهجتها بعض الدول الإقليمية في المنطقة مع العدو الصهيوني، وهذا المسار حقيقةً لا يتقبله العالم العربي والإسلامي الذي مازال يلتف ويساند القضية الفلسطينية ويدعم المقاومة في مواجهة العدوان الصهيوني المستمر. وبالتأكيد، هناك أيضا بعض وسائل الإعلام التي تنسجم مع التطلعات الأمريكية ومع الإعلام الأمريكي الغربي، التي تتماشى مع الإدارة الأمريكية والغربية التي دعمت العدوان الصهيوني على أبناء شعبنا في قطاع غزة، وهذه قلة قليلة.
في السياق ذاته، أشار المتحدث إلى أن نسبة كبيرة اليوم من وسائل الإعلام العربية والإسلامية تلتف حول حقوق الشعب الفلسطيني، وتظهر المشهد الإعلامي والرواية الإعلامية الفلسطينية بكافة جوانبها، وهي تنتشر عبر مساحة كبيرة خاصة في المجتمع الغربي، بالإضافة إلى العالم العربي والإسلامي، وهذا – حقيقةً – يكشف ويرفع الغطاء عن المجازر والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ويوصل الصورة الحقيقية بكل جوانبها وبكل شفافية وبكل مهنية إعلامية إلى المجتمع الدولي وإلى العالم العربي والإسلامي، خاصة المجتمع الغربي الذي بدأ موقفه يتجه نحو الرواية الفلسطينية ومصداقية الإعلام العربي والإسلامي المساند للقضية الفلسطينية والمقاومة والحق الفلسطيني، وبالتالي فإن الرواية الإسرائيلية اليوم تستند إلى الأكاذيب والأضاليل، التي تحاول حقيقة أن “تشيطن” المقاومة الفلسطينية و”تدعّش” حركة حماس، التي هي حركة تحرّر وطني تقاوم الاحتلال الجاثم على أرض فلسطين انطلاقًا من واجبها الشرعي وواجبها الأخلاقي وواجبها الوطني إلى جانب كافة فصائل المقاومة الفلسطينية.
“إيقاف قناة الميادين انتهاك لحرية الإعلام“
وفي حديثه عن إيقاف الاحتلال الصهيوني عمل قناة “الميادين”، اعتبر الناطق الإعلامي باسم حركة حماس القرار الصهيوني انتهاكا لحرية الإعلام، وهو إجراء تعسفي جائر، لن يوقف بأي شكل من الأشكال عمل ومسيرة الإعلام الصادق المقاوم والحرّ عن أداء دوره في مساندة ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته ، وكشف المجازر والانتهاكات التي يتمادى الاحتلال الإسرائيلي في ارتكابها بحق شعبنا ومقدساتنا وأسرانا؛ وبالتالي، فإن الاستهداف اليوم ليس فقط للقنوات الإعلامية الحرة التي تدعم حقوق الشعب الفلسطيني والمقاومة، هناك أيضا استهداف وعملية تصفية لعشرات الصحفيين في قطاع غزة، إذ إن هناك ما يزيد عن 60 إعلاميًا وصحفيًا ارتقوا شهداء نتيجة القصف الصهيوني المتواصل في قطاع غزة، والذي لا يميز – حقيقة – بين حرية عمل الصحافة والإعلام في الميدان. فهؤلاء الشهداء من عائلة الإعلام هم شهداء القضية الفلسطينية لأنهم سعوا من أجل مواكبة هذا العدوان وكشف كل الجرائم الصهيونية والمجازر التي يرتكبها الاحتلال.
الصحافي الفلسطيني محمد العرابيد من ساحة الحرب يؤكد لـ”الأيام نيوز”:
“الكيان الصهيوني المجرم يضيّق الخناق على وسائل الإعلام الحرّة“
أبرز الصحافي محمد العرابيد، من غزة، أن عملية “طوفان الأقصى” التي انطلقت بتاريخ 7 أكتوبر الماضي كانت بمثابة صدمةٍ للعالم الدولي والعربي على حدّ سواء، الأمر الذي انعكس بشكلٍ أو بآخر على توجهات وتغطية مختلف وسائل الإعلام، بما فيها تلك المحايدة أو التي تتبع وتنتهج سياسات التطبيع مع الاحتلال الصهيوني. فمنذ اللحظة الأولى لعملية السابع من أكتوبر، كان هناك عدد من وسائل الإعلام الدولية والعربية التي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني على غرار قناتي الميادين والجزيرة، اللتان كانتا على مدار أيام شاهدًا حيًا على العدوان الصهيوني، الذي تمادى في ارتكاب مجازر وجرائم حرب بالجملة في حق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، ما أسفر عن آلاف الشهداء وآلاف الجرحى والمفقودين تحت ركام المنازل والمباني في مشاهد قاسية يندى لها الجبين.
وفي هذا الشأن، أوضح العرابيد في تصريح لـ”الأيام نيوز” أن فضح وسائل الإعلام العربية والدولية لما يجري من انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان وحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني المستبد في قطاع غزة في حق المدنيين والآمنين في بيوتهم ، لم يَرُقْ للاحتلال الذي عهد تزييف الوقائع ونقل الأكاذيب ونشر رواياته المفبركة، فقرر تضييق الخناق على وسائل الإعلام الحرّة كافة، التي عملت على نقل الوقائع كما هي، وإيصال الصوت الفلسطيني وإثارة الرأي العام الدولي من أجل دعم القضية الفلسطينية، فلجأ الاحتلال إلى ملاحقة واعتقال الطواقم الصحفية في الضفة والقدس، على غرار غلق مكتب الميادين في فلسطين المحتلة وحجب موقعها الإخباري ومنصاتها عبر موقع التواصل الاجتماعي في الأراضي المحتلة. لكن، وبالرغم من كل ذلك وبالرغم من محدودية الإمكانات، إلا أن قناة “الميادين” ستستمر في إيصال رسالتها من غزة كما عودتنا دائمًا.
أما فيما يتعلق بوسائل الإعلام التي تنتهج الحياد، أو تأخذ رواية الطرف والطرف الآخر، فيُعبّر الصحافي من غزة عن استغرابه من اعتماد هذا التوجه، قائلا: “على سبيل المثال لا الحصر، كيف يُمكن لهذه الوسائل أن تقارن رواية الاحتلال الصهيوني برواية الشعب الفلسطيني، فالرواية الفلسطينية واضحة ولا غبار عليها، فلا يمكن أن نخفي بأي شكلٍ من الأشكال حقيقة أن الاحتلال يرتكب حرب إبادة كاملة الأركان ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولا يوجد مبرر للاحتلال ليرتكب هذا الكم الهائل من المجازر بحق المدنيين والعزل بما فيهم الأطفال. فقناة “العربية” مثلا، تقارن الرواية الفلسطينية بالرواية الإسرائيلية وتستضيف خبراء إسرائيليين لدعم رأيهم أو تبريره، كما تتعمد استخدام بعض المصطلحات والمفاهيم على غرار مقتل فلسطيني والأصح أن نستخدم كلمة ارتقاء أو استشهاد، لأن الشعب الفلسطيني اليوم يخوض معركة مع احتلال صهيوني مستبد لا حق له في الوجود بفلسطين”.
في السياق ذاته، أكدّ المتحدث أنه لا يخفى على أحد أن وسائل الإعلام التي تتبنى الحياد في تغطية الأحداث الدائرة والجارية في قطاع غزة، وفي الحديث عن القضية الفلسطينية بشكلٍ عام، هي في حقيقة الأمر تابعة لأنظمة مطبعة مع الكيان الصهيوني، وبالتالي فهي تنتهج سياسة الدولة وليست سياسة الشعب العربي والإسلامي الداعم والمساند للحق الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، الذي تمادى في استهداف الأبرياء والعزل في قطاع غزة على مرأى ومسمع العالم أجمع.
هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، قال الصحافي العرابيد: “بصفتنا صحافيين فلسطينيين موجودين في قطاع غزة نواصل العمل منذ 40 يومًا على مدار الساعة من أجل إيصال الوقائع والأحداث كما هي على أرض الوقائع، ونطالب النقابات الصحافية في جميع الدول العربية والإسلامية بالتحرك الفوري لوقف مهزلة وسائل الإعلام التي تنتهج الحياد في نقل الأحداث ونشر الرواية الإسرائيلية على حساب الرواية الفلسطينية، كما ندعوا إلى وقفةٍ جادة وحقيقية إلى جانب الصحفيين الفلسطينيين في غزة، ووقف الاستهداف الصهيوني الممنهج للطواقم الصحفية والذي أسفر عن استشهاد عشرات الصحفيين، إضافةً إلى لجوء الاحتلال إلى قصف عائلات الصحافيين في قطاع غزة على غرار استهداف عائلة صحافي الجزيرة وائل الدحدوح، في محاولة بائسة ويائسة من الاحتلال الصهيوني للانتقام من عائلات الصحافيين لإجبارهم عن التوقف عن مواصلة إيصال رسالتهم وفضح جرائم الاحتلال، الأمر الذي لن يتحقق في ظل صمود وإصرار صحافيي غزة على نقل الحقيقة وإيصال الرسالة إلى العالم إلى غاية الرمق الأخير”.
أستاذ العلاقات الدولية رابح لعروسي لـ”الأيام نيوز”:
“الإعلام الجزائري نموذج عن الإعلام العربي الدّاعم للقضية الفلسطينية”
يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر، رابح لعروسي، أن تعاطي الإعلام العربي مع القضية الفلسطينية ومع ما يجري من أحداث ووقائع في قطاع غزة، لا يخرج عمومًا عن اتجاهين اثنين: الأول هو اتجاهٌ حرّ داعم للقضية على غرار الإعلام الجزائري بمختلف وسائله الثقيلة التي انخرطت بشكلٍ كبير في دعم المقاومة الفلسطينية بشكلٍ مُتناغم مع الموقف الرسمي للدولة الجزائرية، وهذا يحسب للقلم الحرّ والكلمة والصوت والضمير العربي الداعم للقضية الفلسطينية باعتبارها قضيةً عادلة لا نقاش فيها. واتجاهٌ ثانٍ متخاذل منخرط مع الأنظمة المطبعة التي لا هم لها غير خدمة مصالح الكيان الصهيوني والمصالح الغربية والأمريكية ولو كان ذلك على حساب القضية الأم للأمة العربية.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ لعروسي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن الإعلام الحرّ عبر مختلف دول العالم يقف ويساند القضية الفلسطينية منذ انطلاق معركة “طوفان الأقصى”، التي كانت نقطةُ فارقة في تاريخ القضية، وكل ما يحمله ذلك من تتبع للأخبار وتعاطي مع المعلومات المتاحة ومحاولة تقديمها وإيصالها للرأي العام العالمي والدولي في ظل الوقائع والأحداث الجارية على الأرض في قطاع غزة، الأمر الذي أزعج الكثير من الدوائر صانعة القرار على المستويين الإقليمي والدولي، ودفعها إلى محاولة تزييف الحقائق وتغطية ما يرتكبه الاحتلال الصهيوني من جرائم ومجازر في حق أهل غزة.
أما فيما يتعلق بالإعلام الذي يتحجج بالمهنية والموضوعية في نقل الوقائع، فيؤكد أستاذ العلاقات الدولية أن هذا الإعلام – في حقيقة الأمر – بعيد كل البعد عن الواقع وعن المهنية كذلك، لأن الموضوعية تُلزم صاحبها بعدم التغاضي عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي لاحظناه بشكل جلي عبر هذه الوسائل التي تُظهر ميلا صريحًا للرواية الإسرائيلية، بالإضافة إلى بعض وسائل الإعلام العربية التي انخرطت مع خيار التطبيع، الذي يصنف المقاومة الفلسطينية على أنها جماعات إرهابية وخارجة عن القانون، وهذا ما يتنافى مع حقيقة المقاومة الفلسطينية التي تقدم لنا دروسا خالدة في الذود والدفاع عن الحق والوطن.
هذا، ويرى الأستاذ لعروسي أن هذا الإعلام هو إعلامٌ منحطّ يخدم الأنظمة المطبعة ويعكس حقيقتها، لاسيما دول الطوق التي أبانت أنها دول متخاذلة وأنها فعلا من صناعة غربية وصهيونية هدفها الأساسي حماية مصالح الكيان الصهيوني والمصالح الغربية والأمريكية في المنطقة، وهذا الإعلام لن يستطيع أن يخرج عن هذا المسار وعن هذا الاتجاه لأنه إعلامٌ مكبّل ومقيد ويتقاضى مقابل سكوته وتلفيقه الحقائق تمويلا لمواصلة تسويق ما يخدم مصالح الصهاينة، وهذا هو السقوط الحرّ للرسالة الإعلامية بعينه.
الإعلام العربي في ميزان “طوفان الأقصى”
مساهمة بقلم: الكاتب الصحافي الأردني محمد الخواجا
منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 16 عاماً، والجمهور العربي يجلس أمام الشاشة لمتابعة ما يجري في غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، ردًا على جرائم الاحتلال بحقّ الفلسطينيين واقتحاماته المتكرّرة للمسجد الأٌقصى المبارك. وهذا ما يشير إلى استمرار مركزية القضيّة الفلسطينية لدى وجدان الشّعوب العربية والإسلامية ووعيها الجمعي.
وشهدنا تفاوت، بل وتباين، الأداء بين قنوات الإعلام العربي، لأسباب منها ما يتعلق بالإمكانات المادية، ومنها ما يتعلق بارتباطات هذه القوات وأجنداتها.
بديهيا وواجبا أن ينحي الإعلام العربي اليوم أجنداته جانبًا ليقوم بدوره في تغطية التطورات الميدانية للعدوان وأبعاده السياسية، لمحاولة فهم أعمق وتعزيز التضامن مع القضية، وخاصة مع وجود تضخيم إعلامي من قبل العدو في أرقام خسائره في بداية العدوان، حيث تبيّن أنّه تعمد ذلك لتغطية طابع حرب الإبادة والتّهجير وخلق ذرائع للمجازر التي يقوم بها في غزّة، مما يحتّم قلب العناوين في إعلامنا العربي والعمل بجهد كبير لتغيير الصّورة في الإعلام الدّولي.
ومن الإنصاف القول إنّ عدداً من هذه القنوات تقوم بعمل يحترم، ولكن الواقع يخبرنا بمشهد مختلف، ذلك أنّ الشّاشات العربية، وإن بدت للوهلة الأولى متقاربة في تغطيتها ، فإنّ نظرة فاحصة تكشف أمامنا أبعادًا متضمّنة في ثنايا العناوين، وبين جنبات المقالات والتّقارير.
ولعبت قنوات، مثل: الأقصى، والمنار، وفلسطين اليوم، والميادين وغيرها دورًا مشهودًا في معاضدة الجهد العسكري للمقاومة، وتحشيد الدعم الجماهيري لنصرتها. وواجهت تلك القنوات محاولات لإسكاتها على اعتبار أنها صوت لما يعتبره الاحتلال وكل الدول المتحالفة معه تنظيمات إرهابية.
بالمقابل، شكّلت قناة العربية نموذجاً للإعلام الذي لا ينحاز للحقوق ولا الشهداء بحجة المهنية ، وأصبحت أيقونة لدى البعض وأنموذجا للإعلام الذي يخدم الاحتلال ويتبنى سردياته ، كما حدث في مقابلة رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل مع المذيعة رشا نبيل التي حاورت مشعل، وتعرّضت لانتقادات، وصلت إلى القول بأنّ المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يكن ليطرح تلك الأسئلة على مشعل، وفي ظلّ الحرب على غزّة.
والمتابع يتسأل أحياناً لماذا تتجاهل قناة “العربية” خطابات قادة حماس، فيما تنقل كلمات وخطابات قادة الاحتلال، فيما حرصت قناة “الجزيرة” على نقل كلمات رئيس المكتب السّياسي إسماعيل هنية، وأبو عبيدة، وغيرهم، فيما اضطرّت “العربية” لعرض كلمة هنية بعد مجزرة مستشفى المعمداني، وقطعتها قبل نهايتها.
في النّهاية، سيكون هناك حساب شعبي عاجل وآخر آجل لهذه القنوات وكل حسب عطائه فنتذكر جيداً كيف رفع أهل غزة مراسل الجزيرة الزميل وائل الدّحدوح على الأكتاف في احتفالات أعلان وقف إطلاق النّار في “سيف القدس”. كما نتذكّر من هي القناة التي تم طرد مراسلها من غزّة للاشتباه بكشفه أسرار المقاومة في ميدان المعارك عام 2009.
هل كان الإعلام العربي على قلب رجل واحد في تغطية “طوفان الأقصى”؟
مساهمة بقلم: الكاتب الصحافي الأردني عيسى شقفة
عمليَّة “طوفان الأقصى” طغت على جميع وسائل الإعلام العربية والعالمية، فكان هناك تباين في تغطية بعض المنابر لها، مما يضع نقاط استفهام وتعجّب في أكثر من اتجاه، مع قضيّة وصفت بكونها الأولى من حيث الإنجاز الفلسطيني وانهيار العدو، وأيضاً تعتبر قضية الأمّة الأولى، فيستدعي المنطق أن يكون الإعلام العربي على قلب رجل واحد، فينحّي انحيازاته وأجنداته جانبًا ليقوم بدوره في تغطية المستجدات الميدانية والسّياسية، والذّهاب بعيدًا في فتح مساحات النّقاش بين العرب، وبينهم وبين غيرهم؛ سعيًا نحو فهم أعمق لما يجري، وطلبًا لوعي متقدّم بما يدور حوله من رهانات إقليمية ودولية.
مع بداية المعركة وتحقيق المقاومة انتصاراً لم تره الأمة العربية والإسلامية منذ 75 عاماً، بدت المواقع والفضائيات العربية، للوهلة الأولى، متقاربة في تغطيتها للأحداث، وانحيازها بشكل واضح للقضيّة الفلسطينية وحقّ الشّعب الفلسطيني في استرجاع أرضه المحتلة، وأنّ ما تقوم به المقاومة هو عمل بطولي ومشروع، ما لبثت هذه التّغطيات لتتغير لدى بعض وسائل الإعلام العربية، وذلك مع بداية دخول جيش الاحتلال المعركة، وقصفه بشكل هستري قطاع غزة.
وإذا كان الإعلام الغربيّ في أعمّه الأغلب يظهر انحيازًا مفضوحًا للرواية الإسرائيلية، جاعلًا من هجوم حماس إرهابا، ويردّد ذلك في كل مادّة خبرية أو نقاش، فإنّ الخطاب الإعلامي العربي بدا مشتّتاً بفعل التبعية السّياسية لهذا الطرف أو ذاك.
من قناة إلى أخرى، ومن موقع لآخر، تتصدر أخبار “طوفان الأقصى” الواجهة، وإذا كانت المفاجأة الميدانية المذهلة التي أنجزتها كتائب القسام قد فرضت نفسها على الأيام الأولى، فلم يكن من بدّ سوى رصد مظاهر تلك العملية العسكرية غير المسبوقة، إلا أنّ الاختلافات بدأت تطفو على السّطح، وقسمت التّغطيات الإعلامية فكان منها المشهود له بمعاضدة الجهد العسكري، وتحشيد الدّعم الجماهيري، مثل قنوات: الأقصى، والمنار، وفلسطين اليوم، والميادين وغيرها، إلاّ أنّ تلك القنوات واجهت محاولات لإسكاتها على اعتبار أنّها صوت لما يعتبره الاحتلال وكل الدّول المتحالفة معها تنظيمات إرهابية لا حقّ لها في الوجود أصلًا، فتم إلغاء تردّد قناة الأقصى عن قمر نايل سات مع بداية المعركة، ولاحقا قبل عدّة أيام تم غلق مكتب الميادين في فلسطين المحتلّة وتمّ حجب موقعها الإخباري ومنصّاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأراضي المحتلّة.
في حين، ظهرت قنوات أخرى تزجّ السمّ في الدسم، وتستضيف مسؤولين بالكيان الصّهيوني، متحجّجة بالمهنية والموضوعية، وتعطي الرّواية الصّهيونية أهميّة وتعرضها على شاشاتها، متناسية أنّ من تستضيفه من الكيان هو محتل لأرض عربية، وأنّ المقاومة تقوم بواجبها بالدّفاع عن أرضها، ويجب على تلك القنوات دعم الشّعب الفلسطيني بكلّ الوسائل المتاحة والممكنة، لتقرير مصيره وتحرير أرضه، وأنَّ الكيان الصهيوني هو العدوّ الإستراتيجي الأوَّل لكلّ الدّول العربية.
إلاّ أنّ شاشات تتبع دولًا سارت في اتجاه التطبيع، معترفة بالاحتلال ومحتفية بالعلاقات المتنامية معه، انصبَّت التغطية عندها على العمليَّة العسكرية ضد غزة، أكثر بكثير مما اهتمت بالزلزال العسكري والسّياسي الذي خلّفه هجوم كتائب القسام على مستوطنات غِلاف غزة، بل وصفت ما قامت به حماس بجرائم الحرب، في حين لم تدن أفعال الاحتلال، بل بعضها تجاوز الأمر ليصف المقاومة في فلسطين بـ”المجرمة”، وظهر جليّاً تحيّزها للاحتلال ورغبتها بالقضاء على المقاومة الفلسطينية.
مع التّطور التّكنولوجي وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح المواطن العربي لا يعوّل كثيراً على القنوات العربية، وخاصة تلك المنحازة للاحتلال الصهيوني، فأصبح لديه بدائل كثيرة، فلجأ لاستسقاء الأخبار والمعلومات من خلال “السوشال ميديا”، ومتابعة الأخبار من مصادرها مباشرة، كمتابعة قنوات كتائب القسّام والنّاطق باسمها عبر تطبيق “تلغرام” الروسي، كونه لا يقوم بحجب تلك القنوات، بل تعدّى الأمر ذلك وأصبح يهاجم تلك القنوات التي تنحاز للاحتلال ويفضحها على مواقع التواصل.
وأصبح لدى المواطن العربي وعي، حيث بدأ القيام بحملات لتكثيف البثّ الإعلاميّ والتغطية المفتوحة والمباشرة عبر كلّ الوسائل الإعلاميّة الممكنة، وعبر كلّ الحسابات الشخصية لكل المؤمنين بقيم الحُرية والكرامة والعدالة الإنسانية، بمختلف الصور الداعمة للقضية الفلسطينية، وبدأ نشطاء العمل على التّشبيك والتّواصل مع المؤسسات الإعلامية الدّولية، وخاصة تلك الموجودة في الولايات المتّحدة والدّول الأوروبية، ومدّها بالمعلومات والحقائق الميدانية عن الانتهاكات التي تمارسها قوّات الاحتلال الإسرائيلي، فبدأ بتغيير الرّأي العام، وتبدّلت آراء بعض القنوات والصّحفيين الغربيين، بل قام بعضهم بالاعتذار عن بثّه روايات مكذوبة كانت تصبّ في مصلحة الاحتلال.
اتجاهات خطاب وسائل الإعلام العربية في التعاطي مع طوفان الأقصى..
مساهمة بقلم: الباحث في علوم الإعلام والاتصال الدكتور نصرالدين مهداوي
لما نتحدّث عن قضية تغطية الإعلام العربي للعدوان الإسرائيلي على غزّة نجد بعض القنوات العربية حيادية، ونقلها للوقائع كما هي سواء ما تعلّق بتغطية اقتحام حركة حمس وفصائل القسام بعض المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأخذهم أسرى، ومن زاوية أخرى قامت بتغطية تطوّرات العدوان بعد أن تم قصف بعض الغرات من الضّفة الجنوبية، وبعض القنوات العربية انحازت كليا في تغطياتها للقضية الفلسطينية مساندة لها وبعض القنوات العربية الأخرى تحفّظت في تغطياتها ويبقى الوتر الذي يلعب هنا هي قضية التّطبيع التي أصبحت هي المؤثر الفاعل في الخط الافتتاحي للمؤسسات الإعلامية.
وتجد تحيّزات إعلامية، صريحة وإيحائية، فرصا أعلى للتّمادي في بيئات انغلقت على رواية داعمة للاحتلال، ففي بعض بلدان وسط أوروبا وشرقها مثلا تتطابق مضامين التّغطيات تقليدياً مع سرديات الدّعاية الإسرائيلية.
منذ شنّت المقاومة هجومها الأول ضمن معركة “طوفان الأقصى” بدأت معه معركة أخرى في الفضاءات الإعلامية والإلكترونية، وهي معركة الخطابات وحرب السرديات، وكان من الغريب أن تنتقل تلك المعركة إلى الأوساط “العربية-العربية”؛ إذ يشهد الخطاب العربي تجاه القضية الفلسطينية والمقاومة حالة من الاختراق الصّهيوني المتزامن مع والسّابق لموجة التطبيع من بعض الدّول العربية ضمن موجة التّطبيع الثالثة.
ومما يسترعي ويستدعي التوقّف عند طبيعة تحولات ذلك الخطاب وسردياته رصد التغطية الإعلامية العربية لعمليَّة “طوفان الأقصى”، وأهم مستجداتها ضمن تغطيتها لقضية طالما وُصِفت بكونها قضية الأمّة الأولى، ويستدعي المنطق أن يكون الإعلام العربي على قلب رجل واحد في تغطية المستجدات الميدانية والسياسية والإنسانية للقضية الفلسطينية، وتقديم تغطية إعلامية عربية إسلامية تدعم سردية مقاومة الاحتلال، وفضح جرائمه وانتهاكاته بحقّ الفلسطينيين؛ إلا أنّ ذلك تغير جزئيا على نحو ما تغيرت معه الاتجاهات الإعلامية في ظل الموجة الجديدة من التطبيع.
ولكن هذه الموجة جاءت مختلفة عن سابقتيها متجاوزة لدول الطوق، ومع دول لم تشهد حالة حرب مع الكيان الإسرائيلي، كما أنّها جاءت مختلفة في اتجاهاتها الإعلامية التي هيمن عليها التّحامل على المقاومة والتحرّز من مهاجمة الاحتلال أو التحرّز من تغطية أعمال وخطاب المقاومة، وهذا ما سيتّضح من خلال عملية الرّصد التي يقدّمها هذ التقرير وتأثير التحولات العربية تجاه القضية الفلسطينية والتطبيع مع الاحتلال على تناول معركة طوفان الأقصى ومستجداتها إعلاميًا.
ولما نتحدث عن اتجاهات المشهد الإعلامي العربي ، وعند تناول تغطية الإعلام العربي لمعركة “طوفان الأقصى”، من المهم فرز وتصنيف المادة الإعلامية العربية وما تستبطنه من سرديات نحو القضية الفلسطينية عمومًا والمقاومة خصوصا للانتباه لطبيعة تلك التغطية وسرديتها، ويمكن تقسيم اتجاهات المشهد الإعلامي العربي إلى أربعة اتجاهات رئيسية إعلام المقاومة التي تستدعي من خلية إعلام المقاومة القيام بحملات إعلامية غرضها موجهة الرّأي العام الدّولي تنديداً بسياسات العدو الغاشم وصمود المقاومة الثّائر بخطابات قوية موجهة كأداة إعلامية للضّغط على العدوان الإسرائيلي لتحرير رقاب الأسرى الفلسطينيين التراجع في إطلاق النار.
أمّا الاتجاه الثاني، فهو إعلام عربي داعم للمقاومة والقضية الفلسطينية الذي يعمل على تكثيف تغطياته الإعلامية للتأثير عن الدّول العربية المتحفّظة بعدم الانحياز في تنوير المشهد الحقيقي للعدوان للتحرّك لتبنّي القضية وتحمّل المسؤولية الإعلامية والنزاهة الكاملة في الدّفاع عن الثورة الفلسطينية ، باعتبارها ثورة عقائدية عرقية معبرة عن انبهارها بصمود المقاومة والشعب الفلسطيني بطوفان الأقصى وتنوير الرّأي العام الدّولي بالجرائم الشّنعاء التي يقوم بها العدو الإسرائيلي في حقّ الأبرياء الأطفال والنّساء والمستضعفين.
واتجاه ثالث إعلام عربي متحفّظ مطبّع بحكم الاتفاق الدبلوماسي الذي يجمعه مع العدو لحماية استقرار مصالحه الشخصية النظامية والاقتصادية والجيواستراتيجية، رفض تبني المسؤولية لتغطية مشهد الأحداث والوقائع، متكتما عن الأمر بأن الصّراع يتجاوز شؤوننا الدّولية لكن في الأصح أنّ الصّراع يتجاوز صلاحياتنا في حدود العلاقات المتينة التي تربطنا مع الكيان.
الكاتبة والإعلامية بسمة لبوخ لـ”الأيام نيوز”:
“صمود ومقاومة الشّعب الفلسطيني أخرجا الإعلام المطبّع والانتقائي عن سياق الأحداث”
تعتقد الكاتبة والإعلامية بسمة لبوخ أنّ “صمود ومقاومة الشّعب الفلسطيني دفعا الإعلام الغربي والعربي المطبع والمنحاز ضدّ الفلسطينيين خارج السّياق والمصداقية، في ظلّ وجود الإعلام البديل وشبكات التواصل الاجتماعي التي يستقي منها المشاهد معلوماته مباشرة من أرض المعركة”.
وأشارت بسمة لبوخ، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، إلى أنّ “فظاعة الانتهاكات والمجازر والإبادة الجماعية التي نقلها الإعلام البديل وشبكات التواصل الاجتماعي قد عرّت كل ممارسات الاحتلال وجعلت الإعلام التقليدي الانتقائي الذي تجاوزه الزمن والأحداث خارج السّياق “.
وفي الوقت الذي تجاهلت فيه وسائل الإعلام الغربية ، تضيف المتحدثة ذاتها، معايير المهنيّة والحياد في تعاطيها الإعلامي مع حرب غزة -وهي التي طالما تغنّت بالاستقلالية والرّصانة-، ميزت بعض وسائل الإعلام العربية حالة من التيهان والشّرود وبدت كمن يحلب في إناء غيره ويضيف الماء إلى نهر الدّعاية الصهيونية، التي سخرت كل عدداً من وسائل الإعلام العربية لخدمة رواياتها للحرب حتّى بدت وكأنّها إعلام حرب في درجة التّماهي مع الرّواية الإسرائيلية”.
وحسب المتحدّثة ذاتها، فإنّ “هذا التّعاطي الإعلامي قد أظهر صورة الصّراع كأنّه بين طرفين متساويين من حيث القوة والعتاد، بالإضافة إلى التخلّي عن مصطلح الشّهداء واعتماد بدلاً من ذلك “قتلى” في محاولة لاستعطاف المشاهد العربي للقتلى الصّهاينة، مع محاولة تغييب شبه تام لوجهة نظر المقاومة، بل ووضعها في دائرة الاتّهام وتحميلها مسؤولية كل ما يحدث”.
وفي السّياق ذاته، ندّدت الكاتبة والإعلامية ذاتها، بسمة لبوخ، “بسلوك غير عادي من بعض القنوات العربية، في استضافتها مسؤولين إسرائيليين والتّرويج لروايتهم وتصريحاتهم التي تتهم المقاومة الفلسطينية بأنّها “حركة إرهابية”، مع تغييب شبه تام لوجهة نظر الفلسطينيين”.