صنعت سوريا الحدث في افتتاح كأس أمم العرب الجارية بدولة قطر، حيث حقّقت الجمهورية العربية السورية “انتصارًا كبيرًا” على من خطّطوا لتفكيكها منذ عقد عبر خراب الحرب، قبل أن تنجح دمشق في العودة واحدة متوحّدة.
يبرز واضحًا أنّ مشاركة المنتخب السوري تتعدى نطاقها الرياضي، ويحيل حضور منتخب “نسور قاسيون” على حزمة رسائل سياسية قوية، حيث شهد حفل افتتاح “مونديال العرب” بالدوحة، عزف وأداء النشيد الرسمي السوري في فقرة شارك بها ثلاثة مغنيين عرب مع ظهور العلم السوري على أرضية الملعب كاملةً، وجرى رفض ادخال علم المعارضة، فيما شارك الممثل السوري “فايز قزق” في مراسم الافتتاح بتقمصه شخصية “جحا” في عرض تمثيلي.
وأتى ما تقدّم، ليشي بمتغيّر في التموقع العام، بعدما علّقت الجامعة العربية عضوية سوريا في الثاني عشر أكتوبر/ تشرين الأول 2011، ودعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، وربطت رفع التعلق بما سمته آنذاك “تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين”.
وتمكّنت الدولة السورية من استعادة الأمن والاستقرار، إثر ترويج عدّة قوى افتراضات غير واقعية تتناقض رأسًا مع حسم الموقف في سوريا منذ عام 2018، والخيبة التي مُنيت بها أطراف ظلّت تراهن لسنوات طويلة على تقسيم أرض تدمر واللاذقية وحمص وحلب وسائر محافظات بلاد الشام.
نحو عودة وشيكة إلى الحضن العربي
قبيل أربعة أشهر عن القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر في مارس/آذار القادم، تتجّه سوريا للعودة إلى الحضن العربي، مدعومة بمساعٍ واسعة لاستعادة “مقعدها المعلّق”، وسط استمرار الممانعة القطرية، في مقابل التقارب السوري الإماراتي عقب زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق قبل أسابيع، في مؤشر واضح على زخم استعادة العلاقات، وسط قناعة متزايدة باستعادة السلم في سوريا وبدء جهود إعادة الإعمار، رغم “الفيتو” الأمريكي، واستصدار واشنطن لـ “قانون قيصر” المثير للجدل بحر العام الماضي، بعدما تأكدت الإدارة الأمريكية زمن، دونالد ترامب، أنّ سيناريو تفكيك سوريا صار “معدومًا” بالكامل.
وبدأت الولايات المتحدة في 17 يونيو/جوان 2020 بتطبيق “قانون قيصر” الذي تم بموجبه فرض عقوبات على 39 شخصية وكيانا على صلة بالسلطات السورية، بينهم رئيس البلاد، بشار الأسد، وعقيلته، أسماء الأسد.
وتستهدف هذه العقوبات القطاعات الأساسية للاقتصاد السوري وسلطات البلاد والجهات الداخلية والخارجية التي تدعم العمليات العسكرية للحكومة، وذلك في الوقت الذي تستولي فيه الولايات المتحدة على مجموعة من أكبر الحقول النفطية السورية وتسعى إلى منع استعادة دمشق السيطرة عليها.
وتظهر تجربة السنوات الماضية أن الأسد لم يرضخ للضغوط الخارجية ولم يقدم تنازلات سياسية بغية تأهلية دوليا. كما أنه لم يقدم أي تنازل لخصومه ومعارضيه في الداخل والخارج حتى عندما كانت الكيانات الارهابية تهدد دمشق فما بالك عندما باتت هذه المعارضة تعيش حصرا تحت الحماية والرعاية التركية.
وأكد وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في العاشر نوفمبر/ تشرين الثاني الأخير، أنّه “حان الوقت لعودة سوريا إلى حظيرة الجامعة العربية”، وأتى ذلك بُعيد إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن احتضان بلاده القمة العربية في مارس/آذار 2022.
وثمّن لعمامرة زيارة وزير الخارجية الاماراتي إلى دمشق، واعتبرها “مساهمة إيجابية” للمّ الشمل، كما أبرز أنّ مقعد الدولة السورية يجب أن يعود إليها، دون التدخل في شؤونها الداخلية، ومن هذا المنطلق، بارك لعمامرة زيارة وزير خارجية الإمارات العربية إلى دمشق، وأعرب عن أمله في أن تساهم الزيارة “مساهمة إيجابية في تذليل العقبات في العلاقات بين سوريا ودولاً عربية أخرى”.
وأوضح قائد الدبلوماسية الجزائرية أنه “لا يجب التدخل في من يحكم سوريا، ولا في التطورات التي تمرّ بها، وقلنا مرارًا وتكرارًا أنّ الجزائر لم توافق أصلاً على تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، ولا نعتقد أنه ساهم في تحسين الأوضاع، وإنّما حصل ما حصل”.
وأضاف: “نحن الآن ننظر إلى المستقبل ونتطلع الى خطوات طموحة إذا أمكن، وإن استطعنا أن نساهم في بناء توافق حول القضية السورية وتمثيل سوريا في الجامعة العربية، ومباركة كل الخطوات التي ترمي إلى خلق الجو الجديد والجهد الرامي إلى جمع الشمل”.
وتعوّل الجزائر على بناء توافق بين الدول العربية حول إعادة إدماج سوريا في الجامعة، وذاك غير مفصول عن رؤيتها بشأن التخفيف من الخلافات بين عدد من الدول العربية، وبلورة مفهوم واقعي وبناء للعمل العربي المشترك والتعايش بين التوجهات والأفكار ووجهات النظر المختلفة بحكم أن ّكل دولة من الدول أصبحت لها أولوياتها واهتماماتها التي لا تنطبق بالضرورة مع الغير”.
واللافت أنّ الفترة الماضية شهدت إعادة عدّة دول عربية علاقاتها مع دمشق بحكم مصالح جيوسياسية واقتصادية بالغة الأهمية، في صورة مصر والبحرين والأردن والإمارات، على وقع أنباء عن التحاق السعودية بالركب، بينما وقفت معظم الدول العربية في شمال إفريقيا والعراق وسلطنة عمان ودول أخرى بجانب سوريا، كما أعلنت دول أوروبية عديدة نواياها لإعادة فتح سفاراتها هناك، غداة “تبخّر رهان عزل دمشق سياسيًا واقتصاديًا”.
وتبقى المرحلة القليلة القادمة كفيلة بتعميق الدور السوري في محيطه العربي والإقليمي.