تستمر الجزائر بلا هوادة في دعوتها المجتمع الدولي إلى التحرك لوقف إطلاق النار واتخاذ إجراءات رادعة ضد الاحتلال الصهيوني، مع التأكيد على ضرورة المساءلة والمحاسبة وضمان حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وبالتوازي مع ذلك، تواصل الجزائر تسليط الضوء على ملف القضية الصحراوية، مشدّدة على ضرورة تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، والتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان ضد الشعب الصحراوي، ومحاولات ترسيخ الاحتلال كأمر واقع، داعية المجتمع الدولي إلى الالتزام بالقانون الدولي.
جاء ذلك في مداخلة المندوب الدائم للجزائر لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف، رشيد بلادهان، في الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان، خلال النقاش العام في إطار البند الثاني من جدول الأعمال حول تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان. وأكد بلادهان أن “الجزائر تندد بجرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني، في ظل صمت دولي مخجل، بالرغم من وجاهة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي أقر، لاسيما، بارتكاب الاحتلال الإسرائيلي لجرائم الفصل العنصري”.
وفي هذا الإطار، يضيف الدبلوماسي، “تطالب الجزائر بتحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار واتخاذ تدابير ردعية ضد الاحتلال الإسرائيلي وضمان المساءلة والمحاسبة، والعمل على إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية وبقية الأراضي العربية الأخرى، وضمان حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”.
ومن جهة أخرى، أكد بلادهان أن الجزائر تواصل الإصلاحات السياسية والاقتصادية لـ”ترسيخ الطبيعة الديمقراطية والمرنة للجزائر الجديدة، الهادفة إلى تعزيز سيادة القانون واستقلالية العدالة ومكافحة الفساد وعصرنة الإدارة العامة وتفعيل مجتمع مدني حر ومسؤول”.
وتكريساً لهذه الطبيعة -يضيف المسؤول ذاته- “نظمت الجزائر يوم السابع من سبتمبر الجاري الانتخابات الرئاسية، والتي سترفع نتائجها الأولية إلى المحكمة الدستورية للمصادقة عليها، وفقاً للتشريع الانتخابي المعمول به”.
وفي حين ثمّن الدبلوماسي التعاون القائم بين الجزائر ومكتب المفوضية، عبّر عن مشاطرته مخاوف مسؤوليها بشأن انتشار خطاب الكراهية والتمييز ضد النساء، في الفضاء السيبراني وخارجه.
وفي هذا السياق، قال بلادهان: “إننا ندين حملات الكراهية والتضليل المسعورة التي تعرضت لها البطلة الجزائرية إيمان خليف خلال الألعاب الأولمبية الأخيرة، والتي تتعارض مع القيم الإنسانية والرياضية”.
وبخصوص القضية الصحراوية، قال بلادهان إن “الجزائر تعرب عن قلقها العميق إزاء انسداد العملية السياسية لتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، وانتهاكات حقوق الإنسان بحق الشعب الصحراوي، وكذلك محاولة تكريس الاحتلال كسياسة أمر واقع”، داعياً الدول إلى الالتزام بالقانون الدولي.
كما ذكر أن قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار، وأن “هذا الإقليم يبقى، حسب القانون الدولي، تحت ولاية الأمم المتحدة، ويقع بالضرورة تحت ولاية المفوضية السامية في الشق المتعلق بحقوق الإنسان”، داعياً مكتب المفوضية إلى مراقبة وتوثيق والإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان في هذه المنطقة.
وفي هذا الإطار، أكد رشيد بلادهان حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير مصيره وإنهاء الاحتلال، داعياً مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى إيفاد بعثة مراقبة لحقوق الإنسان واستئناف البعثات الفنية للصحراء الغربية المحتلة وتنفيذ برامج تعاون تقني مع جبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، وفق ما نصت عليه الفقرتان 8 و22 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 74/95.
واستجابة للطرح الجزائري، دعا المشاركون في ندوة لـ”مجموعة جنيف” للدول الداعمة للصحراء الغربية المنعقدة بجنيف إلى ضرورة تسريع مسار تسوية الاحتلال العسكري المستمر في كل من الصحراء الغربية والأراضي الفلسطينية، على أساس القانون والشرعية الدولية، محذرة من “خطورة” استمرار الوضع المتفجر الحالي بالإقليمين بسبب سياسات القمع والعدوان والإبادة التي تنتهجا قوتا الاحتلال، المملكة المغربية والكيان الصهيوني.
وخلال الندوة المنظمة في إطار أشغال الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حول “الاحتلال وتقرير المصير في فلسطين والصحراء الغربية”، أكد المتحدث باسم رئاسة المجموعة، سفير جنوب إفريقيا، مشولوسي انكوسي، أنه “وانطلاقا من التطابق بين كفاحي الشعبين، فان مجموعة جنيف للصحراء الغربية تعتبر نفسها مجموعة لدعم فلسطين أيضا”، مضيفا أن المجموعة “عازمة على مواصلة المرافعة من أجل القضيتين بنفس العزم إلى غاية تمكين الشعبين من حقهما غير القابل للتصرف في الاستقلال”.
أما أستاذ القانون الدولي الاسباني خوان سورويتا، فذكر بالمسار التاريخي للاحتلالين الصهيوني لدولة فلسطين والمغربي للصحراء الغربية، مبرزا خرق كل منهما للقانون الدولي وللقانون الدولي الإنساني، في جملة من القضايا المتعلقة بتقرير المصير وانتهاك حقوق الإنسان ورفض تطبيق القرارات الدولية.
كما تطرق محامي جبهة البوليساريو، مانويل ديفير، إلى مختلف نقاط التشابه بين القضيتين ومظاهر التمرد والغطرسة التي تمارسهما قوتا الاحتلال المغرب والكيان الصهيوني والتي تتأسس على “الرغبة في إبادة الشعبين والقضاء عليهما كشرط ضروري لاستكمال الاحتلال العسكري للإقليمين”.
كما توقف المحامي بالتفصيل عند “نهب ثروات الإقليمين من طرف المغرب والكيان الصهيوني بالشراكة مع قوى دولية”، معددا جوانب ذلك النهب بالأرقام ليخلص إلى أن “الكيان الصهيوني والمغرب لم يتمكنا من مواصلة احتلال الصحراء الغربية وفلسطين لولا النهب المحموم لمقدرات وثروات البلدين”.
ممثل جبهة البوليساريو بسويسرا ولدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف، السفير أبي بشراي البشير، أكد في مداخلة له أن الظرف الدولي الذي يمر به نضال الشعبين الصحراوي والفلسطيني “يجعل من تنظيم الندوة تحت هذا العنوان الآن مبادرة هامة وفي الوقت المناسب”.
وفصل أبي، في مداخلته، نقاط التشابه بين القضيتين (الصحراوية والفلسطينية)، حاصرا إياها في ثماني نقاط رئيسة، منها الاحتلال العسكري بناء على إدعاء حقوق تاريخية ودينية وتحديد الأمم المتحدة للممثلين الشرعيين للشعبين الصحراوي (جبهة البوليساريو) والشعب الفلسطيني (منظمة التحرير الفلسطينية)، إلى جانب لجوء الاحتلالين إلى الاستيطان وبناء جدارا الفصل العسكريين..
ودعا الدبلوماسي الصحراوي إلى “ضرورة تكثيف الجهود لنصرة الشعبين في هذا الشوط الحاسم من نضالهما الوطني بناء على القانون الدولي والحق الثابت للشعبين في تقرير المصير والاستقلال، وتجاوز حالة الاحتقان التي تمر بها المنطقة سواء في الشرق الأوسط بسبب العدوان الصهيوني المستمر على الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو في شمال إفريقيا بسبب انهيار وقف إطلاق النار إثر خرق المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار والعودة إلى الكفاح المسلح”.
من جهتها، استعرضت المحامية والخبيرة القانونية الفلسطينية رانيا ماضي، مأساة الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية على ضوء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني، مؤكدة أن “الوقت قد حان للقضاء على الاحتلال وتمكين الشعوب من حقوقها الثابتة في تقرير المصير والاستقلال وأن الجميع مطالب بلعب دور في هذا الميدان لإنهاء معاناة الشعوب المستعمرة”.
جدير بالذكر أن الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والتي بدأت أشغالها يوم الاثنين، ستستمر إلى غاية 12 أكتوبر المقبل حيث ستشهد العديد من الأنشطة والمداخلات المؤيدة للقضية الصحراوية والمطالبة بتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته إزاء الصحراء الغربية وشعبها الذي يتعرض للقمع بشكل يومي من طرف سلطات الاحتلال المغربية.