كلمةٌ قالها بايدن وأرعبت الغرب.. “هرمجدون” أو الطريق إلى نهاية العالم

“لطالما رفضتُ الانخراطَ في الخيال السياسي، وخاصة عندما يدور الحديث عن الأسلحة النووية.. في هذه المسألة يجب أن نكون حذرين للغاية”، تصريحٌ أطلقَه الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، أمام قمة الاتحاد الأوروبي في العاصمة التشيكية “براغ”، يوم الخميس الماضي 07 أكتوبر / تشرين الأول.

اعتبر المُحلّلون بأن تصريح “ماكرون” هو بداية الشّرخ في كيان الاتحاد الأوروبي، وأيضا، هو انتقادٌ لتصريحات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” حول “هرمجدون النووية” أو حرب “نهاية العالم” التي قد يبدأها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”. وقد كتبت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، بأنه خلال حفل لجمع تبرعات للحزب الديمقراطي يوم الخميس الماضي، أطلق الرئيس الأمريكي “تصريحات مرتجلة”، جاء فيها “بوتين لا يمزح عندما يتحدث عن الاستخدام المحتمل لأسلحة نووية تكتيكية أو أسلحة بيولوجية أو كيميائية. لا تنخدع بفكرة أن الأسلحة التكتيكية الصغيرة ليست تهديدا كبيرا للعالم. لا أعتقد أن هناك شيئا مثل القدرة على سهولة استخدام سلاح نووي تكتيكي، ولا ينتهي به الأمر مع هرمجدون”.

هرمجدون” على لسان بايدن.. مُجرّد تعبير عن قلق

المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، خلال مؤتمر صحفي لها يوم الجمعة الماضي، علّقت على استخدام “بايدن” لكلمة “هرمجدون” في معرض حديثه عن خطر استخدام الأسلحة النووية، حيث قالت: “الرئيس كان يتحدث عن القلق إزاء تهديدات بوتين باستخدام الأسلحة النووية، مثلما تحدث عنه أثناء الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومثلما قمنا به خلال الأسابيع الأخيرة”.

هرمجدون”.. المعنى والتاريخ

للإشارة، “هرمجدون” هي المنطقة التي ستشهد معركة “نهاية العالم” أو المعركة الأخيرة الفاصلة ما بين قوى الخير والشر، وفق المُعتقدات النصرانية واليهودية. وهي كلمة عبرية مُركبّة “هار مجدو”، وتعني “جبل مجدو”، وتُعرف الآن باسم (تل المتسلم)، ويعتقد “إريك كلين”، أستاذ اللغات والحضارة الكلاسيكية وحضارة الشرق الأدنى بجامعة جورج واشنطن، بأن “هرمجدون” هي “محلّ النبوءة القديمة، وفيها بقايا ما لا يقل عن 20 مدينة قديمة”. وهي تقع في مرج “ابن عامر” على بعد 20 ميلاً جنوب شرق حيفا، وعلى بعد 15 ميلاً من شاطئ البحر المتوسط.

النهاية العظمى لكوكب الأرض

الكاتب الأمريكي الصهيوني المسيحي، هارولد لي ليندسي، قال في كتابه “النهاية العظمى لكوكب الأرض”، “هناك في تاريخ الكتاب المقدس معارك دامية لا تُعد، دارت رحاها بهذه المنطقة (هرمجدون) ويقال: إن نابليون قد وقف بهضبة مجدو ناظراً إلى الوادي متذكراً هذه النبوءة وقال: جميع جيوش العالم باستطاعتها أن تتدرب على المناورات للمعركة التي ستقع هنا”.

آخر المعارك البشرية.. معركةٌ دينيةٌ

أما الكاتب البهائي “كارلوتا جيزن”، فقد ربط بين الأحداث الراهنة في الساحة الدولية منذ 1991 وهذه معركة هرمجدون، حيث قال في كتابه “معركة هرمجدون وتأسيس مملكة الرب في التوراة والإنجيل” بأن هرمجدون “هي معركة دينية بين (الإسرائيليين) والمسيحيين والمسلمين، والأحداث التي تدور في العالم وبصفة خاصة منذ عام 1991 تمهد المسرح الدولي لمعركة هرمجدون، كما أن المسائل والقضايا الراهنة تشير بوضوح إلى أن هذه المعركة ستحدث عن قريب”.

المجلس البهائي.. محكمةٌ عالميةٌ

في موقع آخر من الكتاب، يقول “كارلوتا جيزن” بأنه “بعد انتهاء معركة هرمجدون، معركة آخر الزمان، سيدخل هذا المجلس (المجلس البهائي الدولي الثاني) الذي أُسس في كانون ثاني (جانفي / يناير) 1991، مرحلة جديدة كمحكمة عالمية، وفي هذا الحين ستصبح الدول الوحوش الأربعة وهي: (إنجلترا ـ فرنسا ـ روسيا ـ الولايات المتحدة)، وهي أولى الدول البهائية، وعندما تعتنق جميع دول العالم المذهب البهائي، ستتولد محكمة الرب من جديد في هذا العالم”. ولسنا ندري إن كانت هناك علاقة، من الناحية الزمنية المرتبطة بالشهر الأول من العام، بين رؤية “كارلوتا” وبين عملية “درع الصحراء” التي امتدت من 7 أوت / أغسطس 1990 إلى 17 جانفي / يناير 1991)، ثم عملية عاصفة الصحراء من 17 يناير إلى 28 فبراير 1991، التي شنّتها ضد العراق، قواتُ التحالف المُكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحت رئاسة “جورج دبليو بوش” (يؤمن بمعركة هرمجدون).

هرمجدون.. استثمار سياسي لإرضاء الصهيونية

في السياق نفسه، يعتقد المُحلّلون بأن السياسيين الغربيين يستثمرون “هرمجدون”، بتفسيرها اليهودي، “تنفيذاً لمآرب الصهيونية العالمية وإرضاءً لدولة (إسرائيل العنصرية)”. وفي هذا، تقول الكاتبة الأمريكية “جريس هالسل” في كتابها “النبوءة والسياسة” بأن “النبوءات التوراتية تحولت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم، ومن بينهم أناس يُرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وكلهم يعتقدون قرب نهاية العالم ووقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة، باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء المسيح”. ويُذكر أن الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان” قال، سنة 1980، في تصريح تلفزيوني: “إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون”. وفي تصريح آخر، قال: “هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون”.

هرمجدون.. حتى منظمة حقوق الإنسان تحدّثت عنها

ومن الطريف ما جاء في تقرير لمنظمة حقوق الإنسان صدر في قبرص عام 1990، بأنه: “توجد هيئات وجمعيات سياسية وأصولية في الولايات المتحدة وكل دول العالم تتفق في أن نهاية العالم قد اقتربت، وأننا نعيش الآن في الأيام الأخيرة التي ستقع فيها معركة هرمجدون، وهي المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقيام العالم بشن حرب ضد (إسرائيل)، وبعد أن ينهزم اليهود، يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النصر، ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام يعيش العالم في حب وسلام كاملين”.

ريغان وبوش.. من السابقين

إذًا، استخدام الرئيس الأمريكي “بايدن” لكلمة “هرمجدون” في تصريحه، لم يكن ارتجاليا، بل هو تعبيرٌ عن العقيدة “الصهيونية المسيحية” التي يؤمن بها، وآمن بها رؤساء أمريكيون آخرون مثل: ريغان وبوش. وفي هذا السياق، يُمكن أن نفهم بأن “بايدن” يرى واشنطن ومن يتحالف معها، تُمثّل قوى الخير، بينما موسكو ومن يتحالف معها تُمثّل قوى الشّر.

لماذا يخاطرون بأوروبا لدعم نظام كييف؟

ليس هناك ما يُبرّر “تبعية” دول الاتحاد الأوروبي للخط الأمريكي في الإصرار على دعم النظام الأوكراني عسكريا، رغم التبعات الكبرى التي تتحمّلها الشعوب الأوروبية خاصة، وتتجلّى في أزمات الطاقة وارتفاع الأسعار.. وتُنذر باضطرابات مجتمعية كبرى، قد تضطر فيها الأنظمة الأوروبية إلى “التنازل” عن ديمقراطيتها، لتواجه الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية بشيء من العنف والقوة، وفق ما ذهبت إليه تحليلاتٌ سياسية واقتصادية، وحتى عسكرية ترى بأن الحرب الروسية الأوكرانية محسونةٌ لموسكو، والاستمرار في دعمها يندرج في إطار مُخطط غير مُعلن قد يقود العالم إلى “حرب نووية”. ولكنه في سياق تصريح الرئيس الأمريكي حول “هرمجدون”، يُمكن إيجاد التبرير لإصرار دول الاتحاد الأوروبي على دعم نظام “كييف”، رغم كل التّبعات بالغة التأثير التي تتحمّلها الشعوب الأوروبية.

تصريح بايدن فاجأ الإدارة الأمريكية

يُذكر أن شبكة “سي إن إن” نقلت عن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية بأن تصريحات “جو بايدن” حول التهديد النووي الروسي فاجأت مسؤولين أمريكيين من مختلف القطاعات، وأوضح بأنه “لا توجد مؤشرات واضحة على تصعيد التهديد من روسيا”، وأضاف بأنه “لم يتم اكتشاف أي شيء يعكس تصعيدا”.

ذُعرٌ أمريكي من كلمة “هرمجدون

من جانبها انتقدت المعلقة السياسية الأمريكية “ميغان ماكين” تصريحات “بايدن”، ونشرت مقالا في صحيفة “ديلي ميل”، جاء فيه “أوه، هذا أمر عظيم. إذن ما الذي يفترض أن يفعله الأمريكيون العاديون بحق الشيطان؟”، وأوضحت بأن تصريح “بايدن” حول هرمجدون “أثار بالفعل حالة ذعر في الولايات المتحدة، ودفع السكان إلى شراء أقراص اليود بالبوتاسيوم على نطاق واسع”، وأضافت بأنه “إما أن بايدن عن قصد وبدون داع يخيف أمريكا والعالم بأسره، أو أنه يفعل ذلك عن غير قصد. على أية حال، كلا الخيارين يثيران الرعب”.

بوتين.. لم يعد سرًّا الحديثُ عن تدمير روسيا بالكامل

للإشارة، أوضح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، في الكلمة التي دعا فيها إلى تعبئة جزئية في الجيش الروسي، بأن “الحديث لا يدور حول دعم الغرب لأوكرانيا في قصف محطة الطاقة النووية في زابوروجيه، الذي يهدد بكارثة نووية، وإنما يخص بعض التصريحات من مسؤولين رفيعي المستوى في بعض دول الناتو، حول إمكانية وقبول استخدام سلاح الدمار الشامل ضد روسيا”. وأضاف بأنه “لم يعد سرا الحديث عن تدمير روسيا بالكامل في ساحة المعركة باستخدام كل الوسائل الممكنة، بما يتبع ذلك من تداعيات لنزع سيادتها السياسية والاقتصادية والثقافية وكل أشكال السيادة، والنهب الكامل لبلادنا”. ثم حذّر الرئيس الروسي قائلا: “أولئك الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية يجب أن يعلموا أن الرياح قد تنعكس وتهُبّ في اتجاههم”.

ماكرون يرفض الانخراط في “الخيال السياسي

بالعودة إلى التصريح الذي قال فيه ماكرون “لطالما رفضتُ الانخراطَ في الخيال السياسي”، واعتبره المُحلّلون انتقادا للرئيس الأمريكي، يُمكن أن نفهم بأن “الخيال” المقصود ليس سياسيا، بل هو يستند إلى عقيدة دينية، قد يكون الرئيس الفرنسي غير مُؤمن بها، وقد يكون تصريحه تحذيرا بعدم “فضح” الأبعاد الخفية لدعم النظام الأوكراني، التي تتعلّق بمعركة هرمجدون. وفي هذا السياق يُمكن أن نفهم لماذا يُمثّل تصريح ماكرون بداية الشّرخ في كيان الاتحاد الأوروبي، فالأمر لا يتعلّق بخلاف حول مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا، أو ما يُعتبر الطريق إلى هرمجدون، ولكنه يتعلّق بتأمين الطاقة والغذاء.. ووفق الرؤية الأوروبية وليس الأمريكية.

محمد ياسين رحمة - الجزائر

محمد ياسين رحمة - الجزائر

اقرأ أيضا