وجّه النجم الدولي المغربي، حكيم زياش، صفعة مدوية لنظام بلاده المطبّع والمتواطئ مع الكيان الصهيوني في حربة الإبادية ضد الفلسطينيين، فقد نشر لاعب “غلطة سراي” التركي -عبر حسابه الرسمي على “أنستغرام”- مقطع فيديو مروّعًا يُظهر جنودًا صهاينة على سطح بناية ينكّلون بجثث شهداء، وفي النهاية يلقون بتلك الجثث من الأعلى. ثم ألحقه بستوري آخر عبّر فيه عن استيائه، قائلاً: “منشوري السابق كان موجهًا أيضًا لحكومة بلادنا المغربية التي تساند الإبادة ولجميع الحكومات التي تدعم هذا، عار عليكم… كفى كفى”. كما دعا زياش أبناء وطنه في المغرب وفي أنحاء العالم إلى أن تبقى أصواتهم مرتفعة، مؤكدًا: “أنا معكم… فلسطين حرة”.
وأثارت رسالة اللاعب السابق لأجاكس أمستردام الهولندي وتشيلسي الإنكليزي، جدلاً واسعًا في المغرب، إذ أشارت تقارير إعلامية إلى أنه تعرض لضغوطات شديدة من أجل دفعه إلى سحب منشوره، حتى لا تتأثر مكانته في صفوف المنتخب المغربي. وبالفعل، فإن سلطة المخزن أجبرت زياش على حذف منشوره، بعدما كان قد عبّر عن استيائه الشديد من وقوف بلاده إلى جانب الكيان، مؤكدًا تضامنه العميق مع الشعب الفلسطيني في ظل حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023. وقال: “إلى كل إخواني وأخواتي في المغرب وحول العالم، لا تسكتوا واصرخوا بأعلى صوت (صوتي معكم)… فلسطين حرّة”.
وتسبّبت هذه الرسالة الجريئة في زوبعة كبيرة، خصوصًا بعد استشهاد ثلاثة مقاومين في بلدة قباطية بالقرب من مدينة جنين برصاص الاحتلال، حيث تم توثيق اللحظات المروعة التي تلت مقتلهم، والتي ذكّرت بمشاهد مشابهة من غزة كان قد شاهدها العالم. وقد أثنى العديد من النشطاء المغاربة والعرب على زياش على خلفية موقفه الشجاع ودعمه للشعب الفلسطيني، حيث انتشر منشوره بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي. كما تفاعل العديد من النشطاء مع انتقاداته للحكومة المغربية، التي يشغل فيها فوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، منصب الوزير المنتدب المكلف بالميزانية.
وأظهرت مقاطع مصورة مشهد تنكيل جيش الاحتلال بجثامين 3 شهداء فلسطينيين قتلهم خلال اشتباك مسلح يوم الخميس 19 سبتمبر، في بلدة قباطية قرب مدينة جنين، وإلقائها من سطح منزل كان محاصرا ودارت حوله اشتباكات منذ صباح اليوم ذاته. وإضافة إلى هؤلاء، استشهد فلسطينيان وأصيب 10 بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامه قباطية في ذلك اليوم.
وعقب ذلك حملت جرافة لقوات الاحتلال جثامين الشهداء، فيما أدانت حركة المقاومة الإسلامية –حماس- “المشاهد الوحشية” لإلقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي جثامين الشهداء معتبرة أن الجريمة ستكون وقودا للغضب الشعبي على الاحتلال. وقالت حماس في بيان يوم الخميس 19 سبتمبر، إن الجريمة “تؤكد همجية ووحشية الاحتلال”، وأكدت أن “تمثيل الاحتلال وتنكيله بجثث الشهداء جريمة منكرة يجب إدانتها بشدة من كل الدول والمنظمات الأممية والحقوقية”.
وأضافت “الجرائم الفظيعة بغزة والضفة تمثل انتهاكا صارخا لكل المعايير الإنسانية والقانونية الدولية. الاحتلال الفاشي لا يحتاج الذريعة كي يمارس قتله وجرائمه بحق شعبنا وشعوب المنطقة”. وأكدت أن مشاهد جنود الاحتلال في قباطية “ستكون وقودا لمزيد من الغضب الشعبي والثورة والعمليات الفدائية”.
ورغم أن زياش قام بحذف منشوره الثاني الذي انتقد فيه الحكومة المغربية بعد فترة قصيرة من نشره، إلا أن خطوته قد تجعله محل متابعة وتضييق من سلطة المخزن، وجدير بالذكر أن المدير الفني لمنتخب المغرب، وليد الركراكي (48 عامًا)، سيعلن عن القائمة النهائية لمباراتي أفريقيا الوسطى في الثاني من شهر أكتوبر، قبل الدخول في معسكر تدريبي مغلق بمركز محمد السادس بالرباط، بداية من السابع من الشهر نفسه.
بنكيران: التطبيع لم يعد له مبرر أخلاقي
من جانبه –وبعد صمت طويل- دعا الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي المعارض عبد الإله بنكيران يوم السبت إلى إعادة النظر في اتفاق التطبيع بين بلاده والكيان، معتبرا أنه “لم يعد له مبرر أخلاقي”، وجاء ذلك في كلمة مصورة خلال اجتماع الأمانة العامة لحزبه بالعاصمة الرباط بثتها الصفحة الرسمية للحزب على موقع فيسبوك.
وقال بنكيران -الذي شغل سابقا منصب رئيس الحكومة- إن “الاتفاقات التي تجمع دولتنا بما تسمى إسرائيل لم يعد لها مبرر معقول أو منطقي أو أخلاقي”، وأضاف “لا بد أن يعاد النظر في اتفاقات التطبيع بين المغرب وما تسمى إسرائيل”.
وبشأن الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، قال بنكيران “حتى وإن كان الناس صامتين فإنهم يشعرون بأن هذه الرصاصات اخترقت أجسادهم وأنها قتلت إخوانهم”.
وخلفت الحرب الإسرائيلية على غزة أكثر من 137 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح -معظمهم أطفال ونساء- ونحو 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وبخصوص التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد لبنان، قال بنكيران “نتقدم لإخواننا في لبنان بتعازينا، ونترحم على موتاهم، والمقاومة هناك لا تزال صامدة وثابتة”، وتابع “الحرب يوم لنا ويوم علينا، وفي جميع الأحوال وفي النهاية فإن الأمة التي يطلب أبناؤها الشهادة ستنتصر”.
يُذكر أن المغرب والكيان الصهيوني وقعا اتفاق تطبيع العلاقات بينهما في 10 ديسمبر 2020، وذلك خلال فترة حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي. وبذلك أصبح المغرب رابع دولة عربية تطبع علاقاتها مع الكيان في عام 2020، بعد البحرين والإمارات والسودان.
وقد سبقت هذه الدول الأربع مصر التي طبعت علاقاتها مع الكيان في عام 1979، تلاها الأردن في عام 1994. وقد تجاوز المغرب حدود التطبيع ليصبح منخرطًا في دعم الاحتلال الصهيوني، الذي ينفذ –ضد الفلسطينيين- أبشع حرب إبادة شهدها التاريخ المعاصر، بالإضافة إلى ذلك، فإن انتقاد التطبيع مع الكيان، بل وحتى انتقاد الكيان نفسه، يُعتبر فعلًا مُجرّمًا في المغرب.
وكانت الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع قد دعت جميع مكونات وفروعها ومختلف هياكلها إلى التعبئة القصوى لرفع التحديات على طريق النصر للشعب الفلسطيني وإسقاط التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم.
جاء ذلك خلال اجتماع دوري للأمانة الوطنية للجبهة المغربية, التي تضم عشرات الهيئات المناهضة للتطبيع, والذي تناول أبرز تطورات القضية الفلسطينية, خاصة ما تعلق بتصاعد حرب الإبادة الجماعية (من تجويع وتقتيل واعتقالات ومحاولات التهجير…) في فلسطين, وخاصة في قطاع غزة, ناهيك عن الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى من قبل قطعان المستوطنين تحت حماية شرطة الكيان المحتل في ظل الصمت الرهيب للمنتظم الدولي ومؤسساته.
وأعلنت الجبهة المغربية عزمها تنظيم ندوة صحفية يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لتقديم برنامج المبادرات النضالية التي تعتزم الجبهة القيام بها من أجل إلزام النظام المخزني بإلغاء جميع الاتفاقيات التطبيعية الموقعة منذ نهاية ديسمبر 2020.
وكان الكاتب الصحفي المغربي علي أنوزلا قد حذّر من انتفاضة شعبية في المملكة, مؤكدا أن البلاد أضاعت خلال ربع قرن من حكم الملك محمد السادس جيلا كاملا من المغاربة وعرفت تراجعا في مجال الحريات بسبب القمع الذي أدى إلى الكلام عن وجود دولة بوليسية.
وفي مقال له تحت عنوان “بعد ربع قرن… الشعب يريد أن يرحل”, تناول فيه محاولة آلاف المغاربة, الهجرة بصفة جماعية نحو مدينة سبتة بالجيب الاسباني, وأكد أنوزلا أن الشعار الذي يناسب المرحلة اليوم في المغرب, “هو أن الشعب الذي كان يطالب برحيل من أفقره وقمعه وجوعه, هو الذي يريد أن يرحل”, مشددا على أنه “عندما تكون هناك ديمقراطية حقيقية, يمكن الحديث عن مستقبل آخر لمغرب لا يهرب منه شبابه”.
وأوضح الكاتب أن “ظاهرة الهجرة غير الشرعية بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية تكشف عمق الأزمة في المغرب, وتعري حجم الفشل الكبير للسياسات العمومية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة على إدارة الشأن العام في البلد منذ الاستقلال, والتي لم تنجح في تقليص الفروق الاجتماعية, والقضاء على الفساد, وبناء دولة العدل ومجتمع المساواة”.
واستدل في السياق ببعض الإحصائيات الرسمية حول الواقع المرير للشعب المغربي, ومنها أن نسبة الفقراء ارتفعت في عام 2022 إلى أكثر من 33%, فيما صلت نسبة البطالة إلى 13% عام 2024, وفي العام نفسه -يضيف- “أظهرت دراسة رسمية أن مليونا ونصف مليون شاب بدون دراسة وبدون تكوين وبدون عمل, أي يوجد جيش كامل من الاحتياطيين اليائسين والفاقدين الأمل المستعدين لفعل كل شيء من أجل الهروب من واقعهم المرير”.
كما أشار إلى أن 330 ألف تلميذ في المغرب يغادرون فصول الدراسة في مستوى الإعدادي, ونسبة المغاربة الذين يصلون إلى المستوى الجامعي لا تتعدى 34%, و15% من المغاربة لم يدخلوا المدرسة.
وأبرز في السياق أن أغلب الشباب الذين قرروا الرحيل خلال ما سمته الصحافة المغربية بـ”ليلة الهروب الكبير”, في مقتبل العمر, “وبينهم قاصرون وأطفال, وفتيان بدون تعليم أو لم يكملوا تعليمهم, وبعضهم من خريجي الجامعات والمدارس العليا لكنهم بدون عمل أو تكوين (…) فقدوا الأمل في كل شيء”.
ويرى الكاتب المغربي أن الرسائل التي حملها فعل هؤلاء الشباب اليائسين “تختزل كل الخطابات السياسية لتدق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان”, منبها إلى أنه وعلى الرغم من أن “المشكل عويص, واشتداد الأزمة, لم يصدر أي رد فعل رسمي على ما جرى”.
والجواب الوحيد على ما حدث -يضيف- هو “المقاربة الأمنية التي أثبتت فشلها كما في كل الأزمات السابقة, بل وأدت إلى تعقيد المشكل, وتركت الأزمات المقموعة تتراكم تحت السطح حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم”.
ومن المفارقات أيضا, حسب أنوزلا, أن هذه الظاهرة “برزت إلى السطح أسابيع فقط بعد ذكرى مرور ربع قرن على اعتلاء الملك محمد السادس قمة الحكم في المغرب”, وهو –يضيف- “عمر جيل من المغاربة, وفترة كافية لبناء أسس دولة قوية, عكس ما حدث في المغرب الذي أضاع ربع قرن من الزمن في مجالات مهمة مثل التعليم والصحة ومحاربة الهشاشة الاجتماعية, وتحقيق العدالة الاجتماعية, والتصدي للفساد الذي أصبح بنيويا يخترق الدولة أفقيا وعموديا”.
أما في مجال الحريات, ابرز ذات الكاتب أن التراجع الذي شهده المغرب خلال ربع قرن بسبب القمع “أدى إلى تقوية أجهزة الضبط إلى درجة أصبحنا نتحدث فيها عن وجود دولة بوليسية وبنية سرية تتحكم في دواليب الدولة وأجهزتها, غير خاضعة لأي محاسبة أو مراقبة”.