تعتبر الجزائر وموريتانيا من بين الدول ذات الأهمية الاستراتيجية في منطقة شمال وغرب إفريقيا، حيث يتمتع كلا البلدين بموقع جغرافي مميز يمكنهما من لعب دور كبير في تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي. في هذا السياق، تعدّ اللوجستيات والتبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا من العناصر الأساسية لتعزيز التكامل بينهما، وهو ما يدفع نحو تذليل العديد من التحديات التي قد تعرقل هذا التعاون.
تتمتع الجزائر وموريتانيا بمقومات اقتصادية لوجيستية مميزة تجعلهما لاعبين مهمين في التجارة الإقليمية والدولية على المستوى البحري، تمتلك الجزائر العديد من الموانئ الحيوية مثل ميناء الجزائر العاصمة، ميناء وهران، وميناء سكيكدة، التي تساهم في تسهيل حركة التجارة الدولية من وإلى أوروبا وإفريقيا. من جانبها، تمتلك موريتانيا منافذ بحرية استراتيجية على المحيط الأطلسي، مثل ميناء الصداقة في نواكشوط وميناء نواذيبو الذي يعزز التجارة مع دول غربية وأمريكا.
بالإضافة إلى ذلك، يمتلك كلا البلدين موقعا جغرافيا استراتيجيا. الجزائر تقع بين شمال إفريقيا وآسيا وأوروبا، بينما تعد موريتانيا حلقة وصل بين غرب إفريقيا والمحيط الأطلسي. هذه المواقع تمنحهما القدرة على أن يكونا مركزين مهمين للتجارة الإقليمية والعالمية، مما يعزز دورهما في ربط الأسواق الإفريقية بالأوروبية والأسيوية.
يعد الربط البري بين زويرات في موريتانيا وتندوف في الجزائر مشروعا استراتيجيا ذا أبعاد اقتصادية ولوجيستية هامة يمكن أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الحركة التجارية بين البلدين وتفعيل سلسلة التوريد الإقليمية في إفريقيا. يوفر هذا الطريق البري جسرًا حيويًا يعزز من تدفق السلع والبضائع بين الجزائر وموريتانيا مما يسهل التبادل التجاري بشكل أكثر كفاءة. ومن خلال تقليص المسافات وتقليل تكاليف النقل، يصبح بالإمكان تقليص أعباء التكاليف اللوجيستية التي كانت تمثل عائقا أمام تعزيز التجارة بين البلدين. هذا يسهم في زيادة تدفق البضائع، مثل المعادن الموريتانية خاصة الحديد)، والمنتجات الجزائرية نحو أسواق البلدين وبعض أسواق غرب إفريقيا.
علاوة على ذلك، يمثل هذا الربط البري نقطة وصل استراتيجية تربط بين شمال إفريقيا وأعماق القارة الإفريقية، فالربط بين الجزائر وموريتانيا يعزز من فرص الوصول إلى أسواق جديدة في منطقة غرب ووسط إفريقيا، مثل مالي والسنغال، مما يمكن أن يفتح الباب أمام أسواق جديدة للمنتجات الموريتانية والجزائرية على حد سواء. هذا لا يعزز التجارة الثنائية فقط، بل يمكن أن يسهم في تدفق التجارة عبر الحدود إلى دول مثل غينيا ونيجيريا، مما يسهم في تنشيط التجارة الإقليمية بشكل عام.
كما أن تحسين شبكة النقل البرية بين الجزائر وموريتانيا يعزز من سلاسة حركة البضائع بين شمال إفريقيا ودول الشرق الأوسط وأوروبا. يمكن أن يصبح هذا الطريق حلقة وصل بين أسواق الجزائر ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، من جهة، وأسواق إفريقيا الغربية والمحيط الأطلسي، من جهة أخرى. بذلك، يعزز الربط بين زويرات وتندوف من قدرة الجزائر على أن تصبح بوابة رئيسية لتصدير السلع إلى أوروبا والشرق الأوسط عبر ميناء الجزائر العاصمة، ويسهل تصدير الموارد الطبيعية والمعدنية من موريتانيا عبر المحيط الأطلمي، مما يوفر مسارا تجارنا متعدد الاتجاهات.
الجانب المهم الآخر لهذا الربط هو دوره في تسريع التكامل الاقتصادي الإقليمي بين دول الاتحاد المغاربي ودول غرب إفريقيا من خلال تيسير حركة السلع بين الجزائر وموريتانيا، يمكن لهذا المشروع أن يلعب دورا محورنا في تعزيز المبادلات التجارية بين الدول الإفريقية الأعضاء في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AFCFTA)، التي تهدف إلى إزالة الحواجز التجارية بين الدول الإفريقية. هذا التكامل الإقليمي يسهم في تنمية الاقتصادات المحلية وتحقيق استدامة النمو، مما يعزز من فرص الاستثمار في المنطقة.
من منظور اللوجيستيات، يساهم الربط بين زويرات وتندوف في تحسين سلسلة الإمداد، خاصة في القطاعات التي تعتمد على المواد الخام مثل المعادن والمنتجات الزراعية. إن القدرة على نقل هذه المواد بسرعة وبكفاءة عبر الطرق البرية تسهم في تقليل الفاقد وتعزيز وصول المنتجات إلى الأسواق في الوقت المناسب، مما يساهم في رفع القدرة التنافسية للمنتجات الموريتانية والجزائرية في الأسواق الدولية كما يمكن أن يسهم هذا الربط في تسريع حركة المواد الوسيطة والمنتجات التامة الصنع بين الجزائر والموريتانية، وتعزيز التجارة بين دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
أخيرا، يعتبر هذا الربط خطوة كبيرة نحو تعزيز الاستثمار في البنية التحتية اللوجيستية بين البلدين. كما أن تحسين الطرق البرية وتوسيع مشاريع السكك الحديدية يعزز من قدرة المنطقة على جذب الاستثمارات في قطاع النقل، بما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي والإقليمي. ويساهم أيضا في تحفيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مشروعات تنموية استراتيجية، مما يعزز من التكامل بين الشركات المحلية والدولية.
إن الربط البري بين زويرات وتندوف يمثل نقطة تحول محورية ليس فقط في تعزيز التبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا، ولكن أيضا في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي وتعزيز التجارة الإفريقية من خلال تحسين البنية التحتية للطرق واللوجيستيات، يمكن أن يتحقق نمو اقتصادي مستدام يعود بالفائدة على الدولتين وعلى المنطقة بأسرها.