أجبرته الظروف القاسية أن يهاجر إلى فرنسا عام 1947 حيث عمل هناك بمصنع حديد ثم في شركة للدهن، وخلال رحلة البحث عن لقمة العيش استمرّ يتعلم الموسيقى إلى أن أتيحت له ـ بأحد مقاهي باريس ـ فرصة أن يغني «يليس نتمورثيو» (يا ابنة بلدي)، وهكذا انطلقت مسيرته الفنية.
إنه أحد أعمدة الأغنية القبائلية الأصيلة في الجزائر شريف خدام (1927-2012) الذي تمر 10 سنوات على وفته تاركا وراءه رصيدا فنيا غزيرا أثرى به الساحة الجزائرية الفنية.
فعلى مدار 60 عاما من مسيرته الفنية الحافلة، تغنى خدام ـ المولود في 1 يناير 1927 بقرية آيت بو مسعود (تيزي وزو) ـ بالحب والوطن والطبيعية والمنفى وآلام الهجرة.
وتوفي في 23 يناير 2012 بباريس عن عمر ناهز 85 عاما، ويعرف الفقيد أنه مغني وشاعر وملحن من رواد الموسيقى القبائلية في المهجر حيث رحل إلى فرنسا عام 1947 وأبدع هناك في مجال الكتابة والتأليف الموسيقى والغناء والعزف على آلة العود.
من عمق المعاناة
من عام 1947 إلى 1952 عمل الراحل بمصنع للحديد ومن سنة 1953 إلى 1961 في شركة للدهن وبالموازاة مع مهنته القاسية التي كان يتقنها استمر في تلقي دروس مسائية في مجال الموسيقى لدى بعض الموسيقيين وبالتالي فإن بدايات ممارسته الفنية وولوجه عالم الغناء انطلقت في أجواء الهجرة.
وخلال تواجده بالمهجر بفرنسا تأثر بالأجواء الفنية السائدة حيث بدأ الغناء بالمقاهي الباريسية وكانت أول أغنية له بعنوان «يليس نتمورثيو» (يا بنت بلدي) في 1955.
بعد أن تمكن من المبادئ الأولية للموسيقى على يد الموسيقار التونسي محمد جاموسي، بدأ الراحل يشق طريق النجاح تلو الآخر مع عديد أغانيه منها «نادية تومليحت» أو (انتيط) وتعني بالعربية (نادية صاحبة العيون الساحرة).
وكذلك أغنية «بقايت تلها» بمعنى (بجاية الجميلة)، كما ألف عديد المقاطع الموسيقية لإذاعة باريس ثم ديوان الإذاعة والتلفزيون الفرنسي.
كما أن آلام الهجرة وثورة التحرير الوطني قد دفعا به إلى العزلة والانطواء دون التخلي عن الإبداع ومن هذه الحالة المتناقضة انبثقت العبقرية الموسيقية لشريف خدام ليتحول إلى الاحترافية من خلال تأطيره لعمالقة الأغنية القبائلية على غرار الراحل إيدير وآيت منقلات ومليكة دومران وآخرين مثل نوارة التي أصبحت زوجته بعد رجوعه إلى الجزائر سنة 1963 وهي السنة التي التحق فيها بالقناة الإذاعية الثانية لتنشيط عديد الحصص الإذاعية.
آخر ما تغنى به
وقد اشتهر الفقيد بأغاني تفيض بحب الوطن وكانت أغنية «الجزائر انشاء الله تحلو» (إن شاء الله ستشفى الجزائر) سنة 1996 آخر ما أداه الفنان الراحل من كلماته وألحانه وهي بمثابة دعوة إلى السلم في الجزائر.
ومن خلال الحصة الإذاعية «إيغناين أوزكا» (فنانو الغد) عرف لدى الجمهور وحظي بالاحترام والتقدير لكونه اكتشف المواهب وقدم التوجيه والتشجيع للوافدين الجدد إلى عالم الأغنية.
وقد أصدر الديوان الوطني لحقوق التأليف بالجزائر (2014) علبة تسجيلات تضم أغانيه في أقراص مضغوطة.