لا تغيير يذكر بوقف الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزّة رغم الإخفاقات “الإسرائيلية” وتعثّرها في تحقيق أهداف الحرب والقضاء على قوى المقاومة والإصرار المطلق على تحقيق الانتصار وأنّ هذا الانتصار الذي وعد بتحقيقه نتنياهو لم ولن يتحقّق في ظلّ معطيات الحرب نتائجها وتداعياتها على “إسرائيل”.
وفي ظلّ تزايد الخسائر البشرية من الفلسطينيين، يتفاقم المأزق “الإسرائيلي” على أكثر من مستوى، إذ بدأت الإنجازات التّكتيكية للحرب تتآكل، فيما يتأكّد للمكوّن “الإسرائيلي” العجز عن تحقيق إنجاز استراتيجي..، فيما تزداد المؤشّرات أنّ نتنياهو بات مرتبط وبشكل تام باليمين المتشدّد، بهدف بقائه في السّلطة.
إنهاء الحرب سيفضي إلى تشكيل لجنة تحقيق لتقصّي الحقائق حول الإخفاقات وفشل الحكومة “الإسرائيلية”، بما في ذلك عدم إحراز تقدّم ملموس في هذه الحرب وعدم إعادة المختطفين إلى ديارهم، وعدم تحقيق الأهداف المعلنة التي وضعت بسقف عالٍ جداً.
من الصّعوبة بمكان التنبّؤ بدقّة المدى الفعلي للأضرار التي ألحقها نتنياهو بسمعة “إسرائيل” لدى الإدارة الأميركية، فضلاً عن حجم التوتّر وسوء العلاقات غير المسبوق بين الجانبين، حيث يتعرّض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لانتقادات من مختلف الأطياف السّياسية، بما في ذلك التيّار اليميني “الإسرائيلي”.
تُعبّر هذه الانتقادات عن القلق بشأن تآكل هيبة “إسرائيل” ومكانتها الدّولية، وتحويل القضية “الإسرائيلية” إلى مسألة حزبية ضيّقة يشكّل خطراً بالغاً على موقف “إسرائيل” على السّاحة العالمية.
رغم ذلك فإنّ رئيس الحكومة نتنياهو، يريد الحرب لذاتها وإنْ راوحت مكانها، في انتظار وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض -وهو ما لمّح إليه كبار مستشاريه أخيراً -، إلّا أنّ المعنى ليس في تغيير رأس الهرم السّياسي في واشنطن: فلا الرّئيس المقبل -حتى في حال كان ترامب- قادر على تغيير ميزان القوى، ولا “إسرائيل” ستكون قادرة -بمعزل عن هوية ذلك الرّئيس- على تحقيق أهداف حربها.
لكن ثمّة ما يشاع أيضاً عن أنّ الحديث عن انتظار ترامب، يمثّل في جانب منه تهديداً للجانب الفلسطيني وللمقاومة الفلسطينية والسّلطة الفلسطينية، بأنّ الحرب ستتواصل لأشهر طويلة مقبلة، في ما يُعدّ نوعاً من الردّ على مَن يراهن على إمكانية تداعيات الحرب عسكريّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً على “إسرائيل”، وهذا عكس توقّعات المتابعين والمحلّلين باستطاعة حكومة نتنياهو مواصلة الحرب لأشهر طويلة مقبلة. كذلك، يمثّل هذا الانتظار تهديداً لإدارة الرّئيس الأميركي، جو بايدن، وإنْ كان الأخير حريصاً على ألّا يلحق أيّ أذى بـ”إسرائيل” وألّا يضرّ بمصالحها، وهو ما يستغلّه نتنياهو جيّداً، لدفع مصالحه الخاصّة قُدماً؛ إذ إنّ ما من شأنه أن يفرمل نتنياهو ويضغط عليه فعلياً، ليس إزعاجه شخصيّاً، بل الإضرار بالكيان ومصالحه، وهو ما لا تريده إدارة بايدن ولا تقوى عليه.
في الوقت نفسه، إنّ حديث مستشاري نتنياهو عن انتظار ترامب، يُعدّ إقراراً غير مباشر بأنّ الانتصار في الحرب، كما يروَّج له نتنياهو الانتصار المطلق: لا يتحقّق إلّا بالقضاء على حكم حماس والحركة نفسها، وكذلك إعادة الأسرى “الإسرائيليين” عبر الخيار العسكري، وهذا برؤية العديد من المحلّلين العسكريين لن يتحقَّق إلّا بعد أشهر طويلة. وهو يمثل إقراراً أيضاً بأنّ العملية العسكرية في رفح، والتي تركّزت في الوعي الجمعي “الإسرائيلي” على أنّها إشارة النّصر، لن تكون مغايرة للمراحل التي سبقتها: ألا وهو العجز عن تحقيق أهداف الحرب. وهكذا، إذا قرّرت “إسرائيل” مواصلة العملية العسكرية هناك، فستكون النّتيجة تهديداً لها، أكثر من كونها فرصة؛ فالضّغط العسكري سينتهي من النّاحية العملية ومن ناحية التّأثير بعد هذه المعركة، فيما ستبقى “إسرائيل” بلا روافع ميدانية تهدّد بها المقاومة الفلسطينية.
ووفقاً للرّئيس السّابق لشعبة العمليات في هيئة أركان جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، اللّواء يسرائيل زيف، فإنّ “طموح نتنياهو للبقاء، بطريقة ما، لسبعة أشهر أخرى في الوضع الحالي، ومن دون أيّ قرار في شأن نهاية الحرب، في انتظار وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض (دونالد ترامب)، هو طموح منفصل تماماً عن واقع خطورة تدهور الوضع. فحتّى ذلك الحين، يرجّح أن تؤدّي هذه الخطّة الخيالية إلى انهيار إستراتيجي. فـ “إسرائيل”، في وضعها الحالي، لا تمتلك القدرة على الصّمود لثمانية أشهر أخرى، في ظلّ الوضع السّيئ الذي يعيش فيه الجيش، وفي ظلّ التّدهور الاقتصادي والانهيار السّياسي الذي يعيشه الكيان.
هذا في الوقت الذي يعوّل عليه نتنياهو بشكل كبير على فوز ترامب في الانتخابات الأميركية ويأمل بأن تتبنّى الولايات المتّحدة سياسة أكثر ودية ومرونة تجاه “إسرائيل” تحت إدارة يمينية جديدة. ويراهن على الدّعم المشترك من الحزبين الأميركيين لـ “إسرائيل”، إلّا أنّ هذا الرّهان يبدو خاسراً أمام وجود مظاهرات حاشدة في مختلف أنحاء الولايات المتّحدة التي تنتقد “إسرائيل”، لا سيما داخل المعسكر الدّيمقراطي وهو ما أدّى بمساعد وزير الخارجية الأمريكي ميلر لتقديم استقالته.