لتسليك مجاري الوهم.. مهمة صهيونية جديدة في الرباط

عندما يُثني لِصٌّ مجرم وقح، على عدوان نفّذه ـ ضد أبرياء ـ لصّ غبي مفلس، ويؤيّد مسعاه الإجرامي، فاعلم أن الأمر يتعلّق بقضية عادلة، وأن رهان اللصوص خاسر، فما هي إلا مسألة وقت حتى يصحو الضمير الإنساني وينتفض صوت العدالة، ويعود الحق إلى أهله، وتتحرر الأرض ويعم الأمن والسلام وينتصر الإنسان.

“قلت وأقول بكل وضوح، بصفتي رئيسا للكنيست (البرلمان الصهيوني)، على “إسرائيل” أن تسير باتجاه الاعتراف بـ(مغربية الصحراء)، تماما كما فعلت ذلك الولايات المتحدة بتوقيعها اتفاقات أبراهام”، (مع العلم أن الولايات المتحدة لم تفعل، وإنما فعل ذلك “ترامب” من خلال تغريدة لا غير)، وأضاف رئيس الكنيست، بكل مكر وغدر وبهتان: “هناك حاليا محادثات جدّية بين حكومتينا حول هذا الموضوع، وأظن أن رئيس الحكومة (يقصد المتطرف بنيامين نتنياهو) سيعلن قراره في المستقبل القريب”.

هذا الكلام يعني أن الصهاينة، وعلى الرغم من الروح العدوانية والصلف والمروق وخصال السوء التي يتصفون بها، إلا أنهم لم يعترفوا للمغرب بـ”سيادته” الوهمية على أراضي الجمهورية العربية الصحراوية، رغم ما قدمت سلطة المخزن ـ إلى الآن ـ من تنازلات وهرولة وانبطاح ومذلّة ومهانة وبيع للذمم…

“ماذا يريدون منّا أكثر يا ترى، وقد منحهم ـ مولانا نصره الله ـ كل شيء؟”، هكذا تساءل، بكل حسرة وأسى، أحد أبناء شعب المغرب المغيب عن المشهد والموعد.

لقد حسب القصر الملكي ـ مع المخزن ورؤوس الجيش والمخابرات ومع الأوليغارشية (عصابات المال والأعمال)، وأحزاب الساحة الأمامية، ووجوه الحديقة الخلفية، وغلمان الحواف والأفنية ـ لكل شيء حسابه وأعد له جوابه، إلا شعبه فإنه لم يعره أي حساب ولا شأن، وكأنّ لا وجود له، بل، وتعامل معه مثل قطيع من الدهماء، ليس من حقّه حتى معرفة أين المساق، فالمهم في عرف السلطان، أن ينام ويصحو على سب الجارة الشرقية وتحميلها كل أسباب الوضع المزري الذي تعانيه المملكة.

“أغبياء” التاريخ

بعد ثلاثة أعوام خلت، أي منذ الإعلان المشؤوم عن “تطبيع” العلاقات بين الرباط وتل أبيب، لا تزال مملكة العار ترقب وتتريث، في انتظار الخطوة القادمة من “الكيان الصهيوني”، بينما هذا “الكيان” يساوم حول التنازل القادم من “جلالة السلطان”.

وهكذا، فإن المعادلة محكومة بطرفين، طرف يتنازل وينتظر، والآخر يقبض ويساوم، في انتظار أن يتحول المغرب من دولة وظيفية محدودة السيادة منقوصة الزعامة، كما هو عليه شأنها اليوم، إلى دولة ملحقة مفقودة المعنى مهزوزة الكرامة.

مرّ «ترامب» كسحابة صيف سوداء في سماء السياسة الخارجية الأمريكية، وورط الموقف الأمريكي في وَحَلِ الخداع الصهيوني، ثم رحل وترك الوهم قائما يتدفأ به “جلالة” السلطان، في مواجهة “برد” الاعترافات الدولية المتواصل بالجمهورية العربية الصحراوية، وبضرورة تنظيم استفتاء شعبي حر ونزيه بإدارة أممية لتقرير مصير الشعب الصحراوي ومصير أرضه المحتلة.

كان اتفاقا ثلاثيا بين لصوص ثلاثة: لصّ الرئاسة الأمريكية، ولصّ التاريخ والجغرافية، ولصّ الأرض والشرعية، ليحصل بالنهاية اتفاق لصوصي، لا تأسيس له ولا مرجعية في الأعراف والقواميس الأممية، ورغم ذلك، لا يزال “أغبياء” التاريخ يتشبثون به كعظمة كلب، رماها في لحظة طيش، بائع هوى ثمل على قارعة الوهم والتيه، ثم غاب ورحل.

أما الجزائر، وعلى الرغم من طوفان الاتهامات المخزنية، فالعالم لا يزال ينظر إليها باحترام وتقدير، كما كان دائما، منذ استقلالها، ذلك أنها لم تتغير ولم تتبدل حيال مواقفها الثابتة القويمة، النابعة من رصيدها الثوري ومسارها النضالي وتاريخها الإنساني، والمطابقة للشرعية الدولية والمواثيق الأممية.

فكما كانت مواقف الجزائر داعمة للمقاومة الفلسطينية منذ اندلاعها، لا تزال تدعم بذات الروح والعزيمة كفاح الشعب الصحراوي ونضاله من أجل تحقيق حلمه بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها العيون المحتلة.

قراءة المستقبل

ما يُؤْسَف له فعلا، هو أن العالم الغربي الذي عارض الجزائر في مواقفها التاريخية حيال القضية الفلسطينية، وملف الميز العنصري بحنوب إفريقيا، سيأخذ وقتا أطول للاعتراف باستقلال الصحراء الغربية.

إنه تضييع واضح للوقت وللجهد والمال، ناهيك عمّا سينهبه الاحتلال المغربي من ثروات طبيعية صحراوية طوال هذه المدة، وبالتالي وجب على أحرار المجتمع الدولي، مضاعفة الجهد بالضغط أكثر على الأمم المتحدة، للتعجيل بفرض تنظيم استفتاء شعبي لتقرير المصير في الصحراء الغربية.

الجميع يدرك بأن الجزائر على حق وأن موقفها على صواب، إلا أن هيمنة المال وسلطة الدولار لها رأي آخر، في عالم تحكمه المصالح وتقيده المنافع على حساب القيم والمبادئ.

منذ الاستقلال، والجزائر ترفض أن تكون تابعة لأية قوة مهما كانت، حتى أنها وفي ظل احتدام الصراع بين المعسكرين الاشتراكي والليبرالي، رافعت من أجل نظام عالمي جديد كبديل للقطبية الثنائية المهيمنة آنذاك، كما أنها رفضت رفضا قاطعا استقبال قواعد عسكرية سوفياتية على أراضيها، رغم علاقة القرب مع موسكو والمعسكر الشرقي.

كانت المواقف السيادية تلك، مبعث فخر واعتزاز ليس للجزائر فقط، وإنما لكثير من الدول التي تقاسمها ذات القناعات والتوجهات، فكان ذاك هو السياق التاريخي الذي ارتبط به ميلاد فكرة “القوة الإقليمية”، وهي الفكرة التي صارت تفرض نفسها يوما بعد يوم، وذلك بالنظر إلى الوزن السياسي والدبلوماسي المتزايد من حقبة إلى أخرى، طوال مراحل تطور الدولة الجزائرية المستقلة، من الرئيس أحمد بن بلة، إلى الرئيس تبون، ومسيرة التميز على الساحة الدولية، من خلال وضوح العلاقات الخارجية ومتانتها.

المملكة “متعودة”

إن مع الدول الإفريقية الأقل تأثيرا على الساحة الإقليمية، أو مع القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة، روسيا، الصين، أو الدول الأوروبية، سواء من باب أنها المزود الرئيس للشركاء الغربيين بالطاقة، أو كونها المستورد الموثوق للتكنولوجيا والتجهيزات المتطورة التي تحتاجها في تحريك عجلة اقتصادها.

يعلم الجميع، عربا وغيرهم، بأن مصر هي الدولة العربية الأولى التي كانت سباقة لإقامة علاقات دبلوماسية مع دولة الكيان الصهيوني، لكن القليل من يعرف بأن وسيط السوء الأول بين مصر والكيان كان المغرب، وهو الدولة العربية الأولى التي قامت بالتجسس على بقية الدول العربية لصالح الكيان.

والتاريخ يشهد على الدور المحوري الذي لعبه الملك «الحسن الثاني» في هزيمة مصر والعرب العام 1967م، وذلك من خلال تقديمه معلومات استراتيجية وسرية للغاية لمسؤولي الكيان الصهيوني.

إذًا، لا غرابة في أن يحدث هذا اليوم، فالمملكة “متعودة” على لعب دورها القذر، إن في السرّ أو في العلنـ، لكن السؤال المطروح والذي يفرض نفسه، ما الذي استفاد منه الشعب المغربي، من هذا التقارب الشاذ مع الكيان الصهيوني، غير المذلة والمهانة والمسكنة!

إعانة رمضان التي قدمها الصهاينة لفقراء المخزن ومساكين المولى، مثلت إهانة مزدوجة: إهانة الملك لهم بالفقر والعوز، وإهانة الصهاينة اللئام لهم بالمنح المذموم والعطاء الملغوم، ونعني بالشعب السواد الأعظم، وليس حاشية السواد وبطانة السوء، أو المنتفعين من الوضع النشاز الذي يعيشه المغرب في ظل نظام موبوء لم تعرف المنطقة العربية أسوأ منه.

مصطفى بن مرابط - الجزائر

مصطفى بن مرابط - الجزائر

كاتب في الأيام نيوز

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
تحتلّ المرتبة الثانية إفريقيًا.. الجزائر تطمح لبلوغ 20 ألف مؤسسة ناشئة بحلول 2029 رئيس زمبابوي:"لا تحرر لأفريقيا دون استقلال الصحراء الغربية" سوناطراك تُعزّز قدرات مستشفى الحروق الكبرى بمعدات حديثة إجراءات مشددة لدخول مكة هذا الموسم..تعرف عليها وزير الداخلية يأمر باستكمال مشاريع الحماية المدنية قبل موسم الاصطياف مشروع التصفية الكبرى في غزة.. هل يسكت العالم على نكبة القرن؟ وكالة "عدل" تُفنّد اتهامات والي وهران محادثات في جدة حول أوكرانيا.. "دبلوماسية الفنادق" تفرض إيقاعها آفاق جديدة للتعاون الجزائري الإثيوبي في قطاعات حيوية نداء أممي لرفع الحصار عن غزة وإدخال المساعدات فورًا ديوان الحج والعمرة يعلن فتح بوابة برمجة رحلات الحج بالتعاون مع اليونسكو.. توثيق رقمي ثلاثي الأبعاد لموقع تيمقاد الأثري نهاية مسلسل الاختراق.. "إسرائيل" تزحف داخل المغرب الحكومة الفرنسية تعتبر إشادة تبون بماكرون خطوة نحو تجاوز الخلافات وزير الثقافة: "السينما الجزائرية تشهد ديناميكية حقيقية" بينما الأمم المتحدة تتفرج.. الاحتلال المغربي يستمر في قمع الصحراويين تحذيرات جوية.. عواصف رعدية وأمطار غزيرة بهذه الولايات في ظل تحديات إقليمية ودولية.. قرارات رئاسية حاسمة العلاقات الجزائرية الفرنسية.. الرئيس تبون يضع النقاط ويحدّد المسار الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات استثنائية للجالية الوطنية بالخارج