أعلن إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة خلال منتدى باريس للسّلام، أن على الدول “الضعيفة” في الشرق الأوسط أن تستفيد من المساعدة المالية الدولية حتى لا تنجرّ إلى “النزاع” بين “إسرائيل” وحماس، وفق تعبيره الذي فتح باب الأسئلة حول ما يقصده ماكرون من منظور الاقتصادي بعبارة “الدول الضعيف”. ثم ما علاقة المساعدة المالية الدولية المفترض أن يتم تقديمها إلى هذه الدول الضعيفة ومخاوفه من انجرار هذه الأخيرة إلى الحرب؟ وتحدث ماكرون عن ضرورة تحرك صندوق النقد الدولي، “خاصة في الأردن ومصر” لتقديم المساعدة. وبالفعل كان صندوق النقد الدولي قد أعلن ـ يوم الخميس ـ عن اتفاق لتقديم مساعدة بقيمة 1,2 مليار دولار للأردن، كما أثارت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، يوم الجمعة، فكرة تقديم مساعدة “أكبر” لمصر.. ماذا عن لبنان وهي الأقرب للانخراط في الحرب؟ ثم كيف تجرأ ماكرون ليصف مصر بالدولة الضعيفة؟ وهل هي دولة ضعيفة فعلا، من منظور اقتصادي صِرف؟
=== أعدّ الملف: سهام سعدية سوماتي ومنير بن دادي ===
المعروف أن الأردن الذي لا يملك موارد طبيعية ويعتمد على المساعدات الدولية يقيم فيه آلاف الفلسطينيين، ما يبرر المخاوف من حدوث نزوح جماعي جديد نحو أراضيه، وبالتالي المزيد من الأعباء الاقتصادية. أما بالنسبة إلى مصر فالسؤال المطروح يتمحور في الأعباء المحتملة التي تجعلها عاجزة عن المواجهة، إلى حد وصفها بالضعيفة أم إن الأمر مجرد مكافأة على صمتها حتى نهاية العدوان؟
وغير بعيدا عن تصريحات ماكرون، يمكن طرح هذا السؤال المهم: ما الأضرار الاقتصادية التي تتكبدها الدول المجاورة لفلسطين جراء العدوان الصهيوني المتواصل على غزة؟
جزء من الإجابة جاء به تقرير لوكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال”، قيل فيه إن الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة أضرت بالسياحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأضافت الوكالة أن الحرب الدائرة في فلسطين لها تداعيات على الاقتصادات الأخرى في المنطقة “فضلا عن الخسائر الكارثية في الأرواح والأضرار الباهظة التي لحقت بالبنية التحتية في قطاع غزّة”.
وأوضح التقرير أن قطاع السياحة سيكون المتضرر الأكبر في كل من لبنان ومصر والأردن، بسبب قرب هذه البلدان جغرافيا من رقعة الحرب، التي يحتمل أن يتوسّع نطاقها عبر حدود دول النطاق. وتابع التقرير أن هذا سيؤدي إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بهذه الدول، ويضعف مراكزها الخارجية، رغم أنه بالإمكان تخفيف ذلك – إلى حد ما – من خلال الدعم المحتمل من الدول المانحة ” وتوقعت الوكالة أن يبلغ الأثر المالي خسارة نسبتها من 10% إلى 70% في عائدات السياحة في كل دولة من الدول الثلاث، وفق سيناريوهات محتملة، حيث ساهمت العام الماضي السياحة بنسبة 26% من إيرادات الحساب الجاري للبنان وبلغت المساهمة بالأردن 21%، وفي مصر كان الرقم 12% ولدى الكيان الصهيوني 3%.
ولفت التقرير إلى أن التوقعات تعتمد – إلى حد كبير – على مدة استمرار العدوان، وما إذا كان سيمتد ليشمل أجزاء أوسع من المنطقة، الأمر الذي أشار إليه ماكرون بوضوح، حين نبه إلى مخاوفه من توسّع دائرة الحرب.
لقد رأى ماكرون أن “كلّ شيء مترابط”، حين قال: “لدينا اليوم دول ضعيفة للغاية، إذا لم نساعدها من خلال التضامن الدولي، ستنجر إلى الصراع الدائر في الشرق الأوسط”، وتابع أن تحرك صندوق النقد الدولي، “خاصة في الأردن ومصر، في هذا الإطار سيكون حاسمًا للغاية”.
ووفق السيناريو الأساسي الحالي، فإن وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” تتوقع أن ينحصر نطاق الحرب إلى حد كبير بين جيش الكيان الصهيوني وكتائب المقاومة في غزة، وقد تستمر من 3 إلى 6 أشهر.
وأورد التقرير أن أي تصعيد قد يفتح جبهات إضافية في المنطقة، “لتشمل الآثار المحتملة للحرب هروب المحافظ الاستثمارية والودائع غير المقيمة وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر”، وأضاف: “قد تؤدي الاحتجاجات المتزايدة في مختلف أرجاء منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا للتعبير عن رفض العدوان الصهيوني على غزة إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار الاجتماعي وتصاعد المخاطر السياسية.
عائدات السياحة.. في عين الإعصار!
وتعدّ السياحة مصدرا كبيرا للتوظيف ومصدرا مهما للعملة الأجنبية بالنسبة إلى العديد من دول الشّرق الأوسط، وكانت شهدت تعافيا قويا عام 2023ووفقا لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، زاد عدد السياح القادمين إلى المنطقة الأشهر السبعة الأولى من هذا العام بنسبة 20% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019.
ومن جانبه، قال وزير السياحة المصري، أحمد عيسى، إن بلاده تتحرك لدعم قطاع السياحة الذي تضرر كثيرا بفعل العدوان المتواصل على غزة، موضحا أن القاهرة تقدم حوافز لدعم السياحة بجنوب سيناء التي تراجعت فيها الحجوزات إلى 10%.
وتعدّ السياحة مصدرا رئيسا للعملة الصعبة في مصر، ويبدو أنها لن تحقق الرقم المأمول هذا العام، الذي قالت بشأنه وزارة السياحة والآثار قبل شهرين بأن مصر تستهدف 15 مليون سائح بنهاية 2023، بعوائد متوقعة تتراوح ما بين 16 و17 مليار دولار، خلال العام المالي الحالي “2023-2024” (الذي بدأ في الأول من جويلية الماضي) مقابل 14 مليارا حققته خلال العام المالي الماضي.
لكن كلام ماكرون حول مصر لم يأت من فراغ، ذلك أنه ـ بالأرقام ـ شكل تزيد المواجهة بين جيش الاحتلال الصهيوني والمقاومة الفلسطينية ـ عقب إطلاق عملية “طوفان الأقصى” ـ متاعب إضافية للاقتصاد المصري، الذي يعاني شحا في الدولار، وارتفاعا في الدين الخارجي ما أدى إلى تراجع قدرته على الوفاء بالتزاماته، وفق وكالات التصنيف الائتماني العالمية.
بلغت 451.5 مليون دولار مع غزّة و300 مليون مع الكيان العام 2022..
المبادلات التّجاريّة المصريّة – الصهيونية.. كمعبر رفح قد توصد!
يتجلى الأثر السلبي للصراع في غزة على الاقتصاد المصري في عدة أوجه، على غرار المخاوف من توقف صادرات مصر إلى قطاع غزة بصورة مباشرة، وعرقلة هذه الصادرات نحو الضفة الغربية.
وكانت الصادرات المصرية نحو فلسطين قد ارتفعت بنسبة 28.4% وبلغت 451.5 مليون دولار خلال عام 2022، مقابل 351.5 مليون دولار خلال 2021، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.
وبشأن العلاقة مع الاحتلال، تشير بيانات لوزارة التجارة الصهيونية إلى خطة لرفع التبادل التجاري مع مصر – باستثناء السياحة وصادرات الغاز الطبيعي- إلى 700 مليون دولار في أفق 2025، مقابل 300 مليون دولار في العام 2022.
وبموجب الخطة التي نقلت صحيفة (تايمز أوف إسرائيل) تفاصيل عنها ـ من المقرر أن تطور القاهرة وسلطة الاحتلال معبر (نيتسانا)، كما أنه من المقرر أن يزيد الاحتلال مستورداته من المواد الغذائية والأسماك الطازجة ومواد البناء من مصر مقابل تصدير الحلول والتقنيات الزراعية.
كما زادت صادرات مصر إلى الولايات المتحدة – وفق اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (كويز) التي تقتضي تعاونا صناعيا مع الكيان- إلى 1.5 مليار دولار في 2022، مقابل 1.2 مليار دولار في السنة التي قبلها، وفق بيانات الغرفة التجارية الأمريكية في مصر.
وشكّلت منتجات “الكويز” (اتفاقية بين مصر والكيان والولايات المتحدة تخص تصدير منتجات المناطق الصناعية المؤهلة) 53% من إجمالي صادرات مصر إلى الولايات المتحدة في عام 2022 و55% من الصادرات غير النفطية إليها.
وبحسب اتفاق “الكويز”، يجب أن تحتوي المنتجات المؤهلة للتصدير إلى الولايات المتحدة مع إعفاءات جمركية، على 35% على الأقل من قيمتها المضافة من قبل مصانع المناطق الصناعية المؤهلة، وتساهم مصر بما لا يقل عن 12% من هذه القيمة المضافة، في حين يجب أن تساهم سلطة الكيان بنسبة 11%.
الأردن.. 1.36% نسبة ارتفاع التّضخم شهر أكتوبر الماضي
لكن، وبالنظر إلى الارتباك الذي يشهده الكيان مع صافرات الإنذار ودخول المستوطنين الملاجئ، وتوقف حركة المصانع، بالإضافة إلى استدعاء العاملين إلى الجيش الصهيوني وفق التعبئة الأخيرة، من المتوقع على نطاق واسع أن تتأثر كلّ من الصادرات المصرية والصهيونية سلبا، وفق مراقبين.
أما في الأردن، فلا يمكن إخفاء الأثر النفسي الذي يخلفه العدوان الصهيوني على قطاع غزة في الشارع الأردني، إذ تعكس الأسواق وحركة الاستهلاك ذلك، لما في نفوس الأردنيين وحتى المقيمين في البلاد من ألم وقهر تجاه ما يكابده أخوانهم الفلسطينيون.
لقد أدت الأخبار ومقاطع الفيديو القادمة من غزة عبر منصات التواصل والفضائيات إلى الحد من إقبال الأردنيين على ارتياد الأسواق والمحال التجارية والمطاعم، وفقا لعاملين في قطاعات مختلفة، يضاف ذلك، إلى نشاط حركة مقاطعة علامات تجارية عالمية في السوق الأردنية، كالمطاعم وسلع غذائية أخرى، ووقفات تضامن لم تتوقف منذ اندلاع الحرب.
يقول مسؤولون ـ في الأردن ـ إن حجوزات الطيران والسياحة والفنادق انخفضت إلى حد كبير، وبنسب ربما تتجاوز النصف، وهذا سبب تحول منطقة الشّرق الأوسط إلى منطقة غير جاذبة للسياحة في هذه الظروف، ما يؤثر على هذه القطاعات والعاملين فيها، مثلما أن أغلب الناس انفضوا عن كثير من عاداتهم مثل ارتياد المطاعم والمقاهي، وحتى بعض حفلات الزفاف أو الخطبة تم تأجيلها، احتراما لدماء الشهداء التي تراق في غزة، وانخفاض المبيعات أو تراجعها كليا، أو جزئيا في بعض القطاعات، وهذا له أثر اقتصادي مباشر يصل حد تحصيلات الخزينة من الضرائب، في الربع الأخير من هذا العام، الربع الأكثر حساسية في كل عام.
شريحة من الأردنيين قاموا بتأجيل وجدولة مشاريعهم الشخصية، من قرض السيارة إلى قرض الشقة، بسبب مشاعر عدم اليقين المترتبة عن هذه الحرب ومخاوف من إمكانية توسعها في كل المنطقة، إضافة إلى حبس الناس لأي سيولة متوفرة بأيديهم قليلة أو كبيرة، تحوطا من المستقبل، بما يعني أن الحرب دخلت فعليا بتأثيراتها كل بيت أردني خصوصا، أن حلقات الاقتصاد مترابطة، وكل قطاع يتضرر أو يتراجع يؤثر على بقية القطاعات، وعلى العاملين في هذه القطاعات.
وضع الجمود هذا ازداد سوءا حين ارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) في الأردن في شهر أكتوبر الماضي بنسبة 1.36% على أساس سنوي، و0.08% على أساس شهري مقارنةً مع شهر سبتمبر الماضي.
وقال التقرير الشهري الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة الحكومية إن التضخم في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام ارتفع بنسبة 2.21% مقارنةً بنفس الفترة من عام 2022.
وبمقارنة الرقم القياسي التراكمي لأسعار المستهلك للأشهر العشرة الأولى من عام 2023 مع الفترة ذاتها من عام 2022، ارتفع الرقم القياسي “لمجموعة الوقود والإنارة” بنسبة 7.85%، و”الألبان ومنتجاتها والبيض” بنسبة 6.24%، و”الثقافة والترفيه” بنسبة 5.51%، و”الأثاث والسجاد والمفارش” بنسبة 4.95%، و”الأمتعة الشخصية” بنسبة 4.58%.
ويخشى الأردنيون موجة جديدة من ارتفاع الأسعار تزيد من معدلات التضخم، مع اقتراب حكومة بلادهم من إبرام اتفاق جديد مع صندوق النّقد الدولي للسنوات المقبلة.
ورغم تأكيدات الحكومة – غير مرة – على أن البرنامج المقبل مع صندوق النقد لن يأتي بأي ارتفاعات في الضرائب أو فرض أخرى جديدة، إلا أن هناك مخاوف من رفع الضرائب وإلغاء الدعم عن خدمات أساسية، خاصة الكهرباء والمياه، لتوقيع الاتفاق مع الصندوق.
لبنان.. حرب غزة نسفت حلم 1.8 مليون سائح في موسم الأعياد
وزير السياحة اللبناني وليد نصار، قال في وقت سابق: إن “الحرب الجارية في منطقة الشّرق الأوسط كان لها تأثير سلبي ومباشر على الاقتصاد اللبناني عامة، وخاصة قطاع السياحة الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد اللبناني”.
وأضاف نصار في مقابلة تلفزيونية: إن “الناتج المحلي الإجمالي اللبناني للسنة المنصرمة وصل إلى 21 مليار دولار، وقد شكلت الموارد السياحية المباشرة وغير المباشرة نسبة 40% من هذا الرقم”، مشيراً، إلى أنه “كان من المتوقع أن يصل عدد السياح في موسم الشتاء والأعياد، نحو 1.8 مليون سائح، لكن الحرب في غزة قضت على هذه التوقعات”.
ولفت إلى أن “القطاع السياحي في لبنان حساس لهذه الأوضاع، خاصة أن البلاد لا تملك غير مطار واحد، وإذا تعطل، تصبح البلاد جزيرة معزولة”، مضيفاً أن “لبنان في القلب من الأحداث المتوترة الجارية حالياً”.
كلام الوزير اللبناني يؤيده تقرير وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال”، الذي توقع ركوداً في السياحة في كل من لبنان، ومصر، والأردن بسبب الحرب في غزة، مضيفاً أن “لبنان هو الأكثر اعتماداً على السياحة بين الدول الثلاث، وقد يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بما يصل إلى 10% في حال تراجع إيرادات السياحة بين 10 و30% عن مستويات 2022”.
وقبل أيام تحرك مستشار الرئيس الأمريكي، آموسهوكستين، إلى بيروت، في مهمة جديدة للعمل على عدم تمدد الصراع في غزة إلى لبنان، وتطبيق القرار 1701، حسبما قال بعد لقائه المسؤولين اللبنانيين الذين أكدوا أن «الكرة اليوم في الملعب الصهيوني».
والتقى هوكستين رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، والمدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وجرى التأكيد على «وحدة الموقف فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة في أسرع وقت ممكن، ووقف نزيف الدم الذي يحصل، والضغط على الكيان لوقف استفزازاتها في الجنوب اللبناني وآخرها التعرض للمدنيين»، حسبما أعلن ميقاتي بعد اللقاء.
وقال هوكستين بعد لقائه الرئيس نبيه: «حضرت إلى لبنان لأن الولايات المتحدة تهتم كثيراً بلبنان وشعبه، خصوصاً في هذه الأيام الصعبة». وشدّد على “أن المحافظة على الهدوء على الحدود الجنوبية اللبنانية على درجة عالية من الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة”.
فيما تستهدف أمريكا سوريا بالصواريخ يجادل ماكرون بالمساعدات..
العرب المتأمركون بين عصا واشنطن وجزرة باريس
مخاوف ماكرون بشأن إمكانية توسّع نطاق الحرب هي ذاتها مخاوف العرب المتأمركون ، وفي هذا الصدد نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعدته فيفيان سلامة وسعيد شاه، قالا فيه إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حاول في رحلته المكوكية الثالثة ـ قبل أيام ـ تطمين الحلفاء العرب القلقين، وقام بزيارة مفاجئة لرام الله حيث اجتمع مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأتبعها بزيارة إلى العراق، وجاءت جولته في الشّرق الأوسط في لحظة معقدة وملتهبة.
وقالت الصحيفة إن بلينكن سارع من أجل دعم قادة الشّرق الأوسط الذي يواجهون اضطرابات محلية بسبب الحرب بين الكيان الصهيوني وحماس، حيث زار رام الله وبغداد بشكل مفاجئ، في وقت تتعرض فيه إدارة جو بايدن لضغوط من أجل تأمين فترة توقف للقتال وتخفيف التوترات الإقليمية.
ليس هذا فحسب، بل نفذت القوات الأمريكية يوم الأربعاء الماضي ضربة جوية ضد أهداف في سوريا للمرة الثانية خلال 15 يوما، في ما يبدو استعراضا للقوة هدفه الردع. لكن فرضية توسع دائرة الحرب بين حماس والكيان الصهيوني تبقى قائمة.
وتلقي هذه الهجمات الضوء على صعوبة دور “التوازن” الذي تسعى واشنطن لأدائه لحماية مصالحها في المنطقة مع التحرك بحذر، والسعي في الوقت ذاته إلى عدم تأجيج الحرب بين الكيان الصهيوني وحماس، والتي تهدد بالتحول إلى نزاع إقليمي.
وبعد الضربة الأمريكية الجديدة على سوريا، يبدو أن واشنطن تختار بعناية الألفاظ التي تستخدمها في محاولة للحد من توسع الاحتقان، وقال البيت الأبيض في معرض حديثه عن الضربة إن “القوات الأمريكية نفذت ضربة في إطار الدّفاع الشّرعي عن النفس ضد منشأة في شرق سوريا يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والمجموعات المنضوية تحته”.
ترسانتها على ضفاف غزة.. أمريكا تزعم أنها تبحث عن أخف الأضرار!
أدلى المسؤولون العسكريون الأمريكيون بتصريحات إعلامية هدفها التأكيد – مرة أخرى – على الطابع المحدود لهذه العملية العسكرية، إذ صرح أحدهم لقناة “سي أن أن” (من دون الكشف عن هويته): “نحن على يقين بأن هذه الضربة لم تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين”. وأضاف أن واشنطن استخدمت خلالها ما يسمى “خط تواصل لتفادي نزاع مع روسيا”، وهي عبارة تستخدم للإشارة إلى خط تواصل خاص بين موسكو وواشنطن لتفادي أي “مفاجأة” عسكرية في سوريا.
وبعد بدء الحرب بين حماس والكيان الصهيوني، عقب هجمات 7 أكتوبر، استهدفت ضربتان جويتان أمريكيتان في كل مرة مخزن ذخائر ومخابئ أسلحة لجماعات مرتبطة بإيران، كما أكدت المخابرات الأمريكية.
بالنسبة إلى فيرونيكا بونيشياكوفا الخبيرة في المسائل العسكرية في الشّرق الأوسط في جامعة بورتسموث، يمكن وصف هذه الأهداف بأنها محدودة الأثر، إذ يبقى خطر الخسائر الجانبية ووقوع ضحايا مدنيين محدودا. فيما يعود الصهيوني روبرت غيست بينفولد الأستاذ المتخصص في المسائل الأمنية والعسكرية بجامعة دورهام الصهيونية ليؤكد أن “الجيش الأمريكي كان حريصا على انتظار حلول المساء ليتأكد من أن الأشخاص العاملين في المكان قد غادروه”.
منذ إرسال حاملات طائرات على متنها أكثر من ألف جندي إلى المنطقة، يعلم الجيش الأمريكي أنه يتحرك فوق رمال متحركة. رسميا، يهدف استعراض القوة هذا بالأساس إلى “ردع حماس وإيران عن فتح جبهة جديدة ضد الكيان الصهيوني” وفق بونيشياكوفا.
ولكن مجرد حضور حاملة طائرات أمريكية في عرض السواحل الفلسطينية “يصعّد من الاحتقان ويزيد من خطر وقوع حوادث” وفق بينفولد، حيث يُنظر إلى إرسال قوات عسكرية بهذا الحجم على أنه استعراض للدعم الأمريكي للعدوان الصهيوني ويزيد من “شرعية” الهجمات ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، بالنسبة إلى المجموعات المقاتلة المقربة من إيران.
دون الخطوط الحمراء.. ما هي نجاعة الرّدع الأمريكي؟
عسكريا، تجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة على إدارة “ردع مزدوج”: منع الهجمات ضد مواقعها في الشّرق الأوسط “والقيام بكل ما في وسعها حتى تبقى محرقة العدوان داخل قطاع غزة” وفق تقييم بينفولد.
لكن فيرونيكا بونيشياكوفا ترى أن المشكل يكمن في أن “الردع لا يكون مجديا إلا عندما نواجه فاعلين عقلانيين يمكن توقع ردود فعلهم، وهو ما لا ينطبق بالضرورة على جماعات وحركات مقاومة تدعمها إيران كحزب الله في لبنان وقوات الجيش اليمني”.
وكان زعيم حزب الله، حسن نصر الله، أكد في كلمته في 3 نوفمبر أنه “لا يشعر بأنه مهدد بمجرد وجود البواخر الحربية الأمريكية” وأن جماعته “مستعدة لمواجهة” التهديد. وترى بونيشياكوفا أن الغاية من هذا التصريح هو القول بأن “حزب الله لن يتوانى عن استخدام صواريخه المضادة للسفن”.
وفي مثال آخر عن حدود قدرة الردع الأمريكي، لم تتسبب الضربة الأمريكية على سوريا في 26 أكتوبر في منع الهجمات ضد “مصالح” واشنطن، بل على العكس. فقد تم تنفيذ نحو 40 هجوما ضد قواعد أو مسيرات أمريكية منذ 7 أكتوبر، “22 منها وقعت بعد الغارة الأمريكية الأولى” وفق صحيفة نيويورك تايمز. إلى ذلك، “ستستخدم القوى المقربة من إيران متفجرات أكثر قوة لاستهداف القواعد الأمريكية” وفق الصحيفة.
ويقول بينفولد “إن ثمّة نوع من التوازن في مجال الردع، ما يعني وجود اتفاق ضمني بين الطرفين حول ما هو جائز عسكريا، دون تصعيد. وهنا، لدينا انطباع بأن نقطة التوازن هذه لم تتوفر بعد”. بعبارة أخرى، كل طرف بصدد اختبار حدود الطرف المقابل، يلفت بينفولد إلى أنه يجب توقع استعراضات قوة أمريكية جديدة وهجمات ضد مصالح واشنطن ستؤدي إلى “تصعيد بطيء للاحتقان دون وقوع انفجار للوضع”.
الجميع يعمل على تفادي تجاوز الخط الأحمر. “بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ذلك يعني عدم إنزال قواتها على الأرض” وفق رؤية بونيشياكوفا. في المقابل، طالما لم تسقط صواريخ على مناطق الاحتلال، ولم يسقط ضحايا أمريكيون أو “لم يستهدف حزب الله البواخر الأمريكية، يمكن تفادي اشتعال المنطقة”.
“إنها لعبة خطيرة جدا في ظل وجود عدة عوامل يستحيل السيطرة عليها 100 بالمئة في كل هجوم”، وفق خلاصة روبرت جيست بينفولد. وبالتالي، فإن العمليات الأمريكية تبقى مرتبطة بجودة المعلومات الاستخباراتية التي تجمعها مصالحها – وهي قابلة للخطأ- لتفادي وقوع ضحايا خلال غاراتها. ويخلص بينفولد إلى القول: “عندما يطلق اليمنيون صواريخ ضد الاحتلال الصهيوني، فإنهم يتوقعون أن يتم اعتراضها. ولكن ذلك ليس مضمونا بشكل تام وفي حال سقوط إحدى صواريخهم على مدينة صهيونية، يمكن أن يحدث تصعيد في النزاع”.
الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية عكنوش نور الصباح لـ”الأيام نيوز”:
“الغرب يستثمر في ضعف دول جوار فلسطين لشراء ذمم حكّامها”
أفاد الباحث في الشّؤون الأمنية والاستراتيجية، عكنوش نور الصباح، من جانبه، بأنّ “ما كان يصطلح عليه بدول الطوق وهي دول الجوار لفلسطين المحتلّة، كانت تعاني أصلا قبل السابع أكتوبر من وضع اقتصادي صعب جدا، وتعتمد في تمويل ميزانيتها على القروض الخارجية، ثم أصبحت هذه الدّول بعد العدوان أكثر هشاشة ووضعها الاقتصادي على المستوى المالي والهيكلي مكشوف من حيث اعتمادها على السّياحة، فحاجتها لبيئة إقليميّة هادئة تكون حاضنة للتّنمية حيويّة جدا”.
وحسب المتحدّث، فإنّ “الاستقرار يمثّل عنصرا أساسيا لتحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية وتنمويّة مستدامة تنعكس إيجابيا، وعلى المدى الطويل، على الوضع الدّاخلي المتأزّم منذ سنوات نتيجة تراكم سياسات نقدية وخطط تنمويّة غير ناجعة لم يكن ينقصها سوى هذه الحرب لتزداد سوءا وسوداوية؛ وكلّما طالت الحرب زادت التّكلفة ونقصت إمكانيات بناء مستقبل أفضل”.
وأوضح عكنوش نور الصباح، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ “مفهوم الدّول الهشّة اقتصاديا وبنيويا يقصد به إيمانويل ماكرون، في تصريحه خلال منتدى باريس للسلام، الدّول التي تعاني اختلالات هيكلية ومالية كبيرة على مستوى العجز والتضخّم والمديونية والبطالة والفقر وإستراتيجيا، فهو يتحدّث عن الدّول المحيطة بالكيان الصّهيوني والتي تعاني مشاكل في النمو وفق معايير الحَوْكَمة العالمية”.
وتابع بالمتحدث بأنّ “الرئيس الفرنسي، عندما يستعمل هذا التّصنيف الاقتصادي في وصف هذه الدّول بالضّعيفة، فهو يحاول الضّغط عليها وربطها بحزمة وعود مالية وتمويلية واستثمارية لتحريك وضعها الاقتصادي؛ ومنه تلبية حاجيات المواطنين فيها، بحيث تبقى في تبعية للرأسمال الغربي وتتبنّى الحياد في العدوان على غزة. والعملية تتعلق موضوعيا بشراء ذمم حكام تلك الدّول وإغرائهم بمشاريع مساعدة نقدية وتنموية وفق مصالح الغرب، الذي يستثمر في ضعف هذه الدّول التي يسميها بـ “المعتدلة”، ويبني عليها استعماره الجديد في المنطقة”.
ويعتقد الباحث في الشّؤون الأمنية والإستراتيجية أنّ “مصر والأردن أضحتا في مرمى أطماع أورو-أمريكية تعمل على استعمالهما ضدّ المقاومة من خلال الأموال والتّعاملات المصرفية، وتسهيلات أخرى للإقراض والاستثمار وفق محدّدات براغماتية ترى في المنطقة بيئة للمنافسة مع الصّين وروسيا، التي تهدّد الغرب هناك وتثير قلقا إستراتيجيا مزمنا بالنّسبة إليه”.
حيث تصبح مصر والأردن في المنظور الماكروني – يضيف المتحدث ذاته- غير قادرتين على تلبية احتياجات سكانهما وتوفير أسباب الاستقرار المجتمعي والأمني والتّنموي، ومنه تصبحان عرضة لمختلف التيارات والأفكار والجماعات وتحت ضغط الشّارع، وهنا تصبحان دولتين غير مضمونتين بالنّسبة إلى الغرب، الذي يخشى وصول قيادات متطرفة لسدّة الحكم في هذه البلدان بسبب الفقر والجوع والندرة والبطالة وهو ما يهدّد مصالح الاستعمار الجديد هناك”.
وفي السّياق ذاته، أبرز عكنوش نور الصباح أنّ “مؤسسات “بريتن وودز” وصندوق النقد الدّولي والبنك العالمي من آليات الرأسمالية العالمية للهيمنة على العالم العربي والإسلامي عموما ومنطقة الشّرق الأوسط خصوصا مع انتقائية في ترتيب أولويات المساعدة حسب المصلحة”.
وأردف عكنوش نور الصباح أنّ “لبنان بعد أن كان سويسرا الشّرق لم يعد يؤدّي الدّور نفسه في نظام السّوق والتّجارة والأعمال بالنّسبة إلى الغرب، خاصة تحت تأثير دور حزب الله المتعاظم. وعليه، أوروبا وأمريكا في انتظار تحولات أو إشارات إيجابية من هناك حتى تبادر بمساعدته مقابل قبوله بقواعد اللّعبة وتخليه عن المقاومة وهي مشروطية غربية أساسية قبل أي دعم مالي لبيروت”.
وبخصوص الأعباء المحتملة التي تجعل مصر عاجزة عن المواجهة إلى حدّ وصفها بالضّعف، قال الباحث في الشّؤون الأمنية والإستراتيجية: إنّ “الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يبحث عن تسويق صورة إيجابية عن شخصه وحكمه للغرب في السياق الانتخابي، ويؤكد أنّه يمكن التّعويل عليه في المستقبل؛ فهو معتدل ومسالم ومطيع – إن صحّ التعبير- ثم إنّ الغرب أقنعه بأنّ “إسرائيل” تحارب خصمه السّياسي الأول وهم الإخوان ومن مصلحته إنهاء سيطرة حماس على غزة كما أنهى هو حكم الإخوان في القاهرة”.
وبالتّالي، يرى عكنوش نور الصباح أنّ “مصلحة السيسي تلتقي مع مصلحة نتنياهو في ماهية العدو – إن صحّ التّعبير- وهو ما يفسر السّلوك البارد لمصر تجاه العدوان الهمجي على غزة، التي كانت قبل 1967 تحت وصاية وإدارة مصر. وعليه، فهي لديها أخلاقيا ومعنويا واجبات تجاه القطاع أكثر من أي دولة عربية أخرى لكن طبيعة المرحلة وأدوات إدارة الصّراع تغيرت وأصبحت مصر تتصرّف منذ كامب دافيد وإلى اليوم كدولة محايدة، وهو ما جلب لها المال والسواح لكن لم يجلب لها الأمن على حدودها مع فلسطين”.
الأكاديمي والخبير الاقتصادي عبد الرحمان مساهل لـ”الأيام نيوز”:
“الصهاينة يرتشون دول الطوق العربي بتقديم المساعدات المالية بعد خسرانهم المواجهة عسكريا وسياسيا”
الأيام نيوز: أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال منتدى باريس للسلام الذي انعقد قبل أيّام، أنّه على الدّول “الضّعيفة” في الشّرق الأوسط أن ستستفيد من المساعدة المالية الدّولية حتى لا تنجر إلى النزاع بين “إسرائيل” وحماس – وفق تعبيره – ماذا يقصد ماكرون بعبارة “الدّولة الضّعيفة” من منظور اقتصادي؟
الدكتور عبد الرحمان مساهل: أعتقد أنّ ماكرون يقصد بـ “الدّول الضّعيفة” تحديدا تلك الدول التي ينوون مساعدتها، وحسب ادعائهم هي الأردن ومصر في المقام الأول ثم السّلطة الفلسطينية ولبنان في المقام الثّاني، وفي مرحلة تالية تُوسَّع الفكرة لتشمل دول ضعيفة أخرى متردّدة في التّطبيع وتعاني من ضعف وهشاشة اقتصادية يمكن رشوتها واستخدامها كبيدق لتثبيت التّطبيع وتصفية القضيّة الفلسطينية بشكل نهائي، حسب مخطّطهم الجهنمي. ويمكن أن تشمل دول موريتانيا والسودان وجيبوتي والصّومال في مرحلة أولى ودول أخرى مثل العراق وتونس وليبيا واليمن في مرحلة لاحقة.
الأيام نيوز: ما علاقة المساعدة المالية الدّولية المفترض تقديمها إلى هذه الدّول الضعيفة، مع مخاوف ماكرون من انجرار هذه الدّول إلى الحرب؛ بمعنى آخر: كيف يمكن أن يتسبّب ضعف هذه الدّول في انخراطها في الحرب؟
الدكتور عبد الرحمان مساهل: إنّه مخطّط جهنمي يحاولون تطبيقه، وهو استخدام السّلاح الاقتصادي وسلاح المساعدات بعدما فشلوا في ميدان المواجهة العسكرية والسّياسية. قبل تصريح ماكرون بيوم، أعلن صندوق النّقد الدولي عن اتفاق لتقديم مساعدة بقيمة 1.2 مليار دولار للأردن. كما أثارت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، فكرة تقديم مساعدة “أكبر” لمصر، وهو توجّه صريح نحو رشوة هاتين الدّولتين من أجل الانخراط الفعلي في المخطّط الصّهيوني لطرد الفلسطينيين من أرضهم وفرض عليهم تهجير قسري، الأمر الذي تدينه كلّ الأعراف والأديان والقوانين الدّولية، التي يدوسون عليها بالأقدام جهارا نهارا دون حسيب أو رقيب.
الكل يعلم أنّ دول الطّوق، وخاصة الأردن ومصر، وفي إطار اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها تحصل على مساعدات ومبالغ مالية من أمريكا وحلفائها وبعض المنظّمات الدّولية منذ توقيعها الاتفاقية وإلى الآن مقابل السّلام مع الكيان الصهيوني والتّنسيق الأمني وبعض الخدمات المخابراتية والسّياسية التي يقدّمونها لهذا الكيان الغاصب. ومع ذلك، وبعد الأحداث الأخيرة، شعرت هاتان الدّولتان بالحرج أمام الرّأي العام في دولها وفي الوطن العربي نتيجة المذابح والجرائم الصهيونية، واكتفت فقط بالتّنديد والشّجب لأنّ الاتفاق الاقتصادي والأمني الذي يربطهم مع الكيان ناهيك عن الضّعف السياسي عوامل تحول دون اتخاذ هذه البلدان مواقف وقرارات سيادية.
وعندما طرحت فكرة تهجير الفلسطينيين الذين يقطنون قطاع غزة إلى سيناء وسكان الضفة الغربية إلى الأردن استشعرت الدولتان الخطر، ليس حبا في الفلسطينيين أو خوفا عليهم، ولكن خوفا من انتقال المقاومة إلى أرضهم وتدفّق موجة اللاجئين نحو أراضيها وعدم قدرتهم على استقبال عدد كبير من المهاجرين، خاصّة وأنّ الأمر يمكن أن يطول أو أن يصبح أمرا مفروضا مفروغا منه باستقرارهم النهائي هناك. لذلك عارضت الدّولتان الأمر بشدّة، وهو ما دفع ماكرون ومن على شاكلته إلى عرض مساعدات إضافية واتفاقيات اقتصادية تمكّن الدّولتين من تغطية نفقات النازحين إلى أجل مؤقت، أو قد يطول بحسب المخططات الصهيونية.
كما أنّ السبب الوحيد، حسب تصور ماكرون، لانخراط دول الطوق في الحرب هو عدم قدرة هذه الدول على مواجهة موجة النّزوح الكبرى نحو أراضيهم، ولذلك فهو بكل سذاجة وسخف يعرض المساعدة الاقتصادية كحل بديل أو كرشوة يمكن أن تقدم إلى النظامين المصري والأردني. وأعتقد أنّه ساذج لأبعد الحدود، لأنّ الأمر سيفشل، لأنّك لا يمكن أن تقتلع شعبا كاملا من أرضه وتنقله إلى أرض أخرى كأنّك تنقل أثاث بيتك.
الأيام نيوز: كما تفضلتم دكتور مساهل، فقد تحدث ماكرون عن ضرورة تحرك صندوق النّقد الدولي، “خاصة في الأردن ومصر” لتقديم المساعدة. وبالفعل كان صندوق النّقد الدولي قد أعلن عن اتفاق لتقديم مساعدة بقيمة 1.2 مليار دولار للأردن. كما أثارت مديرة صندوق النّقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، بدورها، فكرة تقديم مساعدة “أكبر” لمصر. ماذا عن لبنان وهي الأقرب للانخراط في الحرب؟
الدكتور عبد الرحمان مساهل: بالنّسبة إلى دولة لبنان، فأعتقد أنّ مخطّط ماكرون كان سينجح تماما بنسب كبيرة لو لم يكن هناك حزب الله في الجنوب، فنعرف أنّ لبنان اليوم دولة ضعيفة جدّا وأغلب نخبها في الشّمال من السنّة والمسيحيين يسبحون بحمد ماكرون وطائفته (أقصد النخب وليس الشعب)، كما أنّ الوضع الاقتصادي في البلد يسير أو هو في الهاوية، ولطالما استنجدوا بماكرون والغرب لحلّ مشاكلهم. ولكن، أعتقد أنّه ما دام هناك حزب الله الذي يقف بالمرصاد للمخطّطات الغربية الصّهيونية، فسوف يفشل الأمر، لأنّه أولا مدعوم من إيران وثانيا لأنّه يمثّل جبهة الجهاد والمقاومة والصّمود ولن يستسلم بسهولة رغم الصّعوبات الكبيرة.
وأما الجبهة السورية التي تشهد تعقيدات كبيرة، فلا خوف منها فهي مقسمة وفي حالة نزاع وتتقاسمها القوى الروسية والأمريكية والتركية و”إسرائيل”، فلا خوف منها أبدا.
الأيام نيوز: بعيدا عن تصريحات ماكرون، ماهي الأضرار الاقتصادية التي تتكبدها الدّول المجاورة لفلسطين المحتلّة جراء العدوان الصهيونية المتواصل على غزّة؟
الدكتور عبد الرحمان مساهل: في حقيقة الأمر، لا أرى علاقة بين العدوان والأضرار الاقتصادية لدول الجوار، لأنّ غزّة – ببساطة – كانت معزولة ومحاصرة وفي سجن كبير قبل العدوان وحتّى اليوم، فهي مساعدات قليلة تدخل إليها ولا علاقة لها بالعالم الخارجي، إلاّ تلك القطرات من المساعدات التي يتفضّل بها الشّرفاء في العالم والتي تدخل من معبر واحد مراقب ومشدّد الحراسة. بل بالعكس، أعتقد أنّ دول الجوار تقتات وتسترزق بدم الفلسطينيين، فهم يحصلون على المساعدات المالية السنوية مقابل صمتهم وحراستهم للحدود وتنسيقهم الأمني ومقابل تجويع وترويع الفلسطينيين في الضفة المقابلة.
أمّا بخصوص الضفة الغربية، فقد صرّح أحد الدبلوماسيين الصّهاينة، هذه الأيام، قائلا بالحرف الواحد إنّ مستوى معيشة المواطنين في الضفّة يفوق مستوى معيشة سكان أغلب دول الجوار، وذكر مصر والأردن، يعني أنّ مواطني الضفّة الغربية يعيشون أفضل من مواطني مصر والأردن وكثير من سكان الدول العربية، بمعنى – في رأيه – أنّه يجب أن تركع من أجل أن تعيش حياة أفضل. أمّا إذا قاومت ودافعت عن أرضك فسوف يتمّ سحقك وتجويعك.
الأيام نيوز: المعروف أنّ الأردن الذي لا يملك موارد طبيعية ويعتمد على المساعدات الدولية، يقيم فيه آلاف الفلسطينيين، ما يبرّر مخاوفه من حدوث نزوح جماعي جديد نحو أراضيه، وبالتّالي المزيد من الأعباء الاقتصادية. لكن بالنّسبة إلى مصر الأمر مختلف، ما هي الأعباء المحتملة التي تجعلها عاجزة عن المواجهة إلى حدّ وصفتها بالضّعف، أم إنّ الأمر مجرد مكافأة على صمتها حتى نهاية العدوان الصهيوني؟
الدكتور عبد الرحمان مساهل: بالنّسبة إلى الأردن، فحسب اعتقادي أنّ اللّاجئين القدماء قد اكتسب أغلبهم الجنسية الأردنية وهم مستقرون ويساهمون بشكل كبير في الحركة التجارية والأعمال في الأردن، يعني أنّهم لم يصبحوا عبئا اقتصاديا على المملكة. أما بخصوص مصر، فسوف يكون من الخطر نزوح الفلسطينيين نحوها، وهو الأمر الذي ترفضه لحدّ الآن رفضا قاطعا، خوفا من انتقال انتقال المقاومين على أرضها، رغم أنّها تتمنّى بكل قوتها أن يتمّ إنهاء وجود حماس للأبد، ولكنّها ترفض في الوقت نفسه نزوح الفلسطينيين إليها.
باختصار، أغلب دول الطّوق، ما عدا حزب الله، تتمنّى إنهاء حكم حماس لغزّة، وبالتّالي كانوا يعتقدون أنّ حماس سوف تباد في أيّام، ولكن استمرار الانتهاكات والعدوان والجرائم البشعة نحو 40 يوما أمر قد أحرجهم أمام الرأي العام العالمي وأمام شعوبهم، وبالتّالي حدث شبه خلاف مع الصّهاينة حول ماذا بعد حماس في غزة. واعتقد أنّ الصّهاينة يخططون بعد القضاء على حماس – في تصوّرهم – إمّا أن يحكموا غزة بنفسهم أو يتم تهجير من يرفضون الاستسلام، وعلى دول الجوار قبولهم أو إبادتهم.
الخبير الاقتصادي جلول سلامة لـ”الأيام نيوز”:
“الاقتصاد المصري سيكون الأكثر تضررا إذا اتسعت رقعة الحرب”
أكدّ الخبير الاقتصادي الدكتور جلول سلامة أن أيّ حرب مهما كانت مسبباتها وأشكالها هي في الأساس تهدف إلى تدمير الثروات الاقتصادية وتكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية وتدمير البنى التحتية والقدرة الاستثمارية وقدرات التمويل الذاتي له، إلا أن الجهة المعتدية هي الأخرى تتأثر اقتصاديا. وفي حال أسقطنا هذا المنظور على الكيان الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة، فإن تحريكه أعدادا هائلة من قوات الاحتياط – على حدّ زعمه، أثر بشكل مباشر على ديناميكية وسيرورة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث يخسر الكيان الصهيوني يوميا مئات ملايين الدولارات وهذا أمر جد منطقي، بالإضافة إلى خسائر أخرى في العتاد، الذي استثمر فيه أموالا طائلة وساعات من الجهد والعمل، رغم أن هذا العتاد العسكري يتم تعويضه من قبل حلفاء الصهاينة من الأمريكان، البريطانيين، الفرنسيين، الألمان وحتى الإيطاليين.
وفي سياقٍ متصل، وفي حديثه عن تأثر اقتصادات الدول المجاورة بالعدوان الصهيوني على غزة، أوضح الدكتور سلامة، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن هذا العدوان أدى إلى توقيف 70 بالمائة من إنتاج الغاز الذي تنهبه “إسرائيل” من الإقليم الاقتصادي لأراضي فلسطين المحتلة، الأمر الذي انعكس سلبا على مصر والأردن باعتبارهما من بين أهم زبائن “إسرائيل” خاصة فيما يتعلق بإنتاج الكهرباء في مصر. علاوة على ذلك، فإن الاقتصاد المصري – في حد ذاته – يعاني جملة من الاضطرابات وفي مقدمتها الديون الداخلية والخارجية، حيث فاقت قيمتها السنة الماضية 420 مليار دولار منها حوالي 180 مليار دولار دين خارجي، ولديها آجال محددة لتسديدها مع الفوائد، فيما يعيش الاقتصاد المصري حاليا حالة من العجز تقريبا مع تسجيل انهيار في عملة الجنيه المصري أمام الدولار وزيادة الفوائد على الدين بارتفاع قيمة الدولار من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي. وعليه، فإن الاقتصاد المصري الذي يعاني أساسا داخليا ستزداد معاناته مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
أما بالنسبة إلى دولة الأردن، فيقول الخبير الاقتصادي: “إن الاقتصاد الأردني في الأصل هو اقتصاد هش للغاية ويعتمد في مجمله على المساعدات الخارجية التي قد تصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار، تأتيه من الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، كما أنه اقتصاد خدماتي وزراعي ويعتمد على الصناعات التقليدية البسيطة، وبالتالي ليس اقتصادا متماسكا ويعتمد بشكل كبير على المساعدات التي تدخل في إطار شراء الذمم والحفاظ على هدوء الشعب الأردني الذي ترجع 70 بالمائة من أصول سكانه إلى فلسطين”.
هذا، وتطرق المتحدث إلى الجانبين السوري واللبناني، مبرزا في هذا الشأن، أن الاقتصاد اللبناني منهار بسبب الفساد المالي والفساد الاقتصادي ، وانهيار بنيته التحتية وقدرته على الاستثمار؛ واستمرار العدوان على غزة سيُفاقم بشكل أو بآخر من حجم معاناته ويمكن أن يجعله ذلك أكثر هشاشة بفعل المساومة والضغط الذي تمارسه عليه الدول “المانحة”، حتى لا نقول الدول المسيطرة على لبنان على غرار فرنسا وبريطانيا بالإضافة إلى أمريكا، وبالتالي اقتصاد لبنان ضعيف يقع تحت وطأة التهديد بقطع المساعدات وما شابه ذلك، الأمر الذي سيزيد من متاعبه الداخلية، علاوة على انهيار الليرة اللبنانية.
أما بالنسبة إلى الاقتصاد السوري، فيؤكد الخبير الاقتصادي، الدكتور جلول سلامة، أنه في الوقت الراهن هو اقتصاد منهك بسبب تداعيات الأحداث الجارية في سوريا، والضغط الأمريكي الممارس على حقول النفط بسوريا، بالإضافة إلى ضغوط خارجية أخرى، وبالتالي فإن اقتصادات الدول الأربعة المحيطة بفلسطين المحتلة، سواء مصر، الأردن، لبنان أو سوريا ، في الأصل كلها اقتصادات هشة تعاني من مديونية كبيرة أثقلت كاهلها، والوصف الذي أطلقه الرئيس الفرنسي على هذه الاقتصادات خلال منتدى باريس للسلام، بقوله “على الدول “الضعيفة” في الشرق الأوسط أن تستفيد من المساعدة المالية الدولية حتى لا تنجر إلى النزاع بين “إسرائيل” وحماس – على حدّ تعبيره- وصف يحمل الكثير من الصحة إلى حدّ ما.
الخبير الاقتصادي البروفسور مراد كواشي لـ”الأيام نيوز”:
“الغرب ينفخ في نار الحرب على غزة ويطالب دول الطوق بعدم الاحتراق!“
يرى الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي البروفيسور مراد كواشي أن الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، تستمر في عروضها المسرحية المكشوفة؛ فبعد دعمها الكيان الصهيوني بأحدث الطائرات والدبابات والأسلحة الفتاكة للقضاء على الأبرياء والمدنيين العزل في قطاع غزة، ها هي قد نادت إلى عقد اجتماع في باريس من أجل نصرة دول ضعيفة على حدّ وصفها ومساعدتها حتى لا تنحاز ولا تتأثر بالصراع الدائر في المنطقة، وبالتالي فالأمور أصبحت الآن مكشوفة؛ فإذا كان ماكرون يبحث عن التنمية والسلم والعدالة في العالم، فالأحرى به أن يكف عن نهب ثروات إفريقيا على غرار سرقة اليورانيوم من النيجر والتشاد ومن عدة مناطق ودول أفريقية أخرى، والأحرى به كذلك أن يتوقف عن حشر أنفه في الشأن الداخلي للدول الأفريقية وأن يسحب قواته الموجودة في عدد من دول القارة السمراء، وأن يكفّ عن تنظيم الانقلابات العسكرية في دول أفريقيا بهدف تمكين أنظمة تكون تابعة له.
وفي هذا الصدد، أوضح البروفيسور كواشي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا التوقيت بالذات عن التنمية والعدالة والسلم ومساعدة بعض الدول هو عبارة عن فصلٍ آخرَ من فصول مسرحية النظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى وفي مقدمتها فرنسا، التي تنتهج سياسة الكيل بمكيالين؛ فبعدما قامت بمساعدة الكيان الصهيوني وما تزال، ها هي اليوم تنادي بضبط النفس وغيرها من المبادئ التي صدّعوا بها رؤوسنا على مدار عشرات السنيين.
وفي سياق ذي صلة، يرى الخبير في الاقتصاد أن هذه المساعدات المالية الدولية تأتي في إطار محاولات لرشوة وشراء ذمم بعض الأنظمة الموجودة في المنطقة، بما فيها النظام المصري والأردني، والنظام اللبناني حتى يقطعوا الطريق أمام أي احتمالية لحدوث طوفان بشري لشعوب هذه الأنظمة، فعلى المستوى الرسمي هذه الدول لن تتخذ إجراءات ضد الكيان الصهيوني لكن هناك تخوّف كبير من حدوث غليان بشري وحدوث محاولات لاقتحام الحدود والمشاركة في نصرة إخوانهم في غزة.
وفي هذا الشأن، أشار البروفيسور كواشي، على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن مصر هي دولة مثقلة بالديون وهي من بين الدول التي تعتمد وبشكلٍ كبير على مداخيلها من السياحة، التي تراجعت بشكل رهيب بعد انغلاق العالم وما أعقبه من تداعيات جائحة كورونا، والأمر نفس بالنسبة إلى لبنان الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دولة الأردن التي تعاني جملة من الصعوبات المالية، وبالتالي السؤال المطروح الآن: “لماذا الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا لم تهرع إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة هذه الدول من قبل، وانتظرت إلى غاية ما حدث في قطاع غزة؟”؛ لأنّ الأمر ببساطة لا يعدو أن يكون محاولة لشراء الذمم حتى لا تميل هذه الدول إلى كفة غزة، وأن تشدّ الخناق على شعوبها حتى لا ترتكب أي تصرف معادٍ للكيان الصهيوني.
“استخدام عبارة “دول ضعيفة” وقاحة من ماكرون”
أما عن وصف ماكرون لمصر بأنها دولة “ضعيفة”، فيعتقد البروفيسور كواشي أن الرئيس الفرنسي خانه التعبير الدبلوماسي، فلا نستطيع أن نقول عن دولة مثل مصر أنها دولة “ضعيفة”؛ فمصر هي دولة قوية بشعبها واقتصادها ومنذ أيام فقط انضمت إلى مجموعة البريكس، ولديها موقع إستراتيجي يتضمن واحدا من أهم الممرات المائية في العالم ونتحدث هنا عن “قناة السويس”، كما أنها تتمتع بقطاع سياحي متطور، وصناعات تحويلية وغذائية لا بأس بها، وبالتالي ورغم الصعوبات المالية التي تمر بها على غرار العديد من دول العالم بما فيها الدول المتطورة، فأقل ما يقال عن هذا الأمر إنه عبارة عن وقاحة من طرف الرئيس الفرنسي، الذي دائما ما تصدر عنه مثل هذه التعابير التي لا يحسب لها حسابا.
أما فيما يتعلق بالأردن، فيقول الأستاذ الجامعي: “صحيح أن الأردن هي دولة فقيرة من حيث الموارد، بالإضافة إلى أن أكثر من نصف سكانها هم من أصول فلسطينية جاؤوا في أواخر أربعينيات وبداية خمسينيات القرن الماضي، بسبب عملية التهجير التي قام بها الكيان الصهيوني آنذاك، وهنا يكمن سبب التخوف الكبير من اقتحام الشعب الأردني الحدود وانخراطه كأفراد وليس كنظام في الحرب في قطاع غزة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”.
وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز الخبير الاقتصادي أن الأضرار الاقتصادية التي قد تتكبدها الدول المجاورة لفلسطين هي هروب رؤوس الأموال إلى دول أخرى بسبب تداعيات ما يجري في المنطقة، على اعتبار أن المستثمر دائما ما يبحث عن المناطق الأكثر أمنا واستقرارا، وبالتالي هذه المنطقة ستعرف حالة من الإرباك، حيث سنسجل تأثرَ الأسواق المالية في هذه الدول نتيجة هروب رؤوس الأموال وحتى المستثمرين المباشرين، لكن نعتقد أن هذا الأمر لن يتم إلا على المدى المتوسط في حال استمرار العدوان الصهيوني على غزة.
أما على المدى القصير، فلا يعتقد المتحدث أنه ستكون هناك تأثيرات كبيرة، التأثير الآخر الذي قد يكون هو أن هناك دولا مجاورة للكيان الصهيوني لديها علاقات تجارية مع هذا الكيان على غرار الأردن ومصر، التي تستورد الغاز من “إسرائيل”، بالإضافة إلى الإمارات التي تربطها هي الأخرى علاقات تجارية مع الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن استمرار الحرب في غزة سينعكس سلبا على هذه العلاقات التجارية التي تربط الكيان الصهيوني بهذه الدول على المدى المتوسط.
الخبير الاقتصادي الدولي فارس هباش لـ”الأيام نيوز”:
“العدوان الصهيوني على غزة تهديد كبير لاقتصاديات الدول المجاورة”
أبرز الخبير الاقتصادي البروفيسور فارس هباش أنه، وفي ظل حالة عدم الاستقرار التي يعرفها الاقتصاد العالمي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتحديدا بعد جائحة كورونا والأزمة الجيوسياسية بين كل من روسيا وأوكرانيا، يأتي الآن العدوان الصهيوني على قطاع غزة وما يحمله من تداعيات على مستوى اقتصاديات دول المنطقة، وعلى مستوى استقرار الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام؛ وبالتالي ، فإن هذا العدوان الإسرائيلي المتزايد على غزة يمثّل بشكلٍ أو بآخر تهديدا كبيرا على أمن المنطقة ككل، خاصة إذا ما انتقل هذا الصراع إلى الدول المجاورة.
وبالحديث عن تأثّر اقتصاديات دول المنطقة، يرى البروفيسور هباش في تصريحه لـ “الأيام نيوز”، أن اقتصاديات كل من لبنان ومصر والأردن وسوريا من شأنها أن تتأثر وبشكل كبير جدا بفعل العدوان الصهيوني القائم على قطاع غزة، نتيجة حالة عدم الاستقرار التي تعرفها السوق العالمية؛ ومن ثمّة فإنّ تهديد أمن المنطقة سوف تكون له انعكاسات مباشرة وأخرى غير مباشرة على اقتصاديات هذه الدول. فلو تكلمنا على التأثير المباشر لهذا العدوان على اقتصاديات دول المنطقة، وخاصة لما نتحدث عن اقتصاد كل من مصر والأردن ولبنان، واستنادا إلى ارتفاع أسعار النفط وكذا الغذاء، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وتسجيل مزيد من العجز في الميزانية والموازنة العامة لهذه الدول، كما يتسبب ذلك في عدة تقلبات على مستوى أسعار البورصات في هذه الدول، وبشكلٍ خاص عندما نتحدث عن البورصات المصرية.
وفي السياق ذاته، أشار المتحدث إلى أن عدم تعافي الاقتصاد العالمي بشكلٍ تام من تداعيات جائحة كورونا والأزمة الروسية – الأوكرانية، سوف ينعكس بشكل مباشر على تفاقم أزمة الاقتصاد العالمي، خاصة أن المنطقة تتضمن عددا من الممرات المائية الهامة على غرار قناة السويس ومضيق هرمز ومضيق باب المندب؛ وبالتالي، فإن هذا الصراع سوف يهدد أمن هذه المرات الإستراتيجية، الأمر الذي سينعكس على تكاليف التأمين على البضائع ومن ثمّة ارتفاع الأسعار، مما سيدفع بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية ومن منه ارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي.
في سياق ذي صلة، تحدث البروفيسور هباش عن أزمة النفط، قائلا: “إن أسعار النفط ما فتئت تشهد ارتفاعا متتاليا خلال الآونة الأخيرة، وإن لم تكن نسبة هذه الارتفاع كبيرة جدا إلا أن استمرار العدوان الصهيوني على غزة واحتمالية انتقاله إلى باقي دول المنطقة سوف يدفع بأسعار النفط إلى بلوغ مستويات قياسية قد تفوق الـ 100 دولار للبرميل، خاصة وأن دول الخليج العربي تنتج وحدها ما يقارب 32 مليون برميل يوميا، وبالتالي فإن هذه الأرقام تعبر بشكل لافت عن حالة عدم الاستقرار وحالة التذبذب التي يمكن أن تعرفها اقتصاديات دول المنطقة، وخاصة لبنان ومصر والأردن، التي تعرف اقتصاداتها أزمات هيكلية وبالتالي فإن هذه الأزمة من شأنها أن تعمّق وطأة وحدّة هذه الأزمات.
“قطاع السياحة”.. المتضرر رقم واحد في الدول المجاورة
وفي حديثه عن التأثير المباشر لهذه الأزمة والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإمكانية تعدي هذه الأزمة إلى باقي دول المنطقة، ذكر الخبير في الاقتصاد الدولي قطاع السياحة على اعتبار أن أغلب اقتصاديات هذه الدول تعتمد بشكلٍ كبير على مداخيل السياحة، وبالتالي فإن الأحداث الجارية من شأنها أن تؤثر سلبا على هذه الدول كوجهات سياحية، حيث أشارت تقديرات وكالة “ستاندرد آند بورز جلوبال” للتصنيفات الائتمانية إلى أن قطاع السياحة في كل من مصر ولبنان والأردن قد يتكبد خسائر تفوق قيمتها الـ16 مليار دولار في أسوأ السيناريوهات الخاصة بهذا العدوان. كما تؤكد الوكالة ذاتها، في تقرير سابق لها نُشر بتاريخ السادس نوفمبر الجاري، أن الاقتصاد اللبناني هو الأكثر اعتمادا على السياحة بين الدول الثلاث، حيث إن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قد يتراجع بما يصل إلى 10 بالمائة في حال تراجعت إيرادات السياحة ما بين 10 و30 بالمائة عن مستويات 2022. كما أشار التقرير ذاته إلى أن مصر ستخسر، هي الأخرى، ما قيمته بين 1.2 مليار و8.4 مليار دولار إذا ما تراجعت إيرادات السياحة فيها ما بين 10 و70 بالمائة، ويعادل ذلك فقدان ما يتراوح بين 0.3 و1.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. أما بالنسبة إلى الاقتصاد الأردني، فقد توقع التقرير ذاته أن تخسر المملكة الأردنية ما تتراوح قيمته ما بين 0.6 مليار و4 ملايير دولار إذا تراجعت مداخيل القطاع السياحي ما بين 10 و70 بالمائة في البلاد.
وفي هذا الشأن، يعتقد الخبير في الاقتصاد الدولي أن هذه الأرقام سوف تعمّق، وبشكلٍ كبير جدّا، من تبعات هذا العدوان والأزمات الهيكلية التي تعاني منها أصلا اقتصاديات هذه الدول الثلاث وباقي اقتصاديات دول المنطقة، وبالتالي فإن السيناريوهات التي يمكن أن نسجلها مستقبلا في حال توسع الصراع إلى باقي دول المنطقة، هو أن تشهد هذه الدول حالة من الركود الاقتصادي الكبير جدا ودخول هذه الاقتصاديات في أزمات هيكلية عميقة، خاصة أن هذه الاقتصاديات الثلاثة تعتمد على السياحة بشكل كبير جدا. وفي الوقت نفسه هي دول مستوردة للبترول الذي سوف يشهد ارتفاعات قياسية إذا ما توسّعت رقعة الصراع إلى هذه الدول. وبالإضافة إلى كل هذه العوامل التي تم الإشارة إليها، فإن الاقتصاد العالمي الحالي لم يتعافَ بعد من تبعات جائحة كورونا والأزمة الجيوسياسية القائمة بين كل من روسيا وأوكرانيا كما ذكرنا آنفا، وكل هذا سيدفع الاقتصاد العالمي إلى مزيد من حالة اللا استقرار وعدم اليقين.