تأكيدا للعلاقات الوطيدة التي تربط بين الصين والجزائر اقتصاديًا وتاريخيًا، تمكن وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في زيارته إلى بكين من تحقيق مكاسب دبلوماسية لإسناد الجزائر بدعم “التنين النائم” في العديد من الملفات الدولية والإقليمية.
وسيعود لعمامرة بالزاد كاملا من زيارته إلى الصين، بداية بالتوصل لاتفاق حول “الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق”، التي سيتم التوقيع عليها في أقرب فرصة، في تأكيد على انخراط الجزائر في مشروع الحزام والطريق “كونه يرمي إلى تكريس قيم التعاون على أساس التضامن وتقاسم المنافع والمكاسب”. كما انضمت الجزائر لمبادرة التنمية العالمية وانضمامه إلى “مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية”، باعتبارها من الأعضاء الأوائل في هذه المجموعة.
وانخرطت الجزائر بشكل رسمي في مشروع طريق الحرير الصيني المعروف بـ”مبادرة الحزام والطريق” في جوان /حزيران 2019، فيما تبلغ قيمة الاستثمارات الصينية المباشرة بالجزائر 10 مليارات دولار، وحجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين وصل إلى 9 مليارات دولار، وبقيت الصين في صدارة الدول الممونة للجزائر للسلع، وفق أرقام رسمية جزائرية.
التوافق بين الجزائر والصين تُرجم في العديد من الملفات الرئيسية والحاسمة في وضع دولي مضطرب سياسيا واقتصاديا بسبب تبعات الأزمة الأوكرانية.
الجانب الجزائري كان براغماتيا، وجدد تمسكه بمبدأ الصين الواحدة، ودعمه للموقف الصيني من المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وشينج يانغ وهونغ كونغ، وضرورة العمل لتفادي تسييسها أو استعمالها كوسيلة ضغط في العلاقات الدولية، مقابل حصول الجزائر على دعم صيني لجهودها الرامية إلى صيانة أمنها القومي واستقرارها.
وبخصوص ملف قضية الصحراء الغربية، أكد الجانبان دعمهما للجهود الرامية للوصول إلى حل دائم وعادل في إطار الشرعية الدولية، لاسيما قرارات الأمم المتحدة ذات صلة، وهي رسالة واضحة إلى الدول الغربية التي تقف إلى جانب المغرب وتدعم احتلاله للأراضي الصحراوية، كان آخرها إعلان إسبانيا عن تغيير في موقفها إزاء النزاع في الأراضي الصحراوية ومساندتها خيار الحكم الذاتي الذي تنادي به الرباط.
وتفوح من اصطفاف دول غربية وراء الطرح المغربي بخصوص حل قضية الصحراء الغربية، رائحة الانتقام من الجزائر بسبب موقفها الرافض لزيادة ضخ الغاز الطبيعي نحو القارة العجوز لتعويض الغاز الروسي، حتى وإن أكدت مصادر أن الدول الأوروبية لم تقدم طلبا رسميا للحصول على كميات إضافية من الغاز.
وتكسب الجزائر في الصين حليفها التقليدي دعما كبيرا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لوقف أي قرارات محتملة تتنافى مع دفاعها عن الحل الأممي للقضية الصحراوية.
وفي هذا الإطار، أكد البيان الختامي الذي توج زيارة لعمامرة إلى بكين بالتأكيد “على تكثيف التعاون والتنسيق حول الشؤون الدولية والمتعددة الأطراف، والتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومواصلة تعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية، فضلا عن حل النزاعات عبر الحوار وبالطرق السلمية، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على أساس مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة”.
وبخصوص القضية الأوكرانية، أبدت الجزائر والصين عن مواقف عقلانية تدافع عن مراعاة الانشغالات الأمنية المعقولة للأطراف المعنية، وضرورة التمسك بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، مع التمسك بمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة وضرورة الالتزام بحل النزاعات سلميا عبر الحوار والتفاوض.
كما حذر البلدان من إساءة استعمال العقوبات الأحادية الجانب التي لا تستند إلى القانون الدولي، تفاديا لانتهاك القواعد الدولية والمساس بالظروف المعيشية لشعوب الدول، وضرورة التخفيف من حدّة الانعكاسات الإنسانية التي قد تنجم عنها، والحرص على بذل جهود مشتركة في هذا الصدد.
ومن شأن التقارب بين الصين والجزائر زيادة الضغط على هذه الأخيرة في محيطها الإقليمي والدولي من طرف الدول الغربية التي تسعى لإقحام أكبر عدد من الدول في الحرب الروسية الأوكرانية.