من المرتقب أن يؤدي الرئيس الإيراني، “إبراهيم رئيسي، زيارة إلى الجزائر، بمناسبة قمة منتدى الغاز المقرّر عقدها بالجزائر خلال الثلاثي الأول من العام المقبل 2024، وهي الفرصة التي ستكون مواتية لإبرام اتفاقات لتعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، في مختلف مجالات التعاون.
جاء هذا ضمن تصريحات إعلامية أدلى بها سفير طهران بالجزائر، محمد رضا بابائي، مؤكدا أن رئيسي سيحل بالجزائر خلال الثلاثي الأول من العام الجديدة للمشاركة في اجتماعات منتدى الغاز. وأشار السفير إلى أن المناسبة ستكون مواتية لعقد “لقاء قمة” بين رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ونظيره الإيراني، وسيتوج هذا اللقاء ـ حسب المصدر ـ “بالاتفاق على ورقة طريق تخص الفترة المقبلة”.
كيف تنظر طهران إلى الجزائر؟
وقال السفير الإيراني: “ستعطي الزيارة ديناميكية للعلاقات بين البلدين والشعبين، لِما يتمتّعان به من مقدرات وروابط تاريخية تعكس متانة العلاقات بينهما”، مشيرا إلى أن “إيران تنظر إلى الجزائر على أنها شريك”، وأضاف: “الزيارة ستكون مناسبة للجزائر وإيران لبحث سبل تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية في مختلف مجالات التعاون، بما يعود على شعبيهما بالنّفع، وفق مبدأ الجميع رابح”.
ووفق السفير، فإنه “بالإمكان بناء شراكة فعّالة ـ بين الطرفين ـ في قطاعات هي اليوم محط اهتمام البلدين، مثلما هي الحال بالنسبة إلى قطاع اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والصغيرة”، مبرزا أن بلاده “قطعت أشواطا كبيرة في هذا الجانب، وهي مهتمة بنقل تجربتها إلى الجزائر”.
وأكد رضا بابائي أنه من المنتظر بحث هذا الموضوع مع وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، مهدي ياسين وليد، قريبا، مشيرا إلى أنه منذ استلامه مهامه كسفير لطهران بالجزائر، قبل 9 أشهر، التقى 13 وزيرا في القطاعات الاقتصادية، وناقش معهم برامج تعاون ثرية توجد حاليا قيد الإنضاج من الجانبين.
ووصف الدبلوماسي الإيراني العلاقات السياسية بين الجزائر وطهران بالممتازة، غير أنها دون مستوى إمكانات وتطلعات البلدين في الجانب الاقتصادي، مبرزا أنه منذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، وتحديدا بداية من العام 2020، “شهدنا حركية كبيرة ومرحلة جديدة في مسار تطوير العلاقة، وترجم ذلك بزيارة وزير الخارجية أحمد عطاف، وزيارة رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي إلى طهران”.
خطوات عملية
وبالفعل، فإن الوزير عطاف قد زار طهران شهر جويلية الماضي، وكان ذلك بتكليف من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، حيث التقى هناك الرئيس إبراهيم رئيسي، وقد اندرجت الزيارة “في سياق تأكيد ما توافق بشأنه الرئيسان” خلال محادثات هاتفية أفضت إلى وضع “خطوات عملية لتعزيز العلاقات الجزائرية – الإيرانية”، حسب بيان للخارجية تم نشره وقتذاك.
وخلال تلك الزيارة، أعرب إبراهيم رئيسي عن “إعجابه بالتطور الذي تشهده الجزائر في ظل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي يقودها الرئيس عبد المجيد تبون”، مؤكدا تطلعه إلى تكثيف التواصل والعمل معه لتجسيد ما يحدوهما من حرص مشترك وطموح متبادل في الارتقاء بالتّعاون الاقتصادي بين البلدين إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة، حسب البيان ذاته.
القضية الفلسطينية محلّ توافق
وفي 19 نوفمبر الماضي، تلقّى الوزير أحمد عطاف اتصالا هاتفيا من نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بحث خلاله الطرفان مستجدات القضية الفلسطينية في ظل العدوان الصهيوني على قطاع غزة. وفي هذا الإطار، أكد الطرفان “على ضرورة تحرك الهيئات الدولية بصفة استعجالية لوقف العدوان وإغاثة الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية الدولية له”.
كما شددا على “حتمية معالجة جذور الصراع برمته عبر إطلاق عملية سياسية جدية تفضي إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة”، وفق بيان الخارجية.
وسبق أن جرت محادثات بين الجزائر وإيران تتعلق بمباشرة التحضيرات الضرورية لعقد الدورة الثالثة للجنة المشتركة العليا، إلى جانب تفعيل غيرها من آليات التعاون الثنائي، على غرار لجنة المتابعة ولجنة المشاورات السياسية وكذا مختلف اللجان التقنية والقطاعية.
وكان الوزير عطاف قد أكد على “ضرورة التركيز أكثر على القطاعات التي تحظى بمكانة هامة وأولوية خاصة، لاسيما قطاعات الطاقة والصناعة والفلاحة والنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وصناعة الأدوية والمعدات الطبية”.
إلى جانب كل هذا، فإن لدى الجزائر وإيران المزيد من الملفات “الهامة” والمواضيع “البارزة” على غرار الأزمة الراهنة في العلاقات الدولية وقضايا تصفية الاستعمار، لاسيما في فلسطين والصحراء الغربية، إلى جانب الأزمات في اليمن وليبيا والسودان.
كما أن إيران تبدو مهتمة بمساعي الجزائر الرامية إلى المساهمة في نشر الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا، وبالخصوص مبادرة الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وكذا الدور الذي تضطلع به في قيادة مسار السلم والمصالحة في مالي ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، ودعم جهود التنمية في هذا الفضاء الجواري.
موقف الجزائر مشرف جدا
وبالعودة إلى تصريحات السفير الإيراني، تجدر الإشارة أن بابائي أكد ـ بشأن العدوان الصهيوني على قطاع غزة وباقي الأراضي المحتلة ـ أن القضية الفلسطينية صارت قضية العالم برمته، وليست قضية العرب والمسلمين فقط، واصفا موقف الجزائر مما يجري في فلسطين بأنه “مشرّف جدا ويبعث على الافتخار”، مثمنا الدعم الذي تقدمه وسائل الإعلام في الجزائر إلى القضية الفلسطينية.
وأكد السفير بابائي أن المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة “مقاومة مشروعة من أجل التحرر”، وهي “مقاومة يقودها ويقوم بها الفلسطينيون، وهم وحدهم المخولون بافتكاك حقوقهم المشروعة”، مؤكدا أن “الاحتلال الصهيوني إلى زوال”.
وفي السياق ذاته، انتقد الدبلوماسي الإيراني الدعم الغربي للاحتلال الصهيوني، واصفا ذلك بأنه “وقاحة ممّن يعتبرون أنفسهم دعاة حماية حقوق الإنسان، لكنّها في حقيقة الأمر لعبة يستعملها (الغرب) وقتما يشاء وكيفما يشاء”.
كما تطرق السفير بابائي إلى رغبة طهران في تطوير التعاون الثنائي في الجانب الإعلامي والثقافي، مشيرا إلى وجود برنامج خاص يهدف إلى ترقية التبادل بين رجالات الثقافة والإعلاميين في البلدين، عبر الزيارات المتبادلة، وإقامة لقاءات بين النخب في البلدين من أجل بناء جسور وقنوات تواصل مستمرة.