في أعقاب عملية طوفان الأقصى، التي نفّذتها المقاومة الفلسطينيّة ضدّ الاحتلال الصّهيونيّ، أطلق قادة الكيان الغاشم تهديدات بمطاردة القيادي في حركة حماس الفلسطينيّة، يحيى السنوار، معتبرين إياه مدبِّر العمليّة ومخطّطها الأوّل؛ وقال المتحدّث باسم الجيش الصّهيوني «دانيال هاغاري»: “سوف نستمر، سنلاحقه حتى نعثر عليه”.
يُعرف السنوار بأنه الرّجل صاحب النفوذ الأكبر في الأراضي الفلسطينية، بحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية، فهو من أعضاء حركة حماس الأوائل، وقد أسهم في تشكيل جهاز أمنها الخاص المعروف اختصارا بـ (مجد)، وكانت نقطة التحول في مسار السنوار عندما تفاوض الكيان الصهيوني على صفقة لتبادل الفلسطينيين المعتقلين لديها مقابل الجندي جلعاد شاليط الذي أسرته حماس عام 2011.
حينئذ، سمح الإسرائيليون للسنوار ـ الذي كان معتقلا لديهم ـ بالتّواصل مع قياديّي حماس الذين أرادوا استبدال أكثر من 1000 معتقل فلسطيني مقابل شاليط، بحسب الإيكونوميست، وقد اعترضت سلطة الكيان على عدد من الأسماء التي طالبت بها حماس، ولم يكن السنوار من بين هؤلاء المعترَض عليهم؛ وبالفعل، تم في 2011 إطلاق سراح السنوار وهكذا أصبح قياديّا في كتائب عز الدّين القسام، الذّراع العسكرية لحماس.
أتمّ يحيى إبراهيم السنوار، في التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي، عامه الحادي والستين؛ وقد وُلد في مخيم خان يونس للاجئين بغزة عام 1962، ومن هذه السنوات الـ61، قضى السنوار في السجون الصهيونية 24 عاما؛ هي معظم سنوات شبابه.
وفي الأصل، ينحدر السنوار عن عائلة كانت تعيش في مدينة المجدل عسقلان ـ قبل أن يحتلها الكيان الصهيوني عام 1948 ـ وترعرع السنوار في مخيم خان يونس الذي ما لبث أن وقع أيضا تحت الاحتلال في عام 1967.
من دركات السّجن.. إلى قمّة النّفوذ
وتلقّى السنوار تعليمه في مدارس المخيم حتى أنهى دراسته الثانوية، ليلتحق بالجامعة الإسلامية في غزة لإكمال تعليمه الجامعي، ويحصل على درجة البكالوريوس في اللّغة العربية. وفي عام 1982، أُلقِيَ القبض على السنوار ووُضع رهن الاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر بتهمة الانخراط في أنشطة معادية للاحتلال، لكن محكمة صهيونية قضت ـ في عام 1988 ـ على السنوار بالسّجن مدى الحياة أربع مرّات (مدة 426 عاما)، أمضى منها 24 عاما في السجن، إلى أن تم إطلاق سراحه في 2011.
واستفاد السنوار من معرفته بالسجون الصهيونية، التي حصل عليها خلال السّنوات الطويلة التي قضاها في زواياها (السجون)، ما أعطاه نفوذا بين القيادات العسكريّة في حماس. أما على الصعيد السياسي، فقد انتُخب السنوار في عام 2017، رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، في قطاع غزة.
وفي العام ذاته، لعب السنوار دورا دبلوماسيا رئيسا في محاولة إصلاح العلاقات بين السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح في الضفة من جهة، وحركة حماس في غزة من جهة أخرى، ولكن لم يُكتب لهذه المحاولة النجاح، كما عمل السنوار في مجال إعادة تقييم علاقات حماس الخارجية، بما في ذلك تحسين العلاقات مع مصر. وفي سبتمبر 2015، أدرجت الخارجية الأمريكيّة يحيى السنوار على لائحتها.
وكان موقع «ميديا بارت» الفرنسي الاستقصائي، قد رجّح أن يكون السنوار هو العقل المدبّر لخطة الخداع الإستراتيجي التي انتهجتها كتائب القسام عبر 4 مراحل، وصولًا إلى «طوفان الأقصى»، والتي كبدت الاحتلال الصهيوني خسائر بشرية ومادية ونفسية هائلة، وهزّت الصورة النّمطية لقدرة أجهزته الاستخباراتية والأمنية.
وأفاد الموقع بأن «رجل حماس القوى» الذي يلقبه الكيان بوزير دفاع حماس، ويضعه على قائمة الاغتيالات، عاد من سجون الاحتلال بثأره، بعد إطلاق سراحه في صفقة تبادل عام 2011، معتبرة أن السنوار أظهر ـ في البداية ـ اكتفاءه بدور الدّبلوماسي للتّفاوض على تبادل «السجناء بالرهائن»، لكن عنصر الدّهشة الآخر يأتي من كون السنوار منذ تولّيه قيادة حماس في غزة عام 2017، استحدث شكلًا من أشكال المواجهة مع العدو اعتبره البعض «مستحيلًا»، بسبب عدم تكافؤ القوى على المستويات كافة: استخباراتية وعسكرية.
عبور فلسطيني ترك العالم مشدوها
في فجر السبت، السابع من أكتوبر 2023، نفّذ مقاتلو كتائب «القسام»، هجومًا متعدد الأبعاد، بدأ باقتحام معبر بيت حانون (إيريز) الحدودي، وأطلقوا صواريخهم على الجدار الأسمنتي الذي شيّده الاحتلال لمحاصرة قطاع غزة ثم على السّياج الحديدي الذي يبلغ ارتفاعه عدة أمتار، لفتح ممرات نحو مستوطنات ومدن غلاف غزة في عملية أذهلت العالم، فقد استولى رجال المقاومة على جرافة تابعة لقوات الاحتلال واستخدموها للعبور بأسلحة هجومية نحو الداخل الفلسطيني المحتل (جنوبًا) فيما يعرف بمستوطنات ومدن غلاف غزة.
لقد عبروا بالفعل الحاجز بالعشرات، إضافة إلى عملية إنزال جوى نفذها عشرات المقاتلين على متن طائرات شراعية صُنعت محليًّا في مشهد أذهل العالم نظرًا إلى عدم التكافؤ الإستراتيجي والعسكري والمادي بين الجهتبن، وقد جاء ذلك بالتزامن مع إطلاق مقاتلى كتائب القسام، وفى اتجاه بحر غزة، أكثر من 5 آلاف صاروخ على المواقع الصهيونية أربكت القبة الحديدية بعددها.
الطوفان.. انتصار ومفاجأة إستراتيجية
شغل الحدث الصحف العالمية، واعتبرته الصحف الإسرائيلية، بينها “هاآرتس” و”يديعوت أحرونوت” و”حدشوت”، الناطقة بالعبرية «فشلًا استخباراتيًّا» ووصف موقع “حدشوت” طوفان الأقصى بأنه «نكسة تشبه هزيمة الاحتلال في حرب أكتوبر»، المعروفة في الأوساط العبرية بـ «يوم كيبور»، فيما وصفت “يديعوت أحرونوت” توقيت العملية الذي جاء متزامنا مع الذكرى الـ50 لهزيمة الكيان في أكتوبر بأنها فاجعة جديدة في أكتوبر أسود.
واعتبرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن عبور مقاتلى حماس الجدار الفاصل المزود بالتكنولوجيا الفائقة، الذي بني بين قطاع غزة ومناطق الاحتلال بين عامي 2018 و2021 بتكلفة مذهلة، مفاجأة إستراتيجية وعسكرية بكل المقاييس، متعجبة من اختراق جدار حديدي تطلب بناؤه 140 ألف طن من الحديد الصلب، وممول بأكثر من مليار دولار، ويعد خلاصة للإبداع التكنولوجي، وهو مليء بالرادارات وأجهزة الاستشعار وخاصة في أعماق الأرض.
وتناولت “بى بى سى” البريطانية ما وصفته بـ«السيناريو الكابوس»، معتبرة أن طوفان الأقصى يعكس «انتصار حماس» وفشلًا صهيونيًّا على نطاق هائل، فيما يرجّح محلّلو الكيان أن هذا التّطور الهائل في أساليب المقاومة الفلسطينية إنما هو ثمرة عمل رجل الأقوى “يحيى السنوار”.