لماذا اختار لافروف الجزائر وسلطنة عُمان كأبرز محطتين في جولته المفاجئة للمنطقة؟

تلفت الجولة الحالية التي يقوم بها سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي في المنطقة الأنظار من حيث توقيتها وجدول أعمالها، ولأنها شملت حتى الآن الجزائر وسلطنة عُمان، الأمر الذي يعكس دبلوماسية روسية نشطة تتمحور بشكل مباشر حول موضوعين رئيسيين وهما النفط والغاز، وعلاقتهما الاستراتيجية بالحرب في أوكرانيا.

لافروف التقى بالسيد هيثم بن طارق سلطان عُمان، وقبلها بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وحظي في اللقاءين بالتزام صارم باتفاق “أوبك +” وعدم زيادة الإنتاج النفطي تلبية لطلب الادارة الامريكية لتخفيض أسعار النفط، وبما يؤدي إلى خفض أسعاره، للحفاظ على استقرار الاقتصاد الغربي.

الرئيس عبد المجيد تبون حرص أثناء لقائه بوزير الخارجية الروسي على التأكيد “بأن بلاده ستكون وفيه جدا لصداقتها مع روسيا”، واضاف “ان الجزائر وروسيا تتجهان إلى تأسيس شراكة استراتيجية معمقة”، وهذا يعني للوهلة الأولى أن الغاز الجزائري لن يكون بديلا للغاز الروسي في حال فرض حظر على الأخير أمريكيا وأوروبيا، وهذا الالتزام مطمئن للضيف الروسي وحكومته لأن الجزائر هي من الدول القليلة القادرة (إلى جانب قطر وإيران) على تعويض ومنافسة الغاز الروسي أوروبيا لما تمتلكه من احتياطات ضخمة، ولقربها من العواصم الأوروبية.

نعم.. الجزائر كانت وفيّه جدا للصديق الروسي مثلما قال الرئيس تبون لضيفه وزير الخارجية، فقد اتخذت موقفا متوازنا تجاه الحرب في اوكرانيا، وقاومت كل الضغوط للانحياز إلى أمريكا فيها، وتلبية الطلبات التي حملها انتوني بلينكن وزير الخارجية الامريكية أثناء زيارته لها الشهر الماضي، ومن بينها سد أي عجز في امدادات الغاز في حال فرض حظر على روسيا وصادراتها من الطاقة.

روسيا في المقابل كانت وفيه للجزائر أيضا، ويتضح هذا الوفاء في تزويد الأخيرة بمنظومات صواريخ “أس 300” الدفاعية وفي وقت مبكر، وقبل الكثير من الدول الأخرى الحليفة لموسكو، وعلينا أن نضع في اعتبارنا ان الجزائر هي التي وقفت خلف اتفاق “أوبك +” الذي على أكانه قامت العلاقة بين الدول المنتجة للنفط، سواء داخل أوبك او خارجها، وحققت بذلك التنسيق والمصالحة التاريخية بين الجانبين، مما أدى إلى أسعار عادلة للطاقة.

الموقف العُماني بالالتزام بالاتفاق المذكور، وإعلانه أثناء زيارة الوزير لافروف جاء مفاجئا أيضا، لأن السلطنة التزمت الصمت في هذا الإطار على عكس السعودية والامارات اللتين جاهرتا بموقفهما برفض الطلب الأمريكي بزيادة الإنتاج، ليس لأنها كانت من بين المستفيدين من زيادة أسعار النفط (إنتاجها يقترب من المليون برميل يوميا) نتيجة هذا الالتزام، وإنما أيضا لحرصها على اتخاذ موقف حيادي من حرب أوكرانيا، والنأي بالنفس عن الخلافات العربية والدولية من سمات السياسة الخارجية العُمانية على أي حال.

قبول الرئيس تبون للدعوة التي حملها إليه وزير الخارجية الروسية لزيارة موسكو، وربما تُلبى في الأسابيع المقبلة على درجة كبيرة من الأهمية لأنها ربما تتضمن الاتفاق على صفقات أسلحة روسية متطورة إلى الجزائر، وخاصة منظومات صواريخ “اس 400” وربما “اس 500” إلى جانب طائرات “سوخوي 35” وطائرات “مسيرّة” حديثة أيضا.

الجزائر من الممكن أن تكون البوابة الأوسع والأكثر ثقة لروسيا إلى القارة الافريقية، خاصة في هذا الوقت الذي تعترف فيه فرنسا بالهزيمة وتبدأ في سحب قواتها ونفوذها من مالي والساحل الافريقي.

ويبدو أن الروس عائدون إلى المنطقة العربية بقوة، وهو إنجاز مهم لدبلوماسيتهم النشطة، يعود إلى إرثهم التاريخي في دعم الأمة العربية وقضاياها، عكس الولايات المتحدة ودول أوروبا، الذين يتعاطون معها ومع شعوبها في كثير من الأحيان بخلفية استعمارية فوقية.

برهان علي الإمام

برهان علي الإمام

كاتب صحفي في موقع الأيام نيوز

اقرأ أيضا