خبا وهج الأحزاب السياسية في تونس ـ بمختلف توجμهاتها الإيديولوجية ومشاربها الفكرية ـ إذ تراجعت أنشطتها وخفت صوتها بعد أن فعّل الرئيس التونسي قيس سعيد بعد 25 جويلية 2021، الإجراءات الاستثنائية ليقتصر بذلك دور مختلف الأحزاب على المعارضة التي يراها عديد المراقبين أنها معارضة “شكلية دون التفكير في مراجعات داخلية تحميها من سرعة نسق الاندثار الذي أصبح يهدّد أغلبها في الساحة السياسية في تونس.”
وقد نجح الرئيس التونسي قيس سعيّد في كسب ثقة التونسيين وإقناعهم بأن مختلف الأحزاب السياسية التي يتعدى عددها 200 حزب، لم تعد قادرة على حلّ الأزمات ومعالجة قضايا الشعب لأن هذه الأحزاب انشغلت طيلة العشرية الماضية بالصراعات الإيديولوجية وتوزيع المصالح والغنائم.
وبعد انحسار دور مختلف الأحزاب السياسية في تونس ـ خلال الأشهر الأخيرة ـ حتى أن العديد منها أعلن مقاطعته الانتخابات التشريعية، فيما اختارت قيادات هذه الأحزاب اعتزال العمل السياسي، وهو ما ينبئ بفرضية تحقّق مقولة الرئيس قيس سعيّد خلال الانتخابات الرئاسية سنة 2019 بأن “عصر الأحزاب انتهى وسنبدأ عصراً جديداً”.
تقهقر شعبي.. النهضة الخاسر الأكبر
وكان سعيّد قد حمّل الأحزاب السياسية، مسؤولية الانهيار الذي تعيشه تونس والدور الذي لعبته في إضعاف الدولة و”سرقة أحلام الشعب وإرادته”، لذلك فيقول بأنه يريد أن يعيد السيادة للشعب وأن يحكم وفق إرادته لأنّ “الديمقراطية النيابية في الدول الغربية ذاتها أفلست وانتهى عهدها”.
وجاءت بداية تقهقر شعبية الأحزاب في تونس وتراجعها منذ سنوات، وهذا ما كشفت عنه دراسة لسبر الآراء (2017،) قدّمتها مؤسسة سيغما كونساي” وأكدت فيها تراجع ثقة المواطن في السياسيين والأحزاب السياسية، إذ عبّرت أقليّة بين 25 و30 بالمائة فقط، عن نيتها التصويت في الانتخابات القادمة.
وكانت حركة النهضة الخاسر الأكبر من بين الأحزاب التونسية التي وصلت إلى الحكم بعد 2011، حين فقدت رصيدها الانتخابي شيئا فشيئا نتيجة إخفاقها في الإيفاء بتعهداتها، إزاء أنصارها الذين سرعان ما تفطنوا لأن ما وعدت به لا يخرج عن مربع الشعارات السياسة المفرغة من أي محتوى.
مراجعة ذاتية
وعلى مستوى شعبي، فقدت الأحزاب في تونس مصداقيتها لدى أغلب التونسيين، لكن هذا لا يمكن اعتباره نتيجة حتمية من أن الأحزاب انتهت فعليا، إذ قدّر محللون أن العملية السياسية لا يمكن أن تقوم إلا بوجود الأحزاب، لكنْ ليس بالشكل التقليدي لذلك، يتحتّم على أغلب الأحزاب في تونس وخاصة التي تعتبر وازنة ولو نسبيا إجراء عملية مراجعة.
وجاء التفاف التونسيين حول الرئيس قيس سعيد بعد اتخاذه إجراءات استثنائية وفق مراقبين “كمتنفس بالنسبة لهم بعد سنوات من الغضب الشعبي المتصاعد من الأحزاب السياسية بسبب الركود الاقتصادي والفساد والشلل السياسي.”
معارضة شكلية
ويقول محسن النابتي الناطق الرسمي لحزب التيار الشعبي لـ«الأيام نيوز»: “باستثناء الإخوان الذي لا يمثلون حزبا وإنما جماعة، فإن باقي الأحزاب والشخصيات التي تعارض الرئيس قيس سعيد بشكل راديكالي اليوم، كانت دائما قوى إصلاحية في تعاطيها مع الأنظمة المتعاقبة”.
ويعتقد النابتي أن “مردّ هو الأمر يعود إلى حجم المصالح التي أرسيت في فترة العشرة سنوات السابقة والتي باتت فيها الأحزاب مهددة، كما أن جزءا كبيرا من الطبقة السياسية التي حكمت وتسيّدت المشهد كانت بشكل أو بآخر جزءا من هذه الشبكات واستفادت ولو معنويا، وبالتالي لم تستوعب وغير مستعدة أن تستوعب أنها خسرت كل هذا بجرة قلم، وهذا ما شكل حاجزا دون القيام بأي تقييم موضوعي أو مراجعة أو نقد ذاتي وأعتقد أنها ستبقى طويلا تحت تأثير الصدمة.”
ويضيف النابتي: “بالنسبة للإخوان وهم خصوصية داخل هذا المشهد، أولا، فإن جزءا من أسباب الاحتقان السياسي الحاد والعنيف، بدأ منذ ظهور هؤلاء الإخوان في المشهد وخاصة بعد 2011 تقريبا، إذ كانوا طرفا في كل الصراعات السياسة العنيفة بالبلاد، كانوا ـ للأسف ينجحون ـ كل مرة ـ في استعمال بعض النخب المدنية كقفاز ناعم لخوض صراع عنيف وهو ما يحصل اليوم وهذا مردّه إلى جشع وطمع هذه النخب في قيادة جمهور الإخوان بالإضافة إلى العجز عن الصبر والمراكمة لبناء كتلة شعبية مدنية”.
الأحزاب مشاريع فكرية
ويعتبر النابتي أنه “بالنسبة لمستقبل الأحزاب في تونس لن تحدده أي سلطة حاكمة، لأن الأحزاب من المفروض ليست رخصا إدارية لشركات وإنما مشاريع فكرية وسياسية وبرامج، لكنها في الواقع أصبحت أسوأ من ذلك.. مجرد جماعات ـ إما طائفية كالإخوان والسلفية والتحرير أو مجرد واجهات مصالح وأغلبها وظيفي يختفي باختفاء الوظيفة والدليل أن 99 بالمائة من الأحزاب التي حكمت المشهد أو شاركت من 2011، اختفت نهائيا وعناصرها يعيشون مطاردين وهاربين، وبالمقابل قامت هذه المنظومة عن طريق أحزابها ولوبياتها وإعلامها بتحطيم المشاريع الوطنية الجادة وترذيلها، فليس صدفة استهداف واغتيال الشهيد محمد براهمي مباشرة بعد تأسيس التيار الشعبي أو الشهيد شكري بلعيد، وهكذا فمن الطبيعي أن تنتهي أحزاب المقاولات والمناولة السياسية والجماعات الوظيفية فيما ستبقى المشاريع الوطنية على المدى المتوسط.”