بعد أكثر من ستة أشهر على بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما خلّفته من أزمة إنسانية غير مسبوقة، بات واضحا للعالم أجمع أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن، غير راغب، أو غير قادر على إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بضرورة وقف إطلاق النار.
أرجع مقال نشرته “مجلة فورين بوليسي” أو “Foreign Policy Magazine”، عجز بايدن عن استخدام النفوذ الذي تتمتع به بلاده، لفرض وقف فوري لإطلاق النار، إلى أربعة أسباب، حيث قال كاتبا المقال، وهما آرون ديفيد ميلر، وآدم إسرائيليفيتز، وكلاهما باحثان في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إنّ الرئيس الأمريكي يملك قوة التريّث في التعامل مع الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، ولديه سلطة تقييد المساعدات العسكرية، وخيار التصويت لصالح قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تنتقد الكيان الإسرائيلي أو الامتناع عن التصويت عليها، كما يمكنه المطالبة بوقف الأعمال العدائية ضدّ المدنيين الفلسطنيين دون قيد أو شرط، ولكنه لا يلجأ لأي من هذه الخيارات المتاحة أمامه.
فبعد أن ربط نفسه بأهداف الحرب الإسرائيلية ضدّ حماس، يقول آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز، يبدو أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن الآن، أصبح رهينة لرئيس وزراء وضع بقاءه السياسي فوق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وربما حتى المصالح الكُبرى لبلاده. ففي الواقع، قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، باختلاق أزمة في العلاقة بين البلدين، بسبب امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، وانتقد نتنياهو الإدارة الأمريكية وألغى زيارة وفد إسرائيلي رفيع المستوى إلى واشنطن.
لا بد أنّ صبر بايدن بدأ ينفد، يقول الكاتبان، في المقال الموسوم بـ ” Why Biden Can’t Force a Truce on Israel—or Won’t ” أو “لماذا لا يستطيع بايدن فرض هدنة على إسرائيل – أو لا يُريد ذلك؟”، فبعد ما يقرب من ستة أشهر من الحرب التي يبدو أنها لا نهاية لها، حسب ميلر وإسرائيليفيتز، قدّم الرئيس بايدن لـ “إسرائيل” هذا النوع من الدعم الثابت الذي ربما لم يتجاوزه سوى الرئيس السابق ريتشارد نيكسون خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973. ولم يحصل على سوى القليل في المقابل، ولكنه لا يتحرك للأسباب التالية:
علاقة حبّ بين بادين والكيان
على خلاف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر- الذي جهر بمعارضة ما يحدث في قطاع غزة – فإنّ الضغط على الإسرائيليين ليس من طبيعة بايدن، ورغم أنّ الرؤساء لا ينبغي لهم أن يضعوا سياساتهم على أساس أحكام عاطفية أو مشاعر مسبقة، إلا أنّ الأمر مختلف في الرئاسة الأمريكية، حيث يجلب الرؤساء إلى مناصبهم تاريخهم وحساسياتهم ووجهات نظرهم التي طبعت على مدى حياتهم.
بايدن لا يحب صديقه نتنياهو، لكنه مغرم بفكرة الشعب الإسرائيلي وأمن “وطنه”، وباستثناء كل رؤساء الولايات المتحدة، يعتبر جو بايدن نفسه جزءا من قصة “إسرائيل” مع التزام عاطفي تعززه عقود من التفاعل مع قادة “الكيان” والانغماس في مجلس الشيوخ، حيث كان يُنظر إلى التعامل الجيد مع “إسرائيل” على أنه سياسة وسياسة جيدة. وإذا كان هناك أي عامل يفسّر الدعم الاستثنائي الذي يقدّمه الرئيس الأمريكي الحالي لـ “إسرائيل” منذ الـ 7 أكتوبر، فهو ذلك الرابط العاطفي.
في الواقع، فإنّ الموقف الافتراضي لبايدن حتى في مواجهة الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ “إسرائيل” ليس المواجهة، بل التكيّف معها، والبحث عن سبل لإدارة التوترات وحلّ المشاكل بهدوء إن أمكن، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمن “إسرائيل”، ومن بين جميع نقاط الضغط المتاحة لبايدن، فإنّ النقطة التي سيكون أكثر تردّدا في استخدامها، حسب المقال، هي تقييد المساعدة العسكرية أو فرض شروط عليها، ناهيك عن وقفها، في ظلّ الأزمة التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية في حربها ضدّ حركة حماس في قطاع غزة، وما قد تواجهه من تصعيد كبير مع حزب الله اللبناني في الشمال.
هجمات الـ 7 أكتوبر غيّرت المعادلة
السبب الثاني الذي قدّمه آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز، لتردّد الرئيس الأمريكي جو بايدن في إرغام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو على فرض هدنة ووقف لإطلاق النار، ولو بشكل مؤقت، يتمثل في أحداث الـ 7 أكتوبر 2023، إذ يرى المتحدثان أنّ مخاطر الصراع الحالي مهما كانت كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها تتزايد بشكل أكبر بالنسبة للكيان الإسرائيلي، مما يعني أنه بغض النظر عن مدى قوة الضغط والإقناع، فإنّ الإسرائيليين مستعدون للرد على أولئك الذين يمارسونه.
وفي هذا الإطار، استذكر ميلر وإسرائيليفيتز، أزمات سابقة استخدمت خلالها الولايات المتحدة الضغط على الكيان الإسرائيلي بنجاح حتى أثناء الأزمات، أبرزها تهديد الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور بفرض عقوبات على الكيان في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1956، إذا لم يسحب قواته من سيناء، ومنع الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر، الكيان الإسرائيلي من تدمير جيش مصر الثالث للحفاظ على قنوات دبلوماسية مع الرئيس المصري أنور السادات في فترة ما بعد الحرب في عام 1973.
السياسة الداخلية الإسرائيلية تجعل الأمر صعبا
لو كان بايدن يخوض معركة ضد نتنياهو فحسب، فقد يكون من الأسهل تصوّر الضغط على زعيم لا يحظى بشعبية وفقد ثقة غالبية الإسرائيليين، ولكن الأمر مختلف، فرغم أنّ الإسرائيليين يعارضون السياسات الصارمة التي ينتهجها رئيس الوزراء في مواصلة الحرب ضدّ حماس في غزة، إلا أنّ غالبيتهم غير معنيين ولا يركّزون على الوضع الإنساني المروع في غزة. كما أنّ الإسرائيليين لا يتوقون إلى قبول آراء إدارة بايدن بشأن أهمية حل الدولتين، وعلى الأقل في الوقت الحالي، لا يزال ائتلاف نتنياهو اليميني سليما معافى.
وعلى الرغم من أنّ جو بايدن يحظى بشعبية كبيرة في الكيان الإسرائيلي، إلا أنّ حربا كلامية بينه ونتنياهو، لن تمكّنه من إقناع الإسرائيليين بأنّ رئيس وزرائهم غير صالح للمنصب، يقول الكاتبان آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز.
إنهاء الحرب دون تعاون إسرائيلي غير ممكن
إلى جانب علاقة الحب التي تربط الرئيس الأمريكي بالكيان الإسرائيلي، وطبيعة هجوم الـ 7 أكتوبر، وما تفرضه السياسة الداخلية الإسرائيلية، تحدّث الكاتبان عن صعوبة إنهاء الحرب الإسرائيلية الفلسطينية دون تعاون إسرائيلي، فبخلاف الارتباط العاطفي بين بايدن و”إسرائيل”، فإنّ العائق الأكبر أمام ممارسة ضغوط كبيرة على نتنياهو، إما لاستباق سياسة إسرائيلية أو فرض تكاليف على الكيان لتنفيذ سياسة تتعارض مع المصالح الأمريكية، هناك حقيقة واضحة، تتمثل في أنّ تهدئة الحرب، أو إنهائها من دون تعاون إسرائيلي غير ممكنة.
وبينما يتعامل جو بايدن مع رئيس وزراء إسرائيلي قد تكون له مصلحة في إطالة أمد الحرب ومعارضة المصالح الأمريكية في هذه العملية، ما لم يتمكن من تغيير حكومة “إسرائيل” – وهو ما لا يستطيع القيام به -، فهو بحاجة له من أجل التوصّل إلى صفقة الرهائن، التي تعد المسار الوحيد الذي يوفّر أي أمل في شراء وقف مؤقت لإطلاق النار وخفض التصعيد المتواصل في القطاع.
وحسب المقال، فإنّ جو بايدن بحاجة إلى الكيان الإسرائيلي لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبحاجة له إذا كانت هناك أي فرصة للتوصل إلى طريقة للتوفيق بين الحملة الإسرائيلية المخطط لتنفيذها في رفح، وبين حماية الفلسطينيين هناك، كما سوف يحتاج إليه في أي ترتيبات قد يتم التوصل إليها في مرحلة ما بعد الصراع في قطاع غزة. وهنا يطرح الكاتبان سؤالا حول انعكاسات الضغط على الكيان الإسرائيلي، على تعزيز أو تأخير أي من هذه الأهداف.
وذكر المقال أربع نقاط على الأقل، متاحة أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن للضغط والإشارة إلى معارضة إدارته للسياسات الإسرائيلية منذ بداية الحرب، وهي تقييد المساعدات العسكرية، التصويت لصالح قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تنتقد الكيان الإسرائيلي أو الامتناع عن التصويت عليها، والمطالبة بوقف الأعمال العدائية دون قيد أو شرط، ولكنه لم يلجأ لأي منها، باستثناء الإمتناع عن التصويت على القرار رقم 2728 في مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، بهدف التأكيد على موقف واشنطن من ضرورة أن يأتي وقف إطلاق النار، ضمن اتفاق على الإفراج عن الرهائن في غزة.
وفي ختام المقال، خلص الكاتبان إلى نتيجة مفادها أنّ الارتفاع الهائل في أعداد الضحايا والمعاناة الفلسطينية والكارثة الإنسانية الحاصلة في قطاع غزة، بما فيها احتمال حدوث مجاعة، قد لا تكفي لإجبار الرئيس جو بايدن، على أن يكون أكثر حزما، فمع المعارضة الجمهورية لأي ضغط على الحكومة الإسرائيلية، واقتراب الانتخابات الرئاسية، من الواضح أنّ بايدن، الطامح للفوز بعهدة رئاسية ثانية، والمؤيد للكيان الإسرائيلي، بشكل غير طبيعي، متردّد في استخدام النفوذ المتاح له، ومن المتوقع أن ينظر طويلا قبل أن يقفز.