تعكس الاشتباكات الأخيرة بين قوات خليفة حفتر، وقوة عسكرية محلية في مدينة سبها، مركز إقليم فزان، بالجنوب الليبي، اختلال توازن القوى في الجنوب مع ظهور سيف الإسلام القذافي، وترشحه للانتخابات الرئاسية، بدعم روسي ورفض أمريكي.
فسبها خضعت لسيطرة قوات حفتر بالكامل عام 2019، بالتحالف مع قبائل عربية، وعلى رأسها قبيلة أولاد سليمان، وأيضا مع ضباط موالين لنظام القذافي السابق، وعلى رأسهم محمد بن نايل، قائد اللواء 12، من قبيلة المقارحة المتمركزة في براك الشاطئ (جنوب) ولكن دخول القذافي سبها، في وضح النهار، وبحماية أمنية، وتقديمه ترشحه للانتخابات الرئاسية، ثم خروجه مرفقا برتل من السيارات من المدينة دون أن يعترضه أحد، كشف للعيان، أن قوات حفتر لا تسيطر فعليا على المدينة.
وحسب تقارير اعلامية فإن هذه الحقيقة دفعت حفتر إلى إرسال تعزيزات عسكرية من قاعدة الجفرة الجوية (وسط) إلى سبها، لإحكام السيطرة عليها، ومحاولة القبض على سيف الإسلام أو قتله، واعتقال ضباط الأمن والعسكريين الداعمين له في المدينة.
أول فشل قوات حفتر، وبالأخص كتيبة طارق بن زياد، عدم تمكنها من اعتقال مدير أمن سبها محمد بشر، الذي ظهر في صورة مبتسما خلف القذافي، عند تقديم أوراق ترشحه بمكتب مفوضية الانتخابات بالمدينة، ما أوحى بأنه من داعميه.
ورغم إشاعة مقتل القذافي الابن على يد قوات حفتر، إلا أنه سرعان ما تم تكذيبها.
الإخفاق الثاني لقوات حفتر، اضطرارها لفك الحصار عن محكمة سبها، تحت ضغط احتجاجات لأنصار القذافي بالمدينة، وانتقادات محلية ودولية، ما فتح المجال لعودة سيف الإسلام للسباق الرئاسي بعدما استبعدته مفوضية الانتخابات.
الإخفاق الثالث لقوات حفتر في سبها، دخولها في مواجهات مسلحة مع كتيبة 116، بقيادة مسعود جدي (من قبائل أولاد سليمان)، والتي تسيطر رفقة كتائب أخرى على أجزاء واسعة من المدينة.
والمفارقة أن الكتيبة 116 كانت تابعة لحفتر، ولكنها انشقت عنها وأعلنت ولاءها للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة في طرابلس.
وتحدي الكتيبة 116 لقوات حفتر، ممثلة في قوة عمليات الجنوب بقيادة مبروك السحبان، وقوات طارق بن زياد، ليس نابعا من دعم المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة لها، بقدر ما هو راجع لدعم حاضنتها الشعبية ممثلة في قبيلة أولاد سليمان، وأيضا للقبائل الموالية لنظام القذافي وعلى رأسها القذاذفة.
فقبائل سبها وعلى رأسهم أولاد سليمان والقذاذفة والتبو والطوارق، بدأوا يضيقون ذرعا بقوات حفتر، خاصة مع تدهور أوضاعهم المعيشية منذ سيطرتها على فزان في 2019.
واندلعت المواجهات بين الكتيبة 116 وقوات حفتر، في 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وخلفت 4 قتلى على الأقل من الطرفين، بحسب المنظمة الحقوقية “رصد الجرائم الليبية”.
وجاءت المواجهات المسلحة، على خلفية اتهام مديرية أمن سبها مليشيات حفتر بالاستيلاء على 11 سيارة ذات دفع رباعي بقوة السلاح، عندما كانت في طريقها إلى المنطقة الجنوبية، أرسلتها الحكومة إلى المديرية من أجل تأمين الانتخابات.
بينما زعمت قوات حفتر أن الكتيبة 116 التابعة للحكومة بدعم من مديرية أمن سبها، حاولت اقتحام مقر الاستخبارات العسكرية، والمواقع والتمركزات الأخرى التي تسيطر عليها كتيبة “طارق بن زياد”.
وبعد إرسال قوات حفتر تعزيزات إضافية إلى سبها، وعدم قدرة الكتيبة 116 على مواجهتها منفردة، تم التوصل إلى تسوية تتضمن تغيير قائد الكتيبة 116 مسعود جدي، وتكليف علي الديب، الموالي لحفتر بدلا عنه.
بينما هدد مبروك السحبان، في فيديو متداول، سكان الجنوب باستهداف أي جسم عسكري لا يتبع لقوات حفتر بالمنطقة.
وهذا الفيديو ينفي ما أشيع مؤخرا حول انشقاق السحبان عن حفتر وانضمامه إلى القذافي الابن، رغم أنه من قبائل المقارحة في براك الشاطئ، المتعاطفة مع النظام السابق.
الانتخابات إلى المجهول
استيلاء قوات حفتر على سيارات الشرطة التي أرسلتها حكومة الوحدة إلى أمن سبها، يؤكد ان وزارة الداخلية غير قادرة فعليا على تأمين الانتخابات ومراكز الاقتراع، ولا ضمان نزاهتها في المناطق الخاضعة لحفتر.
وهو عامل آخر يضاف إلى الصعوبات التي تواجهها مفوضية الانتخابات في إعلان القائمة النهائية للمرشحين، وتنظيم الانتخابات في 24 ديسمبر، والذي أصبح في حكم المستحيل.
فالصراع بين القذافي الابن وحفتر في تصاعد، أمام قلق الأخير من تقلص حظوظه في الفوز بالانتخابات إن شارك سيف الإسلام فيها، بل قد يؤدي ذلك إلى شق صفوف مليشياته، التي تضم العديد من الضباط والكثير من جنود النظام السابق.
إذ ليس من المستبعد أن يسعى سيف الإسلام القذافي، أن يضغط قبليا وعسكريا لإخراج قوات حفتر في الجنوب، خاصة وأنه مازال يحظى بدعم قبائل القذاذفة والمقارحة وشطر من الطوارق والتبو وأولاد سليمان، وهي القبائل الرئيسية في فزان.
لكن ميزان القوة العسكرية مازال في صالح حفتر، إلا إذا تدخل مرتزقة شركة فاغنر الروسية بثقلهم في الصراع، لدعم سيف الإسلام، ما قد يجعل منه قوة ثالثة في مواجهة الشرق والغرب.
صراع روسي أمريكي
لم تخف الولايات المتحدة الأمريكية اعتراضها على ترشح القذافي من أول يوم قدم فيه أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية، ما يخف توجسا من إمكانية فوزه بالرئاسة بعدما تمكنت واشنطن وحلفاؤها من الإطاحة بحكم والده قبل عشر سنين.
إذ عقب تقديم القذافي الابن أوراق ترشحه، صرح نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط جوي هود، “أعتقد أن العالم كله لديه مشكلة مع ذلك، فهو يعد أحد مجرمي الحرب، ويخضع لعقوبات الأمم المتحدة، ولعقوبات أمريكية”.
بينما دافعت روسيا عن حق سيف الإسلام في الترشح للرئاسة، وانتقدت إسقاط مفوضية الانتخابات اسمه من القائمة الأولية للمترشحين، قبل أن يعيده القضاء.
ومؤخرا، انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في تصريح تلفزيوني، اعتراض الولايات المتحدة على ترشح سيف الإسلام لرئاسة ليبيا، وحث “الأمريكيين والأوروبيين بأن يدعوا الليبيين يقررون بأنفسهم”.
وهذا الخلاف الأمريكي الروسي بشأن ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسيات، سبب آخر لتأجيل الانتخابات.
إذ صرح خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) لقناة ليبيا الأحرار، أن “واشنطن ترفض مشاركة القذافي في السباق الرئاسي، وموسكو تُصر على دخوله”.
واعتبر أن “التدخل الخارجي في الانتخابات الليبية وصل إلى حد غير مقبول”.
إذ أن تأجيل الانتخابات عن موعد 24 ديسمبر، قد يؤخر انفجار القتال في الجنوب بين قوات حفتر و أنصار القذافي المدعومين من روسيا، لكنه لا يقدم حلولا للمستقبل.