بعد أكثر من أسبوع عن موعد انتخابات التجديد النصفي ـ التي جرت الثلاثاء الـ08 نوفمبر الجاري ـ تمّ الاثنين إعلان فوز المرشحة الديمقراطية التي تشغل منصب سكرتير الولاية «كاتي هوبز» بمنصب حاكم أريزونا، على «كاري ليك» مقدّمة الأخبار السابقة والمرشحة الجمهورية.
وخلفت هزيمة «ليك» التي تعد أحد أقوى “منكري الانتخابات” ـ غير المعترفين بهزيمة ترامب أمام بايدن عام 2020 ـ الذين دخلوا معركة التجديد النصفي مزوّدين بدعم الرئيس السابق دونالد ترامب، موجة واسعة من التعليقات.
وإلى جانب السياسيين الديمقراطيين والناخبين المنتمين لحزبهم، الذين تباهوا بقدرة حزب الرئيس جو بايدن على افتكاك منصبي الحاكم وعضو الكونغرس بالولاية المتأرجحة، والاحتفاظ بالولاية التي ربح أصواتها بايدن في الرئاسيات السابقة، عكست تعليقات الجمهوريين الانقسام الحاصل في الحزب العتيد.
هذا الانقسام عبر عنه الـ MGA Republicansأو الجمهوريون المنتمون لحركة ترامب التي تحمل شعار Make America Great Again (اجعل أمريكا عظيمة مجددا) وتُختصر للأحرف الأولى لكلمات الشعار MAGA (ماغا)، من خلال سخطهم واتهامهم القائمين على الانتخابات في ولاية أريزونا بتزوير النتائج لصالح المترشحة الديمقراطية كاتي هوبس على حساب كاري ليك التي جرى الحديث عن إمكانية اختيارها كنائبة رئيس في حال ترشح ترامب للرئاسيات المقبلة، في مقابل تصاعد صوت آخر داخل الحزب الجمهوري عبرت عنه عضو الكونغرس عن ولاية ومينغ وأحد أعضاء لجنة الـ06 يناير ـ لجنة مكلفة بالتحقيق في أحداث اقتحام مبنى الكونغرس عام 2021 ـ ليز تشيني.
مباشرة بعد تأكيد هزيمة كاري ليك أمام غريمتها الديمقراطية كاتي هوبس، نشرت ليز تشيني، التي تعد أحد أشد أعداء الرئيس السابق دونالد داخل الحزب الجمهوري، رسالة سبق أن تلقتها من الحملة الانتخابية لكاري ليك قبل أسابيع، مع عبارة You are welcome أو على الرحب والسعي، في مشهد يُعبر عن سخرية تشيني، من «ليك» التي قالت في رسالتها: “عزيزتي ليز، شكرا على سخاء مساهمتك في حملتي الانتخابية، الإعلانات التلفزيونية التي ترجيت من خلالها سكان ولاية أريزونا أن لا يعطوني أصواتهم، جاءت نتائجها عكسية..”.
وأضافت في رسالتها أن: “التبرعات لصالح حملتنا الانتخابية تنهال علينا وموقعنا الالكتروني يكاد ينفجر من الازدحام الذي شكله من يريدون معرفة المزيد عن مخططنا لجعل أريزونا أولا، وينضمون لحركتنا السياسية التاريخية. في الواقع فريقي يقول لي أن إعلاناتك ستضيف 10 نقاط لتقدمنا…”.
الصراع القائم بين ليز، ابنة ديك تشيني نائب الرئيس السابق في عهد إدارة جورج بوش الابن، وبين مقدمة الأخبار السابقة، وكاري ليك مناصرة الرئيس السابق التي سبق لها أن قالت للصحافة الأمريكية المحلية “يمكنكم مناداتي ترامب في فستان”، يمثل الانقسام العميق الحاصل على مستوى الحزب الجمهوري الذي سيطر عليه منذ عام 2016، الرئيس السابق دونالد ترامب.
ونظرا لشعبية ترامب الكبيرة وسط الكثير من المنتمين للحزب، أصبح السياسيون الجمهوريون غير المتفقين مع توجهاته يخافون الجهر بالاختلاف معه أو مناهضته، لأن ذلك قد يكلفهم مناصبهم وشعبيتهم وسط قاعدة تدعم توجهه، ومستعدة للدفاع عنه كما فعلت عام 2021، حيث تجمهر الآلاف في العاصمة واشنطن، واستطاع بعضهم اقتحام مبنى الكابيتول (الكونغرس) ودخول مكاتب مشرعين أبرزهم رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، في مشهد صدم الرأي العام الأمريكي والعالمي وطرح تساؤلات كثيرة حول مدى قوة الديمقراطية الأمريكية.
هل بدأت نهاية سيطرة ترامب على الحزب الجمهور؟
وتعد ليز تشيني التي جاهرت بعدائها لترامب وساندت الديمقراطيين في حربهم ضده، خير مثال ذلك، حيث أفقدها وقوفها في وجهه مكانتها كأقوى امرأة في الحزب الجمهوري، وخسرت على إثره إعادة انتخابها لعهدة أخرى كعضو مجلس النواب عن ولاية ومينغ خلال الانتخابات الأولية للتجديد النصفي شهر أغسطس الماضي.
ولكن بعد إعلان نتائج انتخابات التجديد النصفي التي أظهرت خسارة عدد من المرشحين الذين ساندهم الرئيس السابق دونالد ترامب أمام منافسيهم الديمقراطيين، حمل قطاع واسع من الأمريكيين المحافظين والإعلام اليميني المساند لهم، ترامب مسؤولية عدم حصول ما يسمى بـ”الموجة الحمراء”، أو اكتساح الحزب الجمهوري الذي يُرمز له باللون الأحمر للكونغرس وافتكاك الأغلبية من الديمقراطيين.
وأظهرت السباقات المحسومة فوز الديمقراطيين بمجلس الشيوخ بـ50 صوتا، مقابل 49 للجمهوريين الذين حتى وإن فازوا بالمنصب المتبقي في ولاية جورجيا، التي ستُجرى فيها جولة إعادة في الـ06 ديسمبر المقبل، فلن يحصلوا على الأغلبية، لأن نائبة الرئيس كاملا هاريس تستطيع التصويت مع حزبها الديمقراطي، وحتى على مستوى مجلس النواب الذي يطمح الجمهوريون للسيطرة عليه لا يزال الفارق غير واسع بين الحزبين، إذ تحصل الجمهوريون على 217 مقعدا، بفارق صوت واحد لتحقيق ضمان الأغلبية ومنصب رئيس مجلس النواب “218 مقعدا” مقابل حصول الديمقراطيين على 205 مقعد، في انتظار حسم 13 سباقا، وفق آخر النتائج التي نشرتها شبكة «سي أن أن» الثلاثاء.
وطبقا لمنصة Ballotpedia (بالوتبيديا) ـ مختصة في تتبع الانتخابات الأمريكية ـ فقد أيد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب 257 مترشحا شاركوا في انتخابات التجديد النصفي التي جرت في الـ08 نوفمبر الجاري، على المستويين المحلي والفدرالي، فاز منهم ـ لحد كتابة هذه الأسطر ـ 213 مرشحا، لكن الخسارة الكبيرة التي تلقها الحزب الجمهوري بسبب المرشحين المدعومين من ترامب، كانت في سباقات يُصطلح عليها في الولايات المتحدة الأمريكية بـ battleground races أو سباقات ساحة المعركة، وهي المنافسات التي تجري في مناطق متأرجحة يحاول كلا الحزبين السيطرة عليها، لأنها تشكل عاملا رئيسيا في حسم سيطرة الحزب على الأغلبية في الكونغرس والفوز بالبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية.
وخلّفت خسارة هؤلاء المترشحين المدعومين من ترامب أمام خصومهم الديمقراطيين، تساؤلات عدة حول شعبية ترامب وسط المحافظين ومدى قدرته على الاحتفاظ بزعامة الحزب الذي ظهرت فيه مؤخرا وجوه طامحة للرئاسة على غرار ليز تشيني التي لمحت من خلال خطاب هزيمتها في الانتخابات الأولية للتجديد النصفي الصيف الماضي، عن رغبتها في الترشح، وحاكم ولاية فلوريد رون ديسانتيس، الذي استطاع افتكاك عهدة ثانية في الانتخابات الأخيرة بجدارة، وتصاعدت شعبيته وسط المحافظين الذين عبروا عن رغبتهم في رؤيته مرشحا للحزب الجمهوري في رئاسيات 2024.