كشفت منظمة إسرائيلية غير حكومية عن تصاعد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، منذ بدء العدوان الهمجي الصهيوني بعد السابع من أكتوبر الماضي، وهو ما يظهر في نشاط المستوطنين الذين أنشأوا أو أعادوا إنشاء ما لا يقل عن 10 بؤر استيطانية، كان قد تم إخلاء بعضها في الماضي ثم أعيد بناؤها، بالإضافة إلى بناء بؤر استيطانية أخرى وطرق وأسوار.
=== أعدّ الملف: حميد سعدون – م. ب ===
في تقرير لها صدر يوم الجمعة الفارط، قالت المنظمة ـ المعروفة باسم “السلام الآن” وتهدف من خلال نشاطها إلى إقناع الإسرائيليين بأن السيطرة على الأراضي الفلسطينية أمر غير مقبول ـ “إنه منذ بداية الحرب في غزة، أنشأ المستوطنون أو أعادوا إنشاء ما لا يقل عن 10 بؤر استيطانية، كان قد تم إخلاء بعضها في الماضي ثم أعيد بناؤها”.
لكن، بدا أن هذه المنظمة تتحدث عن الاستيطان كأنه ظاهرة معزولة قائمة بذاتها، وأن المستوطنين يمثلون شريحة تتصرف بشكل فردي، والصحيح غير ذلك تماما؛ فالاستيطان بدأ في الضفة الغربية مع الاحتلال الصهيوني عام 1967، حين تم تعديل التشريعات، ما فتح المجال لاعتماد مجموعة من الأوامر العسكرية التي تشرّع مصادرة الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة والاستيلاء عليها، بهدف استخدامها في بناء المستوطنات وتوفير الخدمات اللازمة لها وتحقيق أغراض الاستيطان.
مشروع تفتيت الضفة
وقد اعتمدت جميع حكومات سلطة الاحتلال المتعاقبة سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية، وتقديم كل الحوافز والتسهيلات والحماية لتشجيع هجرة الإسرائيليين إليها، فبعد أن كانت الضفة الغربية خالية تماما من المستوطنات عام 1967، بلغ عددها مع بداية عام 2023 نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726 ألفا و427 مستوطنا.
وشكلت المستوطنات الصهيونية ما نسبته 42% من مساحة الضفة، وتمت السيطرة على 68% من مساحة المنطقة “ج” لمصلحة المستوطنات، وهي منطقة تضم 87% من موارد الضفة الغربية الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها.
ورسخت السياسات الاستيطانية مشروع تفتيت الضفة الغربية، وعزل المواطنين الفلسطينيين في مناطق محدودة المساحة مقطعة الأوصال، وعملت على تجزئة الأسواق والمجتمعات المحلية الفلسطينية، ومنعت من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وإلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية.
تهميش الوجود الفلسطيني
منظمة “السلام الآن” قالت في تقريرها إنه – حتى الآن، تم توثيق ما لا يقل عن 18 طريقا جديدا أقامها المستوطنون، وقدرت المنظمة أن العدد الفعلي أعلى مما تم توثيقه، موضحة أن هذه الطرق تتيح الاستيلاء على مناطق جديدة محاذية لمساراتها وتمنع الفلسطينيين من الوصول إليها.
وتابعت تقول: إن المستوطنين يواصلون سيطرتهم على المنطقة (ج) في الضفة الغربية، التي تشكل 60% من مساحتها، وهو ما يزيد من تهميش الوجود الفلسطيني هناك، لاسيما مع انتشار ظاهرة حواجز الطرق التي تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى الطرق الرئيسة في الضفة. وأشارت المنظمة إلى استغلال المستوطنين الأشهر الثلاثة من العدوان للسيطرة بشكل فعال على أماكن واسعة في المنطقة (ج)، مؤكدة أن المستوطنين يواصلون بناء الطرق والبؤر الاستيطانية، متجاهلين الوضع القانوني للأرض.
من جانبه، اعتبر الباحث في شؤون الاستيطان خليل تفكجي أن المستوطنين قاموا خلال العدوان بتهجير 50 تجمعا بدويا فلسطينيا من المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، وأنشأوا محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية على مساحات شاسعة من الأغوار. وأوضح أن المستوطنين يستغلون الحرب “لتسريع تنفيذ مخططات استيطانية تنتظر الظروف الملائمة لتجسيدها على الأرض”، مضيفا أن سلطة الكيان تعمل على مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية بأوامر عسكرية لشق الطرق للمستوطنين.
ومن أسوأ الأزمات التي سببها الاستيطان تقطيع أوصال الضفة الغربية التي قُسمت إلى ثلاث مناطق: “أ” و”ب” و”ج” وفقا لمعاهدة أوسلو، وتُقسّمُ المنطقتان “أ” و”ب” التابعتان للسلطة الفلسطينية إلى 166 وحدة معزولة من الأراضي دون اتصال إقليمي، وتحيط بهما أراضي منطقة “ج”، وهي تتمتع باتصال جغرافي، ولكنها تخضع للسيطرة الصهيونية.
ويضرب (الجيش) الصهيوني الحواجز ومواقع نقاط التفتيش، ويقيد حركة الفلسطينيين، بما في ذلك حركة العمال والموظفين والبضائع، ويُقلص أو يحظر وصول المزارعين إلى أراضيهم، فيما يعمق الجدار الفاصل إلى جانب المستوطنات التشرذم الجغرافي والإداري والقانوني للضفة الغربية، كما تشوه المستوطنات جغرافية الضفة الغربية، وتجزئ الأسواق والمجتمعات المحلية الفلسطينية وتضعف الأمل في تحقيق تنمية اقتصادية مجدية، وهي تنمية لا يمكن تصورها دون أراض وموارد طبيعية.
هياج المستوطنين يفضي إلى تحوّل سياسي كبير في المنطقة..
700 ألف مستوطن صهيوني يقيمون في تجمعات سكانية بالضفة الغربية
تسبب الجدار الفاصل الذي بناه الاحتلال عام 2002، بذريعة حماية المستوطنات، في قضم 4.1% من مساحة الضفة الغربية، وقد سار بناء الجدار وإقامة المناطق المعزولة في خط متواز مع تصعيد البناء الاستيطاني وتسمين المستوطنات، وإقامة بؤر استيطانية جديدة، والسعي لإقرار تشريعات قوانين لضم المناطق القليلة الكثافة السكانية في الضفة الغربية (مناطق ج أساسا)، كما تصاعدت حملات هدم المنازل وتشريد المواطنين الفلسطينيين في المناطق المستهدفة بالضم.
ورسخت السياسات الاستيطانية مشروع تفتيت الضفة الغربية، وعزل المواطنين الفلسطينيين في مناطق محدودة المساحة ومقطعة الأوصال، وإلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، إضافة إلى أن السيطرة المطلقة للاحتلال تمنت من قلب الضفة، وعلى حدودها من جميع الجهات.
وقالت المنظمة إن الضفة الغربية شهدت زيادة في مشاركة المستوطنين في القرارات الأمنية والمدنية المتعلقة بحياة الفلسطينيين، منها منع فتح الطرق أمام استخدام المركبات الفلسطينية وإغلاق مداخل القرى الفلسطينية، وطالبت المنظمة بالوقف الفوري لما سمته “هياج المستوطنين”، لأنه يؤدي إلى تحول سياسي كبير في الضفة الغربية، وسط تساهل البيئة العسكرية والسياسية مع الاستيلاء على الأراضي، إذ يشغل عدد من المؤيدين للاستيطان حاليا مناصب وزارية في حكومة بنيامين نتنياهو.
وتقدر المنظمة أن أكثر من 700 ألف مستوطن يقيمون في مستوطنات صهيونية بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، يشار إلى أن منظمة «يش دين» الإسرائيلية غير الحكومية ذكرت، الأسبوع الماضي، أن أعمال العنف التي ارتكبها مستوطنون ضد فلسطينيين في الضفة الغربية سجلت رقما قياسيا عام 2023.
في حين، سجلت الأمم المتحدة، من جهتها، 1225 هجوما شنه مستوطنون ضد فلسطينيين خلال العام ذاته، وكانت الحكومة الصهيونية أقرت في ديسمبر الماضي تخصيص 75 مليون شيكل (20 مليون دولار) لتأمين البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية، رغم تزايد الانتقادات الدولية والأممية لعنف المستوطنين في الضفة.
الكيان الصهيوني يمارس “ضمّا صامتا” للأراضي الفلسطينية..
المستوطنات تمتد على نحو 40 % من مجمل مساحة الضفة الغربية
توسّع استيطاني يجري في الخفاء بالتوازي مع العدوان على غزة
قالت الرئاسة الفلسطينية، يوم السبت الماضي، إن سلطات الاحتلال تمارس “ضمّا صامتا” للضفة الغربية بمزيد من الاستيطان، بالتوازي مع عدوانها على قطاع غزة. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية عن الناطق الرسمي باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، قوله “في الوقت الذي تُصعّد فيه سلطات الاحتلال حربها الشاملة على الشعب الفلسطيني، وترتكب جرائم إبادة في قطاع غزة، فإنها تمارس ضمّا صامتا في الضفة الغربية، من خلال زيادة عدد المستوطنات العشوائية، والتهجير القسري للسكان الفلسطينيين، خاصة في مناطق الأغوار”.
وحذر أبو ردينة من “خطورة استمرار العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وزيادة المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية”، وقال إن “السياسة التي تتبعها سلطات الاحتلال والتي تخالف جميع قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار الأممي رقم 2334، لن تفرض أمرا واقعا على الشعب الفلسطيني، لأنه صاحب القرار وصانع المستقبل”.
وأضاف: إن”مستقبل الأرض الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، يقررها فقط الشعب الفلسطيني، وليس الاحتلال وسياساته الإجرامية، ولا أي جهة خارجية أخرى”، وطالب أبو ردينة الإدارة الأمريكية بـ”التدخل الفوري وإلزام سلطات الاحتلال بوقف عدوانها فورا على الشعب الفلسطيني، ووقف التوسع الاستيطاني بكافة أشكاله، لأن استمراره يعني جرّ المنطقة إلى وضع لا يمكن السيطرة عليه بأي شكل من الأشكال”، وشدد على أن “استمرار هذه السياسة الصهيونية المدعومة من أمريكا لن يحقق الأمن والاستقرار لأحد هنا أو في المنطقة”.
تشريع نهب الأراضي الفلسطينية
بقي التوسّع الاستيطاني بعيدا عن الضفة الغربية قبل حرب عام 1967، التي نجم عنها احتلال كامل للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ليبدأ تعديل المنظومات القانونية، عبر اعتماد توليفة من الأوامر العسكرية غير القانونية، التي تشرّع مصادرة الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة في الضفة الغربية بذرائع مختلفة، لتكون مدخلا للتوسع الاستيطاني.
وقد تمت مصادرة الأراضي بذريعة كونها “مناطق عسكرية مغلقة” من خلال الأمر العسكري رقم 378، وذريعة “المحميات الطبيعية” وفقا للأمر العسكري رقم 363، وذريعة “الاستملاك للمصلحة العامة” بحسب الأمر العسكري رقم 321، والمصادرة تحت مسمى “أملاك دولة” عبر الأمر العسكري رقم 59، وتحت مسمى “أملاك الغائبين” وفقا للأمر العسكري رقم 58، و”مناطق تدريب عسكرية” بحسب الأمر العسكري رقم 271.
وعبر هذه الأوامر العسكرية، تم الاستيلاء على أراضي وممتلكات الفلسطينيين التي هُجّروا منها ونزحوا عنها إلى مناطق أخرى نتيجة الاحتلال، وبموجبها تمت مصادرة أراض واسعة من الضفة الغربية لأغراض عسكرية للرماية والتدريبات وباعتبارها مناطق أمن للجيش، كما جعل الاحتلال ملكية الأراضي التي كانت تديرها السلطات الأردنية، والأراضي المسجلة بأنها (أراضي دولة) منذ العهد العثماني في الضفة الغربية تحت سلطة دولة الاحتلال للتصرف فيها.
وكانت مساحة هذه الأراضي، في ذاك الوقت، تقارب 527 ألف دونم، أي نحو 9% من إجمالي مساحة الضفة، ثم ارتفعت إلى نحو 700 ألف دونم، أي 12% من المساحة مع نهاية عام 1973، حيث أضافت سلطات الاحتلال أكثر من 160 ألف دونم إلى أراضي الدولة.
وأظهرت نتائج استطلاع مقارن أجراه مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان “بتسيلم” في منطقة رام الله فروقا هائلة بين نسبة المساحات التي صنّفتها حكومة الأردن مُلكا حكوميا في أراض مسجّلة في سند الملكية (الطابو) قبل الاحتلال، وبين نسبة المساحات التي صنّفها الكيان (أراضي دولة) في مناطق لم يمهل الوقت الأردنيين لتسجيلها.
وعززت نتائج الاستطلاع الاستنتاج بأنّ جزءا كبيرا من المساحات التي صنّفتها سلطة الكيان “أراضي دولة” هي في الواقع ملك خاصّ لفلسطينيين، سلبته سلطة الاحتلال من أصحابه الشرعيين بواسطة مناورات قضائيّة منتهكة بذلك القانون المحلّي والقانون الدولي.
وفي عام 1968، جمدت سلطة الكيان عمليات تسجيل الأراضي للفلسطينيين، وضمت بين عامي 1979 و2002 (وفقا لتقديرات “بتسيلم”) أكثر من 900 ألف دونم جديد (16%) من أراضي الضفة وحولتها إلى “أراضي دولة”، وهي زيادة بنسبة 170% على أراضي الدولة التي كانت في الضفة قبل الاحتلال.
وبحسب معطيات “بتسيلم” لعام 2017، يوجد في مناطق “ج” نحو 1.2 مليون دونم مصنّفا “أراضي دولة”، وهو ما يشكّل 36.5% من مناطق “ج” و22% من مجمل أراضي الضفة الغربية، إضافة إلى نحو 200 ألف دونم مصنّفة “أراضي دولة” تقع ضمن المنطقتين “أ” و”ب” التابعتين للسلطة الفلسطينية، وتبلغ مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرة، وفقا للمعطيات نفسها، نحو 40% من مجمل مساحة الضفة الغربية وتشكّل 63% من مساحة مناطق “ج”.
ومن خلال دراسة تحليلية قام بها معهد الأبحاث التطبيقية “أريج” لواقع المستوطنات، تبين أن 51% منها تم بناؤها على أراض صنفتها سلطة الاحتلال “أراضي دولة”، و49% منها بُنيت على أراض فلسطينية ذات ملكية خاصة، وتبلغ مساحة المستعمرات الإسرائيلية في محافظة القدس مثلا 40868 دونما، 73% منها مقامة على أراض ذات ملكية خاصة، بما فيها الأراضي التي ضمّتها سلطة الاحتلال بشكل غير شرعي، إلى ما يسمى حدود بلدية القدس.
نوايا صهيونية مؤجلة إلى ما بعد الحرب..
مسؤولون في سلطة الكيان يدعون إلى احتلال قطاع غزة مجدّدا
أعلن وزير الثقافة في حكومة الاحتلال الصهيوني، “ميكي زوهار”، يوم الخميس 4 جانفي الجاري، تأييده لعودة الاستيطان إلى غزة بعد نهاية العدوان الهمجي المتواصل ضد القطاع الفلسطيني منذ 7 أكتوبر الماضي، وقد جاء ذلك في تصريح أدلى به “زوهار” لموقع “واينت” الإخباري الإسرائيلي.
وبالنسبة إلى مستقبل غزة، قال زوهار، الذي ينتمي إلى حزب “الليكود” وهو أحد المقربين من بنيامين نتنياهوزعيم الحزب ورئيس الحكومة الحالية التي توصف في إعلام عبري بأنها “الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان: “نحن بحاجة إلى الحديث عن حل الاستيطان”، واصفا الاستيطان ـ في سياق حديثه ـ بأنه “أمر جيد ومرحب به، وقد رأيناه على مر السنين (في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس)، وينبغي ألا نستبعد هذا الحل”.
وفي حرب جوان 1967، احتل الكيان الصهيوني قطاع غزة، ثم انسحب منه وتم تفكيك المستوطنات في عام 2005، وفي 11 ديسمبر الماضي، عقدت 15 منظمة صهيونية مؤتمرا من أجل التجهيز لمشاريع “الاستيطان في غزة”، في حال تمكن (جيش) الاحتلال ـ لا سمح الله ـ من بسط سيطرته على القطاع، فيما فتحت شركة صهيونية للمقاولات والتسويق العقاري بالفعل باب الحجز لوحدات سكنية فيه، بحسب ما كشفه إعلام عبري، آنذاك.
وتعتبر الأمم المتحدة ومعظم المجتمع الدولي، الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة غير قانوني، وتطالب الكيان بوقفه، لكن، دون جدوى، محذرة من أنه، أي الاستيطان، يقوّض فرص معالجة الصراع وفقا لمبدأ حل الدولتين، ومع حجم الدمار الهائل في غزة، تتصاعد مخاوف بين الفلسطينيين من أن سلطة الاحتلال تعتزم تهجير سكان في القطاع قسرا.
وأضاف زوهار أن “الهجرة الطوعية لسكان غزة ليست حلا واقعا، وحتى لو كانت هناك أفكار، فلا ينبغي نشر كل شيء”، ودعا وزراء إسرائيليون علنا إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية المجاورة و/ أو دول غربية.
لتنفيذ مخطط استيطاني بديل حتى تسهُل إدارة القطاع..
مقترح صهيوني بتقليص سكان غزة من مليونين إلى 100 ألف فقط!
تعّرف المستوطنات على أنها تجمّعات سكانية صهيونية أقيمت على الأراضي الفلسطينية التي احتلها الكيان الصهيوني عام 1967، بدوافع أيديولوجية دينية وعنصرية، ويعدّ الاستيطان نوعا من الاستعمار، على اعتبار أنه يمثل عملية إسكان واسعة في أرض محتلة، وذلك بذريعة الإعمار وإرساء سيطرة الاحتلال المهيمن على الأرض التي ضمها، وأصبح يعتبرها جزءا منه.
غير أن الاستعمار يختلف في كونه يستند في تبريراته إلى مسوغات دينية وفكرية، وقد كانت خرافة “عودة الشعب إلى أرض الميعاد وبناء الهيكل” أحد مرتكزات الاستيطان، الذي يُعد من وجهة نظر القانون الدولي غير شرعي، وانتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على القوة المحتلة نقل سكانها إلى المناطق الخاضعة للاحتلال.
إجماع صهيوني
مع نهاية العام المنصرم، وعلى خطى “ميكي زوهار”، دعا وزير المالية الصهيوني، بتسلئيل سموتريتش، في مقابلة مع إذاعة (الجيش) الصهيوني، إلى عودة المستوطنين اليهود إلى قطاع غزة بعد انتهاء العدوان، معتبرا أن فلسطينيي القطاع يجب أن يتم “تشجيعهم” على الهجرة إلى دول أخرى. وقال سموتريتش ردّا على سؤال حول احتمال إعادة إقامة مستوطنات بقطاع غزة: “من أجل تحقيق الأمن، علينا السيطرة على القطاع، ومن أجل السيطرة عليه على المدى الطويل نحن بحاجة إلى وجود مدني”.
واعتبر سموتريتش، الذي يترأس حزب “الصهيونية الدينية” المنضوي في التحالف الحكومي الحاكم، أن سلطة الكيان يجب أن “تشجّع” فلسطينيي غزة البالغ عددهم 2,4 ملايين تقريبا على مغادرة القطاع، وأضاف: “في حال تحرّكنا بطريقة صحيحة إستراتيجيا وشجعنا الهجرة، وفي حال كان هناك 100 ألف أو 200 ألف عربي في غزة وليس مليونَين، سيكون خطاب اليوم التالي للحرب مختلفا تماما”.
وأظهر سموتريتش نوايا الاحتلال المستقبلية من خلال تأكيده على مشروع تهجير سكان غزة “بالتعاون مع المجتمع الدولي ودول عربية مجاورة”، حسب قوله، مشيرا بلغة استعلائية صريحة إلى وجوب دعم “الرأي العام الدولي والدول الغربية لهذه الجهود”. أما حول موضوع “إعادة الاستيطان في قطاع غزة”، فقد قال: إنه يدعم الاستيطان “في كل مكان بما في ذلك قطاع غزة”، معتبرا أن “الاستيطان في القطاع بات موضع إجماع عند المجتمع الصهيوني”.
وفي ديسمبر الماضي، أكدت المقررة الأممية الخاصة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، أن استعمار الكيان الغاشم للأراضي الفلسطينية التي تحتلها منذ عام 1967 يعد جريمة حرب، مطالبة بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق المسؤولين عن الاستيطان غير القانوني. وقد جاء ذلك في تدوينة لألبانيز، على حسابها بمنصة “أكس”، تعليقا على أنباء قيام ائتلاف المنظمات الاستيطانية غير القانونية، الذي يحظى بدعم سخي من سلطة الكيان، بتنظيم مؤتمر تحضيري عملي للاستيطان في غزة. وأكدت ألبانيز أن “استعمار الأراضي المحتلة هو سياسة “دولة” منذ عام 1967، وهو ما يعني أن إعادة توطين المدنيين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المصادرة جريمة حرب، والتهجير القسري الجماعي للفلسطينيين جريمة ضد الإنسانية، وأعربت عن أملها في إصدار مذكرات اعتقال بحق مرتكبي هذه الجرائم المستمرة.
إفشال المؤامرة
من جانبها، أكدت الفصائل الفلسطينية، مساء السبت، أن مخططات سلطات الاحتلال لاستحداث هيئات محلية أو عشائرية لإدارة قطاع غزة مؤامرة ستفشل أمام صمود الشعب الفلسطيني، وقد جاء ذلك في بيان للجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، التي تضم معظم الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية.
وقالت الفصائل في البيان إن “(إسرائيل) ما زالت تسعى في مخططها القديم الجديد إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير شعبنا، لكن مخططها سيفشل ويسقط”. وذكرت أن مخطط قادة الاحتلال يهدف إلى خلق واقع جديد في قطاع غزة، يديره الاحتلال ومن يخضع لإملاءاته، عبر ما يسميه إدارة مدنية أو عشائرية في شكلها، سياسية في جوهرها، تهدف إلى استباق نتيجة الحرب بتشكيل إدارة مدنية من جديد لإدارة القطاع، تكون تحت سيطرته وخاضعة له على غرار أنماط ونماذج سابقة.
وأكدت الفصائل أن “فشل العدوان العسكري في تحقيق أهدافه المعلنة جعل دولة الاحتلال تستبق الأمور عبر هذه المخططات العدوانية، التي يرفضها شعبنا ومكوناته السياسية والمجتمعية والمدنية كافة”، ورأت أن أي تعامل مع هذه المقترحات “خيانة وطنية” لن يقبلها أحد أو يوافق عليها.
ومنذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، تحدث مسؤولون إسرائيليون برؤى مختلفة عن إدارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، بينما ردت فصائل المقاومة مجتمعة والسلطة الفلسطينية بأن إدارة قطاع غزة شأن فلسطيني خاص.
وردّا على اعتداءات صهيونية يومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى، شنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” إلى جانب باقي فصائل المقاومة في غزة عملية طوفان الأقصى فجر 7 أكتوبر الماضي، ضد قواعد عسكرية ومستوطنات صهيونية بمحيط غزة، بعد أن اخترقت الجدار العازل المزود بتكنولوجيا دفاعية متقدمة.
فيما محاولات إسناد حكم غزة إلى مصر والولايات المتحدة جارية..
لوبي “أمريكو – صهيوني” يسعى إلى إعادة توطين اليهود في غزة
قرّر ما يسمى «اللوبي البرلماني لمشروع النصر الصهيوني»، الذي يعمل لدى الكيان الصهيوني وفي الولايات المتحدة، التوجه إلى الإدارة الأمريكية وحكومة الكيان بمطلب «التداول بشكل جدي في مشروع الترحيل الطوعي للفلسطينيين»، زاعمين أنه أفضل حل إنساني للكيان وللفلسطينيين. وحذّر اللوبي من المخطط الأمريكي لإعادة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة والمضي في تنفيذ حل الدولتين، زاعما أن هذه «وصفة لتكرار هجوم (حماس) مرات عدة».
وجاء هذا الموقف عشية اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، يوم الخميس الماضي، للتداول في مسألة «اليوم التالي لما بعد الحرب في غزة». وأعلن اللوبي تبنيه المخطط الذي وضعته وزيرة الاستخبارات، غيلي جملئيل، صاحبة المشروع الرسمي لترحيل أهل غزة، والتي تحدثت في اللقاء مع أعضاء اللوبي عن أهمية التمهيد لترحيل غزة بواسطة إجراءات تجعل الحياة فيها شبه مستحيلة.
وقالت جملئيل: إن “ما يجب أن يكون في غزة بعد الحرب هو انهيار حكم (حماس) ودمار تام لمواقعها وأنفاقها، وانهيار البلديات والمجالس القروية ووجود مئات ألوف البيوت غير الصالحة للسكنى، وجعل السكان متعلقين بالمساعدات الخارجية الإنسانية وغياب أماكن عمل وانتشار البطالة وجعل 60 في المائة من الأراضي الزراعية مناطق حزام أمني للكيان، كما يجب أن يبقى (الجيش) الصهيوني مسيطرا على جميع المعابر الحدودية، وقادرا على مواصلة عملياته العينية”.
تحويل مساعدات الـ «أونروا»
وأضافت جملئيل أن “نقل صلاحيات الحكم إلى السلطة الفلسطينية يعد أمرا خطيرا للغاية بالنسبة إلى الكيان، ولا ننسَى أنها كانت حاكمة هناك وتم طردها بالقوة على أيدي (حماس)، كما أن قادة السلطة لا يختلفون عن «حماس» في مواقفهم، بل أعربوا عن تأييدهم مذبحة 7 أكتوبر. ونحن لم نحارب كل هذه الفترة وندفع الثمن بالدماء لأجل تأسيس سلطة معادية لنا”.
وأكدت جملئيل أن مشروعها يقضي بأن يكون هناك حكم مدني مرحلي في القطاع، يكون بقيادة الولايات المتحدة ومصر والأردن، على أن يواصل (الجيش) الصهيوني سيطرته الأمنية. ومن المهمات الملحّة ستكون عملية نزع سلاح تام وتنفيذ خطة لتغيير الوعي الفلسطيني وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وكل ما يخلدها، وتحويل الموارد التي تذهب إلى «أونروا» لتمويل مشروع الهجرة الطوعية بحيث يستطيع اللاجئون بناء حياة جديدة في الخارج.
يذكر أن هذا اللوبي تأسس في سنة 2017 باسم «مشروع النصر الصهيوني»، كلوبي برلماني يضم مجموعة نواب من الائتلاف والمعارضة، على السواء. وترأسه النائب إبراهام ناغوسا من الليكود واليعيزر شتيرن من حزب يوجد مستقبل (الذي يرأسه يائير لبيد)، وعوديد فورير من حزب ليبرمان. وضم 20 نائبا من جميع الأحزاب الصهيونية. وفي سنة 2019، تغير الكنيست وترأسه شتاينتس من الليكود وتسفيكا هاوزر من حزب جدعون ساعر (الذي أصبح لاحقا جزءا من تحالف بقيادة بيني غانتس) ويفجيني سوبا من حزب ليبرمان. وفي الكنيست الحالي يقود اللوبي أوهاد طال من الصهيونية الدينية ويفغيني سوبا من حزب ليبرمان.
ومنذ بداية عمل اللوبي، يوجد في قيادته شخصيتان أمريكيتان، هما: البروفسور دنئيل فايباس، رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، المعروف بتأثيره الواسع في قضايا الأمن القومي، وجيرغ رومان المدير العام للمعهد المذكور، وهو من قادة المؤسسات اليهودية السابقين وعمل موظفا في وزارة الدفاع الصهيونية ومستشارا لوزير الخارجية الصهيوني.
لوبي أمريكي شبيه
وهذا اللوبي الصهيوني شريك للوبي أمريكي شبيه أقيم في الكونغرس منذ سنة 1988، وتقوده وتتعاون معه شخصيات سياسية في القيادات الأمريكية، ويتم تمويله من الدعم الأمريكي، وينبغي أن يغير نظرته ويتابع هذا النشاط ومدى تأثيره على السياسة الصهيونية والأمريكية.
ويبدو أن هذه الهجمة الواسعة لليمين الصهيوني للترويج لمشروع الترحيل الطوعي باتت تزعج الإدارة الأمريكية والكثير من القوى لدى الكيان، ممن يرون أنها تورط الكيان في المحافل الدولية سياسيا وقضائيا. ليس صدفة أنه بعد انتهاء اجتماع اللوبي خرج مسؤولون أمنيون إسرائيليون رفيعو المستوى بتسريبات إلى وسائل الإعلام يقولون فيها: إن (الجيش) لا يرى مكانا للترحيل، بل إنه يوصي بالسماح بعودة سكان شمال قطاع غزة إلى منازلهم كجزء من المرحلة التالية من الحرب الصهيونية على قطاع غزة، مشددين على أن سلطة الكيان لن تتمكن من منعهم في ظل القيود «القانونية والسياسية».
وقال مصدر سياسي في المعارضة “إن الدعوة إلى ترحيل الغزّيين لم تعد تقتصر على عدد من وزراء ونواب اليمين المتطرف، بل تقف وراءها قوى سياسية وشعبية وأكاديمية لدى الكيان وفي الولايات المتحدة، وإن هذه القوى تحاول إعطاء زخم لهذا المشروع وترفض بأي شكل إنهاء الحرب بتسويات سياسية.
اليوم التالي للحرب
كما أن حملة التهجير الحالية هي الأخرى ليست صدفة، إنما جاءت عشية المداولات التي سيجريها المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلي، بضغط من الإدارة الأمريكية حول بحث مسألة «اليوم التالي للحرب».
وأوضح مسؤولو الأجهزة الأمنية، بحسب «القناة 13» الإسرائيلية، أن الأجهزة الأمنية أيضا تتحضّر لطرح تصوراتها. وأن الموقف الذي بلوره مسؤولون كبار في المؤسسة الأمنية مفاده أنه «رهنا بالظروف القانونية الدولية والسياسية الرامية إلى حشد المجتمع الدولي على دعم الكيان، لن يتمكن الاحتلال من منع سكان شمال غزة من العودة إلى مناطقهم».
اقتحامات واعتقالات وسلب للأراضي وقتل عشوائي..
“جيش” الاحتلال ومستوطنوه يمارسون إبادة صامتة في الضفّة الغربية!
بقلم: علي أبو حبله – محامٍ فلسطيني
تمارس قوّات (جيش) الاحتلال الصّهيوني ومستوطنوه جرائمهم في الضفّة الغربية بالتّوازي مع المذابح البربرية وجرائم الحرب التي ترتكب على غزّة بفارق الصّمت الذي يرافق تلك الجرائم المرتكبة بالضفّة الغربية، ولا يعرف عنها العالم بالقدر الذي بات يعرفه عن غزّة، وهي تشمل جميع أشكال التّنكيل والتّخريب والتّدمير والإبادية الممكنة. اقتحامات للمنازل وانتهاك حرماتها بلا أي مسوّغ قضائي، واعتقالات إدارية بلا أي ذريعة قانونية، وسلب للأراضي، واعتداء على الممتلكات، وتهجير قسري، وقتل عشوائي للمئات دون تمييز بين شبّان وأطفال، تماما كما هو الحال في غزّة.
في الثالث عشر من سبتمبر عام 1993، وقَّعت منظمة التّحرير الفلسطينية الاتفاقية الأولى بينها وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي عُرِفَت لاحقا باتفاقية أوسلو، وبموجبها قُسِّمت الضفّة الغربية إلى ثلاث مناطق إدارية وأمنية (أ، ب، ج) وبينما خضعت المنطقة (أ) للسّيطرة الأمنية والإدارية للسّلطة الفلسطينية، المتمثّلة بمنظّمة التّحرير، وقعت المنطقة (ب) تحت سيطرة مشتركة بين السّلطة (إدارية) والاحتلال (أمنية)، فيما بقيت المنطقة (ج) خاضعة بالكامل للسّيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية، على أن تُسلَّم تدريجيا لإدارة السّلطة الفلسطينية.
هذا التّقسيم الخاطئ خلق معضلة كبيرة وأرسى مفهوما من قبل الاحتلال أنّ الأراضي في الضفّة الغربيّة أراضي متنازع عليها، فالمنطقة (أ) الخاضعة لإدارة السّلطة الفلسطينية، والمنطقة (ب) الواقعة تحت إدارة تنسيقية مشتركة لم تُمثِّلا إلا 39 بالمائة فقط من مساحة الضفّة، وأقلهما مساحة هي المنطقة (أ) بواقع 18 بالمائة، فيما استحوذ الاحتلال بالمنطقة (ج) على 61 بالمائة من مساحة الضفّة، وهي المساحة التي تشمل – بجانب المستوطنات – العديد من المناطق الإستراتيجية ومصادر المياه، وهذا كلّه لم يمنع الاحتلال من اختراق المنطقة (أ) لممارسة “المهمّات الأمنية” والاعتقالات وقت ما شاء وبالكيفية التي يراها مناسبة وفق الاتفاق الأمني وما يعرف بالملاحقات السّاخنة.
لم يحقّق اتفاق أوسلو أيا من أهدافه وغاياته وفق ما قصده الفلسطينيون وانتهت المرحلة الانتقالية دون تحقيق اختراق يذكر بمسيرة السّلام عبر ثلاثين عاما، لم تكسب السّلطة الفلسطينية شبرا إضافيا من المنطقة (ج)، بل العكس من ذلك زادت وتيرة الاستيطان غير الشّرعي بمخالفة صريحة للقرار 2334 الذي اعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلّة بعد الرّابع من شهر جوان 67 غير شرعي، مع تزايد الانتهاكات الإسرائيلية بحقّ الأرض ومصادرتها من الفلسطينيين بصورة تعكس الرّؤية اليمينية المتطرّفة الرّاغبة في ضمّ الضفّة الغربية كلّها وأراضي فلسطين التّاريخية كافة إلى كيانها المحتل. ولعلّ أبلغ الأدلة على هذا التوجّه هو صورة الخارطة التي رفعها “نتنياهو” بالأمم المتّحدة وتُظهِر كامل الأراضي الفلسطينية ضمن حدود “إسرائيل” المزعومة.
إنّ الضفّة الغربية، بجغرافيتها بعد اتفاق أوسلو، باتت مطمع حكومات الاحتلال، حيث تمّ تصدير العديد من الأوامر العسكرية غير القانونية لشرعنة الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية؛ فقد صدر الأمر العسكري رقم 378 الخاص بسلب الأراضي بحجّة أنّها مناطق عسكرية مغلقة، والأمر العسكري رقم 363 الذي يسمح بسلب الأراضي لتحويلها إلى محميات طبيعية، والأمر العسكري رقم 321 الذي يُجيز للاحتلال استملاك الأراضي بحجّة المصلحة العامة، والأمر العسكري رقم 271 الذي يسرق الأرض لتكون مناطق تدريب عسكرية، والأمر رقم 59 الخاص بأملاك الدّولة، والأمر رقم 58 المتعلّق بأملاك الغائبين، وغيرها الكثير، وبموجب هذه الأوامر.
وعلى مدار نحو 56 عاما فقط، أصبحت الضفّة الغربية تعجّ بـ176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية مع بداية عام 2023، لتتحوّل الأرض التي نجت من الغزو اليهودي عام 1948 إلى أرض محتلة بأكثر من 800 ألف مستوطن يستحوذون على 42 بالمائة من أراضي الضفّة الغربية، وتصبح المنطقة (ج)، التي وعدت أوسلو الفلسطينيين بها، خاضعة لسلطة الإدارة المدنية (الحكم العسكري) بنحو 68 بالمائة من مساحتها، وبذلك يسيطر المستوطنون على 87 بالمائة من موارد الضفّة الطبيعية، و90 بالمائة من غاباتها، ونحو 50 بالمائة من شوارعها.
ووفقا لما ذكره الأكاديمي المعماري الإسرائيلي “إيال وايزمان” في كتابه “أرض جوفاء”، فإنّ هندسة الاستيطان تلك عمدت إلى تفتيت الضفّة – عبر خمس مراحل استيطانية – إلى جزر يابسة متباعدة (نظام فصل عنصري)، وهو ما عزل المدن الفلسطينية عن بعضها بعض، وفتَّت أسواقها ومجتمعها وأعاق كلّ سبل التّنمية الاقتصادية والاجتماعية بها، وهذا كلّه في انتهاك صارخ وصريح لاتفاقية جنيف الرّابعة التي تحظر على الدّول المحتلّة نقل سكانها للأماكن الخاضعة للاحتلال، وفي ظلّ تأكيدات دائمة من لجان التّحقيق الدّولية عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للضفّة، ومخالفة الاستيطان للقانون الدّولي.
إنّ حكومة المستوطنين، التي يرأسها نتنياهو وتضمّ غلاة المتطرّفين، تعمد إلى اتخاذ مواقف وقرارات تهدف إلى تضييق الخناق على الفلسطينيين من خلال قرارات الهدم والقتل والاعتقال التي تقود للتّرحيل القسري للسّكان الفلسطينيين، وإنّ كلّ حكومات “إسرائيل” ترى أنّ أراضي الضفّة الغربية أراضي متنازع عليها وفق مفهومهم لاتفاق أوسلو، وهي تنكر أحقية وقانونية السّيادة الأردنية عليها في الفترة ما بين 1948-1967 ولهذا فإنّها تمنح نفسها الشّرعية الكاملة في سلبها كما سلبت سائر أراضي فلسطين التّاريخية عام 1948. وتعهّدت حكومة اليمين والمستوطنين بضمّ الضفّة الغربية، وشرعت بحملة غير مسبوقة في التّوسع الاستيطاني مستغلّة حربها على قطاع غزة، وأطلقت العنان للمستوطنين للقيام بجرائمهم وتوسّعهم الاستيطاني وقد حوّلتهم حكومة الحرب إلى ميليشيا مسلحة بعد أن شرع وزير الأمن الدّاخلي بن غفير في تسليحهم.
تمثّل عملية الاقتحامات اليومية للمخيّمات والمدن والبلدات الفلسطينية أحد أهم السياسات العقابية للفلسطينيين ضمن سياسة الخناق والتّضييق وتدمير مقوّمات الحياة، حيث وُجد أن الاقتحامات العسكرية تمارس أربعة أنماط من انتهاكات الحياة اليومية للفلسطينيين: اعتقال أحد أفراد العائلة أو أكثر، ومسح المبنى توثيق هوية سكانه، والسّيطرة على المنازل لأغراض عملياتية كإجراءات الرّصد والمراقبة وتأسيس مواقع لإطلاق النّار، وأخيرا استخدام البيوت كمخابئ.
هذه الانتهاكات تحظى بحماية مطلقة؛ إذ “لا تشترط التّشريعات العسكرية الحصول على أوامر قضائية لاختراق الحيّز الخاص للأفراد”. والاجتياح والاقتحامات تخضع لمعتقدات عدائية لدى قوّات الاحتلال والمستوطنين ضدّ الفلسطينيين، تُترجم في كثير من الأحيان إلى تهديد الأسرة واستخدام العنف ضدّ الفلسطينيين، كلّ هذا يحدث بشكل اعتيادي وطبيعي، على فترات متعاقبة تمحو صخب الإبادة قدر الإمكان، لكن تراكم تلك الممارسات أفضى إلى تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق، وتحمل معها شتّى أنواع الطّغيان والاضطهاد والظّلم؛ من سلب للأراضي، وتهجير من المنازل، وسلبها أو هدمها، وانتهاك مقدّسات، واستباحة الحُرمات، واحتلال عسكري للحياة اليومية لأكثر من 56 سنة، دون أن يكون هناك طوفان أقصى أو موجات استنفار وعداء استثنائية، ودون أن تكون الرّغبة الإسرائيلية في الانتقام بتلك الضّخامة وهذه الحِدَّة، فكيف الحال اليوم في ظل الحرب التي تشنّ على غزّة؟
فهل كُتِبَ على الضفّة والقدس حرب إبادة صامتة من نوع آخر؛ تمارسها قوّات الاحتلال بحقّ الفلسطينيين تارة بالقتل وأخرى بالتّدمير، حيث تتنوّع جرائم الإبادة التي تمارس بحقّ الشّعب ومنها التوسّع في مصادرة الأراضي ووضع اليد عليها لصالح التّوسّع الاستيطاني وتهويد القدس وترسيخ التّقسيم الزّماني والمكاني للمسجد الأقصى وترحيل المقدسيين في ظلّ انشغال العالم بالحرب على غزّة، ممّا يتطلّب تحرّكا جدّيا من قبل المجتمع الدّولي لوضع حدود لهذه الحرب الصّامتة ووقف الاعتداءات من قبل قوّات الاحتلال والمستوطنين.
إنّ استمرار الحرب على غزّة وسياسة الحرب الصّامتة على الضفّة الغربيّة والقدس من شأنهما أن تدفعا لمزيد من التّصعيد لدى مقاومة الاحتلال، ما يدفع المنطقة لأتون الصّراع مما يتطلّب تحرّكا جدّيا وفوريا لإنهاء الحرب ووضع حدود لسياسة العدوان الصّامتة ضدّ الضفّة الغربيّة والقدس، وإلزام حكومة الاحتلال بوقف عدوانها على الشّعب الفلسطيني وضرورة إلزامها بالانصياع لقرارات الشّرعية الدّولية ووقف وإزالة المستوطنات استنادا إلى القرار 2334، ووقف الحرب على غزّة وإنهاء الاحتلال وفق ما نصّت عليها قرارات الشّرعية الدّولية.
لتضييق الخناق على الفلسطينيين من أجل تهجيرهم..
وحش الاستيطان ينهش الضفّة الغربية!
بقلم: الدكتور عبدالله المشوخي – أكاديمي فلسطيني
المستوطنة، أو “المغتصبة” وفق المسمّى الفلسطيني، عبارة عن تجمّع سكّاني يهودي في منطقة ما من مناطق أرض فلسطين، تمّ الاستيلاء عليها من قبل اليهود لأجل إقامة تجمّع سكّاني عليها، وهناك ما يسمّى بالبُؤَر الاستيطانية، وهي مستوطنات صغيرة غير معتَرف بها رسميا من قبل حكومة الاحتلال الصّهيوني، رغم إقامتها بمساعدة منهم.
الاستيطان في أرض فلسطين بدأ مبكرا كخطوة أولى ومرحلة من مراحل تثبيت أقدام اليهود على أرض فلسطين، وتوطئة لإنشاء كيانهم الغاصب، وقد بدأ منذ عام 1859م عندما اشترى اللّورد “موزس مونتنيوري” مساحة من الأرض خارج أسوار القدس، وبدأ البناء فيها لتكون حيا لليهود، وسُمِّي هذا الحي باسمه، ثم تمكَّن بعد ذلك من بناء 7 أحياء أخرى حتى عام 1892م.
ومع صدور قانون عثماني سنة 1867، الذي يبيح للأجانب تملّك الأراضي في الدّولة العثمانية، تمكّن اليهود، وبطرق ملتوية، من بناء العديد من المستوطنات، وبسبب ضعف الخلافة العثمانية، ووجود وُلاة مرتشين، وبدعم وتشجيع من حكومتي بريطانيا وفرنسا، زادت وتيرة بناء المستوطنات في فلسطين، لاسيما بعد منح الاستعمار البريطاني أراضا وقفية لليهود. وبعد قيام دولة الكيان الصّهيوني 1948م، وبعد احتلاله الضفّة الغربية عام 1967م، اتّجهت أنظار اليهود لضمّ الضفّة الغربية لكيانهم الغاصب؛ فالضفّة الغربية بالنّسبة إليهم تعد جزءا لا يتجزأ من أرض الميعاد.
ووفق تاريخهم، فقد قامت دولة “إسرائيل” القديمة عليها، حيث قامت مملكة “إسرائيل” في شمال الضفّة، وعاصمتها – آنذاك – نابلس (شكيم)، ويطلق عليها اسم السّامرة، فيما قامت مملكة يهودا في جنوب الضفة وعاصمتها القدس، ويطلق عليها اسم (يهودا) ليصبح اسم الضفّة الغربية وفق معتقداتهم (يهودا والسامرة). لذلك شرع اليهود منذ استيلائهم على الضفة الغربية عام 1967م بناء العديد من المستوطنات، حيث بلغ عددها (189 مستوطنة)، إضافة إلى أكثر من 250 بؤرة استيطانية.
ومع استمرار معركة “طوفان الأقصى”، تصاعدت وتيرة الاستيطان، حيث ازدادت زيادة كبيرة، وتشير بعض الدّراسات إلى وجود مخطّط لبناء أكثر من 25 ألف وحدة استيطانية على أكثر من 13 ألف دونم، كما صاحَبَ معركةَ “طوفان الأقصى” عنف المستوطنين واعتداؤهم على أهالي الضفّة الغربية بالسّلاح النّاري، والاعتداء الجسدي، في خطوة همجية من أجل دفع المواطنين الفلسطينيين لترك أراضيهم، والهجرة للخارج، وإحلال قطعان المستوطنين مكانهم.
ومن أجل تحقيق ذلك، تمّ توزيع السّلاح على المستوطنين بأمر وتشجيع وزير الأمن القومي المتطرّف “إتمار بن غفير”، وتم منحهم صلاحيات إطلاق الرّصاص على الأهالي، واقتحام منازلهم، وتخريب ممتلكاتهم. كلّ ذلك يتم تحت حماية شرطة الاحتلال ورعاية جيشهم. وعلى سبيل المثال، فقد اعتدى قطعان المستوطنين على بلدة قُصرة قرب مدينة نابلس، مما أسفر عن استشهاد خمسة مواطنين، وجرح نحو 20 فلسطينيا، كما تم تهجير العديد من العائلات من منطقة (مسافر يطا) جنوب الضفة الغربية، وتم كذلك تهجير نحو 22 عائلة من الأغوار الشّمالية، وتهجير تجمُّعات بدوية من مساكنهم، كلّ ذلك ضمن سياسة تضييق الخناق على السّكان من أجل تهجيرهم.
هكذا يخطّط اليهود؛ اتِّباع سياسة الاستيلاء على الأرض، وذلك ببناء المستوطنات حول التّجمعات الفلسطينية من أجل إحكام الطوق عليها ومصادرة أكبر مساحة ممكنة من أراضيهم، بحجة زيادة مساحة المستوطنات، وبناء طرق حولها، ومن أجل فرض واقع يجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا في الضفّة الغربية والقدس الشّرقية، إضافة إلى محاولة تهويد الضفّة الغربيّة باعتبارها جزءا من أرض الكيان الصّهيوني، ودفع الفلسطينيين للهجرة إلى الأردن.
في الختام، فقد استغلّ اليهود معركة “طوفان الأقصى” لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء مستوطنات عليها، واعتقال وقتل أبناء الضفّة الغربية، وتسليح قطعان المستوطنين ليعيثوا فسادا في الضفّة، بعد أن تمّ تسليحهم وحمايتهم من قِبل الجيش والشّرطة في خطوة لضمّ الضفّة الغربية لكيانهم، ودفع الفلسطينيين للهجرة إلى الخارج.
الباحث السّياسي الأردني حازم عياد لـ “الأيام نيوز”:
“لا تهدئة دون وقف تام لانتهاكات المستوطنين و(جيش) الاحتلال في الضفّة الغربية”
يعتقد الباحث السّياسي الأردني، حازم عياد، أنّه “لا يمكن تحقيق التّهدئة والمستوطنون و(جيش) الاحتلال يمارسون القمع والانتهاكات في الضفّة الغربي، ولا يتوقع أن ينخفض مستوى التّصعيد والحرب مشتعلة في قطاع غزّة لم تتوقف؛ فخفض التّصعيد لا يمكن أن يتحقّق بالتّضييق على الفلسطينيين في الضفّة الغربية ومحاصرتهم، في حين يمارس المستوطنون العنف بدعم من (جيش) الاحتلال وحكومة الائتلاف الدّاعية لتهجير الفلسطينيين بشكل شبه يومي؛ وهو تصعيد يأتي على ألسنة أعضاء الائتلاف من بن غفير وزير الأمن القومي وسموتريتس وزير المالية وعمحاي الياهو وزير التراث”.
وعرّج الباحث السّياسي الأردني على “تحذيرات الملك عبد الله الثّاني خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من تفجر الأوضاع في الضفّة الغربيّة بفعل العنف الذي يمارسه المستوطنون المتطرّفون، والانتهاكات التي تتعرّض لها الأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحيّة في القدس، داعيا للتّصدي لهذه الممارسات”.وحسبه، فإنّ “تصريحات الملك عبد الله الثاني تأتي في وقت تطالب فيه واشنطن دول الإقليم للمساهمة في خفض التّصعيد واحتواء آثار الحرب والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، دون أن تعمد إلى ممارسة الضّغوط على الاحتلال الإسرائيلي الذي يعدّ الطّرف الوحيد الخارج عن حدود السّيطرة بسبب الدّعم الأمريكي والأوروبي المطلق، وهو دعم يهدّد بتصعيد كبير في الضفّة الغربية وجنوب لبنان والبحر الأحمر”.
وأكّد المتحدّث على أنّ “رسالة الملك عبد الله الثاني جاءت واضحة برفض التّهجير القسري للفلسطينيين في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، ووقف الحرب وضرورة تمكين أهالي غزّة من العودة إلى بيوتهم، والامتناع عن الفصل بين القطاع والضفّة”، متسائلا: “هل استمع إليها بلينكن؛ أم إنّه ما زال متمسّكا بضرورة الضّغط على الجانب الفلسطيني والعربي هروبا من الاستحقاق الأساس؛ وهو وقف الحرب والاعتراف بحقوق الشّعب الفلسطيني وشرعية مقاومته”. ويرى حازم عياد أنّ “الخطأ والإنكار الأمريكي تكرّر في فيتنام وأفغانستان من قبل، ومرجّح أن يتكرّر في فلسطين والإقليم لينهي حقبة أمريكية طويلة في المنطقة”.
وحسبه فلا “يتوقّع أن ينخفض مستوى التّصعيد وأمريكا تتجنّب ممارسة الضّغوط على الجانب “الإسرائيلي” لوقف عدوانه وحربة سواء في الضفّة أو في قطاع غزّة؛ بل إنّ المسؤولين الأمريكان من أمثال عضو الكونغرس الأمريكي ليندسي غراهام يحتفي بالجرائم “الإسرائيلية” في حين أنّ مايك بنس نائب الرّئيس الأمريكي الأسبق يوقع على قذائف المدفعية الموجهة لجنوب لبنان لقتل المدنيين”.
وأوضح حازم عياد، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ “السّلوك الأمريكي يقود تلقائيا إلى مزيد من التّصعيد بدل خفضه؛ فإطالة أمد الصّراع بحثا عن حلول تناسب الحليف الإسرائيلي يقابلها انعدام فاعلية حكومة نتنياهو بشقيها الائتلافية والطّوارئ في إدارة الحرب؛ وتعاظم والانقسامات في صفوف “النّخبة” على نحو يهدّد بتوسيع الصّراع لحسابات سياسية ضيقة تتعلّق بنتنياهو واليمين الدّيني المتحالف معه”.
إلى جانب ذلك، أفاد الباحث السّياسي الأردني بأنّ “الدّبلوماسية الأمريكية اختلفت مع الكيان للمرّة الرّابعة لاحتواء التّصعيد وخفضه في المنطقة برسم قواعد اشتباك جديدة تبقيه ضمن حدود السّيطرة وهو الحد الأدنى الذي تسعى إليه إدارة بايدن، فالانقسامات عادت بقوّة إلى حكومة الائتلاف والطّوارئ التي يقودها نتنياهو بشكل حوّلها إلى عبء على الإدارة الأمريكية الغارقة في تفاصيل الصّراع ويومياته”.
الباحث في الشّؤون الأمنية عكنوش نور الصباح لـ “الأيام نيوز”:
“وجب تفعيل آليات الضّغط القانونية والمالية للحدّ من التوسّع الاستيطاني”
حذّر الباحث في الشّؤون الأمنية والإستراتيجية، البروفيسور عكنوش نور الصباح، من “ارتفاع معدّلات الاستيطان، الذي يعدّ هدفا حيويا ووجوديا للكيان في منظور 2030 أمام ضعف النّظام الرّسمي العربي وانقسام النّسق النّضالي الوطني الفلسطيني”.
وفي هذا الإطار، أوضح البروفيسور عكنوش نور الصباح، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ “الكيان الصّهيوني الغاصب يتعامل مع الضفّة الغربية على عدّة مستويات، أبرزها المستوى العقائدي، حيث إنّه ينظر إلى المسألة من منظور تاريخي- ديني على أساس أنّها أرض يهودا والسامرة ويبني على هذه السّردية سياساته الاستيطانية لإعطاء صبغة مقدّسة على بناء المستوطنات بشكل مكثف، ضاربا عرض الحائط بالتزاماته مع المجموعة الدولية ومختلف الأطراف ذات الصلة، حيث يضعها أمام الأمر الواقع، كما يسعى إلى ربح الوقت لتحقيق مكاسب ديموغرافية وسياسية نوعية يستعملها كأوراق ضغط في أية مسارات مستقبلية محتملة للتفاوض”.
وأفاد الباحث في الشّؤون الأمنية والإستراتيجية بأنّ “مشروع الاستيطان في الضفّة الغربية مرتبط بتجاذبات السّاحة الحزبية والنخبوية داخل الكيان الصّهيوني، والتي توظّف الاستيطان في اللّعبة الانتخابية للتّموقع بشكل أفضل على حساب الشّرعية الدّولية وحق الشّعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود 1967، وهي الدّولة التي بحكم الواقع ومنهجيّة الاستيطان ستصبح من الخيال السّياسي مادام العقل الإستراتيجي الصّهيوني يفكر خارج الصّندوق من أجل لا دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا وديموغرافيا بين الضفّة الغربية وغزّة من جهة، ومن أجل تصفيتها سكانيا وبشريا بشكل نهائي من جهة أخرى”.
وفي هذا الصّدد، دعا البروفيسور عكنوش نور الصباح إلى “ضرورة تفعيل آليات الضّغط القانونية والسّياسية والمالية من خلال جهد دولي شامل يحدّ من التوسّع الاستيطاني ويردع الكيان عن مشاريعه السّكنية والتّجارية والمرفقية ونشاطاته الإعمارية غير الشّرعية في الضفّة، وفرض عقوبات عليه وعلى من يموله، حيث يمنع عنه التّمويل المالي الموجه للمستوطنات ككيانات استعمارية داخل كيان محتل لأراضي لا سلطان له عليها بموجب القانون الدّولي، ولا يحق له الإقامة عليها أو تعميرها على حساب أهلها الشّرعيين منذ قرون لاعتبار الاستيطان اعتداء على الشّرعية الدّولية يجب توقيفه لأنّه يهدّد السّلم والأمن الدّوليين”.
وفي السّياق ذاته، أبرز المتحدّث “المسؤولية الأخلاقية والقانونية للمجتمع الدّولي وخاصّة الولايات المتحدة في هذا الموضوع، للتأثير على “النّخب” الحاكمة في “تل أبيب”، وإلاّ سينقلب الأمر على أصحابه. وحسبه، فإنّ “ما يحدث من جرائم يقوم بها المستوطنون المتطرّفون ر على الفلسطينيين مؤشر على أنّ الاستيطان فكرة وحقيقة فاشلة تحمل داخلها بذور فنائها مع مرور الوقت وتغير موازين القوى”.
“إسرائيل” تعتقد أنّ الاستيطان جوهر إقامة “الدّولة” اليهودية في فلسطين
بقلم: سليمان بشارات – مدير مؤسسة يبوس للدراسات – رام الله
أظهرت معطيات لحركة “السّلام الآن”، وهي حركة يسارية “إسرائيلية” تعمل على توثيق انتهاكات الاحتلال والتمدّد الاستيطاني، أنّ المشاريع الاستيطانية التي تمّ إقرارها في الضفّة خلال العام 2023 تشكّل أعلى نسبة استيطان على الإطلاق يقرّها وينفّذها الاحتلال الإسرائيلي من حيث الوحدات (الاستيطانية) المعتمدة.
تاريخيا، بدأت عمليات الاستيطان الإسرائيلية في الضفّة الغربية بعد حرب عام 1967، عندما احتلّت “إسرائيل” هذه المنطقة خلال حرب الأيام الستة. منذ ذلك الحين، بدأ الاستيطان بالتوسّع والنمو، وهو أمر يثير الكثير من الجدل والتوتّرات في “الصّراع” “الفلسطيني-الإسرائيلي”.ويعتبر المجتمع الدّولي الاستيطان في الضفّة الغربية غير قانوني بموجب القانون الدّولي. في حين، يرى فيه الفلسطينيون تهديدا لفرص تحقيق دولتهم المستقلّة، ويعتبرون أنّ بناء المستوطنات يعرقل عملية السّلام.
وبحسب معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التّابعة لمنظمة التّحرير الفلسطينيّة، يبلغ عدد المستوطنين في مستوطنات الضفّة بما فيها القدس المحتلّة 726 ألفا و427 مستوطنا موزّعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية منها 86 بؤرة رعوية زراعية حتى بداية 2023.
وينطلق الاحتلال الإسرائيلي في مشروعه الاستيطاني بالضفّة لتحقيق جملة من الأهداف، في مقدّمتها توسيع الحدود وتأكيد السّيطرة؛ إذ يعتبر الاحتلال الاستيطان وسيلة لتوسيع حدود الدّولة اليهودية وتعزيزا لسيطرتها على المناطق المحتلّة. فيما يتمثّل الهدف الثّاني في تحقيق الأمن الإستراتيجي من خلال إقامة المستوطنات في مواقع إستراتيجية جيوسياسية فعّالة لضمان الأمان “الإسرائيلي”.
أمّا الهدف الثالث، فيتمثّل في المصالح الاقتصادية، مثل استغلال الموارد الطّبيعية من المياه والمساحات الخضراء لتعزيز التّنمية الاقتصادية للكيان الإسرائيلي، إذ تعتبر الأراضي الفلسطينية من أخصب الأراضي الزّراعية في الشّرق الأوسط وهو ما جعل أطماع الاحتلال فيها تزداد يوما بعد يوم.
ويتمثّل الهدف الرّابع في الأبعاد الدّينية والتّاريخية؛ فهناك تجمعّات استيطانية تمتلك أهدافا دينية وتاريخية، حيث يروّج بعض المستوطنين إلى أفكار العودة إلى الأراضي التي يعتبرونها تراثا دينيا وتاريخيا، وهذا يأتي في خضم الصراع الديني على الأرض حيث السّعي المستمر إلى السيطرة على الأماكن الدينية المقدسة، وفي مقدمتها المسجد الأقصى والعديد من مقامات الصحابة.
ولأن الاحتلال يدرك أنه أمام صراع ديموغرافي هو يحاول تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين، فإن أحد أهداف الاستيطان تتمثل في محاولة حسم المعركة الديموغرافية حيث يرى الاحتلال في الاستيطان وسيلة لتحقيق التوازن الديمغرافي في المناطق المحتلة، حيث يُنظر إلى إقامة مستوطنات يهودية لتعزيز الوجود الإسرائيلي في موازنة مع السكان الفلسطينيين.أما في بعدها السياسي، فيأتي الاستيطان ضمن عمليات الضغط في المفاوضات “الفلسطينية – الإسرائيلية”، حيث يفرض الاحتلال من خلال الاستيطان واقع جديد يمكن استخدامه كورقة تفاوض.
ويتنوع الاستيطان في الضفة بحسب الطبيعة والهدف منه؛ فهناك المستوطنات المركزية والتي حوّلها الاحتلال إلى تجمعات كبيرة تمتلك بنية تحتية كاملة مثل المدارس والمستشفيات والمحلات التجارية، إضافة إلى الجامعات مثل تجمع مستوطنات أرائيل وسط الضفّة. وتُعد هذه المستوطنات جزءا من السياسة الإسرائيلية لتوسيع الحضور الإسرائيلي في الضفة وتثبيت ركائز وجوده الإستراتيجي ضمن مفهوم الدولة اليهودية.أما النوع الثاني، فيتمثل في الصهيونية الدينية؛ حيث تأخذ طابعا دينيا قويا، يسعى المستوطنون من خلاله إلى تحقيق أهداف دينية وتمسك بالأرض لأسباب دينية. وتشمل هذه المستوطنات أفرادا يعتقدون أن الأرض المحتلة لها أهمية دينية وتستقطب التيارات الدينية المتطرفة. ويتركز بعضها في قلب المدن الفلسطينية سيما في مدينتي الخليل والقدس المحتلة.
في حين تشكّل المستوطنات الإستراتيجية النوع الثالث، بهدف تأمين المواقع الحيوية أو فصل المناطق الفلسطينية بشكل أكبر، وهي جزء من عمليات إعادة بناء الوجود الفلسطيني على حساب التمدد اليهودي الاستيطاني، والجزء الأكبر منها يحيط مدينة القدس المحتلة. وتشكل المستوطنات الاقتصادية النوع الرابع، حيث يُقام الاستيطان للاستفادة من الموارد الطبيعية أو لتوفير فرص اقتصادية للمستوطنين وإحداث حالة تنمية للكيان الإسرائيلي، وتتركز غالبيتها في مناطق الأغوار الفلسطينية وعلى الحدود الجنوبية والشمالية لفلسطين.
أمّا النوع الخامس، فهو يتمثل في ما يطلق عليه بالبؤر الاستيطانية، وهي عبارة عن عمليات استيلاء يقوم بها المستوطنون على أراضي الفلسطينيين لتشكيل نواة تقام عليها فيما بعد مستوطنات كاملة، وهذا النوع من الاستيطان يشكل إحدى خطوات التمدد الاستيطاني غير المباشر.
إنّ الاحتلال الإسرائيلي، منذ قيامه في عام 1948، يدرك بشكل كبير أنّ الاستيطان يمثّل جوهر إقامة “الدّولة” اليهودية المزعومة على أرض فلسطين، وهو ما يجعله يحظى باهتمام كبير من قبل السّياسيين الصهاينة، ودعم مالي غير مسبوق من قبل الوكالة اليهودية وأذرعها الدولية التي توفر دعما ماليا ضخما لتحقيق هذه الأهداف.