تُعدُّ ليلة النصف من رمضان، أو “النصفية” كما يسميها الجزائريون، إحدى المناسبات الرمضانية البارزة التي تحظى بمكانة خاصة في قلوب الأسر الجزائرية، فهي الليلة التي تجمع بين الأجواء الروحانية في المساجد والتقاليد المتوارثة داخل البيوت، حيث يصدح القرآن في حلقات الذكر، وتكتسي المجالس العائلية حُلّة احتفالية مميزة تعكس أصالة المجتمع الجزائري وتنوع موروثه الثقافي.
في هذه الليلة المباركة، تزدحم مساجد الجزائر بالمصلين الذين يحرصون على حضور حلقات الذكر والدروس الفقهية التي تتناول معاني الرحمة والمغفرة في هذا الشهر الفضيل، كما تُقام احتفالات خاصة لتكريم الأطفال الذين أتمّوا حفظ القرآن الكريم، في مشهد يعكس تقدير المجتمع الجزائري لأهل القرآن، ويعزز تعلق الناشئة بكتاب الله.
مائدة “النصفية”.. نكهة خاصة للاحتفال
تحظى مائدة “النصفية” باهتمام خاص، حيث تعدّ المرأة الجزائرية أطباقًا تقليدية تعبّر عن فرحة العائلة بهذه المناسبة، ومن أشهرها “الكسكسي”، “الشخشوخة”، “الرشتة”، “تيكربابين” أو “البكبوكة”.
كما لا تكتمل السهرة الرمضانية إلا بتقديم حلويات مميزة مثل “البقلاوة”، “الزلابية”، “المحنشة”، و”قلب اللوز”، الذي يُعدّ رفيقًا أساسيّاً لسهرات رمضان.
كما تمثل ليلة النصف من رمضان فرصة مثالية للمّ شمل العائلة، حيث يجتمع الأهل والأقارب بعد الإفطار في أجواء دافئة يسودها الحنين والفرح، ولعل من بين أبرز التقاليد المميزة لهذه السهرات عادة “البوقالات”، وهي عبارات تراثية تتناقلها الأجيال شفهيًّا، تضفي لمسة من الأصالة والروحانية على الأمسيات الرمضانية.
“الوعدة”.. تكافل وتضامن مجتمعي
تعتبر “الوعدة” من العادات العريقة التي تعكس قيم التكافل بين الجزائريين، حيث تُذبح شاة، ويجتمع الأهل على مائدة الإفطار، فيما يتم توزيع جزء منها على الفقراء والمحتاجين، كنوع من الصدقة وإدخال البهجة على القلوب في هذا الشهر المبارك.
الاحتفاء بصيام الأطفال لأول مرة
وكما جرت عليه العادة، يتم خلال هذا اليوم الاحتفاء بالأطفال الذين يصومون لأول مرة، حيث تحرص أُمهاتهن على تحضير مشروب خاص باستعمال الماء والسكر والليمون مع وضعه في إناء (مشرب) بداخله خاتم من ذهب أو فضة من أجل ترسيخ وتسهيل الصيام على الأبناء مستقبلا.
الختان و”المهيبة”.. طقوس اجتماعية متوارثة
كما تستغل العديد من العائلات هذه الليلة المباركة لتنظيم حفل ختان أبنائها في أجواء احتفالية مميزة، بينما يقدم البعض “المهيبة”، وهي هدية ترسلها عائلة الخطيب إلى خطيبته تعبيرًا عن التقدير وتعزيزًا للعلاقات بين العائلتين.
ورغم التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية التي طرأت على المجتمع الجزائري، لا تزال ليلة النصف من رمضان تحتفظ برونقها الروحي والاجتماعي، حيث تتكيف العادات مع العصر دون أن تفقد جوهرها الأصيل.
وهكذا تبقى “النصفية” مناسبة تجمع بين التعبّد والتقاليد العريقة، لتكون واحدة من أجمل ليالي الشهر الفضيل التي تعزز روح التلاحم الأسري والمجتمعي.