تعيش بلدية “الڨديد” بولاية الجلفة، على وقع إعلان خبر عودة الفتى “عميرة” وقد أصبح كهلا، بعد اختفائه في ظروف غامضة منذ تسعينيات القرن الماضي، ليتضح أنه كان محتجزا، قرابة الـ30 سنة، في مكان مظلم حيث لا يستطيع رؤية العالم الخارجي إلا عبر نافذة في صورة تعيد إلى الأذهان أحداث فيلم “غرفة” الذي يروي قصة احتجاز الطفل “جاك” مع أمه، منذ ولادته حتى بلوغه سن الخامسة، في غرفة بها نافذة في الأعلى لا يظهر منها إلا تعاقب الليل والنهار.
قصة “عميرة” أظهرت أنّ الواقع قد يكون أكثر قسوة مما تصوره الروايات والأفلام، فقد تم العثور عليه بعدما اختفى في مكان مظلم داخل بيت جاره، في وضع أكثر مأساوية مما صورته أحداث فيلم “غرفة”، والذي يروي قصة امرأة –اسمها جوي- محجوزة في غرفة دون إرادتها، يشاركها في هذا السجن غير الاعتيادي ابنها “جاك” المولود في الغرفة ذاتها، ولا يدرك أي شيء عن الحياة الخارجية، إلى درجة أن والدته تحاول إقناعه أن الغرفة التي يعيشان فيها هي فعلًا الحياة التي يعيش فيها جميع البشر، حتى يستطيع التأقلم مع الوضع غير الإنساني داخل الغرفة.
أما “عميرة” العائد إلى أهله، فإنّ الرواية المتداولة تقول بأنه عُثر عليه في حفرة تحت الأرض مغطاة بالتبن بمنزل جاره الواقع ببلدية الڨديد، إذ تم خطفه سنة 1996، وكان حينها يبلغ من العمر 16 عاما، قبل أن يصدر بيان للنيابة العامة، أمس الثلاثاء، بخصوص القضية التي تصنع الحدث منذ يوم 12 ماي والمتعلقة بالعثور على رجل مختطف منذ 30 سنة في ولاية الجلفة.
وجاء في البيان: “عملاً بأحكام المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، يُعلم النائب العام لدى مجلس قضاء الجلفة الرأي العام أنّه بتاريخ 12 ماي 2024 في حدود الساعة الثامنة مساءً (20.00) تلقت مصالح الفرقة الإقليمية للدرك الوطني بالقديد – دائرة -الشارف- شكوى المدعو (ب.ل) ضد شخص مجهول على أساس التشهير في مواقع التواصل الاجتماعي بأن شقيق الشاكي المدعو (ب.ع) المفقود منذ قرابة 30 سنة متواجد في منزل جارهم المدعو (ع.ب) ببلدية القديد داخل زريبة أغنام”.
وأضاف ذات البيان: “إثر هذا البلاغ أمر وكيل الجمهورية لدى محكمة الإدريسية مصالح الدرك الوطني بفتح تحقيق معمّق وانتقال عناصر الضبطية القضائيّة إلى المنزل المذكور، وفعلاً تم العثور على الشخص المفقود المدعو (ب.ع) وتوقيف المشتبه فيه مالك المسكن البالغ من العمر 61 سنة”. وختم البيان: “كما أمرت النيابة العامة المصالح المختصة بالتكفّل الطبي والنفسي بالضحية وتقديم المشتبه فيه أمام النيابة فور انتهاء التحقيق وسيتم متابعة مرتكب هذه الجريمة النكراء بكل الصرامة التي تقتضيها قوانين الجمهورية”.
ويروي سكان الجلفة أنّ الرجل المختطف أخبر أهله أنه كل يتابع ما يجري بالعالم الخارجي من وراء نافذة، وهي الحالة المأساوية التي تناولها فيلم غرفة “Room” – للمخرج ليني أبراهامسون – والمقتبس من رواية الغرفة، وقد تم تصويره في كندا عام 2015.
ويضيف بعض أقرباء عميرة أنّ القصة تعود إلى شهر أفريل 1998 حينما كان الفتى في ريعان شبابه (من مواليد 1979)، وقد اختفى عن الأنظار بعد أن ذهب إلى عاصمة الولاية ولم يعد، لتبدأ عملية البحث عنه من طرف الأهل والأصدقاء، حيث تم اللجوء حينها إلى الحصة التلفزيونية الشهيرة “كل شيء ممكن” مرّتين لعل أحدا يتعرّف عليه.
وبسبب أحداث العشرية السوداء ظن الجميع أن عميرة قد اختطف أو قُتل من طرف الإرهاب، وفي الأخير انكشف مكان عميرة إثر خلاف على الميراث من قبل شخص مقرّب من الجاني، عبر منشور على موقع فيسبوك، الخميس المنصرم، يقول أن الشاب المختفي عميرة متواجد في منزل الجاني.
أقارب الضحية أخبروا مصالح الدرك مساء يوم الاثنين، ليتم إنقاذ الضحية بعد تفتيش منزل المشتبه فيه، حيث تم العثور على “عميرة” في مكان مظلم تحت أكوام التبن، لكنه –لحسن الحظ- يبدو في صحة جيدة، لتقوم المصالح المختصة بواجبها، من خلال التكفل بالرجل المفقود وتوقيف المشتبه به وبدء إجراءات التحقيق.