ماذا بعد فوز اليسار في الانتخابات الفرنسية؟.. صفعة للماكرونية وركلة لليمين المتطرّف

دوت التصفيقات في عواصم اليسار عبر العالم، تشجيعا لفرنسا التي أخذت نفسا عميقا؛ أغمضت عينيها ثم قفزت من النقيض إلى النقيض، فبعدما كان اليمين المتطرف أقرب ما يكون إلى السلطة، انقلبت الصورة رأسا على قفا، فقد نجح ائتلاف اليسار المنضوي تحت لواء “الجبهة الشعبية الجديدة”، في توجيه صفعة لتحالف الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي وركلة لليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، التي جرت يوم 7 جويلية.

وتهاطلت التهاني الحارة -من فنزويلا وكولومبيا وبوليفيا- على باريس، بعدما أظهرت نتائج التصويت تصدّر تحالف “الجبهة الشعبية الجديدة”، ورسوب معسكر الرئيس ماكرون إلى المرتبة الثانية، متقدما على اليمين المتطرف الذي حل ثالثا، وذلك دون أن تحصل أي كتلة على غالبية مطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان).

وفي مشهد مهتز، أثمرت تحركات الأحزاب الفرنسية -ومعها مخاوف كثير من الفرنسيين- نتيجة جرى التحضير خلال سبعة أيام، وتفاجأ العالم بحدوث انقلاب كبير أفضى إلى والانتقال بفرنسا من اليمين إلى اليسار، ومع ذلك فإن لا يزال المجهول سيد الموقف قبل ثلاثة أسابيع على افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس.

وحققت “الجبهة الشعبية الجديدة” المؤلفة من أحزاب تختلف على عدد من الملفات، مفاجأة بحلولها في المرتبة الأولى، مع نيلها 182 مقعدا. أما معسكر ماكرون فقد أظهر قدرة نسبية على الصمود بعد شهر على مجازفة ماكرون بالدعوة إلى هذه الانتخابات المبكرة مع توقع حصوله على 168 مقعدا في مقابل 250 في جوان 2022.

وفور صدور التقديرات الأولية، شدد زعيم اليسار الراديكالي الفرنسي جان لوك ميلنشون أن على رئيس الوزراء غابريال أتال “المغادرة”، مضيفا “ينبغي على الجبهة الشعبية الجديدة” التي ينتمي إليها حزبه أن “تحكم”.

وتعالت صيحات الفرح بين رفاق لينين وترودسكي بنصر ساحق، إذ ضجت ساحة ستالين غراد بالأعلام الحمراء في قلب جمهورية ديغول المثقلة بجراح الماضي وانقسامات الحاضر ومخاوف من المستقبل الذي لا يزال يخبئ المزيد من المفاجآت، فقد ظهر رئيس حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلونشون وخاطب الجماهير قائلا: “إن هذه المصالح المشتركة هي البرنامج الانتخابي، الذي اخترتموه وسنطبقه بحذافيره، ولن نتجاوز صفحة أو جملة أو فاصلة وسنفي بتعهداتنا كاملة”.

وفي معسكر اليمين المتطرف، ارتفعت صيحات استهجان لصحوة اليسار وخيبة أمل من خسارة نصر كان قريب المنال، لكنه تداعى بغدر السياسة وحلف الخصوم، ومن جهته، قال رئيس حزب التجمع الوطني الفرنسي جوردان بارديلا: “لسوء الحظ فإن (تحالف العار) والترتيبات الانتخابية الخطيرة التي قام بها ماكرون ورئيس الوزراء غبريال آتال مع التشكيلات اليسارية المتطرفة، تحرم الشعب الفرنسي من سياسة التعافي التي أيدها بأغلبية ساحقة”.

لكن الجيد فعلا في هذه القصة تمثل في أن قيادات من تحالف اليسار في فرنسا أعلنت أنها ستعترف بدولة فلسطين قريبًا، وذلك في خطاب النصر، وقال ميلونشون، زعيم “”الجبهة الشعبية الجديدة” إن على رئيس الوزراء المقبل أن يتوافق مع رئيس البلاد على الاعتراف بدولة فلسطين في أسرع وقت ممكن، أما رئيسة الكتلة النيابية للحزب ماتيلد بانو فقالت إنه سيتم الاعتراف بدولة فلسطين خلال الأسبوعين المقبلين.

وفي الطرف الآخر من المعادلة الفرنسية، طلب الرئيس إيمانويل ماكرون أمس الاثنين من رئيس الوزراء جابرييل أتال الذي أتى إلى مكتبه لتقديم استقالته، البقاء في منصبه “في الوقت الراهن لضمان استقرار البلاد”، وأعلن القصر الرئاسي في بيان أن ماكرون شكر أتال على قيادته حملتي الانتخابات الأوروبية والتشريعية.

وأشار أتال بالفعل يوم الأحد إلى أنه سيتخذ هذه الخطوة، في اتباع للتقاليد السياسية الفرنسية، قائلا إنه مستعد للبقاء في منصبه لفترة أطول كقائم بالأعمال لكن الأمر متروك للرئيس للبت فيه.

ووصلت نسبة  إقبال الناخبين  على التصويت إلى مستوى قياسي بلغ 67 بالمائة بحسب معهدَي إيبسوس وابينيونواي لاستطلاعات الرأي و67,1 بالمئة بحسب إيلاب و66,5 بالمئة من جانب إيفوب، في مقابل 66,7 بالمائة في الدورة الأولى. وهذا مستوى قياسي منذ الانتخابات المبكرة عام 1997. وشارك الفرنسيون بزخم لشعورهم بأن الانتخابات العامة هذه ستكون تاريخية.

وللعلم، فإنه، لم يتمكن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف من تصدر نتائج الدور الثاني من الانتخابات التشريعية الفرنسية. إلا أن اقتراع 2024 وقبله في 2022 أنهى عقودا من حالة النبذ السياسي لهذا الحزب الذي هيمنت عليه عائلة لوبان منذ تأسيسه في 1972. عودة على تاريخ الحزب وصعوده السريع في السنوات الأخيرة.

وبعد المفاجأة التي أتت بها نتائج الانتخابات التشريعية مفرزة جمعية وطنية مشرذمة بين 3 كتل، بدأ الطبقة السياسية الفرنسية أمس الاثنين المداولات لبناء غالبية مجهولة المعالم وتعيين رئيس للوزراء.

ومن دون حصول أي طرف على الغالبية المطلقة وحلول تحالف يساري هش في الصدارة يتعيّن عليه الصمود أمام تحدي وحدة الصف، ومعسكر رئاسي استطاع إنقاذ ماء الوجه، لكنه لا يمكنه الاستمرار بمفرده، تجد فرنسا نفسها في أجواء غير مسبوقة مطبوعة بعدم اليقين.

وبالعودة إلى التاريخ، يمكن التأكيد أن فرنسا لم تعتد على بناء تحالفات بعد الانتخابات كما هو شائع في الديمقراطيات البرلمانية في شمال أوروبا مثل ألمانيا وهولندا، وقد ودعا السياسي اليساري المعتدل رافائيل غلوكسمان الطبقة السياسية إلى التصرف “مثل البالغين”، واستبعد زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري، جان لوك ميلانشون، تشكيل ائتلاف واسع.

وقال ستيفان سيغورن زعيم حزب ماكرون، إنه منفتح على العمل مع الأحزاب الرئيسية، لكنه استبعد أي اتفاق مع حزب ميلانشون، كما استبعد رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب أي اتفاق مع حزب أقصى اليسار.

وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، ستدخل فرنسا منطقة مجهولة، إذ ينص الدستور على أن ماكرون لا يمكنه الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة لمدة 12 شهرا أخرى، كما ينص الدستور على أن يختار ماكرون من سيشكل الحكومة، ولكن أيا كان من سيختاره سيواجه تصويتا على الثقة في الجمعية الوطنية في 18 جويلية الجاري.

وقد يحاول ماكرون إبعاد الاشتراكيين والخضر عن الائتلاف اليساري لتشكيل ائتلاف يسار الوسط مع كتلته، ولكن لا يوجد ما يشير إلى تفكك وشيك للجبهة الشعبية الجديدة، وبالمقابل ثمة خيار آخر يتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط تدير الشؤون اليومية ولكنها لا تشرف على التغييرات الهيكلية، وهو ما سيتطلب دعم البرلمان. 

قصة اليمين في فرنسا

فرضت الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف كقوة سياسية وازنة في البلاد بالرغم من عدم حلوله أولا مع نهاية الجولة الثانية، وفيما يلي أبرز المحطات في تاريخ التيار الذي هيمنت عليه عائلة لوبان لأكثر من نصف قرن.

تأسيس الحزب

  • عام 1972″ جان ماري لوبان الجندي السابق في جيش الاحتلال الفرنسي، أسس الجبهة الوطنية، وهو حزب يميني متطرف يتألف من قدامى مجرمي الحرب الذي سفكوا دماء الجزائريين والمتعاونين الفرنسيين من نظام فيشي.
  • عام 1974، خاض لوبان الانتخابات الرئاسية لكنه حصل على أقل من واحد بالمائة من الأصوات، وبعد ذلك بعامين تعرض منزله في باريس لهجوم بقنبلة. ولم يتم تحديد الجناة.

انتخابات 1981: لوبان الأب يفشل في جمع التأييدات الكافية

  • لم يستطع لوبان جمع العدد الكافي لتأييد ترشحه للانتخابات الرئاسية والتي فاز بها اليساري فرانسوا ميتران. وفي السنوات التالية، اجتذب لوبان تدريجيا مؤيدين جدد.

انتخابات 1986: أول مقعد في الجمعية الوطنية

  • فاز الحزب بأول مقاعده في البرلمان المعروف باسم الجمعية الوطنية خلال انتخابات 1986.
  • وفي سنة 1987، أدلى لوبان بتعليقات مهينة تتعلق بالرجال المثليين المصابين بفيروس نقص المناعة (إيدز) في إطار ميله الدائم لإثارة الغضب بتوجيه إهانات عنصرية ومعادية للسامية ومعادية للمثليين، وهو ما عرضه في أحيان كثيرة لمشكلات قانونية لكنه ظل يحظى بدعم قطاع من الناخبين.

انتخابات 1988: نتائج أفضل وتركيز على الإسلام والمهاجرين

  • حصل لوبان على 14.4 بالمائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وفي العام التالي فاز حزب الجبهة الوطنية بأكثر من عشرة بالمائة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية.
  • كما بدأ الحزب في التركيز على الإسلام والمهاجرين المسلمين باعتبارهم أحد اهتماماته السياسية الرئيسية.

انتخابات 1995: فوز بثلاثة مجالس بلدية في الجنوب

  • فاز حزب الجبهة الوطنية بثلاثة مجالس بلدية في الجنوب، تولون وأورانج ومارينيان، مما يشير إلى تنامني شعبيته.

انتخابات 2002: مرور صادم للدور الثاني أمام شيراك

  • ترشح لوبان للرئاسة وحصل على 16.86 بالمائة من الأصوات، وهو ما كان كفيلا بتأهيله لخوض جولة إعادة أمام جاك شيراك. أحدث هذا الأداء القوي صدمة في جميع أنحاء فرنسا، وشاع الاشمئزاز من احتمال تحقيق مثل هذا الحزب اليميني المتطرف لنتائج جيدة. وتضامن سياسيون من اليمين واليسار معا لمنع لوبان من الفوز في الجولة الثانية. وفاز شيراك بأكثر من 80 بالمائة من الأصوات في جولة الإعادة.

2008 حكم بالسجن ضد لوبان الأب بسبب تصريحات حول النازية

  • قضت محكمة بسجن لوبان ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ وتغريمه بعشرة آلاف يورو لقوله إن الاحتلال النازي لفرنسا “لم يكن غير إنساني إلى حد كبير”.

2011 مارين لوبان تتسلم المشعل

  • أصبحت مارين لوبان، ابنة لوبان، الزعيمة الجديدة للجبهة الوطنية بعد فترة اتسم فيها أداء الحزب بالضعف في استطلاعات الرأي وواجه فيها ضغوطا مالية متزايدة.
  • في سنة 2012، خاضت مارين لوبان أول انتخابات رئاسية وانتهت مساعيها بالفشل.

2014: اختراق في الانتخابات البلدية

  • حقق حزب الجبهة الوطنية نتائج مميزة في الانتخابات البلدية ليصبح له السيطرة على 11 مجلسا بلديا كما حصل على المركز الأول في انتخابات البرلمان الأوروبي.

2015 طرد الأب المؤسس من الحزب

  • تم تعليق عضوية جان ماري لوبان في الحزب بعد وصف المحرقة بأنها “تفصيلة” من الحرب العالمية الثانية. وفي نفس العام فصلته ابنته من الحزب.

2017 مارين لوبان في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية

ترشحت مارين لوبان للرئاسة مرة أخرى، لكنها خسرت أمام إيمانويل ماكرون. وبعد ذلك، كثفت جهودها لجعل الحزب أكثر قبولا لدى جمهور أوسع من الناخبين، سعيا إلى النأي به عن ماضيه العنصري والمعادي للسامية، وفي الوقت ذاته منح نوابه البرلمانيين مظهرا أكثر احترافية عبر تدريب إعلامي وحضور واضح على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي  2018، غيرت اسم الحزب إلى التجمع الوطني.

2022 الشاب جوردان بارديلا يصعد لرئاسة الحزب

تم اختيار جوردان بارديلا، البالغ من العمر 28 عاما، وهو أحد تلاميذ مارين لوبان، ليكون الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني.

وحيد سيف الدين - الجزائر

وحيد سيف الدين - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
لبنان.. إصابة أزيد من 1200 شخص إثر تفجير "إسرائيل" لأجهزة اتصال الرئيس تبون يأمر العرباوي بتأجيل استقالة حكومته ظاهرة فلكية نادرة تزين سماء الجزائر الرئيس تبون يستقبل المترشحين لرئاسيات 7 سبتمبر الرئيس تبون يترحم على أرواح شهداء الثورة التحريرية بمقام الشهيد تجسيدا للديمقراطية الحقة.. تبون يعلن إطلاق حوار وطني مفتوح الرئيس تبون يحدّد معالم عهدته الثانية..إصلاحات اقتصادية وتنموية واسعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي الملك الاسباني يستقبل أول سفير لدولة فلسطين في مدريد الجوية الجزائرية تعيد تفعيل هذا الخط وفاة أشهر مذيعة جزائرية للنشرات الجوية فوزية غوماري الرئيس تبون يؤدي اليمين الدستورية حوادث المرور.. وفاة 21 شخصا وإصابة 443 آخرين خلال الـ 48 ساعة الأخيرة أمطار رعدية غزيرة عبر 8 ولايات حينما تكون الغَلبة لمنطق اللون.. "إرث العبودية" في أمريكا.. علامة مُسجلة بالتقادم السنوار ينسفُ حسابات نتنياهو بجرّة قلم.. رسائل مشفّرة من غزة إلى اليمن غزة تحت النار.. كيف يساير الصمت الروسي والصيني التوحش الصهيوني؟ الدفع برمز الاستجابة السريعة ابتداء من أكتوبر.. بنوك جزائرية تتبنى تقنية QR وفق نظرية "الضفدع المغلي".. اليمن السعيد يرسم مستقبلا غير سعيد للكيان الصهيوني هل تعرّض دونالد ترامب لمحاولة اغتيال ثانية؟ ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 41226 شهيدا