رغم الجهود التي تبذلها الجزائر في السنوات الأخيرة في تطوير بنيتها التحتية والخدمات اللوجستية الا أنها لا تزال تشهد تأخرًا في هذا المجال، الأمر الذي ينعكس على أدائها في المؤشرات العالمية مثل تقارير صندوق النقد الدولي ومؤشرات التنافسية والابتكار. حيث تحتل الجزائر مراتب متدنية تعكس عدم كفاءة القطاع اللوجيستي، وذلك نتيجة أسباب عدة، أبرزها تقادم المعدات المستخدمة في عمليات الشحن والتفريغ، إضافة إلى ضعف تجهيز الموانئ، سواء من حيث الأرصفة أو أحجام السفن التي ترسو فيها. تعاني الموانئ الجزائرية من افتقارها للتكنولوجيا المتطورة، مما يضعف قدرتها على التعامل مع الصناعات الاستخراجية الكبرى، مثل قطاع المناجم.
لتحقيق التقدم المطلوب، يجب أن تكون البنية التحتية متكاملة وشاملة، تبدأ من ربط المناجم بشبكة السكك الحديدية أو الطرق البرية لتسهيل عملية نقل الموارد الخام إلى الأسواق المحلية والدولية. كما يتطلب تعزيز هذا القطاع اعتماد أنظمة رقمية حديثة، تسهل عملية تتبع مسار المواد المنجمية من مواقع استخراجها وصولاً إلى الأسواق النهائية، سواءً عبر الموانئ أو عبر طرق التجارة البرية. فالخدمات اللوجستية تلعب دورًا جوهريًا فهي حلقة وصل بين العارضين والمستهلكين، مما يعزز الإنتاجية ويوفر حلولاً فعالة للتوريد إذا ما اعتمدت الجزائر على اللوجيستيات الرقمية التي ترفع من كفاءة العمليات وتضمن التزامن في الأداء.
في ظل التحول الرقمي العالمي، أصبح اللوجيستيك الرقمي ضرورة ملحة لتحقيق رضا العملاء، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. إلا أن التحديات التي تواجه الجزائر في هذا الإطار تتطلب تحسين قطاع النقل بجميع أنواعه: البري، الجوي، والبحري، خاصة فيما يتعلق بالصناعات الثقيلة مثل قطاع المناجم. ومن الضروري تحسين شبكة السكك الحديدية وتوسيعها لتلبي احتياجات هذا القطاع الحيوي. أما الموانئ الجزائرية، فهي بحاجة إلى تهيئة شاملة، حيث لا تزال معظمها من الجيل الأول الذي يفتقر إلى التكنولوجيا الحديثة وعمق الأرصفة المناسب لاستقبال السفن الكبيرة.
إضافة إلى ذلك، فإن تطوير منصات رقمية متكاملة يمكن أن يسهم في تحسين الأداء اللوجستي العام، من خلال تسهيل العمليات مثل تتبع الشحنات وتسريع الإجراءات الجمركية. يعد هذا التحول ضروريًا لتحسين تصنيف الجزائر في المؤشرات العالمية، ولتعزيز قدرتها التنافسية في التجارة الدولية.
على سبيل المثال، تُظهر التجارب الدولية أهمية البنية التحتية المتطورة في تحسين أداء قطاع المناجم. في أستراليا، يتم نقل حوالي 900 مليون طن من خام الحديد سنويًا عبر شبكة سكك حديدية متطورة إلى موانئ متخصصة مثل ميناء بورت هيدلاند، مما يسهم في تقليل التكاليف وضمان التسليم في الوقت المناسب. كما تتميز الصين بشبكة سكك حديدية ضخمة يبلغ طولها 150,000 كم، تُستخدم لنقل حوالي 3.7 مليار طن من المعادن سنويًا. هذه النماذج لدول تتسم بشساعة المساحة وصعوبة المسالك والطبيعة الجغرافية تؤكد أن تطوير البنية التحتية يعزز تنافسية المنتجات في الأسواق العالمية.
أما في الجزائر، فإن نقاط الضعف تشمل ضيق أرصفة الموانئ التي لا تستوعب السفن ذات الحمولة الكبيرة، مما يفرض استخدام سفن صغيرة غير اقتصادية، ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف. كما أن توقف تشغيل الموانئ ليلاً يعطل العمليات اللوجستية، ويؤثر سلبًا على التزامن في سلسلة الإمداد. شبكة السكك الحديدية الحالية، التي تبلغ حوالي 4,200 كم، غير كافية لتلبية احتياجات المناطق المنجمية البعيدة عن الموانئ.
لتحقيق تقدم ملموس، يجب على الجزائر الاستفادة من التجارب الرائدة عالميًا. تطوير البنية التحتية اللوجستية من خلال تحديث الموانئ وبناء شبكة سكك حديدية شاملة يمكن أن يعزز كفاءة نقل الموارد المنجمية. كذلك، ينبغي اعتماد تقنيات حديثة مثل الأنظمة الآلية لتحسين عمليات التخزين والمناولة. تشجيع الاستثمار الخاص في القطاع اللوجستي وتحفيز الابتكار يمكن أن يسهم أيضًا في تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة.
من الضروري أيضًا تحسين التكامل بين مختلف القطاعات الاقتصادية. فالقطاع المنجمي بحاجة إلى تعاون وثيق مع قطاع النقل والخدمات اللوجستية لضمان تحقيق التنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الجزائر تبني ممارسات التعدين المستدامة التي تراعي القضايا البيئية، من خلال استبدال التكنولوجيا القديمة بأخرى حديثة تقلل من الانبعاثات والتلوث الجوي.
لزيادة القدرة التنافسية لقطاع المناجم، يجب أن تتبنى الجزائر استراتيجية شاملة تشمل تحسين البنية التحتية، تطوير الخدمات الرقمية، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص. مثل هذه الخطوات يمكن أن تضع الجزائر على خريطة التجارة الدولية لتكون مصدرا رئيسا للموارد المعدنية، وتعزز من دور قطاع المناجم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.