وسط مشاهد الدمار والدماء التي باتت جزءًا من المشهد اليومي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجنوب اللبناني، تواصل آلة الحرب الصهيونية تصعيدها العسكري بلا هوادة، مستبيحةً الأرواح ومنتهكةً الحقوق. فمن اجتياحات دامية في الضفة الغربية إلى قصف جوي عنيف على لبنان، يزداد الوضع قتامةً، بينما يفرض الاحتلال حصاره الحديدي على الأبرياء في غزة وسط صمت دولي مريب. يتصاعد عدد الشهداء والجرحى يومًا بعد يوم، فيما تواجه العائلات الفلسطينية واللبنانية فصولًا جديدة من القهر والتهجير، مع استمرار استهداف البنية التحتية والمناطق السكنية. وبينما يمعن الاحتلال في عدوانه، تبقى ردود الفعل الدولية متواضعة، في مشهد يعكس ازدواجية المعايير التي طالما اتسمت بها السياسات الغربية تجاه الجرائم الصهيونية. وفي ظل هذا التصعيد المستمر، تطرح تساؤلات ملحّة حول مستقبل المنطقة، وما إذا كانت هذه التطورات مقدمةً لمواجهات أوسع قد تمتد إلى ما هو أبعد من حدود فلسطين ولبنان، وسط مؤشرات على تصعيد إقليمي يلوح في الأفق.
شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان تصعيدًا خطيرًا من قبل قوات الاحتلال الصهيوني خلال الأيام الأخيرة، حيث ارتُكبت انتهاكات متزايدة في جنين والضفة الغربية، إلى جانب استمرار الغارات والاعتداءات على الجنوب اللبناني، ما يعكس توجهاً صهيونياً متزايداً نحو العنف والتصعيد العسكري في المنطقة، فقد استشهد أربعة فلسطينيين وأصيب آخرون في اقتحامٍ واسع النطاق نفذته قوات الاحتلال الصهيوني فجر أمس الثلاثاء في مدينة جنين، حيث أعلنت هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية عن استشهاد فلسطيني آخر بالرصاص في المدينة، ليصل العدد الإجمالي إلى أربعة شهداء. كما تحتجز قوات الاحتلال جثامين ثلاثة منهم، ما يفاقم معاناة ذويهم.
وزارة الصحة الفلسطينية أكدت استشهاد مواطنين اثنين برصاص الاحتلال في جنين، فيما استشهدت سيدة تدعى فايزة إبراهيم أبو غالي (58 عامًا) جراء العدوان، دون تحديد سبب دقيق لاستشهادها. وتشير مصادر فلسطينية إلى أن أحد الشهداء هو الشاب إسماعيل أمجد أبو غالي. وبالتزامن مع الاقتحامات، نفذ الجيش الصهيوني عمليات اعتقال وتنكيل في مناطق متعددة بالضفة الغربية، حيث شهدت مخيمات جنين وطولكرم وطوباس عمليات عسكرية واسعة النطاق تسببت في تهجير عشرات الآلاف من السكان، إلى جانب استشهاد وإصابة العشرات. في مخيم نور شمس بطولكرم، أجبرت القوات الصهيونية عائلات بأكملها على إخلاء منازلها، وفرضت قيودًا مشددة على التنقل.
وفي بلدة عزون شرقي قلقيلية، نصبت قوات الاحتلال حواجز عسكرية وأغلقت مداخل البلدة، ونفذت حملات دهم وتفتيش للمنازل، ما أسفر عن اعتقال العشرات والتحقيق معهم ميدانيًا لعدة ساعات قبل الإفراج عن بعضهم. وتناقلت وسائل إعلام فلسطينية صورًا لمعتقلين أجبرتهم قوات الاحتلال على نزع ملابسهم، في مشهد يعكس انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. وامتد العنف الصهيوني ليشمل مناطق أخرى مثل نابلس، وبيت لحم، والخليل، حيث نفذت القوات الصهيونية عمليات اقتحام واعتقال. في مدينة حلحول شمال الخليل، تعرض شاب فلسطيني للضرب المبرح قبل الإفراج عنه، فيما اعتُقل القيادي في حركة حماس محمد جمال النتشة مع عدد من الأسرى المحررين في الخليل.
القدس والمسجد الأقصى تحت التهديد
في القدس المحتلة، اقتحم 126 مستوطنًا و25 طالبًا يهوديًا ساحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال، في استمرار لمحاولات تهويد المسجد وتقويض الوجود الفلسطيني فيه. كما نصبت قوات الاحتلال حاجزًا على مدخل بلدة عناتا، ما تسبب في أزمة سير خانقة.
لم تقتصر الانتهاكات على الجيش الصهيوني، بل شملت اعتداءات المستوطنين الذين هاجموا منازل فلسطينية في خربة هريبة النبي بمسافر يطا جنوبي الخليل، وأضرموا النيران في مرآب للسيارات في قرية أم صفا شمال غربي رام الله، مما أدى إلى احتراق عدد من المركبات. كما هاجم مستوطنون راعيين فلسطينيين في الأغوار الشمالية، ما أدى إلى إصابتهما بجروح.
على الجبهة اللبنانية، واصلت (إسرائيل) انتهاكاتها لوقف إطلاق النار عبر شن غارات جوية على الجنوب اللبناني. ففي عصر الثلاثاء، استهدفت غارة صهيونية سيارة على طريق دير الزهراني – حومين الفوقا، ما أدى إلى استشهاد مواطن، وفق ما أكدته وزارة الصحة اللبنانية.
كما استهدفت مسيّرة صهيونية مركبة مرتين في وادٍ يربط بين بلدات فرون وصريفا وكفر صير، ما أدى إلى سقوط شهيد آخر. ولم تتوقف الاعتداءات عند ذلك، إذ أطلقت قوات الاحتلال رشقات رشاشة باتجاه الأراضي اللبنانية، خاصة في محيط مستوطنة “المنارة” مقابل بلدة ميس الجبل، وسط تحليق مكثف للطائرات المسيّرة.
في تطور جديد يعكس استمرار الاعتداءات الصهيونية، توغلت قوات الاحتلال الصهيوني باتجاه أطراف بلدة راميا اللبنانية، حيث أطلقت النيران باتجاه محيط مدرسة البلدة، قبل أن تشرع في تفتيش المنازل المتنقلة التي أُقيمت لإيواء المزارعين. وفي حادثة أخرى، أعلن الجيش اللبناني أن قوات الاحتلال أطلقت النار على أحد جنوده أثناء ارتدائه الزي المدني في خراج بلدة كفرشوبا، ثم قامت باختطافه إلى داخل الأراضي المحتلة، ما يزيد التوتر على الحدود الجنوبية للبنان.
إدانة دولية لقطع الكهرباء عن غزة
على صعيد آخر، أدانت رابطة العالم الإسلامي بأشد العبارات قرار الاحتلال الصهيوني قطع الكهرباء عن قطاع غزة، معتبرةً ذلك استمرارًا للانتهاكات الصارخة للقوانين والأعراف الدولية. ودعت الأمانة العامة للرابطة المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية وحازمة ضد هذه الانتهاكات، والضغط على الاحتلال لضمان عودة الكهرباء وتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب.
وكان الاحتلال الصهيوني قد قرر يوم الأحد قطع التيار الكهربائي عن غزة، بعد أسبوع من إغلاق المعابر ووقف جميع الإمدادات الإنسانية، بما في ذلك الوقود، في تصعيد جديد لسياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها منذ بدء عدوانه على القطاع في 7 أكتوبر 2023.
منظمة العفو الدولية.. “استخدام المياه كسلاح حرب“
من جهتها، وصفت منظمة العفو الدولية قرار الاحتلال بقطع الكهرباء عن محطة تحلية المياه في غزة بأنه “قاسٍ وغير مشروع”، معتبرةً أنه “سلاح حرب” يهدف إلى تعميق المعاناة الإنسانية لسكان القطاع المحاصر. وأكدت المنظمة أن قطع الكهرباء عن منشآت تحلية المياه يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، مشيرةً إلى أن هذه السياسات تندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها (إسرائيل) ضد الفلسطينيين في غزة.
وأضافت أن هذه الممارسات تعكس بوضوح سياسة الاحتلال في فرض ظروف معيشية كارثية تهدف إلى تدمير الفلسطينيين ماديًا، وهو أمر محظور بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية. ودعت المنظمة إلى منع (إسرائيل) من استخدام المياه والكهرباء كسلاح حرب، مؤكدةً أن الوقود والغذاء والمياه والإمدادات الأساسية ليست أدوات ضغط، بل هي ضروريات بقاء لا يمكن التلاعب بها في إطار أي مفاوضات.
تشهد غزة كارثة صحية وبيئية خطيرة، إذ أدى الدمار الهائل للبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، الناجم عن العدوان الصهيوني والحصار المستمر، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. وحذرت منظمة العفو الدولية من أن الحظر الكامل لإمدادات الوقود يهدد بتوقف عمل الآبار ومنشآت المياه الأخرى، مما ينذر بكارثة صحية وإنسانية واسعة النطاق.
وأشارت المنظمة إلى أن (إسرائيل)، بصفتها قوة احتلال، ملزمة قانونيًا بضمان توفير الغذاء والمياه والأدوية والمساعدات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة، وفقًا للقانون الدولي الإنساني. لكن بدلاً من ذلك، تمعن سلطات الاحتلال في فرض الحصار، مما يؤدي إلى تفاقم معاناة أكثر من 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في ظروف إنسانية كارثية.
مع استمرار التصعيد الصهيوني في لبنان وفلسطين، وتصاعد التهديدات التي تطال حياة المدنيين، تتزايد الدعوات الدولية لوقف الانتهاكات الصهيونية وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود. فإلى متى سيبقى المجتمع الدولي صامتًا أمام هذه الجرائم التي تتحدى كل القوانين والأعراف الإنسانية؟