كشفت رئيسة تحرير شبكة “روسيا اليوم”، مارغريتا سيمونيان، عن تسجيل صوتي يبحث فيه ضباط ألمان كبار، كيفية ضرب جسر القرم الروسي عبر مضيق كيرتش في البحر الأسود، “بما يُبقي ألمانيا بعيدة عن الشبهات”، وزادت سيمونيان على ذلك بأن نشرت أسماء وصور الضباط الألمان الذين وردت أصواتهم في التسجيل. ومن جهتها قالت صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية إنّ بث روسيا محادثات سرية بين العديد من الضباط الألمان بشأن شحنات أسلحة محتملة إلى أوكرانيا، أغرق ألمانيا في كثير من الحرج، وترك انطباعا بأنّ الظروف التي جرى فيها النقاش تكشف عن بعض الإهمال لدى الجيش الألماني.
وكتبت سيمونيان على “تلغرام”: “كشف لي بعض الرفاق في أجهزة الأمن الروسية، شيئا مثيرا جدا للاهتمام، في نفس اليوم الذي صرح فيه المستشار الألماني أولاف شولتس بأنّ “الناتو” لن يشارك في نزاع أوكرانيا.. هذه القراءات والتسجيلات الصوتية رائعة إلى درجة أنّني قرّرت نشرها وإمتاع متابعي بها. في هذا التسجيل المثير للاهتمام يبحث ضباط رفيعو المستوى في الجيش الألماني سبل قصف جسر القرم وكيفية تحقيق ذلك بدرجة عالية من الفعالية، وليتمكن بذلك مستشارهم شولتس من مواصلة تصريحاته”.
وأضافت أنّ مدة التسجيل الصوتي 40 دقيقة، وأنّ الضباط الألمان أشاروا فيه إلى الجيشين الأمريكي والبريطاني وإلى “ضلوع هذين الجيشين بشكل مباشر في نزاع أوكرانيا ومن فترة طويلة”، وأضافت سيمونيان أنّها بعثت طلبا صحفيا للاستيضاح حول هذا التسجيل إلى وزير الخارجية الألماني وسفير برلين لدى موسكو، والمستشار الألماني أولاف شولتس، آملة بتلقّي الردّ العاجل على إخطارها.
وقالت: “كيف يمكن فهم ذلك في الواقع؟ ألم يحن الوقت لكي تذكّر روسيا برلين بعواقب تفجير الجسور الروسية بالنسبة إلى ألمانيا في المرة الأخيرة، في الحرب العالمية الثانية؟ أود أن أرى التعليق كما هو معتاد في وسائل الإعلام الألمانية، ولتثبتوا لنا مدى “حرية الصحافة” في ألمانيا”.
من جانبها، أوضحت صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية في تقرير بقلم بيير هاردي أنّ التسجيلات الصوتية – التي نشرتها قناة “آر تي” الروسية بعد تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي من اجتماع عقد يوم 19 فيفري الماضي – يُسمع فيها ضباط يناقشون إمكانية تسليم صواريخ توروس بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وهو ما طلبته كييف، لكن ألمانيا ترفضه حتى الآن، وأكدت وزارة الدفاع الألمانية صحة هذه التسجيلات، ووصفها المستشار أولاف شولتس بأنها “خطيرة للغاية”، وأكد أنهم “سيخضعون الآن لتحقيق دقيق وشامل وسريع للغاية”.
وعقد الاجتماع – حسب صحيفة “وول ستريت جورنال” – على “ويب إكس” – وهي منصة مؤتمرات الفيديو الاستهلاكية الأمريكية – وليس على شبكة داخلية آمنة. وقال خبير أمن سيبراني – طلب عدم الكشف عن هويته – لـ”لو باريزيان” إنه “لم يتم تنشيط التشفير مسبقا، لذا ربما كان الاجتماع ضحية للتطفل”، وأكد أنّ هذه الفرضية هي “الأكثر احتمالا” بالنسبة له وإن كانت “بعض مراحل الاتصال الأخرى ليست آمنة تماما”.
وكشفت “وول ستريت جورنال”، أنّ أحد المشاركين اتصل بالاجتماع على هاتفه المحمول من إحدى غرف فندق في سنغافورة، ويعتقد الخبير أنّ “هاتفه يمكن أن يكون مصابا ببرنامج من نوع بيغاسوس”، كما “يمكن أيضا أن يكون الاعتراض قد حدث عبر شبكة واي فاي الفندق”.
ضابط ألماني كبير يتوقّع الإطاحة ببعض الرؤوس
ومهما كان السبب، فإنّ التسريب في كل الأحوال يكشف عن الإهمال، ويقول آلان رودير الضابط الكبير السابق في الأجهزة الفرنسية “إنّ التسجيل بهذه الطريقة أقرب إلى عمل الهواة، ومن الغريب أن يأتي من قبل أفراد عسكريين من المفترض أن يكونوا على دراية باحتمال وجود تجسّس”.
وإذا كانت ظروف نشر اللقاء، تشي بأنّ “التسريبات متعمدة”، فإنّها – حسب ما أكّد الباحث والخبير السابق في الناتو، إدوارد هنتر كريستي – أكّدت “الحجج التي استخدمها المستشار الألماني لرفض تزويد أوكرانيا بصواريخ توروس، وهي تصعيد الصراع”.
وعلّق وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس على توقيت التسريب وبث روسيا له، قائلا إنّ “الأمر يتعلّق بتقويض وحدتنا وزرع الانقسام السياسي داخليا”، مضيفا “آمل بصدق ألا ينجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن نبقى متّحدين”.
ومن جهة أخرى، قال ضابط ألماني متقاعد رفيع المستوى إنّ نشر روسيا الحديث السري بين ضباط ألمان حول ضرب جسر القرم، “سيطيح ببعض الرؤوس”.، وقد جاء ذلك وفقا لما نشرته صحيفة Politico، نقلا عن الضابط الذي تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته، حيث قال إنّ إجراء مثل هذه المحادثة السرية للغاية عبر خط غير آمن يعدّ “إهمالا فادحا”، وتوقّع أن يطيح ذلك التسريب “ببعض الرؤوس”.
وكان حزب الساكسونيين الأحرار اليميني، قد دعا في بيان له، أول أمس الأحد، مكتب المدعي العام لبدء إجراءات جنائية فيما يتعلّق بانتهاك محتمل للمادة 13 من القانون الجنائي الدولي الألماني، والتي تسمى “جريمة العدوان”.
وقال البيان: “إنّ هذه الإجراءات التحضيرية المحدّدة يمكن أن تندرج بالفعل ضمن الفقرة ذات الصلة، التي تحظر التخطيط لحرب عدوانية، وتنص عقوبتها على السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات”. إلا أنّ الحزب، في الوقت ذاته، اعترف أنّ فرص إجراء التحقيق ضعيفة للغاية.
استدعاء السفير الألماني
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل أعلنت الخارجية الروسية، استدعاء السفير الألماني لدى موسكو بعد كشف روسيا عن حديث سري بين ضباط ألمان كبار، بحثوا كيفية ضرب جسر القرم الروسي وبقاء برلين خارج الشبهة.
وقال مصدر في الخارجية الروسية: “تم استدعاء السفير الألماني ألكسندر لامبسدورف إلى مقر الخارجية الروسية أمس الاثنين”، ولم يدل السفير بأيّ تعليق للصحفيين أثناء وصوله ومغادرته مبنى الخارجية الروسية.
ومن جهتها، طالبت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الجانب الألماني بالتوضيح، ووعد المستشار الألماني أولاف شولتس بالتحقيق العاجل في التسجيل، لكن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، زعم أنّ الضباط الألمان بحثوا في التسجيل المذكور “سيناريوهات محتملة” وليس خططا ألمانية ملموسة، ما يؤكّد صحة هذا التسجيل.
بالصوت والصورة
وللتذكير، فإنّ رئيسة تحرير شبكة “روسيا اليوم”، مارغريتا سيمونيان، كانت قد أعلنت بأنها تقدّمت بطلب صحفي إلى وزيرة الخارجية الألمانية وسفير ألمانيا لدى روسيا، وإلى المستشار الألماني أولاف شولتس، وكتبت على “تلغرام”: “الألمان لم يردوا حتى الآن على طلب استفساري منهم حول هذا التسجيل”. وأضافت: “شارك في الحديث رئيس قسم العمليات في قيادة القوات الجوية الألمانية غريف، ومفتش القوات الجوية غيرهارتز وموظفا مركز العمليات الجوية فينسكي وفروستيدت”.
كما نشرت سيمونيان جزءا من التسجيل جاء فيه: “أود أن أقول شيئا آخر عن تدمير الجسر. لقد درسنا هذه المسألة بشكل مكثّف ولسوء الحظ، توصلنا إلى أنّ الجسر بسبب حجمه يشبه المدرّج ولذلك قد يتطلب تدميره تعرّضه لـ10 أو حتى 20 صاروخا”. وأشارت إلى أنّ أحد الضباط الذين وردت أصواتهم في التسجيل، خطّط لزيارة أوكرانيا في 21 فيفري لتنسيق الهجمات على أهداف روسية.
ومؤخرا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه لا ينبغي “استبعاد” إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا في المستقبل، مشيرا إلى أنه لا يوجد إجماع أطلسي على ذلك حتى الآن، كما أعلن أنّ الاتحاد الأوروبي وافق على تشكيل “التحالف التاسع لتوجيه ضربات في العمق”، وقرّر تزويد أوكرانيا بصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وشدّد على أنّ فرنسا ستبذل قصارى جهدها لمنع انتصار روسيا في هذه الحرب.