أصبح الارتفاع المقلق لوتيرة حوادث المرور في الجزائر، يُشّكل هاجسا حقيقيا وتحدّيا بالغ الأهمية، تسعى الدولة جاهدة إلى إيجاد طرق واستراتيجيات جديدة كفيلة بمعالجته على أمل تقليص مجازر الطرقات التي تحولت إلى نوع من الإرهاب المروري يتسبب في حصد أرواح الجزائريين بشكل شبه يومي.
وبما أنّ طفل اليوم هو سائق الغد، ارتأت الجهات الوصيّة، التركيز على هذه الفئة الهامّة في تركيبة المجتمع الجزائري، إذ وقّع الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان مرسوما تنفيذيا ـ مؤرخ في 5 مارس 2023، وصادر في العدد 15 من الجريدة الرسمية ـ يتضمّن إدراج “التربية المرورية” في الوسط المدرسي، عبر تعليم قواعد حركة المرور والوقاية والأمن للتلاميذ في المؤسسات التربوية.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير والباحث الدولي في مجال السلامة المرورية الدكتور محمد كواش، أن هذا الإجراء يكتسي أهميةً بالغةً في إعداد جيل يعتزّ ويلتزم بتطبيق القانون، باعتبار أنّ طفل اليوم هو سائق الغد، موضّحا في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أنه يتمّ سنويا تسجيل وفاة 500 طفل متمدرس بسبب حوادث المرور، وبالتالي، صار من الضروري جدّا العمل على ترسيخ وغرس ثقافة وقيم السلامة المرورية لدى الأطفال والمتمدرسين.
في السياق ذاته، أبرز محدّثنا، أن إدراج هذه المادة في المنهج المدرسي وتعميمها على الأطوار التعليمية الثلاثة ينبغي أن يتم بأساليب بيداغوجية مختلفة وبآليات متطوّرة وذلك وفقا لمفاهيم ومخطّطات علمية مدروسة، مشيرا إلى أن إدماج مادّة التربية المرورية في الوسط المدرسي أثار الكثير من الجدل بين أوساط نقابات التربية ونقابات أولياء التلاميذ الذين كانوا يعتقدون أنها مادّة مستقلّة في المنهاج المدرسي، إلا أن تدريسها في الواقع ـ يضيف الدكتور ـ يكون وفق مقاييس علمية وطرق بيداغوجية خاصة، إذ تُقدّم في شكل دروس تتوزّع على مواضيع مختلفة حسب قدرات استيعاب التلاميذ في كل طور من الأطوار التعليمية.
معالجة أصل الخلل
هذا، وتحدث الخبير في السلامة المرورية، عن أهمية الاستعانة بالجمعيات من خلال تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية على مستوى المؤسسات التربوية، وبإشراك مختلف الأجهزة الأمنية على غرار الشرطة، الدرك الوطني والحماية المدنية، وأكد المتحدث، على ضرورة الفحص النفسي وعلاج العيوب النفسية التي يمكن أن يعاني منها الأطفال، كالاكتئاب، القلق، الانفعال الشديد، العزلة والعنف الذي يظهر لدى الطفل منذ الصغر، وبالتالي ضرورة وجود أخصائيين نفسانيين على مستوى المؤسسات التربوية لتصحيح العيوب النفسية، فطفل اليوم هو سائق الغد، وما نراه من سلوكيات في طرقاتنا يرتبط بطريقة أو بأخرى بوجود خلل في التربية المرورية.
من جهته، أكدّ عضو لجنة التربية والتعليم العالي بالمجلس الشعبي الوطني والنقابي الأسبق، مسعود عمراوي، أن إدراج مادة التربية المرورية في الوسط المدرسي، قد يُساهم بشكل إيجابي في الحدّ من إرهاب الطرقات الذي يحصد سنويا أرواح الجزائريين.
وأوضح عمراوي في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن هذا الإجراء سيساهم كذلك في توعية الآباء باعتبار أن الأولياء هم في اطلاع دائم ومتابعة جادة ومسؤولة لكل ما يتلقاه أبناؤهم في المدارس، مشيرا إلى أن النجاح في تلقين مادة التربية المرورية في مختلف المؤسسات التعليمية، يقتضي بالدرجة الأولى تنظيم دورات تكوينية خاصة لفائدة الأساتذة المعنيين بتدريس هذه المادة.
لجنة لإعداد برنامج التربية المرورية
هذا، وتحدث الأستاذ عمراوي، عن أهمية إشراك الجمعيات المختصّة في السياقة والسلامة المرورية في هذه العملية، مبرزا أن تضافر جهود كافة الهيئات والجهات المختصة في المجال سيُساهم بشكل فعلي في تجسيد أهداف هذا الإجراء الجديد على أرض الواقع، خاصةً في شقّه المتعلق بالتقليص من حوادث المرور التي تحولت إلى إرهاب ورعب حقيقي يؤرق الجزائريين.
وكان ممثّل مكتب الوقاية والأمن عن الطرقات بوزارة النقل، ميلود موراد، قد كشف أنه “سيتم قريبا تنصيب لجنة تضم عدة قطاعات من أجل تجسيد المرسوم التنفيذي الذي يحدّد كيفيات تعليم قواعد السلامة المرورية والوقاية والأمن عبر الطرق في المؤسسات المدرسية”، وستتولى هذه اللجنة ـ المكوّنة من ممثّلين عن وزارات التربية، الداخلية، الشؤون الدينية، النقل، الصحة، والتضامن ـ إعداد برنامج التربية المرورية لتلاميذ المدارس في جميع الأطوار التربوية، كما يشارك في نشاطات اللجنة ممثلون عن الدرك والأمن الوطنيين، والحماية المدنية، إلى جانب ممثلين اثنين عن جمعيات المجتمع المدني.