لطالما شكّلت مسألة ارتفاع أسعار المواد واسعة الاستهلاك أكبر انشغال لدى السلطات ومختلف فاعلي المجتمع، لما لها من تداعيات تمسّ المواطن في قوتِه اليومي وتُضيف أعباء غير مُبرّرة على المتدخلين في السلسلة التجارية، وهو الأمر الذي دفع بالمختصين إلى المُطالبة بتسقيف أسعار المواد الغذائية ـ واسعة الاستهلاك ـ أو تسقيف هوامش الربح، قصد تفويت الفرصة على الانتهازيين الذين يستغلّون التقلبات الجوية والمواعيد المُناسباتية من أجل رفع الأسعار وخلق فوضى على مستوى جميع أسواق التراب الوطني.
بالرغم من أن النشاط التجاري عموما يخضع إلى قانون العرض والطلب الذي يتحكّم في سعر أي سلعة أو منتج، إلا أن الأمر يختلف من بلد إلى آخر، بالنظر إلى الكثير من المتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بسلوكيات الأفراد والجماعات المُلزمين باحترام القوانين والتقيّد بتدابير تسهرُ على مراقبة تطبيقها دوائر بعينها، وهذا يقودنا إلى الحديث عن الأسواق الجزائرية والاختلالات الموجودة سواء فيما يخصّ السعر أو الوفرة المُتاحة عند المنتجين.
الثابت أن اختلالات الأسواق تعود بالأساس إلى تذرّع المُنتفعين من هذا الوضع بالتقلّبات الجوية التي بالأساس لا علاقة لها بالوفرة أو السعر، في ظل وجود مخزون إضافي من المنتجات يمكن عرضه للبيع خلال فترة محدّدة، حسبما يراه الخبير الفلاحي، لعلى بوخالفة، الذي أكد أن الواقع يُبيّن أن الأسعار في الأسواق لا تخضع إلى قانون العرض والطلب، بل إن الأمر أساسا، مرتبط ـ حسبه ـ بالفوضى التي تجتاح الأسواق سواء: الجملة أو التجزئة.
وأضاف، بوخالفة، أن الخلل يكمن في اختلال العرض والطلب بسبب الفوضى العارمة وسوء التسيير، مُستدلا بالمناسبة، بارتفاع أسعار اللحوم البيضاء والبيض كلّما انخفضت أسعار الأعلاف، وهو ما يُفرض ـ حسبه ـ على وزارة الفلاحة التّفطن إلى هذه الظاهرة الغريبة واتخاذ الإجراءات اللازمة.
التّسقيف معمول به في عدة دول
أما عن تأثير الفيضانات الأخيرة على اختلال أسعار المواد لاسيما الزراعية منها، أوضح بوخالفة، أن التّقلبات الجوية الأخيرة مسّت ولايات بعينها، ولا يمكن تعميم آثارها وتداعياتها على الوفرة واستقرار الأسواق، خاصة وأن هذه الولايات ليست فلاحية بالدرجة الأولى، مثل مستغانم التي هي بحاجة ماسّة اليوم إلى مياه الأمطار، إلا أنه حذّر من انتهازية الفلاح والتاجر، على خلفية أن الأول يتلاعب بقوت الجزائريين بمجرّد الاستفادة من الدعم، فيما يكمل الثاني مهمّة حرق جيوب المواطن يوميا.
واختزل المختصّ في اتصال مع «الأيام نيوز»، الحل في تنظيم السوق الجزائرية، وفق إجراءات وتدابير ناجعة، ثم التفكير في اعتماد تسقيف لكل أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك بما في ذلك المنتجات الفلاحية، من أجل تفادي التّلاعب الكبير فيها، وترك هامش ربح مقبول للتّجار مثلما هو معمول به في بلدان عديدة، مشيرا إلى أن فرنسا تتجه اليوم إلى تسقيف الأسعار، بالرغم من أنها بلد يتشبّث بحرية السوق.
ورافع المختصّ، عن وجهة رأيه حينما قال إنه من غير المعقول أن يُباع البطيخ الأحمر بسعر 350 دينار للكلغ الواحد فور دخوله السوق ثم يتهاوى إلى 35 دينار شهر جويلية، فالأجدى ـ حسبه ـ تسقيف سعره وترك هامش لصالح الفلاح والتاجر اللذين يتدخلان في رفع سعره بشكل لا يتجاوز السعر المُسقّف، وقس على ذلك، الفواكه الأخرى التي وصل سعرها حد اللامعقول كالمشمش، الكرز، التفاح، والخوخ، ونبه المتحدث إلى نقطة ـ وصفها بالهامة وتتعلق بلجوء المواطن إلى مقاطعة منتجات بسبب أسعارها المُلتهبة، ما دفع بالتجار إلى مراجعة حساباتهم، وتخفيض الأسعار.
متدخلو السلسلة التجارية يشملهم التّسقيف
بدوره، أكد، المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك فادي تميم، على ضرورة تسقيف هوامش الربح بالنسبة إلى كل المتدخّلين في السلسة التجارية، بداية من الفلاح المُنتج، الذي ـ حسبه ـ لن يُعارض هذا بما أنه الطرف الذي يتحمّل الأعباء شأنه شأن المستهلك، عكس التجّار وسماسرة الأسواق الذين يستفيدون من فائدة معتبرة في حال ارتفاع الأسعار، مشدّدا بالمناسبة، على وجود سماسرة يتحكّمون في الأسواق ويستفيدون من ندرة مختلف المنتجات وارتفاع أسعارها في وقت يتحمّل الفلاح الخسارة في حال انهيار الأسعار وتحقيق وفرة تتجاوز الطلب بكثير.
وفيما يخصّ التسقيف، أشار ممثل المنظمة في حديث لـ«الأيام نيوز»، إلى أن هذا الانشغال أكّدت عليه ـ مرارا ـ المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك خلال الأعوام الأخيرة، من أجل الوصول إلى تسقيف الأسعار أو وضع أسعار مرجعية وتسقيف هوامش الربح، وبالرغم من أن هذه العملية “صعبة ” التطبيق عمليا إلا أنها غير مستحيلة، مؤكدا أن نجاح الأمر لن يتأتى إلا باعتماد دراسة ميدانية حول تكلفة الإنتاج، ليتمّ على أساسها تحديد هامش ربح الفلاح المُناسب تطبيقه، وبوصول المنتوج إلى تاجر الجملة يتمّ أيضا ضبط هامش ربح هذا الأخير وفق التكاليف المرصودة، وتجري العملية ذاتها بالنسبة إلى تاجر التجزئة.
انسحاب السماسرة من الأسواق
وعليه يمكن ضبط هامش ربح كل المتدخلين في السلسلة التجارية، إذ يصل المنتوج إلى المستهلك بسعر معقول، يوضح محدثنا الذي جزم بأن هذه العملية ستسمح بالتّخلص من السماسرة الذين يتحكمون في الأسعار والأسواق خلال أربعة أعوام على أقصى تقدير، لأنهم سيختفون باختفاء فائدتهم، مؤكدا أن السلسلة التجارية ستعود إلى المسار الطبيعي من خلال الاحتكام مجددا إلى قانون العرض والطلب.
وتأسف تميم لاستمرار كابوس اختلال الأسواق وتذبذب الأسعار بسبب التّقلبات الجوية أو نقص بعض المحاصيل نتيجة ظاهرة الجفاف، بالرغم من أن الرئيس ألح مؤخرا على ضرورة تطوير القطاع الفلاحي عبر المكننة والتكنولوجيا والمرافقة بهدف تأمين قوت الجزائري، وحتى لا تبقى مردودية القطاع رهينة ظروف طبيعية تُعيق وصول المحاصيل إلى الأسواق مما يتسبب في اختلال قاعدة العرض والطلب وارتفاع الأسواق، يقول تميم الذي ما ينفك يشدّد على ضرورة تمكين الفلاح الحقيقي من الدعم والمرافقة عوض منحه إلى أشباه الفلاحين الذين لا يمارسون النشاط بل يملكون ملفات إدارية وعلاقات لا غير.
الفوترة تضمن كل الحقوق
ومن جهته، شدّد الأمين العام للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، حزاب بن شهرة، على ضرورة ضبط فوضى الأسواق، والمساهمة في تخفيف عبء ارتفاع الأسعار على المواطنين، حيث رافع من أجل تسقيف هامش الربح بالنسبة للتّجار، شريطة أن يكون ذلك خاضع إلى فوترة رسمية تضمن كل الحقوق.
وفي حديثه لـ«الأيام نيوز»، عن ارتفاع الأسعار أرجع ممثّل التجار، هذا الوضع إلى فوضى السوق وعدم تقنين الأسواق، خاصة وأن 50 بالمائة من التجار ينشطون خارج الإطار الرسمي، مبرزا أن أسعار المنتجات تخضع لضابط الموسم، حيث أن البطاطا اليوم يتراوح سعرها بين 50 و70 دينار للكلغ الواحد في وقت الجني الموسمي، وقد يرتفع سعرها خارج موسم جنيها بالرغم من وجود مخازن التبريد وعرض المخزون للبيع.
وكما هو معلوم فإن اختلال الأسعار على مستوى أسواق الجملة والتجزئة يتجاوز أعوان الرقابة التابعين لوزارة التجارة وترقية الصادرات، بل إن هذه القضية لطالما سبّبت صُداعا لوزارتي زيتوني وهني، اللتين عجزتا عن ضبط استقرار الأسواق فيما يخصّ الوفرة والأسعار، وخاصة مع اقتراب أي موعد مناسباتي أو خلال فترة التّقلبات الجوية التي يستغلها سماسرة الأسواق من أجل تحقيق ربح قياسي.