بعد المظاهرات الشعبية التي عبّر من خلالها الأمريكيون المناصرون للقضية الفلسطينية عن رفضهم سياسة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تجاه العدوان الصهيوني على قطاع غزة، والتي أودت بحياة ما يزيد عن الـ 11 ألف شهيد، عبّر الرئيس الأسبق بارك أوباما عن عدم رضاه على كيفية تعاطي الإدارة الحالية مع الصراع، ما يطرح الكثير من التساؤلات حول الأخطاء التي وقع فيها بايدن.
في لقاء مع “الأيام نيوز”، تحدّثت الدكتورة رندة سليم، كبيرة الباحثين ومديرة برنامج حل النزاعات والحوارات بمعهد الشرق الأوسط للأبحاث، عن موقف الإدارة الأمريكية من الحرب على غزة والتنسيق الأمريكي – الإسرائيلي، والتطورات المستقبلية للصراع وتأثيره على منطقة الشرق الأوسط، وكذا انعكاس القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي جو بايدن، على توجهات الناخب الأمريكي، في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.
تعتقد الدكتورة رندة سليم، كبيرة الباحثين ومديرة برنامج حل النزاعات والحوارات بمعهد الشرق الأوسط للأبحاث، أن “تعامل الإدارة الأمريكية مع الحرب الدائرة بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، ممثلة في حركة حماس، لم يكن كافيا بالنسبة إلى حجم الصراع الحاصل في المنطقة”، فالإدارت الأمريكية، حسب رأيها، “تجيد إدارة الأزمات ولكنها لا تعرف وضع السياسات الإستراتيجية طويلة المدى”.
وتعمل الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي، حسب الدكتورة سليم، على إدارة الأزمة من خلال تحقيق هدفين، الأول يتعلق بمحاولة التأثير على الجانب الإسرائيلي، لتخصيص هدنة تكتيكية مؤقتة من أجل إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، وإخراج الجرحى إلى مصر عبر معبر رفح، وكذا فتح مساحة أكبر للمفاوضات من أجل تحرير الرهائن. أما الهدف الثاني، فيتعلق بالعمل على عدم توسيع رقعة الصراع من خلال فتح القنوات الدبلوماسية، وإرسال رسائل لإيران وما تسميه بوكلائها في المنطقة لتحذيرهم من تبعات محاولتهم التدخل، إضافة إلى الرسائل التي يمكن قراءتها من خلال المعدات العسكرية التي أرسلتها إلى المنطقة، والغواصة النووية التي رست مؤخرا بالمنطقة، ما يوحي بتخوف الإدارة الأمريكية الكبير من توسع الصراع.
عن إمكانية توسّع رقعة الحرب.. رندة سليم تجيب!
تتوقع الدكتورة رندة سليم، كبيرة الباحثين ومديرة برنامج حل النزاعات والحوارات بمعهد الشرق الأوسط للأبحاث، وهو مركز بحث مستقل مقره العاصمة الأمريكية واشنطن، أن تتوسع رقعة الصراع الدائر بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، لتمسّ مناطق أخرى في الشرق الأوسط، وقالت إن تطوّر السرديّة الخاصة بحزب الله اللبناني بشأن ما يحدث في قطاع غزة مشابه لتطور سرديته أثناء مشاركته في الحرب في سوريا، وانتقاله من الحديث عن حماية الأضرحة الشيعية هناك إلى القتال لاحقا ضد تنظيم الدولة الإسلامية لمنعه من الدخول إلى لبنان، ثم إلى محاربة الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة.
وتعليقا على الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، الجمعة الماضية، قالت المتحدثة إن الخطاب لم يكن دعوة لتخفيف حدّة التصعيد العسكري المستمر بين حزب الله والكيان الإسرائيلي، ولا دعوة إلى المعركة الشاملة بين الطرفين، ولكنه أكد أن حزب الله شارك في القتال منذ الثامن من أكتوبر وقال إن التصعيد المستقبلي سيعتمد على عاملين، هما التطورات في غزة والضربات الإسرائيليّة على الأراضي اللبنانية. أما بشأن المستقبل، فأكد أن جميع الخيارات ما تزال على الطاولة، بما في ذلك ما وصفه بإمكانية “الانزلاق إلى الحرب”، من خلال عملية تصعيد تدريجية من حيث الكثافة والنطاق الجغرافي، وهو ما تتخوّف منه الإدارة الأمريكية، تقول الدكتورة رندة سليم.
وأشارت الدكتورة إلى قول حسن نصر الله بأن حزب الله منخرط في الصراع منذ الثامن أكتوبر، أي بعد يوم واحد من الهجمات المفاجئة التي نفذتها كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس الفلسطينية على الكيان الإسرائيلي، في الـ 7 أكتوبر الماضي، وحديثه عن ما أسماه “إمكانية التدحرج نحو صراع أكبر”، الذي قالت إنه يخيفها شخصيا، لأن التطور السريع للصراع سيقود إلى ديناميكية لحرب أوسع، وهذا ما تحدّث عنه من خلال القول بأن هدف عمليات حزب الله هو تخفيف الضغط على حركة حماس، لإجبار الكيان الإسرائيلي على وضع عدد أكبر من قواتها في الجبهة الشمالية، وبذلك يتم تأمين انتصار فصائل المقاومة الفلسطينية وبشكل أخص حركة حماس.
لماذا لا يتّفق أوباما مع بايدن بشأن الحرب الصهيونية؟
ترى الدكتورة سليم أن التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، والتي عبّر من خلالها عن عدم رضاه عن السياسة التي تنتهجها إدارة بايدن تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انعكاس لتباين وجهات النظر داخل الحزب الديمقراطي، بين الجناح الليبرالي الذي يمثله باراك أوباما، والجناح الوسطي الذي يمثله جو بايدن، وتقول المتحدثة إن هذا الاختلاف الذي بدأ بوقت قليل قبل بداية الحرب على غزة لا يتمحور حول حق الكيان الإسرائيلي في “الدفاع عن النفس”، بل حول الشكل الذي يتخذه هذا الدفاع، وحول الأضرار الجانبية التي يحدثها.
فالدعم اللامشروط الذي أعطاه بايدن للحكومة الإسرائيليّة يجب أن يصبح مشروطا وفق الجناح الليبرالي داخل الحزب الديمقراطي، باحترام القانون الدولي، والتخفيف من الأضرار التي يلحقها استهداف المدنيين، ومشروطا كذلك بضرورة إيجاد ما يسمونه بـ “هدن تكتيكية” وحتمية التوصل فيما بعد إلى وقف إطلاق النار.
وردا على سؤال مدى استجابة حكومة الكيان الإسرائيلي لمقترحات ومطالب الإدارة الأمريكية، ومدى تمرد نتينياهو على الرئيس الأمريكي جو بايدن، قالت الدكتورة سليم إنها لا تملك إجابة محددة على السؤال، ولكن من الواضح – حسب وجهة نظرها – أن إرسال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكية، وبيل بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) إلى الكيان الإسرائيلي وبعض دول الشرق الأوسط لم يمكّن من التوصل إلى اتفاق بشأن هدنة إنسانية، ما يعني أن هناك مطالب أمريكية ورفض إسرائيلي. وهذا – تضيف المتحدّثة – يؤثر على العلاقات الأمريكية – العربية خاصة مع الأردن ومصر، اللتين تريان أن حق الكيان الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه لا يخوّل له قتل المدنيين.
أما عن تأثير المظاهرات المساندة للقضية الفلسطينية على حظوظ الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فقالت الدكتورة رندة سليم إن تأثيرها يتوقف على مدى استمرار الأزمة. فعلى الرغم من وجود امتعاض ورفض داخل المجتمع العربي الأمريكي، وشرائح من اليهود الأمريكيين لسياسة الدعم اللامشروطة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي، فهناك أيضا غالبية أمريكية توافق على الدعم الذي تعطيه الإدارة الأمريكية، مما يجعل مسألة التأثير الفعلي على نتائج الانتخابات نسبيّة، على حد قولها.
وقالت سليم إن سياسة بايدن تجاه ما يحدث في قطاع غزة، وإن أثّرت على الناخبين العرب، وصنعت فارقا في الولايات التي يقطنونها، فإن التجارب السابقة أثبتت أن السياسة الخارجية لا تؤثر كثيرا على توجهات الناخب الأمريكي، الذي يهتم أكثر بالقضايا المحلية، ومسائل تتعلق بالصحة والتعليم والاقتصاد والهجرة غير القانونية، وغيرها من المسائل التي تتعلق بالشأن المحلي.