يرى خبراء أن قرار الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بالشروع الفوري في مراجعة قانوني البلدية والولاية، بشكل عميق، من شأنه أن يعبّد الطريق نحو تحقيق الديمقراطية التشاركية وتجسيد لامركزية التسيير، بما يتيح تقريب الإدارة من المواطن الجزائري.
وكان الرئيس تبون، قد أسدى ـ بتاريخ 24 أيلول / سبتمبر الماضي (خلال لقائه بالولاة) تعليمات تقضي بتأسيس لجنة تتولى مراجعة قانوني البلدية والولاية بهدف دعم أكثر للامركزية وخلق موارد لتمويل الجماعات المحلية.
وأوضح الرئيس تبون، أنّ هذه اللجنة التي سيتم تأسيسها “بمرسوم رئاسي أو بمرسوم تنفيذي تنطلق فورا في مراجعة قانوني البلدية والولاية”، وستتكون هذه اللجنة ـ وفق تعليمات تبون ـ “بمشاركة وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية وتحت إشرافها، وممثلين عن مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني، وزارة المالية، إلى جانب ممثلين عن المنتخبين المحليين”.
وأضاف المسؤول الأول في البلاد، أن هذه اللجنة تعمل على: “الخروج بنصوص قانونية جديدة تدعم أكثر اللامركزية وتخلق ثروات لتمويل الجماعات المحلية”، مذكرا أنه من إجمالي 1541 بلدية على مستوى الوطن، “هناك ما يفوق 1000 بلدية فقيرة”، لذلك لا بدّ من تكوين مسؤولي البلديات في مجال خلق الثروة.
نقاط يجب إعادة النظر فيها..
وقال المتخصّص في القانون الإداري الدكتور الجزائري «منير قتال»: “إن هذا القرار يأتي في إطار مسعى الرئيس تبون لإجراء إصلاحات عميقة وجذرية، تتعلّق بجملة من القوانين أبرزها قانون الجماعات المحلية”.
وأوضح الدكتور «قتال» في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أنّ “قانون الجماعات المحلية في الجزائر، سواء تعلّق الأمر بقانون البلدية رقم 11-10، أو قانون الولاية رقم 12-07، يحتاج إلى تعديل جذري، وهذا ما كنا قد نادينا به في عدة مناسبات سابقة”.
وتابع موضحا، أنّ مراجعة قانوني البلدية والولاية، “ضرورة حتمية باعتبار أن الجماعات المحلية تجسّد قاعدة اللامركزية، والديمقراطية التشاركية، كما أنّ قوة الشعب الحر تكمن في الجماعات المحلية”.
وأضاف: “هناك العديد من المسائل التي يجب على المشرّع مراعاتها في التعديل الجديد، على غرار “المصالح الفنية”، فقد أشار قانون البلدية وحتى قانون الإجراءات المدنية الإدارية إلى مسألة المصالح أو المرافق الفنية، والتي أحدثت إشكالاً في المجتمع الجزائري، بين من يعتقد أنها تابعة مباشرة وتخضع في تسييرها وتنظيمها الإداري إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي وبين من يرى أنها تابعة إلى جهات أخرى، وعليه لا بدّ من توضيح هذه النقطة التي أشار إليها المشرّع في نص المادة 801 من قانون الإجراءات المدنية الإدارية وفي قانون البلدية”.
كما أشار المتحدث، إلى أنّ: “المشرّع ارتكب خطأً من خلال قانون البلدية 11-10، إذ لم يوضّحْ مفهوم (مصطلح البلدية)، وقد كان من الأجدر ذكر مصطلح المجلس الشعبي البلدي، باعتباره مجلسًا منتخبًا”.
وفي سياق ذي صلة، نبّه الدكتور «قتال» إلى “نقطة أخرى هامة”، وهي “مناطق الظل”، خاصةً وأن الرئيس تبون كان يؤكد في كل مرة، على إجراء إصلاحات جذرية في هذه المناطق، وبالتالي، يشدّد المتحدث على أهمية أن “يؤكد قانون البلدية الجديد ويجسّد ديباجة خاصة بمناطق الظل، لأنها تحتاج إلى مرافق حيوية جديدة، وتحتاج كذلك إلى الموازنة فيها بين المصلحة العليا للجماعات المحلية والمصلحة الخاصة بالمواطن الجزائري”.
هذا، وأشار المتخصّص في القانون الإداري، إلى المادة الأولى من قانون البلدية، التي تنصّ على مصطلح الجماعات الإقليمية، قائلا: “الأصح أن نستخدم كلمة “الجماعات المحلية”، لأنّ الدستور الجديد (2020)، ركّز على مصطلح الجماعات المحلية، لأنها تجسّد فكرة قاعدة اللامركزية، كما تجسّد فكرة توزيع الوظائف بين الشؤون المحلية، من أجل الاهتمام والتفرّغ أكثر لمصلحة المواطن”.
وتابع: “إنّ قانون البلدية الحالي، فيه الكثير من النقاط التي تحتاج إلى إعادة نظر، على غرار ضرورة تقليص صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي وإعطاء بعض الصلاحيات بالتوزيع بين رئيس المجلس الشعبي الولائي وبين رئيس الدائرة، إذ نرى اليوم أن رئيس الدائرة أصبح مجرّد همزة وصل، بين رئيس المجلس الشعبي البلدي ورئيس المجلس الشعبي الولائي”.
هذا، وعبّر المتخصّص في القانون الإداري، عن أمله في أن يتحلى المشرّع بنوع من الحيطة والحذر، فيما يتعلّق بمراجعة صلاحيات ومهام أعضاء المجلس الشعبي البلدي، بما يخدم سياسة الرئيس تبون التي تهدف أساسًا إلى “خلق توافق وتوازن بين المصلحة العليا للدولة والمصلحة العليا للمواطن من خلال تقريب الإدارة من المواطن”.
وفي تطرقه لقانون الولاية، أكد الخبير القانوني، أنه لا بدّ من تعديل جذري لهذا القانون، إذ يجب على المشرّع في قانون الولاية، أن يهتم أكثر بالمركز القانوني لرئيس المجلس الشعبي الولائي، قائلا في السياق: “وفقًا لقانون الولاية في مادته الثامنة، فإن مقاضاة أو رفع دعوة ضد رئيس المجلس الشعبي الولائي غير متاحة”.
وتابع: “إذا أردنا أن نخرج بإصلاحيات عميقة ينبغي على رؤساء المجالس الشعبية البلدية وعلى الولاة وكذا رؤساء المجالس الشعبية الولائية بالتنسيق مع المجتمع المدني وبالتنسيق مع كل المسؤولين في الولاية، أن يتخذوا قرارات حكيمة سواء فيما يتعلّق بمناطق الظل، التي أكد عليها الرئيس تبون في أكثر من مناسبة، أو فيما يتعلّق بالمناطق الاقتصادية، خاصةً وأن هناك بلديات غنية جدًّا بثرواتها الطبيعية والمعدنية وما إلى ذلك”.
وفي ختام حديثه، لـ«الأيام نيوز»، قال المتخصّص في القانون الإداري: “اليوم نحن نعيش في ظل ديمقراطية تشاركية، تقتضي بالضرورة الاهتمام بانشغالات المواطنين، من خلال تقريب الإدارة من المواطن، بالموازاة مع ذلك ينبغي على الإدارة سواء كانت بلدية أو ولاية أو أي مرفق آخر في الجماعات المحلية أن تُجسد وتخضع لمبدأ المشروعية، ومبدأ احترام القانون، سواء تمثّل في الدستور أو أي قانون تنظيمي آخر”.
القانون يؤطّر ولا يكبح التنمية..
من جانبه، قال رئيس بلدية السحاولة (غرب العاصمة الجزائرية) حميدات أرزقي: “إن قانون البلدية أو الولاية لا يكبح التنمية، إنما هو وسيلة من أجل تحقيق وخلق الثروة التي تحدّث عنها الرئيس تبون، وذلك من خلال العمل على تأطير المشاريع الاستثمارية وغيرها”.
وأفاد أرزقي في تصريح لـ«الأيام نيوز»: “حاليا لا بدّ من التوجّه نحو قانون يحمي رئيس البلدية أو المُنتخب في إطار التسيير، عن طريق تحديد الأخطاء التي يرتكبها رئيس البلدية أو المسؤول، والتي يمكن أن يُعفى عنها ولا يتم تجريمها”.
وتابع: “لا بدّ أن يكرّس القانون الجديد، فكرة أن المُسيّر لديه النية الطيبة في خدمة بلديته ولا نذهب نحو الاتهامات الباطلة والأحكام المسبقة، لأن ذلك قد يعيق خلق ما يسمى بالشراكة داخل البلدية”.
وأضاف: “نحن نتطلع كذلك إلى مراجعة المادة التي تنص على ربط البلدية بميزانية الولاية، حتى نتمكن كمسؤولين من السير بخطى ثابتة نحو تحقيق ما يصبُوا إليه الرئيس تبون في إطار مسعى خلق الثروة”.
هذا، وأشار أرزقي إلى ضرورة التفكير في وضع شرطة خاصة بالبلدية من خلال القانون الجديد، وذلك لضمان الالتزام بالقوانين داخل البلدية على غرار احترام مواعيد رمي الأوساخ وغيرها من الأمور التي تساهم في الحفاظ على الوجه الجمالي للبلدية وما إلى ذلك”.
يُذكر، أن وزير الداخلية الجزائري، «إبراهيم مراد»، أكد أن الهدف الرئيسي من مراجعة قانوني البلدية والولاية، هو تحديد مسؤوليات وصلاحيات المنتخبين وسدّ الاختلالات التي ساهمت بشكل كبير في تعطيل عجلة التنمية المحلية.
وقال الوزير «مراد»، في تصريح سابق للإذاعة الجزائرية: “إن كل النصوص التي نحن بصدد تحضيرها، بما فيها مراجعة قانوني البلدية والولاية، من شأنها أن تحدّد مسؤوليات وصلاحيات كل واحد، وتضع حدا للوضعيات التي عشناها في السابق”، مشيرا إلى أنّ: “الاختلالات المسجّلة ستكون موضوع دراسة في إطار لجنة” ستنشأ قريبا للغرض.
وشدّد بهذا الخصوص على أهمية إشراك ومساهمة المنتخبين المحليين في عمل اللجنة عبر “عرض تجاربهم” و”العراقيل التي يواجهونها” في التسيير، وذلك من أجل تفادي كلّ ما من شأنه تعطيل التنمية المحلية، كما أشار إلى أنّ “هناك عدم وضوح في الصلاحيات وكيفيات التعامل بين المنتخبين ومختلف المتدخلين في التسيير المحلي”.
وذكر في ذات السياق، أن القانون الأساسي للوالي، الذي سيتم عرض نصه قريبا على الرئيس تبون، ينصب في ذات الإطار، إذ سيسمح بتحديد صلاحيات الوالي ليكون “الفاعل الأساسي في الحركية الاقتصادية وفق استراتيجية محكمة تأخذ بعين الاعتبار مقوّمات الولاية واحتياجاتها”.