من المعروف أن رأس المال جبان ولا يحطّ رحاله سوى حيث الأمن والاستقرار، مما يعني أن خطوة الشريك الماليزي لم تأت صدفة، وإنما هي ثمرة العمل الجاد، لتثبت أن ما يتمّ رسمه بدقّة على الورق يتحوّل عمليا إلى واقع، يتجسّد مثاله الأعلى في تطور العلاقات الجزائرية مع ماليزيا التي كان سفيرها قد أكّد ـ قبل نحو عامين ـ خلال تسليمه أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية، «عبد المجيد تبون» في شهر سبتمبر 2021، أن لدى بلاده “رغبة في تعزيز أواصر الأخوّة مع الجزائر، وكذا تعزيز العلاقات الاقتصادية” معها، وهو الأمر الذي يتحقّق اليوم بالإعلان عن استثمارات ماليزية ضخمة في الجزائر بقيمة 6 ملايير دولار ستسمح بخلق حوالي 10 آلاف منصب شغل.
منذ اعتمدت ماليزيا الدبلوماسي «محمد فيزال رزالي»، سفيرا لها في الجزائر ـ قبل نحو عامين ـ ظهرت معالم رؤية جديدة في علاقات هذا البلد ـ الواقع جنوب شرق آسيا ـ مع الجزائر التي تخوض تجربة جديدة في عالم الشراكات المتعدّدة والمتنوعة، حقّقت من خلالها إنجازات اقتصادية غير مسبوقة، ناهيك عمّا تحقّقه ـ يوميا ـ في مجالات الدبلوماسية القائمة على المواجهة والصراحة والجديّة الكاملة، وهو ما أكسبها مكانة خاصّة جعلت دولا كبيرة تتقرب إليها وتطلب التعاون معها.
هذا ما يترجمه واقع الحال، بالنسبة إلى ماليزيا التي كان سفيرها قد أكّد ـ خلال تسليمه أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية، «عبد المجيد تبون» في شهر سبتمبر 2021 ـ أنّ لدى بلاده “رغبة في تعزيز أواصر الأخوّة مع الجزائر، وكذا تعزيز العلاقات الاقتصادية” معها، وهو الأمر الذي يتحقّق اليوم بالإعلان عن استثمارات ماليزية ضخمة في الجزائر بقيمة 6 مليار دولار ستسمح بخلق حوالي 10 ألاف منصب شغل.
قبل سبتمبر 2021، كانت سفارة كوالالمبور في الجزائر تقريبا خارج الخدمة، وكان أغلب الجزائريين لا يتحدّثون عن ماليزيا خارج اهتماماتهم السياحية، إلى جانب ارتباط اسم المفكر «مالك بن نبي» ـ الذي توفي في 31 أكتوبر 1973- بشخصية الدكتور «مهاتير محمد» ـ رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وصانع مجدها المعاصر ـ الذي اعترف بأن الفضل في نهضة بلاده يعود إلى أفكار «بن نبي»، وإلى ما تضمّنته كتبه القيمة من توجيهات فكرية صائبة، لكن، بمجرد أن ظهر اسم «محمد فيزال رزالي»، حتى تغيرت الأمور بشكل كامل وبدأ التخطيط لإحداث نقلة غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين.
وكان السفير «فيزال رزالي»، قد اغتنم فرصة ـ تسليمه أوراق اعتماده ، ليقدم التحية للرئيس تبون “نظير كل المجهودات المبذولة” في الجزائر لتعزيز مكانة السفارة الماليزية لديها، بما يعني أن هذا الرجل الهادئ الرزين قد جاء إلى الجزائر في إطار مهمّة تقتضي منه أن يتعاون مع مسؤولي حكومة أيمن بن عبد الرحمان لرسم خطط منهجية تصل بمستوى العلاقات إلى ما وصلت إليه اليوم، وبالفعل، بدأ العمل جديا إلى غاية تنصيب المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائر- ماليزيا، شهر مارس 2022.
وتوالت لقاءات الوزراء الجزائريين ـ من مختلف القطاعات ـ مع السفير الماليزي، لتظهر بوادر مرحلة جديدة حين استقبل وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، ـ يوم الأحد 6 أوت ـ بالعاصمة، وفدا عن المجمع الماليزي «ليون»، بقيادة الرئيس المدير العام للمجمع، «تان سري داتوك سيري اوتاما ويليام شانغ»، إذ “بحث الطرفان فرص الاستثمار، لاسيما في مجال الموارد المنجمية، على غرار الألمنيوم وخامات الحديد للاستغلال الصناعي”، ليتمّ الإعلان ـ بعد يوم واحد ـ عن ثمرة مجهود كبير جرى الإعداد له بهدوء تام.
10 آلاف منصب شغل
يوم الاثنين 7 أوت 2023، تمّ الإعلان في الجزائر أن مجمع «ليون» الماليزي شرع في إجراءات تجسيد مشاريع صناعية “هيكلية ضخمة” في الجزائر، بقيمة إجمالية تناهز 6 مليار دولار، ستسمح بخلق حوالي 10 آلاف منصب شغل، حسبما أفاد به المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، عمر ركاش الذي استقبل، يوم الاثنين ـ 7 أوت ـ بمقر الوكالة، وفدا عن المجمع يقوده «تان سري داتوك سيري أوتاما ويليام شانغ»، حيث “تم الاتفاق على الشروع في إجراءات تسجيل حافظة المشاريع في الوكالة، لا سيما وأن المجمع بدأ فعليا إجراءات إنشاء مؤسسته في الجزائر”.
وأكد ركاش أن هذه الزيارة تأتي بعد اللقاء الذي جمعه بمسؤولي المجمع، شهر فيفري الماضي، والذي سمح بالوقوف على مناخ الأعمال في الجزائر وفرص الاستثمار المتاحة، لافتا إلى أن مسؤولي المجمّع، قاموا بدراسة هذه الفرص “وعادوا بمشاريع ملموسة، بعد تأكدهم من توفر الظروف الملائمة للاستثمار ووجود نية صادقة لمرافقتهم”، وتضمّ حافظة المجمع الماليزي، حسب المسؤول ذاته، مشاريع لاستغلال الموارد المنجمية ـ على غرار الألمنيوم وخامات الحديد للاستغلال الصناعي ـ سيتمّ تجسيدها على مرحلتين رئيسيتين.
وتتمثّل المرحلة الأولى في نقل وحدة لإنتاج حديد الزهر (fonte de briquetage à chaud) بطاقة 1.7 مليون طن/سنويا، من ماليزيا إلى الجزائر، مع إنجاز وحدة جديدة لإنتاج الأعمدة الحديدية (paillettes) بطاقة 4 ملايين طن/سنويا، وذلك باستثمار قيمته إجمالا 3.7 مليار دولار، أما المرحلة الثانية، يضيف ركاش، فتشمل تجسيد مشروع إنتاج سبائك الألمنيوم وكذا إنجاز محطّة لتوليد الكهرباء بقدرة كبيرة وذلك لضمان إنتاج الذاتي للطاقة.
وبخصوص المناطق التي ستُجسّد فيها هذه المشاريع، أوضح المدير العام أنها لم تحدّد بعد رغم اهتمام المجمع ببعض المناطق، وذلك في انتظار صدور القانون الذي يحدّد شروط وكيفيات منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة والموجّه لإنجاز مشاريع استثمارية، وفي سياق متصل، أشار ركاش إلى أن مجمّع «ليون» أبدى اهتمامه أيضا بالاستثمار في تهيئة مناطق صناعية كبيرة بغض النظر عن موقعها، مع التكفل باستقطاب الاستثمارات الأجنبية نحوها.
يُذكر أن المجمع الماليزي «ليون» «The Lion Group» تأسّس في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو ينشط حاليا ـ بالدرجة الأولى داخل ماليزيا ـ وعلى المستوى الخارجي في كل من: الصين وسنغافورة وهونغ كونغ وكمبوديا ولاوس، وأخيرا الجزائر، ويتخصّص أساسا في قطاعات التعدين، والصلب، والتطوير العقاري، والزراعة، والخدمات، والبيع بالتجزئة.
وبما أن هذه المرحلة المتقدّمة في مجال الاستثمار الماليزي في الجزائر قد بدأ التحضير لها منذ وصول السفير «محمد فيزال رزالي» إلى الجزائر، فإن المرحلة القادمة من فصل الاستثمارات الجزائرية في ماليزيا تكون قد بدأت شهر ماي المنصرم، بمجرّد وافقت الحكومة الماليزية على اعتماد الدبلوماسي عبد الحفيظ بونور، سفيرا فوق العادة ومفوضا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لدى كوالالمبور، حيث سيقوم هناك بالعمل المطلوب لتكتمل صورة الاستثمار المتبادل على أفضل طريقة ممكنة.
