لم يعد يخفى على أحد الخلافات الجزائرية المصرية، التي بدت مظاهرها خلال الأشهر الأخيرة في أكثر من قضية، ولعل أبرزها على الإطلاق صدور إشارات من الجانب المصري تعطي الانطباع بأن القاهرة أصبحت أقرب إلى المملكة المغربية منها إلى الجزائر، التي تعتبر تاريخيا من أبرز حلفائها في المنطقة المغاربية.
ما الذي يحدث بالضبط بين الجزائر والقاهرة، كبرى العاصمتين في الفضاء العربي؟ إلى وقت قريب كان الخلاف بين الجزائر ومصر منحصرا فقط في كيفية معالجة الأزمة الليبية، هذه الدولة التي تجاور البلدين معا، وتعتبر حليفتهما التاريخية منذ عهد الجزائر البومدينية ومصر الناصرية. لكن اليوم يبدو أن نقاط الخلاف تتوسع والهوة تزداد ملقية بظلالها على العلاقات الثنائية.
تشكل الأزمة الليبية مربط الفرس في برودة العلاقات الجزائرية المصرية، فالقاهرة توفر كل أشكال الدعم لقوات خليفة حفتر، وتعتبره منقذ ليبيا من حالة الضياع التي تعيشها الجارة الشرقية، وذلك لا يمر من وجهة النظر المصرية، إلا عبر إخضاع العاصمة طرابلس، وتسليمها للمعسكر الذي يتخذ من الشرق الليبي، مقرا لنشاطه السياسي والعسكري.
بعدما فشل الحل العسكري، لجأت القاهرة إلى حل آخر وهو دعم رئيس حكومة مزكى من قبل البرلمان الذي يتخذ من مدينة طبرق مقرا له، برئاسة عقيلة صالح، وهو من معسكر حفتر أيضا، ممثلا في فتحي باشاغا، غير أن هذه المناورة فشلت بعد طرده من طرابلس بالرغم من أنه من أبناء مصراتة الماسكة بزمام المبادرة في الغرب الليبي.
في الجهة المقابلة، تتموقع الجزائر بكل ثقلها في دعم المعسكر الذي يتخذ من العاصمة طرابلس مقرا له، كما تُدعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، بقيادة عبد الحميد دبيبة، والأكثر من ذلك، وضعت خطّا أحمر أمام من يريد اقتحام طرابلس بعدما اعتبرتها امتدادا للأمن القومي للجزائر، كما جاء على لسان أكثر من مسؤول جزائري رفيع.
إذن المشكل في ليبيا، لكن يبدو أن مصر وبعدما فشلت في فرض منطقها على الجزائر، راحت تتقرب من كل من يعاديها، وتسير عكس اتجاه المواقف الجيوستراتيجية للجزائر على المستوى العربي، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية، وذلك بالرغم من المرونة التي أبداها الرئيس عبد المجيد تبون، الذي زار القاهرة قبل أشهر.
فما هي خلفية هذا “العداء” أو بلغة أكثر تهذيبا “التشنج” المصري من المواقف الجزائري؟
يرى بعض المحللين الاستراتيجيين، أن القاهرة بدأت تتوجس من الدور الاستراتيجي للجزائر في الآونة الأخيرة، ولاسيما على المستويين العربي والمتوسطي، والذي قرأت فيه مصر خروجا للجزائر عن دورها التاريخي والاستراتيجي، أو بالأحرى من معطفها، على اعتبار أن القاهرة تعتبر صانعة القرار العربي، غير أن هذا الدور خسرته مصر، بداية عندما أقدمت على تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وثانيا عندما رهنت قرارها السيادي بدويلات وإمارات خليجية يعتبر صوتها أكبر بكثير من حجمها.
القاهرة وبرأي الكثير من المتابعين باتت جد متخوفة من أن تتمكن الجزائر من تجاوزها على المستوى العربي، من خلال دورها في توحيد الصف الفلسطيني، وهو الدور الذي كان مُوكلا حصريا إلى الجانب المصري على مدار عقود لكنها فشلت فيه، الأمر الذي تعتبر القاهرة إهانة لها.
التراجع المصري على الساحة العربية والمتوسطية أصبح واقعا، ويتجلى أيضا من خلال الحضور المتزايد للجزائر في دائرة اهتمام القوى العظمى، كما هو حاصل مع الصين باعتبارها شريكا تقليديا، وكذلك الشأن بالنسبة لروسيا وكبرى الدول الأوروبية إيطاليا وفرنسا وألمانيا، وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أزعج كثيرا القاهرة، التي تحاول عرقلة التمدد الاستراتيجي للجزائر عبر مد الجسور مع خصومها.