مع مفكّر الأجيال “مالك بن نبي”.. الإنسان الإفريقاسيَوِي في “عصر الصّهيونيّة”! (الجزء الأول)

“ولِدتُ في عصرٍ يدرك نصفَ الذي يُقال بوضوح، لكن الذي يقول كلمةً حول النِّصف الثاني يُحاكم بكل قسوة.. بكل أسف! الاستعماريُّون فهموني بالنِّصف الآخر من كلمتي”، فهل فهِمَ العربُ والمُسلمون “مالك بن نبي” بعد أكثر من خمسين سنةٍ على رحيله؟ رغم “طوفان” الكُتب والدِّراسات والبحوث حول فكر “مالك بن نبي”، فإنَّنا نزعمُ بأن مُفكِّرنا العظيم عاش غريبًا عن عصره ومنفِيًّا في كتاباته، وكل ما كُتِبَ عن أعماله كان يدورُ حول وَهجِ الأفكار “النَّابوِيَّة” ولم يقتحم نيرانها ولُجَجها، فحتى الآن لم يظهر كتابٌ يُجيب عن السؤال: كيف نقرأ “مالك بن نبي”؟

نزعمُ بأنَّ معظم كتابات “مالك بن نبي” مُترابطةٌ ويُحيل بعضها إلى بعضٍ، بحيث يصعبُ قراءةُ كتابٍ دون استيعاب الكتاب الذي قَبله. بل إنَّ كثيرًا من كُتبه ومقالاته تحتاج إلى إعادة ترجمتها، ووضعِ دراسة تضيء كل كتابةٍ وظروف تأليفها وسياقها التَّاريخي بكل ما كان يَموج في العالم من أحداثٍ في زمن كتابتها..

من المُجدي الجواب على التَّساؤل: هل ماتَت “أفكار” وكتابات “مالك بن نبي” أم أنَّها ما زالَت حيَّة وتمتلك القابليَّةَ للاستثمار من أجل تحقيق البعث الحضاري للعالم الإسلامي في عصر “الصهيونيَّة العالميَّة”؟ لقد أطلق ابن نبي، في عشرينيات القرن الماضي، عبارةً شهيرةً قال فيها: “إنَّ القرن العشرين هو قرنُ: اليهود، الدولار، المرأة”. ولعلَّ معنى “اليهود” الذين قصدَهم هم “التُّلموديون” الذين يؤمنون بـ “التُّلمود” أو يعملون به، ويرون في كلِّ إنسانٍ غيرهم مُجرَّد “حيوان بشري” سواءٌ كان في مشارق الأرض أو في مغاربها، ولكنهم أشدُّ عداوةً للمُسلم “الحقيقي”، أو الإنسان الإفريقاسيوي، لأنَّه الإنسان الوحيد الذي يمتلك القُدرةَ، في كل حينٍ، على تحرير البشريَّة من هيمنة القوى الشيطانيَّة.

“مالك بن نبي” مُفكِّرٌ رُؤيَوِي استشرفَ وُقوع العالم في أسرِ “الصهيونيَّة” منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي. وقد تنبَّأ بتفكك الاتحاد السوفياتي، وظهور النِّظام العالمي الجديد.. كما تنبَّأ بأنَّ العالمَ سيُقاد إلى حربٍ عالميَّةٍ ثالثةٍ تحت وقعِ تطوُّر الأسلحة المُدمِّرة… وكان منطلقه في ذلك الوقت أنَّ الحضارة الغربيَّة بُنِيت بتخطيط اليهود، وستنتهي بالسُّقوط، دون تحديدٍ لمظاهر هذا السُّقوط، فقد يكون قِيَميًّا روحيًّا وليس بالضرورة ماديًّا.. وقد رأينا في مقال سابق، نشرته جريدة “الأيام نيوز”، بعنوان: “صفحات من تاريخ المرأة العربية”، قالت فيه المستشرقة الألمانية “سيغريد هونكه” بأنَّ أوروبا عانَت لألفِ سنة من “الأنموذج الإسرائيلي” – التلمودي – لا سيما فيما يختصُّ بالمرأة. وهذا ما يتوافق مع رؤية “مالك بن نبي” حول الدّور اليهودي في بناء الحضارة الغربية، بكل ما يُحيل إليه هذا “البناء” من قضايا تتعلَّق باستعمار بلدان الإنسان الإفريقاسيَوِي، فتلك الحضارة هي مدنِيَّة ماديَّة وليست حضارة أصيلة..

والعالم قد دخلَ فعليًّا في “عصر الصهيونية” منذ نكبة فلسطين سنة 1948، وبدأت ملامحه تتشكَّل بوضوح بعد حركات التَّحرُّر التي حقَّقَت الاستقلالَ لأوطانها، بمعنى أنَّ الإنسان الإفريقاسيَوِي خرج من مرحلة الاستعمار الغربي، ودخلَ في “عصر الصهيونيَّة” أو الاستعمار التُّلمودي للإنسان في كل العالم. ويُمكننا القول بأنَّ ما يحدثُ الآن في العالم من حروب وأزمات ومآسي هو بدايةٌ انكشاف السرِّ الخفيِّ الذي كشفه “مالك بن نبي” في خمسينيات القرن الماضي، فوضَع الجزء الثاني “المسألة اليهودية” في كتابه “وجهة العالم الإسلامي” وتحفَّظ على نشره في حينه.. بمعنى آخر، أنَّ الحرب “العالميَّة” على “غزَّة” قد تكون مُقدِّمة ليكشف “عصرُ الصهيونية” عن جميع ملامحه بكل وضوحٍ، ويتجلَّى بمفرداته ومفاهيمه وفلسفته “التلموديَّة”..

لم يكتب “مالك بن نبي” لأبناء جيله فحسب، بل لأجيال تأتي بعده، منها أجيال اليوم الواقعة فعليًّا في “عصر الصهيونيَّة”، لا سيما فيما يخصُّ بكتابته عن “المسألة اليهوديَّة”، حيث قال: “ربَّما الأوفى أن أخُصَّ بالصفحات القادمة جيلا سيأتي؛ يعقب جيلي، لنؤكد لهم – وهم بين أنقاض عالمنا – أنَّ عليهم واجب بناء عالم خاص بهم”.

قد لا يمتدُّ الزَّمن طويلاً حتى تتكشَّف الحقائق بأنَّ الغرب “الأمريكي والأوروبي” بنزعته الاستعماريَّة هو ضحيَّةٌ أيْضًا لعصر “الصُّهيونيَّة”، وكان مُجرَّد أداةٍ من أدواتها للسيطرة على العالم، وأيضًا لتدمير الإنسان الإفريقاسيوي الذي يُمثِّل أملَ الإنسانيَّة في أن تتحرَّر من الهيمنة “التلموديَّة”، هذه الهيمنة التي تتجلَّى في تدمير القِيَم والأسرة وتأليه المادة.. ونشر الشُّذوذ الجنسي والقلق الوجودي والاضطراب النفسي و”القنوط الإنساني” الذي صارَت تعاني منه المُجتمعات دون أن تعرف أسبابه ومُسبِّباته..

نقدِّم إلى القارئ مقالاً من مقالات المُفكِّر “مالك بن نبي”، قام بترجمته عن الفرنسية الكاتب الليبي “الطيب الشريف”، ونشرته مجلة “الآداب” البيروتيَّة في الأول فيفري 1957، وذلك في سِياق إعادة قراءة فِكر “مالك بن نبي” انطلاقًا من المقالات التي توجَّهَ بها إلى عموم القرَّاء وليس إلى النُّخبة منهم فقط.. نُشير إلى أنَّ العنوان الأصلي للمقال، وفق المُترجِم” هو “أسُس فعالية اقتصاد إفريقي آسيوي”، ولاعتبارات تتعلَّق بكونِ هذا الاقتصاد مبنيٌّ على الإنسان والمُجتمع ولا ينفصل عنهما بحسب الرؤية “النابوِيَّة”، وأيضًا، لأنَّ هذا الاقتصاد محكومٌ بمقتضيات “عصر الصهيونيَّة”، فقد آثرنا التعديلَ على العنوان. وفيما يلي، نترك القارئَ يُبحِر في مقال “مالك بن نبي”..

الحادث التاريخي و”الوقت الميّت”

إنَّ الدَّعوى “الماركسية” التي تحصر كل المشكلة البشرية في المعطيات الاقتصادية، تُهمِل المَظاهر الأساسية للظاهرة الاجتماعية أو تقلِّل من شأنها.. ولكنها مع ذلك مُؤسَّسةٌ على الحدود الضافية التي يمكن أن تُفسَّر فيها الظاهرة الاجتماعية من وجهة نظرٍ اقتصادية. وفي هذه الحدود يتَّضح لنا أنَّ “المَنظر البشري” المُمتدّ من “طنجة” إلى “جاكرتا” هو الشَّاشة المُثلى لعرض هذه البنائيات الاقتصادية، وأنَّ “النموذج المجتمعي” السَّاغب العاري، الذي نراه على الصورَتَين السالفِتَين، ليس إلاَّ نتاج هذه البنائيات. وعلى هذا يُمكننا في هذه الحدود أن نتحدَّث عن حتمية اقتصادية تثقل بِجَبرِيَّتها الوازنة على مصير الشعوب الإفريقاسيوية.

على أنه يجب ألاَّ ننسى أنه ليس في هذه الجبرِيَّة من ميتافيزيقي أو مطلق. إنَّها الحادث التاريخي و”الوقت الميت” في الاكتمال المادي لهذه الشعوب، إذ هما يتطابقان مع البنائيات الشخصية الوِراثية غير المتوائمة مع البنائيات الاقتصادية المُحدَّدة والمَفروضة من طرف الحضارة الغربية.

سقوط الإنسان الإفريقاسيوي في الأُحبولة الاستعمارية

وما أمكن لهذا التَّنافر أن يُنتِج مفعولَه الاجتماعي إلاَّ ابتداء من اللَّحظة التي سقَط خلالها الإنسان الإفريقاسيوي في الأحبولة الاستعمارية، وتحوَّل إلى المَولى المُسترَقّ المُستغَل من طرف الاقتصاد العصري، من غير أن يجد داخل ذاته وفي كل من تقاليده وعاداته الوسيلةَ التي تُتيح له الانفلاتَ من هذا التَّورُّط. إنَّ عهد الحتمِيَّة الاقتصادية قد ابتدأ بالنسبة إليه مع العهد الاستعماري، وإن تَحرُّره لم يستنقِذه عمومًا من تورطه الاقتصادي. فالمشكلةُ تنحصر أولاً وبالذَّات في النِّطاق النفسي، لأنَّ “الاقتصادي” لم يبلغ في وعي العالم الإفريقاسيوي الاكتمال الذي بلغه في الغرب، في وعي الإنسان المُتمدِّن وفي حياته كذلك. والواقع أنَّ الاقتصاد قد سبَق له منذ قرون عِدَّة أن صار في الغرب قاعدةٌ أساسية في الحياة الاجتماعية، ومقياسًا جوهرِيًّا في تنظيمها. أمَّا في الشرق، فقد ظلَّ، على العكس من ذلك، في طورِ “الاقتصاد الطبيعي” غير المُنظِّم. حتى أنَّ الدَّعوى الوحيدة التي ربطَت العواملَ قد الاقتصادية بالتاريخ – ونعني بها دعوى ابن خلدون – ظلَّت حِبرًا على ورقٍ بالنسبة إلى الثقافة الإسلامية حتى نهاية القرن الأخير. والحقيقة أنَّ المجتمع الشرقي لم يَدعُ – بِحُكم ضروراته الداخلية – كما هي الحال في المجتمع الغربي – إلى تأسيس مذهبٍ اقتصاديٍّ مثل: الرأسمالية أو الشيوعية. إنَّه لم يَدع إلى ذلك بحِكمٍ نفسيَّة خاصة انعقدَت منذ قرون عديدة على مَثلٍ أعلى من “الزهد”.

فالمذهب الاقتصادي الذي يستوحي من مِثل هذا “المثل الأعلى” ويتولَّد منه، لا يستطيع يقينًا أن يُعبِّر بالدِّقة العلمية نفسها، لا عن مفهوم “الربح” الخاص بالمذهب الرأسمالي، ولا عن مفهوم “الحاجة” الخاص بالمذهب الماركسي. لأنَّ “الزهد”، و”الحاجة” و”الربح” لا يمكن أن تُدرَج في النَّسق الاجتماعي نفسه، وفي نفس الحقائق الاقتصادية. فها هذا يكمُن إذًا عنصر التَّنافُرات الجِذرِيَّةِ بين البنائيات الشخصية الوراثية في البلاد الإفريقاسيوية، والبنائيات الاقتصادية التي غرسها العهد الاستعماري. وهناك عنصر وهناك عنصر آخر من نفس الطبيعة النفسانية – يجب أن نحسب له حسابه كذلك في هذا التنافر – ألاَ وهو مفهوم الزمن العميق الجذرِيَّة في تطبيق “التَّيلورِيَّة” على نشاطات العالم العصري، وهي المهيمنة على كل تصوُّرٍ يتَّصل بسرعة الإنتاج. (التيلورية: نسبة مهندس واقتصادي أمريكي اسمه “فردريك ونسلوف تيلور” (1910-1107).

الوقت ثروة من ذهب

فـ “المزمنة ” التي تُستعمل لعدِّ الثَّواني، تستعمل لتقويم “تكاليف الإنتاج”، والعبارة الإنكليزية التي تقول: “إنَّ الوقت من ذهبٍ” ليست مجرَّد تلاعب بالألفاظ، بل هي التَّعبير الدَّقيق عن الحقيقة المَحسوسة بالنسبة إلى الإنسان الإنكليزي. فكل نشاطات المجتمع الصِّياغي العصري، تكتمل داخل الزمن الفيزيقي، وتقوم بـ “الساعات – العمل”.  بينما لم تجرِّب البلاد المتخلِّفة بعد، هذه “العُملة” الخاصة! فقد ظلَّت النشاطاتُ تكتمل تقليديًّا داخل الزَّمن الميتافيزيقي على صعيد الأبدية.. لأنها لم تكن تسعى إلى تشييد “القوة”.

وإذًا فالتَّنافر بين هذه البنائيات الوراثية والنشاطات التي ينتَظِمُها كلٌّ من “التيلورية” و”التوقيت” في المجتمع العصري، أمرٌ محتوم. وعلى هذا، فنحن نفهم قَبلِيًّا أخطارَ خيبةِ الأمل المُتبدِّيَة في بوادر بعض البلاد الإفريقاسيوية التي تلجأ – بُغية تحقيق استقلالها الاقتصادي – بعد أن حقَّقَت استقلا لها السياسي – إلى استشارة “الاختصاصيين” للوصول إلى هذه الغاية!

معجزة انبعاثِ الاقتصاد الألماني..

ولكن التجربة لم تتوان في أن تثبت لهم أنَّ “الحالة” في عِلم الأمراض الاقتصادية لا تقوم فقط، ولا حتى أساسيًّا – كما هو الحال في الطِّب – على “فحص الطبيب”. وقد رأينا الدكتور “شاخت” يعطي مثل هذه الاستشارات في نهاية الأمر.. وهو بكل تأكيدٍ الرجلُ الأجدر بإعطائها.. فقد امتاز بنجاحه في “حالة” سابقة، أي بتوفيقه المُثير في تصميم الاقتصاد “الهتلري”، أعني الاقتصاد الذي تَحمَّل الجهدَ الجبَّار لبلاد انخرطَت في الحرب العالمية الثانية من غير أن يكون لها احتياطيات وافِيَةٌ من الذَّهب!

ومُجمَل القولِ أنَّهم طلبوا من الدكتور “شاخت” أن يُكرِّر هذه الأعجوبة خارج بلاده. ولكنهم لاحظوا أنَّه لا يستطيع تكرارها، بل إنَّهم لاحظوا على العكس من ذلك ـ وهذا هو الجانب الأكثر إفادة – أن الأعجوبة قد تكرَّرَت من تلقاء نفسها، أعني من غير مساعدة الدكتور “شاخت” في كِلا البلدَين: ألمانيا الغربية “بون”، وألمانيا الشرقية “بنكوف”، ومن غير مزيدٍ من احتياطي الذَّهب في هذه البلاد أو تلك، ومن غير المصانع – المُهدَّمة أو المُعطَّلة – التي كان قد سخَّرها “الرَّايخ الثالث” لتعزيز قوته. بينما يستردُّ الاقتصاد الألماني اليوم – وبعد مِضيِّ عشر سنوات فقط على انهياره الكلي – مكانتَه في العالم، بل هو قد استردَّها بالفعل في كِلا جانبَي الخطِّ الذي أطلِق عليه عند “تعميده”: السِّتار الحديدي!

النّجاح الاقتصادي ابن بيئته الاجتماعيّة

والذي يترتَّب على هذا أنَّه إن كانت هناك بعض الدُّروس التي نستطيع استخلاصها من هذا البعث المُدهش، فالملاحَظ أنَّ المبدأ الاقتصادي لا يجد عُمق مفعولِه وتَمام فعاليته إلاَّ في الشروط التي تتيح له تجربةً اجتماعِيَّة مُعينة.. والواقع أنَّ هذه الفعالِيَّة لا تتوقَّف على شروط النظام الاقتصادي الضيِّقة، كما توضِّح ذلك التجربةُ الألمانية التي ابتدأت خطَّ سيرِها اقتصاديًّا من نقطة الصِّفر منذ عشر سنوات، فهناك مُعادلة شخصية تتدخَّل في الحساب ضمنِيًّا ولا نهائيًّا في هذه الفعالية.

ومِمَّا لا ريب فيه أنَّ الدكتور “شاخت” قد أعطى في “فُحوصه الإفريقاسيوية” أفضلَ الإرشادات التي يمكن له أن يعطيها، وذلك في أخذِه بعين الاعتبار مُعادلتَه الشخصية المُتشكِّلة في الشروط (النفسية – الزمنية” للوسَط الألماني. إلاَّ أنَّ هذه الشروط تُنشِئ منهاجًا للمُراجعة الضمنِيَّة لا يمكن لـ “فحص” الأخصائي التطبيقي أن يجد خارجًا عنه مَفعوله الصميم.

المعادلة الشّخصيّة في البناء الاقتصادي

فالصِّياغِيَّة الاجتماعِيَّة والمبدأ الاقتصادي ليس لهُما قِيمة إلاَّ في الحدِّ الذي لا يتيح لهما التورُّطَ في نزاعٍ مع معطيات المُعادلة الشَّخصِيَّة التي تفوق شروط النظام الاقتصادي الضيِّقة في الوسَط الذي يُراد تطبيقها فيه.. فالمَذاهب الاقتصادية لا تُنتِج مفعولَها الاجتماعي في تعليمها المِنصَّة كعِلمٍ مُتعلِّق ببعض الأفراد المُتخصِّصين فحسب، ولكن في تكيُّفها مع التجربة الجماعية التي ينضوي فيها وعيُ كلِّ فردٍ داخل المشاكل المحسوسة مُتيحًا لعِلم المُتخصِّصين شرطَ فعاليَّتِه. فمن وجهة عملِيَّة، يجب أن يسير المَذهب الاقتصادي مُحاذِيًّا للمذهب السياسي، وذلك لتحويل المَذهب النظري إلى مقياس للنشاط بُغية ضمِّه إلى محركاته، وإيقاعه وأسلوبه. والطريقة الوحيدة التي تُمكِّن الفكرةَ والمبدأ من أن يكونا تاريخيَّين هو أن يُصنَع منهما “عمل” ومحرِّكٌ للعمل، طاقةٌ في الإمكان، وإمكان للعمل.. إنَّ “علم” الاقتصاد الاشتراكي قد تكون مع “ماركس” و”إنجلز”، غير أنَّ فعاليته قد بدأت مع تكوُّن “الوعي” الاشتراكي منذ ثورة أكتوبر سنة 1917.

الستخانوفية.. والعمل الحافز

إنَّ حركة “لينين” ومدرسته هما اللتان سرَّبتا مبدأ الاقتصاد الاشتراكي في نفسِيَّة الشعب الروسي، وفي عقليته، وفي حركِيَّته.. فـ “الاقتصاد الاشتراكي” إذًا هو نَتاج ضبط “العلم” الماركسي مع “الوعي” الطَّبقي.. ومن غير أن نُدلي بحكمٍ ذي قيمة في هذا المجال، نكتفي بالتَّذكير بأنَّ هذا الضبط هو الذي أبرز إلى النور “العمل الحافز” بالنسبة إلى الوعي الطبقي.. فـ “الستخانوفية” التي هي العنصر الأساسي في تكوين الحقيقة الاقتصادية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، هي أوَّلاً بالذات النتيجة الطبيعية للشروط النفسِيَّة الجديدة والمعطي المباشر للبنائيات الفكرية المُستجدَّة.

(الستخانوفية: نسبة إلى “ستخانوفيتش” العامل المَنجمِي الروسي الذي كان الرَّائد الأول لما يطلق عليه السوفيات “العمل الحافز” لمقاومة الرأسمالية وتحطيمها.. في النِّهاية ظهَر هذا المذهب منذ مشروع الخمس السنوات الروسي الأول، المشروع الذي جنَّد في سنة 1925 كل القوى المنتجة بُغية “بناء المذهب الاشتراكي” في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية).

محمد ياسين رحمة - الجزائر

محمد ياسين رحمة - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
“حركات الأزواد”.. الجيش المالي يشنّ غارات جوية حيث الخيانة تتجسّد بمخالب وأنياب.. أشلاء العرب وكلاب الصهيونية   تعزيزا للتجارة الدولية.. توقعات بارتفاع كبير للصادرات خارج المحروقات الألعاب العسكرية الإفريقية بنيجيريا.. شنڨريحة يترأس حفل تكريم أعضاء الوفد الرياضي زيتوني: الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر أنعشت طلبات الاستثمار 121 مليار متر مكعب إضافية من الغاز.. حاسي الرمل يتحدى النضوب بالأرقام.. وزارة التجارة تكشف قيمة المحجوزات في 2024 الأزمة السودانية والوضع في الساحل.. هذا ما بحثه الوزير عطاف مع مسؤول إفريقي “مسار وهران”.. استئناف أشغال الندوة الـ11 رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا من الأغواط إلى ثياروي.. فرنسا تغسل يديها بدماء ضحاياها تطهير الديون الجبائية المتجاوزة 4 سنوات.. المديرية العامة للضرائب توضح عبر معبر كرم أبو سالم.. الأونروا تعلن تعليق إيصال المساعدات إلى القطاع الجيش الصهيوني يواصل انتهاكاته لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان قوجيل يهنىء النخب الرياضية الوطنية العسكرية إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا.. بداية استقلال جديد لإفريقيا الثورة الجزائرية مرآة المقاومة الفلسطينية.. "أنا وراك دايما" براءة اختراع.. تجربة بلقاسم حبة تلهم المؤسسات الناشئة محمود علي يوسف: إفريقيا تواجه تحديات أمنية كبيرة تستدعي تعزيز التعاون النخبة الجزائرية المشاركة في الألعاب العسكرية بنيجيريا.. الفريق أول شنڨريحة يهنئ بعد فشل العدوان على غزة ولبنان.. سوريا بين فكّي أفعى الإرهاب الصهيو-تركي