وسط مشهد سياسي مضطرب وتشابك معقد للمصالح الإقليمية والدولية، تتجه الأنظار إلى المملكة العربية السعودية، حيث ينعقد اجتماع حاسم بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين في محاولة لإيقاف الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا. يأتي هذا اللقاء في توقيت بالغ الحساسية، تزامنًا مع تصعيد عسكري متزايد وضغوط دبلوماسية مكثفة، فيما تثار تساؤلات حول مستقبل الدعم الأمريكي لكييف في ظل نهج دونالد ترامب، الذي يسعى إلى تسوية تُحقق مصالح واشنطن دون المساس بعلاقاتها مع موسكو.
تشهد المملكة العربية السعودية، اليوم الثلاثاء، اجتماعًا مهمًا بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين لمناقشة سبل التوصل إلى مفاوضات سلام مستقبلية تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. يأتي هذا الاجتماع في وقت يدرس فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إمكانية التراجع عن قراره بتجميد المساعدات العسكرية لكييف.
ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه منذ الزيارة التي وصفت بـ “غير الموفقة” للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى البيت الأبيض في نهاية فبراير الماضي، والتي شهدت خلافًا حادًا بينه وبين الرئيس ترامب. أعقب ذلك تعليق واشنطن مساعداتها العسكرية وتبادلها المعلومات الاستخبارية مع كييف، مما دفع الأخيرة إلى محاولة إعادة بناء العلاقات مع إدارة ترامب.
أكد الرئيس الأمريكي، في تصريحات صحفية، أن بلاده ستبذل قصارى جهدها لدفع أوكرانيا إلى اتخاذ خطوات جادة نحو حل النزاع، مشيرًا إلى أن “الأوكرانيين لا يمتلكون أوراق الضغط، في حين أن الروس لديهم اليد العليا”. وأضاف: “ما يجب فعله هو التوصل إلى صفقة لوقف القتال، فهذه الحرب لا معنى لها، وسنعمل على إنهائها”. وبشأن رفع تجميد تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، قال ترامب: “نحن نقترب من ذلك”.
وفي سياق متصل، أشار ترامب إلى أن أوكرانيا ستوقع قريبًا على اتفاقية المعادن، موضحًا أن واشنطن تدرس العديد من القضايا المتعلقة بالعقوبات المفروضة على روسيا. وأضاف: “لدينا اجتماعات كبيرة قادمة في السعودية تشمل روسيا وأوكرانيا، وسنرى ما إذا كنا سنتمكن من إحراز تقدم. لقد كان هناك العديد من التحركات الدبلوماسية في أوكرانيا هذا الأسبوع، شملت ليس فقط الأوكرانيين، بل الروس أيضًا. أعتقد أن الجميع يرغب في التوصل إلى حل، وأتوقع تحقيق تقدم كبير في محادثات السعودية”. كما أعرب عن عدم قلقه إزاء المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا والصين وإيران، مؤكدًا على قوة الولايات المتحدة.
من المتوقع أن تساهم هذه المحادثات، التي ستُعقد اليوم في مدينة جدة، في وضع إطار أولي لاتفاقية سلام ووقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا. وقال المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، الذي سيحضر الاجتماع، إن المباحثات تهدف إلى “تحديد مسارات فعالة لإنهاء النزاع”.
النُخب في القصور والجنود في المستنقعات
أما كييف فقد التزمت الحذر في تصريحاتها بشأن الاجتماع، حيث صرح زيلينسكي قائلاً: “نأمل في التوصل إلى قرارات وخطوات حاسمة”، دون الكشف عن تفاصيل محددة. وأضاف أن أوكرانيا تؤيد “حوارًا بناءً”، لكنها تصر على أن “تُؤخذ مصالحها بعين الاعتبار”، معربًا عن تفاؤله بأن الاجتماع سيكون “مثمراً”.
وفي سياق متصل، قال زيلينسكي مساء الأحد إنه يأمل في تحقيق نتائج ملموسة سواء على صعيد إحراز تقدم نحو السلام أو ضمان استمرار الدعم الدولي. وقد شهدت العلاقات بين واشنطن وكييف تحولًا جذريًا خلال الأسابيع الأخيرة، لا سيما بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، مما زاد من تعقيد الوضع بالنسبة لأوكرانيا التي تواجه تحديات ميدانية كبيرة.
من جهتها، أوضحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، تامي بروس، أن المسؤول الأمريكي روبيو سيبحث خلال زيارته إلى جدة، التي تمتد من الاثنين إلى الأربعاء، “الاستراتيجيات المتاحة لدفع جهود الرئيس ترامب الرامية إلى إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا”. كما أعلنت الخارجية الأمريكية أن روبيو سيتوجه بعد ذلك إلى كيبيك لحضور اجتماع لمجموعة السبع.
وفي سياق آخر، أثار الملياردير الأمريكي إيلون ماسك جدلًا واسعًا بتصريحاته حول النخب الأوكرانية والغربية، حيث اتهمهم بالنفاق، وذلك ردًا على منشور عبر منصة “إكس” تحدث عن رغبة زيلينسكي في استمرار الحرب. وكتب ماسك، الذي يعد أحد كبار مستشاري ترامب، قائلاً: “النخبة الأوكرانية وبعض النخب الغربية يقيمون حفلات فاخرة كل ليلة في القصور، بينما يرسلون أبناء الآخرين إلى ساحات المعارك الموحلة ليموتوا في حرب لا تنتهي”.
وأضاف ماسك أن الحل لإنهاء الصراع قد يكمن في فرض عقوبات على أبرز الأوليغارشيين الأوكرانيين، وخاصة أولئك الذين يمتلكون عقارات فاخرة في موناكو، مشيرًا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى وقف الحرب فورًا. كما أكد أن شبكة “ستارلينك” التي يمتلكها تشكل عنصرًا أساسيًا في العمليات العسكرية الأوكرانية، مشددًا على أن “الجبهة الأوكرانية بأكملها ستنهار إذا تم تعطيل النظام”.
1200 قنبلة روسية خلال أسبوع
على الصعيد الميداني، استعادت القوات الروسية عدة بلدات في مقاطعة كورسك الحدودية مع أوكرانيا، بالتزامن مع هجوم مكثف شنته الطائرات المسيرة والصواريخ الروسية على مناطق متعددة في أوكرانيا، بما في ذلك العاصمة كييف. وأوضح الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن روسيا كثفت من هجماتها خلال الأسبوع الماضي، مستخدمة أكثر من 1200 قنبلة جوية موجهة، و900 طائرة مسيرة هجومية، وأكثر من 80 صاروخًا من أنواع مختلفة.
وفي تطور آخر، أعلن منسق العمليات الروسية في مقاطعة نيكولاييف، سيرغي ليبيديف، أن القوات الروسية استهدفت منشأة عسكرية في ضواحي نيكولاييف بخمس ضربات قوية، ما أدى إلى مقتل العشرات من الجنود الأوكرانيين، بينهم مقاتلون أجانب. وأكدت وزارة الدفاع الروسية أنها دمرت، تسع طائرات مسيرة أوكرانية فوق مقاطعات سامارا وفورونيج وأوريول وبيلغورود وكورسك.