مقابر الديمقراطية في المغرب.. حيث يدفن المخزن الحريات دون شاهد

في زمنٍ صار فيه التعبير عن الرأي جرمًا، والموقف الحر ثمنه القمع والسجن، تتصاعد في المغرب موجة استهداف ممنهجة تطال كل من يجرؤ على الدفاع عن الحقوق والكرامة. لم يعد الأمر مقتصرًا على تكميم الأفواه أو قمع الاحتجاجات، بل أصبح سياسة متجذرة تُسخَّر فيها أجهزة الدولة لإسكات الأصوات الرافضة للتطبيع والمطالِبة بالحريات. هذه الحملة الشرسة، التي تطال النشطاء والصحافيين والمدونين بلا هوادة، تعكس واقعًا قاتمًا من القهر والاستبداد، في ظل تحذيرات متزايدة من أن الاحتقان الشعبي قد يتحول إلى انفجار لا يمكن احتواؤه.

تشهد المملكة تصعيدًا غير مسبوق في قمع الصحافيين، النشطاء، والمدونين، حيث يُزجّ بالبعض في السجون بتهم ملفّقة، بينما يُخضع آخرون لحملات تشهير تُنفَّذ بوسائل ممنهجة، تهدف إلى كسر عزيمتهم وإسكاتهم. باتت التهم الجاهزة مثل تهديد الأمن القومي أو العمالة لأطراف خارجية تُستخدم لإخراس أي صوت معارض، في مشهد يعكس تناقضًا صارخًا بين الخطاب الرسمي حول الانفتاح والواقع المليء بالقمع والانتهاكات.

أحد العوامل التي أجّجت هذا القمع هو تصاعد المعارضة الشعبية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، إذ أصبح رفض هذه السياسة كافيًا لجرّ أصحابه إلى السجون أو تعريضهم للتضييق والملاحقة. ولم يعد النظام يكتفي بمواجهة معارضيه في ساحات السياسة والإعلام، بل بات يُضيّق على أي شكل من أشكال المعارضة، حتى تلك التي تأتي من أوساط ثقافية أو أكاديمية، في محاولة لفرض هيمنة مطلقة على المجال العام.

وسط هذا الواقع المتأزم، تتزايد التحذيرات من أن سياسات الترهيب والقمع قد تدفع البلاد نحو انفجار اجتماعي يصعب احتواؤه. فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، لم تعد القبضة الأمنية وحدها كافية لإخماد الغضب الشعبي، الذي قد يتحوّل في أي لحظة إلى موجة احتجاجية غير مسبوقة، تضع النظام أمام تحديات وجودية.

تتوالى المحاكمات والأحكام التعسفية بحق النشطاء السياسيين والصحفيين والمدونين، ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تكميم الأفواه وإخماد الأصوات الحرة التي تنادي بالديمقراطية والكرامة وحقوق المواطنين. ويمثل هذا النهج استمرارًا لمسلسل التضييق على الحريات الأساسية، مما ينذر بتفاقم الاحتقان الاجتماعي وتصاعد الغضب الشعبي في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية التي يعيشها المواطنون.

في سياق هذه الحملة القمعية، أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة طنجة حكمًا يقضي بسجن الناشط الحقوقي رضوان القسطيط لمدة سنتين نافذتين، بسبب تدويناته التي عبر فيها عن دعمه للقضية الفلسطينية ورفضه للتطبيع مع الكيان الصهيوني. وقد أثار هذا الحكم استياءً واسعًا في الأوساط الحقوقية والسياسية، حيث اعتبرته “جماعة العدل والإحسان” مثالًا واضحًا على الاستهداف الممنهج للنشطاء السياسيين والحقوقيين في المغرب. وأكدت الجماعة أن المحاكمة جاءت مجانبة للحق والقانون، حيث قدم أكثر من 60 محاميًا مرافعات تثبت غياب أدلة قوية تدين القسطيط، إلا أن المحكمة مضت قدمًا في إصدار حكمها القاسي.

وفي تعليقها على الحكم، شددت الجماعة على أن هذه الممارسات تأتي ضمن مخطط يهدف إلى إسكات الأصوات الحرة وضرب حرية التعبير، مشيرة إلى ضرورة الإفراج الفوري عن القسطيط ووقف المتابعات السياسية التي تستهدف النشطاء. ومن جهته، نفى القسطيط التهم المنسوبة إليه خلال جلسات المحاكمة، موضحًا أن حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي قد تعرض للاختراق، وأنه لا علاقة له بالتدوينات التي استند إليها الادعاء في ملاحقته.

وتزامنًا مع صدور الحكم، شهد محيط محكمة طنجة احتجاجات غاضبة شارك فيها عدد كبير من النشطاء الحقوقيين والسياسيين الذين رفعوا شعارات منددة بالقمع والتضييق على الحريات. واعتبر المحتجون أن المحاكمة سياسية بامتياز، وتهدف إلى ترهيب المعارضين وإسكات كل من يجرؤ على انتقاد السياسات الرسمية أو يعبر عن موقفه الرافض للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني.

تصعيد القمع ضد الصحفيين والمدونين ونشطاء حقوق الإنسان

وفي السياق ذاته، أصدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بيانًا عبرت فيه عن قلقها العميق من موجة المحاكمات التي تطال الصحفيين والمدونين ونشطاء حقوق الإنسان في البلاد. وأكدت الجمعية أن السلطات تمضي قدمًا في انتهاك الحريات الأساسية من خلال تلفيق التهم الجائرة وتسخير القضاء لاستصدار أحكام قاسية بحق الأصوات المعارضة للسياسات العمومية.

وأشار البيان إلى أن الوضع الحقوقي في المغرب يشهد تراجعًا خطيرًا، حيث يتم استهداف الحريات السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ضمن استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تقييد الحركة الحقوقية والديمقراطية. كما نبهت الجمعية إلى أن الحق في التنظيم والاحتجاج السلمي وحرية التعبير والصحافة بات مهددًا، إذ تُستخدم التهم الملفقة والقضاء كأداة للانتقام من النشطاء وإخراس أصواتهم.

وبالتوازي مع القمع السياسي، نبهت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى خطورة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمملكة، مشيرة إلى الارتفاع المهول في الأسعار الذي طال كافة المواد الاستهلاكية الأساسية. وأكدت الجمعية أن هذه الموجة من الغلاء تأتي في سياق تفشي الفساد والاحتكار والريع الاقتصادي، دون أن تتخذ الدولة أي إجراءات فعلية للتخفيف من معاناة المواطنين، مما ينذر بانفجار اجتماعي غير مسبوق في ظل تزايد الاحتقان الشعبي.

كما أدانت الجمعية بشدة الحملة التي تشنها السلطات ضد العديد من الأسر المغربية، حيث أصدرت قرارات بالإفراغ القسري وهدم المنازل، مما تسبب في تشريد العديد من العائلات. واعتبرت هذه السياسات جزءًا من القمع الممنهج الذي يستهدف الطبقات الهشة، دون أي اعتبار لحقوق المواطنين في السكن اللائق والعيش الكريم.

وعلى صعيد آخر، جددت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان رفضها القاطع لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، رغم تصاعد الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة والضفة الغربية المحتلة. وذكّرت الجمعية بالزيارة التي قامت بها مسؤولة صهيونية لحضور مؤتمر دولي في مدينة مراكش، وهي الزيارة التي أثارت موجة غضب واسعة في صفوف المغاربة الذين يعتبرون القضية الفلسطينية قضية وطنية بامتياز.

وفي ظل هذا المشهد المتأزم، تعالت الأصوات الحقوقية والسياسية المحذرة من خطورة استمرار الدولة في نهج القمع والتضييق على الحريات، مؤكدين أن هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان والتوتر. وأشارت العديد من المنظمات الحقوقية إلى أن الشعب المغربي بات أكثر وعيًا وإصرارًا على الدفاع عن حقوقه الأساسية، ورافضًا لأي محاولات لفرض التطبيع بالقوة أو قمع الأصوات المعارضة.

يعيش المغرب مرحلة حساسة من تاريخه السياسي والحقوقي، حيث تشهد البلاد موجة غير مسبوقة من التضييق على الحريات، واستهداف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، في ظل سياق اقتصادي واجتماعي متأزم. ورغم القمع والاعتقالات، فإن الأصوات الحرة لا تزال ترفع راية النضال من أجل الديمقراطية والكرامة، وسط تحذيرات من أن الاستمرار في هذا النهج القمعي قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي واسع النطاق، لن يكون بالإمكان احتواؤه بسهولة.

آدم الصغير

آدم الصغير

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
جامعة الدول العربية: تجويع الفلسطينيين جريمة حرب وإبادة جماعية وثائق سرية تفضح تورط جنرالات فرنسا في تعذيب الجزائريين خلال الثورة التحريرية مشروع استراتيجي لتعزيز تصدير الكهرباء الجزائرية نحو تونس وليبيا عرقاب في بشار لإطلاق مشاريع طاقوية استراتيجية هيئة اللجان الأولمبية الإفريقية تُكرّم الرئيس تبون بالوسام الذهبي استحداث "بكالوريا مهنية" لتعزيز التكوين المتخصص وتلبية احتياجات سوق العمل الجزائر تُطلق أوّل مصحف رقمي موجّه للمكفوفين احتكار الذكاء الاصطناعي.. كيف تعيد القوى الكبرى رسم خرائط السيطرة؟ وكالة الأنباء الجزائرية: "كفى نفاقًا.. فرنسا هي المستفيد الأكبر من علاقاتها مع الجزائر" إنجاز مركز بيانات مرفق بمركز حوسبة للذكاء الاصطناعي بوهران "برج إيفل" يرتدي الحجاب.. ما القصة؟ في سابقة وطنية.. "صيدال" توفر أقلام أنسولين جزائرية للسوق المحلي التحويلات المالية بين الأفراد عبر الهاتف النقال ترتفع بأكثر من الضعف في 2024 الشيخ موسى عزوني يكسر الصمت: "هذا ما قصدته بحديثي عن السكن والزواج" بلعريبي يأمر بتسريع إنجاز مستشفى 500 سرير بتيزي وزو بلاغ هام لفائدة الحجاج قيود صهيونية جديدة على نشاط منظمات الإغاثة.. الاحتلال يقطع شريان الحياة الأخير عن غزّة حجز 34 حاوية من مادة الموز بميناء عنابة باحثتان جزائريتان تقودان ثورة علمية في مجالي الطب والبيئة.. ما القصة؟ وزارة الصحة تشدد على ضرورة إجراء التحاليل الطبية قبل الختان