خلقت السّياسات الرّأسمالية للدّول الكبرى ماّسي وكوارث لشعوب كثير من الدّول سواء تحت مسمّى “تحقيق التّنمية والدّيموقراطية وحقوق الإنسان أو الأعمال الإغاثية”، إذ أنّ النّتائج دائمًا ما كانت سلبية وبعيدة عن المخطّط له، فضلًا عن أنّها حاولت إطالة أمد هذه الكوارث ليصبح الأمر أشبه ما يكون بتجارة كبرى تدرّ المليارات على الشّركات والمقاولين.
هذه خلاصة ما توصّل إليه الصّحفي الاسترالي انتوني لوبنشتاين في بحثه الاستقصائي الذي زار فيه ثماني دول من ضمنها أفغانستان وهاياتي واليونان، مسجّلاً ذلك في كتاب من 400 صفحة تحت عنوان “رأسمالة الكوارث”.
اللّجوء إلى مقاولين وشركات خاصّة لإدارة الأمن والأعمال الإغاثية والإشراف على الموانئ أمر ليس بالجديد، فالولايات المتّحدة استعانت بهذه الشّركات في أفغانستان والعراق وهايتي وغيرها من الدّول، إلّا أنّ هذه الشّركات التي تحظى بحصانة أمريكية تستعين بمقاولين محلّيين بالباطن؛ فتنشأ المعسكرات للتّدريب، وتستجلب المزيد من المرتزقة، وتنشئ شبكة فساد، وتصنع أمراء حرب لخفض الكلف والخسائر ورفع قيمة الأرباح.
اللّجوء إلى المقاولين هو الخيار الوحيد المتبقّي للولايات المتّحدة الأمريكية لإدارة المعابر والرّصيف البحري قبالة مدينة غزّة، بحجّة الإغاثة لفرض الحوكمة “الإسرائيلية”-الأمريكية في قطاع غزّة، ولتجنّب تورّط القوّات الأمريكية التي يقودها الجنرال مايكل كوريلا تحت مسمّى القيادة المركزية في العمليات العسكرية والتّعقيدات السّياسية.
فالولايات المتّحدة وجدت صعوبة كبيرة في إقناع الاحتلال “الإسرائيلي” في إشراك سلطة رام الله أو إشراك الدّول العربية التي رفضت المقترح “الإسرائيلي” والأمريكي بإدارة المعابر وشؤون القطاع المدنية؛ فالدّول العربية أكّدت رفضها المشاركة في مشاريع نتنياهو.
لا يكاد يمضي يوم واحد على العدوان “الإسرائيلي” دون أن يسجّل فيه خسارة دبلوماسية أو سياسية أو ميدانية للكيان المحتل، ممتزجة بخسارة أخلاقية، تعكس عنف وإجرام الكيان في القطاع والضفّة الغربية وجنوب لبنان.
لذلك لا يتوقّع أن ينجح شركاء أميركا الإستراتيجيون (المقاولون) وشركاؤهم في الباطن من تحقيق ما عجزت عنه الماكينة العسكرية للولايات المتّحدة والكيان “الإسرائيلي” طوال الأشهر الثّمانية الماضية، خصوصًا في ظلّ الرّفض العربي والوعي الفلسطيني، فما سيضيفه هؤلاء المرتزقة لن يختلف عمّا أضافوه في مناطق أخرى من العالم بحسب لوبنشتاين مؤلّف كتاب “رأسمالية الكوارث”، وهو إطالة أمد الصّراع وتحويله إلى نزيف سياسي وأخلاقي واستراتيجي للولايات المتّحدة وحليفتها “إسرائيل” في المنطقة في أحسن الأحوال.