سعيا إلى حماية مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية، تخصّص الولايات المتحدة الأمريكية سنويا مليارات الدولارات لتغطية المساعدات العسكرية والمالية والإنسانية التي تستفيد منها دول في مناطق مختلفة من العالم، أبرزها أفغانستان، الأردن، مصر، إثيوبيا والعراق بالإضافة إلى الكيان الإسرائيلي، ولكن منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، أصبحت أوكرانيا أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية، حين وجهت إدارة بايدن والكونغرس الأمريكي أكثر من 77 مليار دولار من المساعدات لفائدة كييف.
ورغم أن الحديث عن تقديم مساعدات مالية وعسكرية إلى أوكرانيا من قبل الساسة ووسائل الإعلام الأمريكية، فقد قلّ في الأسابيع الأخيرة، بسبب تركيز هؤلاء على المفاوضات العسيرة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول التوصل لاتفاق بشأن رفع سقف الدين البالغ 31.4 تريليون دولار وحماية الحكومة الأمريكية من العجز، مخافة غضب الناخب الأمريكي، إلا أن تدفق الدعم لم يتوقف، بل على العكس، فقد تم توجيه مساعدات كبيرة نحو توفير أنظمة الأسلحة والتدريب والاستخبارات التي يحتاجها القادة الأوكرانيون في حربهم ضد روسيا التي تمتلك أحد أقوى الجيوش في العالم.
خلال أكثر من خمسة عشر شهرا منذ بداية الحرب، وافقت إدارة بايدن ـ بموافقة الكونغرس ـ على تزويد أوكرانيا بقائمة طويلة من القدرات الدفاعية، بما في ذلك Abrams battle tanks (دبابات أبرامز القتالية) وAnti-aircraft missiles (الصواريخ المضادة للطائرات) وCoastal defense ships (ما يُسمى بـ”سفن الدفاع الساحلي”)، إضافة إلى مجموعة من أنظمة المراقبة والرادار المتقدمة.
ويعتقد العديد من المحللين السياسيين والعسكريين الأمريكيين أن المساعدة العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة لعبت دورا كبيرا في مجال الدفاع الأوكراني وكذلك الهجوم المضاد ضد روسيا، كما يعتبر صناع السياسة في واشنطن نجاح روسيا في حربها على أوكرانيا دعوة إلى “عدوان” مماثل من جانب الصين على تايوان، يجب تفادي ادخار أي جهد لوقف حدوثه.
ما حجم المساعدة الأمريكية الموجهة إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب؟
قُدّرت المساعدات الأمريكية لفائدة أوكرانيا في الفترة ما بين الـ24 جانفي 2022 والـ24 فيفري 2023، حسب Kiel Institute for the World Economy معهد كيل للاقتصاد العالمي (معهد بحث ألماني مستقل) بـ76.8 مليار دولار، شملت دعما ماليا، عسكريا وإنسانيا، استفادت منه مجموعة واسعة من الأشخاص والمؤسسات الأوكرانية.
واستنادا إلى مقال نشره مؤخرا The Council on Foreign Relations مجلس العلاقات الخارجية (مركز بحث أمريكي مستقل) تحت عنوان How Much Aid Has the U.S. Sent Ukraine? Here Are Six Charts (ما مقدار المساعدة التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا؟ هذه ست مخططات بيانية)، فقد حظيت المساعدات العسكرية بحصة الأسد، حيث قدرت نسبتها بـ61℅، أي ما يعادل 46.6 مليار دولار من القيمة الإجمالية للمساعدات، كما خُصصت 18.3 مليار دولار منها للمساعدات الأمنية، كالتدريب والمعدات والأسلحة والدعم اللوجستي، وتلقت أيضا ما قيمته 23.5 مليار دولار على شكل أسلحة ومعدات من مخزون وزارة الدفاع الأمريكية، دون نسيان أنها استفادت من قروض في إطار ما يُسمى ببرنامج التمويل العسكري الخارجي، بقيمة 4.7 مليار دولار.
إضافة إلى الدعم العسكري، حُظيت كييف خلال الفترة الزمنية سالفة الذكر على مساعدات مالية واقتصادية بلغت قيمتها 26.4 مليار دولار، وعلى المستوى الإنساني، خَصصت واشنطن ميزانية بقيمة 3.9 مليار دولار، أي ما يعادل 5℅ من إجمالي قيمة الدعم، للمساعدات الغذائية الطارئة والرعاية الصحية ودعم اللاجئين الأوكرانيين.
كييف تتلقى أضعاف ما تلقته ستة دول مجتمعة؟
حين مقارنتها بأكبر المتلقين للمساعدات الأمريكية، سواء خلال العقود الماضية، أو السنوات الأخيرة، أظهرت بيانات مجلس العلاقات الخارجية، مستوى الحجم الاستثنائي للمساعدات الأمريكية التي تلقتها أوكرانيا، فمنذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، وعلى سبيل المثال، استفادت كييف من دعم أمريكي بقيمة 76.8 مليار دولار، في حين تلقت أفغانستان 4 مليار دولار، والكيان الإسرائيلي 3.3 مليار دولار، تليهما الأردن بـ2.6 مليار دولار، مصر بـ1.5 مليار دولار، وأخيرا إثيوبيا والعراق بـ1.2 مليار دولار لكل منهما.
وتجدر الإشارة إلى أنه ورغم الدعم السخي الذي قدمته واشنطن إلى كييف، فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا زال يُلحّ على المطالبة بمعدّات عسكرية أكثر تطورا، مثل Fighter aircrafts (الطائرات المقاتلة)، التي عبّرت الولايات المتحدة وحلفائها في مناسبات عدة على عدم استعدادها لتقديمها، خشية أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الحرب، والانجرار المباشر إلى الأعمال العدائية، ما قد يزيد وبشكل كبير من خطر نشوب حرب نووية.