ما أعظم تلك الثّواني القليلة التي تعقب الصّحو. تلك الثّواني التي يظلّ العقل أثناءها معطّلًا، لا يعي شيئًا من الواقع الجديد الذي زُجّ فيه.
تفتح عينيك، فتحسب نفسك في السّرير نفسه الذي اعتدت أن تصحو فيه، وتحسب أنّ المشهد الذي سيطالعك هو المشهد المكرَّر نفسه: لوحة مائلة نسيتَ متى علّقتَها، يمامة تنقر الزّجاج من غير ملل، قميصًا خلعتَه في الأمس ولم تُعِده إلى الخزانة، كتابًا غفوتَ وأنت تقرأ صفحاته المملّة…
وما إن تنتهي تلك الثّواني الجميلة، ويعود العقل إلى نشاطه الرّتيب، حتّى تشتهي النّوم مجدّدا. تضع رأسك تحت الوسادة، ثمّ تستجدي النّعاس، ذلك الإله الرّحيم، علّه يرميك ثانية في زحمة الأحلام.

أن تستيقظ على حرب، كأن تُشرِّع النّافذة في الصّباح، فتواجه جدارًا! ثمّ تسأل نفسك محتارًا: متى وُجد هذا الجدار؟ هل كان هنا دائمًا، أم بُني حديثًا؟ ومن المخطئ؟ المهندس الذي صمّم النّافذة، أم البنّاء الذي أقام الجدار؟ وقد تُقحمك الأسئلة في دهاليز أكثر عمقًا، فتسأل: ما الغرض من النّوافذ؟ التّهوية، أم المنظر؟ وإن كان المنظر ليس مهمًّا، فلماذا تُخصّص مساحات كبيرة لها؟
تركض في ذلك الدّهليز المعتم، ظنًّا منك أنّ النّهاية موشكة، لكن الدّهاليز عادةً، لا تقود السّائرين إلى النّهايات، بل إلى دهاليز أخرى: هل سيُهدَم الجدار، فيتكوّم النّور على الزّجاج وينسكب إلى الدّاخل؟ أم أنّ الشّمس لا تقبع خلف الجدار؟ ما الذي يقبع خلفه؟ شجر وبشر ومطر، أم جدار آخر؟ وماذا إن كان هذا الجدار متّصلًا بالمنزل؟ أينهار المنزل إن انهار؟
لكن ثمّة دائمًا مَن ينتظرك كلّ صباح ليشاركك تفاؤله السّاذج، فيصيح مهلّلًا: “أن تستيقظ على حرب، خيرٌ من ألّا تستيقظ أبدًا”. وقد تشتهي قتله في تلك اللحظة، لكنّك تعود فتفكّر: قد يكون محقًّا، فالحرب فرصة للنّضوج، لاستكشاف دهاليز جديدة، مهما كانت مظلمة.