تشهد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية للجزائر تطورًا ملحوظًا، يعكس رؤية استراتيجية طموحة لتعزيز التعاون مع شركائها الدوليين. وتأتي هذه الديناميكية ضمن إطار التزام الجزائر بتوسيع آفاق شراكاتها الدولية، وتنويع مجالات التعاون بما يخدم المصالح المشتركة. وفي هذا السياق، استضافت الجزائر فعاليات مُهمّة مع عدد من الدول، تضمنت مباحثات ثنائية ولقاءات اقتصادية تمحورت حول تعزيز التعاون في مجالات حيوية، مثل الطاقة، التنمية المستدامة، والابتكار. كما تم تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية المتاحة، سواء في إطار التعاون جنوب-جنوب أو مع شركاء أوروبيين وآسيويين. وتُبرز هذه التحركات الدبلوماسية والاقتصادية مكانة الجزائر كشريك استراتيجي على الساحتين الإقليمية والدولية، مستفيدةً من موقعها الجغرافي المميز وإمكاناتها الاقتصادية المتنوعة، مع سعيها الدائم إلى تحقيق التكامل الاقتصادي ودعم التنمية المستدامة.
استضافت الجزائر الدورة الثانية لآلية المشاورات السياسية مع بنغلاديش، حيث ركزت المباحثات على تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية. وأكد الجانبان أهمية استمرار الدعم المتبادل في المحافل الدولية، مما يعكس إرادة مشتركة لدعم الشراكة الاستراتيجية.
وفي خطوة تعكس أهمية قطاع الطاقة في تعزيز العلاقات الثنائية، قام وزير الطاقة والمناجم والصناعة للبوسنة والهرسك بزيارة إلى الجزائر لبحث فرص التعاون في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة. وقد شملت هذه الزيارة لقاءات مع مسؤولين جزائريين وزيارات ميدانية إلى منشآت طاقوية، مما يعزز الآفاق المشتركة بين البلدين في هذا القطاع الحيوي.
ومن جانب آخر، عبر سفيرا رواندا وغينيا الاستوائية عن التزام بلديهما بتعزيز التعاون مع الجزائر في إطار التعاون جنوب – جنوب. وتم التأكيد على الروابط التاريخية التي تجمع الجزائر بالدول الإفريقية وأهمية استغلال الإمكانيات المشتركة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
العلاقات مع دول آسيا وأوروبا.. تنويع الشراكات
أكد السفير الكمبودي الجديد التزام بلاده بتعزيز التعاون مع الجزائر، مع التركيز على دعم الشراكة في إطار التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف. وفي سياق آخر، تحتفل الجزائر ومولدافيا بثلاثة عقود من الشراكة المثمرة، وسط تأكيد الجانبين على إمكانيات تطوير التعاون المستقبلي في مختلف المجالات.
أما فيما يخص العلاقات مع روسيا، فقد أكد السفير الروسي الجديد على أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد بين البلدين، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. وفي إطار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، تعمل الجزائر والاتحاد على صياغة ميثاق جديد للتعاون في منطقة المتوسط، يركز على الاستثمار، الطاقة، الهجرة، والثقافة. ويبرز هذا الميثاق طموح الجزائر لتعزيز مكانتها كشريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي، مستفيدة من موقعها الجغرافي المميز.
وفي مجال التعاون الاقتصادي، شهد منتدى الأعمال الجزائري-التشيكي توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات الطاقات المتجددة، معالجة المياه، والاقتصاد الدائري. كما تم التأكيد على أهمية الاستثمارات التشيكية في الجزائر، خاصة في ظل الإصلاحات التشريعية التي تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال وتعزيز فرص الاستثمار.
وعلى صعيد آخر، شاركت الجزائر في معرض “مينينغ إندابا” بمدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا، حيث ناقشت تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية وكوريا الجنوبية لتطوير الصناعات المنجمية. وتأتي هذه المشاركة ضمن استراتيجية الجزائر الرامية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتثمين الموارد المعدنية التي تزخر بها البلاد.
كما شارك وفدا شركتي “سوناطراك” و”سونلغاز” في اجتماعات الدورة الـ 25 للجمعية السنوية لشركة “بيكر هيوز” بمدينة فلورنسا الإيطالية. وتركزت المشاورات على تعزيز التعاون مع شركات عالمية، مثل “بيكر هيوز” و”إيني” الإيطالية و “جي جي سي” اليابانية، لتنفيذ مشاريع كبرى تشمل تطوير مكمن حاسي الرمل، تصنيع توربينات الغاز محليًا، وتعزيز الشراكة الثلاثية في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة. وتهدف هذه الجهود إلى تقليل فاتورة الاستيراد وزيادة الإدماج الوطني في الصناعات الطاقوية.
وتعكس هذه الأنشطة المتنوعة المكانة الاستراتيجية التي تحتلها الجزائر على الساحة الدولية، حيث تسعى من خلالها إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية، توطيد الشراكات الاقتصادية، ودعم قضايا التعاون الإقليمي والدولي بما يحقق مصالحها ومصالح شركائها.
وفي سياق آخر، شاركت كاتبة الدولة المكلفة بالمناجم، كريمة طافر، على رأس وفد رسمي في فعاليات معرض “مينينغ إندابا” بجنوب إفريقيا، وهو أحد أكبر التجمعات الدولية في قطاع التعدين بالقارة الإفريقية. وتهدف المشاركة إلى مناقشة سبل تطوير الصناعات المنجمية، تبادل الخبرات، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لجذب الاستثمارات وتثمين الموارد الطبيعية.
تشارك السيدة كريمة طافر في هذا الحدث الدولي، الذي يُعد منصة محورية لتبادل الخبرات وعرض أحدث الابتكارات والتقنيات المستخدمة في مجال الصناعات المنجمية. ترافقها بعثة رسمية تضم كوادر من الوزارة، إلى جانب ممثلين عن مجمع “سوناريم” ووكالة المصلحة الجيولوجية الجزائرية، وفقًا لما ورد في بيان الوزارة.
كما شاركت كاتبة الدولة في أشغال “الحوار الإفريقي-الكوري الجنوبي حول المعادن الحرجة” الأول من نوعه وبهذه المناسبة، استعرضت كريمة طافر جهود الجزائر في تطوير قطاع المناجم، وحرصها على بناء شراكات مستدامة مع مختلف الأطراف الفاعلة في صناعة التعدين مؤكدة المحاور الأساسية للاستراتيجية الوطنية في هذا المجال، حسب ما أفاد به بيان للوزارة.
وأشارت الوزيرة إلى أن قطاع المناجم في الجزائر يزخر بفرص واعدة وإمكانات هائلة، مدعومة ببرنامج حكومي طموح يهدف إلى جذب الاستثمارات وتعزيز جاذبية القطاع، يشير المصدر ذاته.
ووفقًا لبيان الوزارة، تأتي هذه المشاركة في إطار التوجه الاستراتيجي لقطاع المناجم في الجزائر، الذي يهدف إلى تطوير الصناعة المنجمية، جذب الاستثمارات، وتعزيز التعاون الإقليمي، لا سيما مع الدول الإفريقية. وتهدف هذه الجهود أيضًا إلى تثمين الموارد الطبيعية والثروات المعدنية، واستغلال الإمكانات الكبيرة التي تزخر بها القارة الإفريقية، في إطار رؤية مشتركة قائمة على المصالح المتبادلة والتكامل الاقتصادي.
منتدى أعمال جزائري-تشيكي
وأشرفت وزيرة البيئة وجودة الحياة، السيدة نجيبة جيلالي، يوم الاثنين بالجزائر العاصمة، رفقة وزير البيئة التشيكي، بيتر هالديك، على افتتاح منتدى أعمال جزائري-تشيكي. وشكل المنتدى فرصة لتأكيد رغبة البلدين في تعزيز التعاون الثنائي في عدة مجالات اقتصادية، خاصة تلك المرتبطة بحماية البيئة والاقتصاد الأخضر، من خلال بحث فرص الاستثمار والشراكة بين الفاعلين الاقتصاديين من الجانبين.
وقد تم تنظيم المنتدى بالتعاون بين سفارة جمهورية التشيك في الجزائر ووزارة الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، بمناسبة زيارة الوزير التشيكي بيتر هالديك إلى الجزائر على رأس وفد يضم أكثر من 20 رجل أعمال ينشطون في قطاعات متنوعة، مثل الطاقات المتجددة، العتاد الفلاحي، معالجة المياه وإدارتها، والحلول التكنولوجية، إضافة إلى حضور برلمانيين.
وفي كلمتها الافتتاحية، بحضور السفير التشيكي بالجزائر، ورئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، ورئيس الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، وممثلي عدد من الهيئات المعنية بالاستثمار والتجارة، أكدت السيدة جيلالي أن المنتدى يمثل فرصة هامة لتبادل الخبرات بين الجزائر والتشيك في تعزيز التعاون المؤسساتي والاقتصادي. وأشارت إلى ضرورة استكشاف الوسائل والآليات المناسبة لتوحيد جهود البلدين من أجل بناء مستقبل أكثر احترامًا للبيئة. كما ذكرت أن الجزائر قد انخرطت في كافة الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات البيئية الهامة التابعة للأمم المتحدة، وصادقت عليها، مما يعكس التزامها بحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
وأشارت جيلالي إلى أن المنتدى يشكل “نقطة انطلاق لتعاون أكثر طموحًا” بين الجزائر وجمهورية التشيك، مبرزة أن البلدين “يتقاسمان قيمًا مشتركة تتمثل في التضامن، التنمية المستدامة، والابتكار”. ودعت جميع المتعاملين الاقتصاديين من البلدين إلى “الالتقاء وتبادل الأفكار من خلال عقد اجتماعات ثنائية تُسهم في تبادل الخبرات لبناء مستقبل أكثر اخضرارًا، وفي إطار الاقتصاد الدائري“.
من جانبه، أشار وزير البيئة التشيكي إلى أن حجم المبادلات بين البلدين لا يعكس الإمكانيات الكبيرة التي يتمتعان بها، لافتًا إلى أن منتدى الأعمال يمثل فرصة لتشجيع التعاون في مجالات متعددة. وأضاف: “يمكننا العمل معًا في مجالات الطاقة الخضراء، معالجة وتسيير المياه، التكنولوجيات الحديثة، فضلاً عن التعاون في مجال الاقتصاد الدائري”.
بدوره، أبرز رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، كمال مولى، الجهود التي بذلتها الجزائر لتحسين مناخ الأعمال، بما في ذلك الإطار التشريعي الجديد للاستثمار. وأكد أن التعاون بين البلدين يجب أن يتجاوز المبادلات التجارية ليشمل تعزيز العلاقات الاقتصادية عبر شراكات استراتيجية بين المتعاملين الاقتصاديين من الطرفين، مشيرًا إلى أن الجزائر، بفضل موقعها كبوابة لإفريقيا وأوروبا، توفر فرصًا استثمارية واعدة.
من جهته، اعتبر رئيس الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، كمال حامني، أن مستوى المبادلات التجارية بين البلدين لا يزال “محتشمًا” ولا يعكس الإمكانيات والقدرات المتاحة. ودعا رجال الأعمال التشيكيين إلى الاستثمار في الجزائر، مستعرضًا المزايا وفرص الاستثمار التي توفرها البلاد، بما في ذلك الاستقرار السياسي الذي يعزز المناخ الاستثماري. واعتبر المنتدى فرصة أخرى لتعزيز العلاقات الثنائية واستغلال فرص الاستثمار المتاحة.
في سياق متصل، أشارت نائب رئيس غرفة التجارة لجمهورية التشيك، السيدة جانا هاردوفا، إلى أن زيارة وفد رجال الأعمال التشيكيين، الذين يمثلون قطاعات متعددة، تهدف إلى “إرساء تعاون مثمر وتعزيز الروابط بين البلدين”. وأوضحت أن الزيارة لا تقتصر فقط على تطوير الأعمال، بل تهدف أيضًا إلى تعزيز العلاقات الثنائية، معتبرة أن المنتدى يمثل فرصة لإقامة شراكات مباشرة بين الشركات الجزائرية والتشيكية.
وعلى هامش المنتدى، تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركة “زيتور تراكتورز” (ZETOR TRACTORS) التشيكية، المتخصصة في صناعة الجرارات، ووحدة الصناعة والتركيب (UNIA DZ)، ما يمهد الطريق لإمكانية إنتاج هذه المعدات محليًا في الجزائر.
كما تم توقيع مذكرة تفاهم أخرى بين شركة “SVCS Process Innovation” التشيكية ومركز تنمية التكنولوجيات المتطورة في الجزائر، بهدف تعزيز البحث العلمي وجمع البيانات، بما يسهم في دعم الابتكار وتنمية التكنولوجيا.