من الحرم الجامعي إلى أروقة السلطة.. قضية “نعمت شفيق” في قلب مراكز الحكم الأمريكية

دخلت السلطات الأمريكية الرسمية على خط قضية الصراع الدائر بين طلبة جامعة كولومبيا بولاية نيويورك، ورئيستها التي طلبت تدخل شرطة الولاية لوقف المظاهرات المساندة للقضية الفلسطينية، بحجة رفع شعارات صُنّفت على أنها معادية للسامية، حيث نشر البيت الأبيض بيانا عبّر من خلاله عن دعمه للطلبة اليهود، ونشر عمدة ولاية نيويورك بدوره بيانا يساند هؤلاء الذين قالت الجهتان الرسميتان، إنّ استمرار اعتصامات الطلبة المناصرين لغزة، يُشكّل خطرا على سلامتهم.

ومن جانبهم، نشر طلبة جامعة كولومبيا، بيانا ردّوا من خلاله على تعليق المسؤولين الأمريكين، وانتقدوا المعالجة الصحفية لحراكهم، من قبل وسائل الإعلام الأمريكية.

تحوّلت احتجاجات الطلبة المناصرين لغزة بجامعة كولومبيا، من قبل رئيستها نعمت مينوش شفيق، ذات الأصول المصرية، من قضية بين طلبة جامعيين ومسؤولة الحرم الجامعي، إلى أزمة شغلت الرأي العام الأمريكي، باختلاف أطيافه السياسية والأيديولجية، واستدعت تدخل البيت الأبيض والمسؤول الأول عن مدينة نيويورك حيث تقع الجامعة، ليس للوساطة في حل النزاع الحاصل بين الطلبة المصمّمين على مواصلة الإعتصام تنديدا بالإبادة الجماعية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين الفلسطينيين، ورئيسة جامعتهم التي استدعت الشرطة لإيقافهم بتهم “معاداة السامية” وانتهاك السياسة الداخلية المتعلقة بالمظاهرات، بل من أجل الدفاع عن الطلبة اليهود، الذين قال البيت الأبيض إنّ الشعارات المرفوعة في المظاهرات تعرّضهم للعنف والتخويف الجسدي، وعبّر رئيس عمدة نيويورك عن شعوره بالرعب من المضايقات التي قال إنهم يتعرّضون لها.

المنتخبون الأمريكيون يهرعون لطمأنة الجالية اليهودية

وجاء في بيان البيت الأبيض: “في حين أنّ كل أمريكي له الحق في الاحتجاج السلمي، فإنّ الدعوات إلى العنف والتخويف الجسدي التي تستهدف الطلاب اليهود والمجتمع اليهودي هي معادية للسامية بشكل صارخ وغير معقولة وخطيرة، إنهم لا يملكون مكانا في أي حرم جامعي على الإطلاق، أو في أي مكان في الولايات المتحدة الأمريكية، ترديد خطاب المنظمات الإرهابية، خاصة في أعقاب أسوأ مذبحة ارتكبت ضدّ الشعب اليهودي منذ المحرقة، أمر حقير ونحن ندين هذه التصريحات بأقوى العبارات”.

من جانبه، قال عمدة مدينة نيويورك، الديموقراطي، إيريك آدمز، في بيان له: “أشعر بالرعب والاشمئزاز من معاداة السامية التي يتم إطلاقها في حرم جامعة كولومبيا وما حوله، وأدين خطاب الكراهية هذا بأشد العبارات.. لا مكان للكراهية في مدينتنا، وقد أصدرت تعليماتي لشرطة نيويورك بالتحقيق في أي انتهاك للقانون يتم الإبلاغ عنه. كونوا مطمئنين، لن تتردد شرطة نيويورك في اعتقال أي شخص يتبيّن أنه يخالف القانون”.

وانتقد آدمز، دعم الطلبة لما تقوم به حركة حماس الفلسطينية التي وصفها بـ “المنظمة الإرهابية”، كما تُصنّفها الحكومة الأمريكية، ودعم أقواله بالحديث عن متظاهريين قال إنهم رفعوا شعارات يُشير الأول إلى الطلبة اليهود على أنهم “أهداف القسام التالية”، والثاني يقول “نحن حماس”، وآخر مفاده “لا نريد صهاينة هنا”، وهي الشعارات التي تبرّأ من رفعها الطلبة، وقالوا إنّ رافعيها مُندسين، هدفهم تشويه صورة التظاهرات المناصرة للقضية الفلسطينية، وتحويل النقاش عن هدفه الحقيقي، المتمثل في التعبير عن رفض الإبادة الجماعية الممارسة في حق المدنيين في قطاع غزة، حيث لقي أكثر من 40 ألف شخص مصرعهم، أغلبهم من النساء والأطفال، خلال أقل من 6 أشهر.

وفي حين وعد إيريك آدمز بأنّ مدينة نيويورك لن تسودها الفوضى، التي قال إنّ مُستغلين للصراع في الشرق الأوسط، يسعون إلى زرع الفوضى والانقسام بين سكانها، أكّد عدم قدرته على التدخل فيما يحصل داخل أسوار جامعة كولولمبيا، التي تُعدّ مؤسسة خاصة، دون طلب من مسؤوليها.

وأشار المتحدث إلى العدد الكبير لعناصر الشرطة الذي تم نشره في محيط الحرم الجامعي، قائلا: “لدى شرطة نيويورك وجود متزايد للضباط حول الحرم الجامعي لحماية الطلاب وجميع سكان نيويورك في الشوارع العامة القريبة منه، وهم على استعداد للرد إذا تم تقديم طلب آخر من قبل الجامعة، كما فعلوا يوم الخميس الماضي، عندما نجحت شرطة نيويورك في تطهير الشوارع  من المعسكرات التي أقامها الطلبة في الحديقة الجنوبية لجامعة كولومبيا دون وقوع أية إصابات”، وحثّ نفس المتحدث، كبار المسؤولين الإداريين في الجامعة على الحفاظ على خط اتصال مفتوح مع شرطة نيويورك لضمان سلامة جميع الطلاب والموظفين في الحرم الجامعي، وكذا سلامة جميع سكان نيويورك.

وفي ختام البيان الصادر عن مكتبه، أكد إيريك آدمز، حرصه على على حماية الجالية اليهودية، بصفته عمدة مدينة نيويورك التي تضم أكبر جالية يهودية في العالم، وعبّر عن تعاطفه مع “الألم الذي سبّبته الاحتجاجات الطلابية لهم”، وفي جملة واحدة، قال آدمز إنه يرى ويسمع آلام أولئك الذين يحتجون دعما للأرواح البريئة التي تُزهق في قطاع غزة.

طلبة جامعة كولومبيا: الإعلام الأمريكي يُشوّه حراكنا

وعقب صدور تعليق البيت الأبيض الداعم للطلبة اليهود بجامعة كولومبيا، التي تشهد منذ أيام احتجاجات داعمة للقضية الفلسطينية، والتي أدّت إلى سيل من المظاهرات المساندة لطلبتها بعدة جامعات أمريكية أخرى، أبرزها جامعة هارفرد، وجامعة ييل، وكذا جامعة ولاية كرولينا الجنوبية، وهي الولاية المحافظة التي نادرا ما تحدث بها مظاهرات من هذا الشكل، وردا على التعاطي السلبي لوسائل الإعلام الأمريكية، وبشكل أخص، اليمينية منها، أصدر الطلبة المناصرون للقضية الفلسطينية، بيانا عبّروا من خلاله عن إحباطهم من تركيز وسائل الإعلام على أفراد لا يمثّلون قضيتهم، وأكدوا أنّ حركة الطلبة الجامعيين عبر مختلف الجامعات الأمريكية، مُتّحدة في تقدير الحياة الإنسانية، وأنّ الإعلام الأمريكي شوّه حركتهم وأساء نقل أخبار حراكهم.

وردا على ما جاء في بيان البيت الأبيض وبيان عمدة نيويورك، بأنّ المتظاهرين رفعوا شعارات تدعو إلى “كراهية اليهود” وتعادي “السامية”، قال طلبة جامعة كولومبيا إنهم يرفضون بشدة أي شكل من أشكال الكراهية أو التعصب، وأشاروا إلى أنّ حركتهم تضمّ طلبة مسلمين وعرب ويهود وأمريكيين من أصول إفريقية، ومُناصرين للقضية الفلسطينية، منتمين إلى مختلف الأقليات التي تعكس تنوّع المجتمع الأمريكي.

وتحوّلت اعتصامات طلبة جامعة كولومبيا بولاية نيويورك، من مظاهرة عادية مناصرة للفلسطينيين في قطاع غزة، إلى حراك واسع بالعديد من الجامعات الأمريكية، التي خرج طلبتها تضامنا معهم، وأخدت منحى آخر بعد إقدام رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت مينوش شفيق، ذات الأصول المصرية، على استدعاء شرطة ولاية نيويورك للقبض على الطلبة المتظاهرين، بتهم التعدي على الممتلكات العامة، والإخلال بقوانين المؤسسة الجامعية، الخاصة بتنظيم الاحتجاجات، التي تم تعديلها شهر فيفري الماضي، وإضافة نصوص تُحدّد أماكن معيّنة للمظاهرات، وتتطلب تقديم  إشعار مُسبق بمكان وتوقيت تنظيمها لمسؤولي المؤسسة الجامعية، وهو ما أدى إلى اعتقال شرطة مدينة نيويورك لما لا يقل عن 108 طالب، خلال احتجاج مؤيّد للفلسطينيين، الخميس الماضي، داخل الحرم الجامعي، بعد أن طلبت رئيسة الجامعة نعمت شفيق تدخّلها.

وجاءت سلسلة الاعتقالات بعد يوم واحد من إدلاء رئيسة جامعة كولومبيا نعمت مينوش شفيق، ومسؤولين آخرين بشهادتهم أمام لجنة التعليم والقوى العاملة بالكونغرس، بشأن الجو العام في الحرم الجامعي، وادعاءات “معاداة السامية”، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الـ 8 أكتوبر 2023.

ووُصفت مواقف نعمت شفيق، من قبل الجالية العربية والمُسلمة، ومناصري القضية الفلسطينية، بالمُتخاذلة بعد قمعها لاعتصامات الطلبة، وإظهار استعدادها لبذل المزيد من الجهود لمكافحة “معاداة السامية”، وهو مُصطلح فضفاض، صار يُستعمل لكبح أي انتقاد للكيان الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب بشكل عام. ولم تشفع تصرفات الدكتورة شفيق مع احتجاجات طلبتها، ولا إجاباتها المهادنة على أسئلة لجنة التعليم والقوى العاملة، لها لدى الجمهوريين الذين يترأسونها، حيث عبّروا عن عدم إقتناعهم بصدق نيتها في حماية الطلبة اليهود.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحراك الواسع الذي تعرفه جامعة كولولمبيا، والعديد من الجامعات الأمريكية الأخرى، مناصرة للقضية الفلسطينية، واحتجاجا على الدعم الأمريكي اللامشروط للجيش الإسرائيلي، والمطالبة بسحب استثمارات المؤسسات الأكاديمية في الهيئات التي لديها ارتباطات بالكيان، طرح إشكاليات معقّدة حول حرية التعبير التي يضمنها التعديل الأول للدستور، ومدى رحابة الجامعات الأمريكية لاحتواء التعبير الحر عن الآراء السياسية.

سميرة بلعكري - واشنطن

سميرة بلعكري - واشنطن

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الرئيس تبون يناقش تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع نظيره التشيكي ترامب-ماسك وتغير قواعد اللعبة.. هل سقطت أمريكا في شباك الأوليغارشية الامبريالية؟ مشاريع واعدة لتوسعة خطوط المترو والترامواي في الجزائر العاصمة أسابيع قبل رمضان.. تدابير لضمان وفرة المنتجات الفلاحية والغذائية هل تتجه "سونلغاز" لاعتماد الدفع الشهري لفاتورة الكهرباء؟ "الأرندي" يعتبر تصريحات ترامب تهديدًا بإشعال فتيل العنف في الشرق الأوسط عرض مسودّة قانون المناجم الجديد على مجلس الوزراء قريبًا الرئيس تبون يتسلّم رسالة خطية من نظيره الموريتاني وزارة الدفاع الجزائرية توظف.. إليك طريقة التسجيل وشروط التوظيف توقيع اتفاقية تعاون لدعم الابتكار التكنولوجي في حاضنة أعمال جامعة الجزائر 3 إجراءات صارمة ضد المتلاعبين بالأسعار ومفتعلي الندرة في رمضان الجزائر تُطلق منصة لاختبار الخلايا الشمسية المرصد الوطني للمجتمع المدني يرفض استنزاف الموارد الطبيعية في إفريقيا أسعار النفط ترتفع هامشياً "اِدفع وإلا"...! البيت الأبيض في قبضة "عصابات الأحياء" رفض جزائري قاطع لمخطط تهجير سكان غـزة هل قرر البيت الأبيض التراجع عن خطة ترامب المجنونة ينتمي لليمين المتطرف.. سياسي فرنسي يدعو الجزائر لمنح الاستقلال لفرنسا احتلال غزة وتهجير سكانها.. ترامب يخطّط لإطلاق "مسرح التدمير العالمي" فيديو | البحرية الجزائرية تنقذ 16 مهاجراً غير شرعي من جنسية صومالية