من الكونغرس إلى الشارع.. “نعمت شفيق” والحركة الطلابية.. من يحاكم من؟

تحوّلت اعتصامات طلبة جامعة كولومبيا بولاية نيويورك من مظاهرة عادية مناصرة للفلسطينيين في قطاع غزة، إلى حراك واسع يشغل الرأي العام الأمريكي، ويطرح إشكاليات معقّدة حول الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، ومدى رحابة الجامعات الأمريكية لاحتواء التفكير النقدي والتعبير الحر عن الآراء السياسية.

المظاهرات التي يقودها طلبة من أصول عربية ومسلمة، ومتعاطفين مع القضية الفلسطينية، أخذت منحى آخر بعد إقدام رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت مينوش شفيق، الأمريكية من أصول مصرية، على استدعاء شرطة ولاية نيويورك للقبض على الطلبة المتظاهرين، بتهمة الإخلال بقوانين المؤسسة الجامعية، الخاصة بتنظيم الاحتجاجات، وأدّت إلى بداية اعتصامات داعمة لهم بجامعة ييل في ولاية كنتيكت.

تم نهاية الأسبوع، إيقاف أكثر من 100 طالب من طلاب جامعة كولومبيا عن الدراسة، واعتقالهم بعد تنظيم اعتصام في حديقة الحرم الجامعي، للتنديد بالحرب الهمجية الإسرائيلية على قطاع غزة، ودعوة الجامعة إلى سحب استثماراتها من بعض الكيانات المرتبطة بالكيان الإسرائيلي، وهو ما اعتبرته نعمت شفيق، المولودة بمحافظة الإسكندرية المصرية، خيانة لمبادئ حرية التعبير، التي قالت إنّ الجامعة تحترمها وتعتز بها.

واعتقلت شرطة مدينة نيويورك ما لا يقل عن 108 طالب، خلال احتجاج مؤيّد للفلسطينيين، الخميس الماضي، في حرم جامعة كولومبيا، بعد أن طالبت رئيسة الجامعة بالقبض عليهم، بحسب عمدة ولاية نيويورك، إريك آدامز. وجاءت سلسلة الاعتقالات بعد يوم واحد من إدلاء رئيسة جامعة كولومبيا نعمت مينوش شفيق، وغيرها من قادة الجامعة بشهادتهم أمام الكونغرس، بشأن الجو العام في الحرم الجامعي، وادعاءات معاداة السامية، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية، مُمثّلة في حركة حماس، بقطاع غزة في الـ 8 أكتوبر الماضي.

وقالت شفيق إنّ أكثر من 100 طالب احتلوا الحديقة الجنوبية للحرم الجامعي، ما دفعها إلى طلب مساعدة شرطة نيويورك، ومن جانبه قال آدامز إنّ الطلبة المتظاهرين ظلوا هناك لأكثر من 30 ساعة، وقال المسؤولون عن جهاز شرطة نيويورك، خلال مؤتمر صحفي، عقب الاعتقالات، إنّ أولئك الذين تم احتجازهم تلقوا أوامر استدعاء بتهمة التعدي على ممتلكات الغير، كما اتُهم شخصان منهم بعرقلة الإدارة الحكومية.

استدعاء الشرطة يثير الرأي العام ويُوصف بالممارسة الدكتاتورية  

واجهت نعمت مينوش شفيق انتقادات لاذعة على خلفية استدعائها لشرطة ولاية نيويورك لاعتقال الطلبة المتظاهرين، وبينما أثارت الخطوة امتعاض العرب الأمريكيين من شفيق التي قالوا بشأنها إنّها الأولى بها دعم قضايا العرب وفي مقدّمتهم القضية الفلسطينية، وصفت شريحة واسعة من الأمريكيين الخطوة بالخطيرة، واعتبرتها مستوحاة من ممارسات الدكتاتوريات والأنظمة المعادية للديموقراطية.

على النقيض، قالت شفيق إنّها احتكمت لسياسة جديدة تم استحداثها شهر فيفري الماضي، تُحدّد مواقع معيّنة للمظاهرات، التي يتطلّب تنظيمها، وفق القانون الداخلي الجديد، تقديم إشعار مُسبق. وتحدّثت رئيسة جامعة كولومبيا عن إقدام المتظاهرين على إقامة معسكر في حرم الجامعة قبل فجر الأربعاء، حيث طالبوا بسحب استثمارات المؤسسة الأكاديمية من الهيئات والمؤسسات، التي لديها ارتباطات بالكيان الإسرائيلي.

وخلال جلسة الاستماع التي تم تنظيمها الأسبوع الماضي بمبنى الكابيتول، للتحقيق في معاداة السامية، قالت شفيق لأعضاء الكونغرس الأمريكي، إنّ الجامعة ستواصل قمع الاحتجاجات غير المصرح بها، وأكدت المُتحدثة إخطارها للطلبة بأنهم إذا بقوا معتصمين سيواجهون الإيقاف. وكتبت في رسالة إلى مجتمع الحرم الجامعي تقول: “لقد حاولنا أيضا من خلال عدد من القنوات التعامل مع مخاوفهم وعرضنا مواصلة المناقشات إذا وافقوا على فك الإعتصام”، كما قال متحدث باسم الجامعة، إنّ إدارتها لا تزال تحدّد هوية أولئك الذين شاركوا في الاحتجاجات وسترسل إليهم إخطارات رسمية. ومن جانبه، قال آدامز، رئيس بلدية نيويورك، خلال مؤتمر صحفي سابق: “للطلاب الحق في حرية التعبير. وليس لديهم الحق في انتهاك سياسات الجامعة وتعطيل التعليم في الحرم الجامعي”.

جهود حثيثة لإثبات الاصطفاف مع الكيان 

خلال ردها على أسئلة لجنة التعليم والقوى العاملة بالكونغرس الأمريكي، قالت رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت مينوش شفيق، إنّ الجامعة أوقفت 15 طالبا عن العمل، كما وعدت بأنّ أحد الأساتذة الزائرين، الذين جهروا برفضهم لممارسات الكيان الإسرائيلي، واستمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة، تمّ طرده ولن يعمل أبدا في جامعة كولومبيا مرة أخرى. وعندما تمّ استجوابها حول ما إذا كانت ستعزل أستاذا آخر من منصبه القيادي، سارعت شفيق إلى الرد بالإيجاب، قائلة: “أعتقد أنني سأفعل ذلك، نعم”.

وتحدّثت نعمت شفيق بإسهاب عن التفاصيل التأديبية، التي عادة ما تكون سرية بالجامعات، كجزء من جهود حثيثة بذلتها لإقناع لجنة مجلس النواب التي تحقّق في احتمالية تقاعس جامعة كولومبيا، في اتخاذ إجراءات جادة لمكافحة ما أسموه بـ “موجة معاداة السامية” في أعقاب الحرب الإسرائيلية الفلسطينية.

وفي ما يقرب من أربع ساعات من الشهادة أمام لجنة التعليم والقوى العاملة التي يقودها الجمهوريون، اعترفت الدكتورة شفيق بأنّ جامعة كولومبيا كانت في بداية الحرب غارقة في اندلاع الاحتجاجات التي عمّت الحرم الجامعي، لكنها أكدت أنّ قادتها متفقين على أنّ المتظاهرين استخدموا لغة معادية للسامية، وأنّ بعض العبارات المتنازع عليها – مثل “من النهر إلى البحر”، التي يعتبرها الإسرائيليون دعوة صريحة إلى القضاء على الكيان، تستدعي المزيد الانضباط.

وقطعت شفيق وعدا بضمان ترهيب الطلبة من الإساءة للكيان الإسرائيلي، قائلة “أؤكّد لكم، من خلال الرسائل التي أسمعها من الطلاب، أنهم يتلقون رسالة مفادها أنّ انتهاك سياساتنا سيكون له عواقب”، وقالت مسؤولة أخرى بجامعة كولومبيا لأعضاء لجنة التعليم والقوى العاملة: “لدينا أزمة أخلاقية في حرمنا الجامعي”، في إشارة واضحة إلى اتفاق المجلس الإداري للجامعة على أنّ المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية، والشعارات المؤيّدة لحق الفلسطينيين في وطنهم، تعتبر “معاداة للسامية”، وسوء أخلاقي وجب تقويمه!

ورغم كل الضمانات التي قدّمتها الأمريكية من أصول مصرية، نعمت مينوش شفيق، بقمع المظاهرات الطلابية المؤيّدة لفلسطين، واللهجة التصالحية التي تحدّثت بها، على خلاف رؤساء الجامعات السابقين، الذين تم استدعاءهم للتحقيق في الكونغرس، على خلفية الاحتجاجات الطلابية، وعلى رأسهم رئيسة جامعة هارفرد، كلودين غاي، ورئيسة جامعة بنسيلفانيا ليز ماغيل، اللتان انتهى بهما الأمر إلى الاستقالة، بدا النواب الجمهوريون مشكّكين في نية شفيق وقدرتها على الوفاء بوعودها.

وتناقضت شهادة رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت مينوش شفيق، مع الشهادة التي أدلت بها رئيستي جامعتي بنسلفانيا وهارفارد في ديسمبر الماضي، فأثناء مثولهما أمام اللجنة ذاتها، قدّمتا إجابات مقتضبة، وأظهرتا رغبة في تجنب الرد عما إذا كان ينبغي معاقبة الطلاب الذين اُعتبرت شعاراتهم دعوة إلى “الإبادة الجماعية لليهود”، ما أدى إلى عاصفة من الانتقادات انتهت بالإطاحة بهما.

وحين سُئلت حول ما إذا كانت الشعارات المرفوعة تنتهك مدوّنة قواعد السلوك في جامعة كولومبيا، أجابت “نعمت شفيق” بالإيجاب، وأوضحت المتحدثة التي تترأس الجامعة منذ جويلية 2023، أنّ الجامعة أوقفت مجموعتين طلابيتين هما “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”الصوت اليهودي من أجل السلام”، بسبب ما أسمته مخالفتهما المتكرّرة لسياسة الحرم الجامعي بشأن التظاهرات.

ومع بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، تردّدت العديد من الجامعات الأمريكية في اتخاذ خطوات قوية تحدّ من حرية التعبير، وتقيّد التظاهر، لكن مع إثارة العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين اليهود ناقوس الخطر، وادعائهم بأنّ المظاهرات أصبحت خطرا على حياتهم، فتحت الحكومة الفيدرالية الأمريكية عشرات التحقيقات في مدى التزام المؤسسات الجامعية بالتصدي لـ “معاداة السامية”، لكن ذلك لم يُثني الطلبة المناصرين للقضية الفلسطينية، عن مواصلة اعتصاماتهم، بدليل التعاطف الكبير الذي حظي بها أولئك المنتمين إلى جامعة كولمبيا، والمظاهرات التي بدأت، دعما لهم في كل من جامعة كنتيكت وهارفرد وكارولينا الشمالية، مما يوحي بأنّ الاعتصامات المناصرة لغزة، في طريق التحوّل إلى حراك أوسع وأشمل.

سميرة بلعكري - واشنطن

سميرة بلعكري - واشنطن

اقرأ أيضا