في زمن وهمجية سابقة، حيث لا فرق بين تتار اليوم وتتار الأمس، إلا في تواريخ ووسائل ومساحة القصف والقتل والحرق، أعطى جنكيز خان أمرا لجنوده بتصفية الناجين من مذبحة مدينة “بخارى” بعد سقوطها بين يديه بتعاون من بعض أهلها، ليسأله أحد قادة جيشه مستغربا، عن دواعي نكثه لعهده وقد قطع لهؤلاء الناجين من السكان وعده بالأمان والعيش الرغيد إذا ما اصطفوا مع جيشه ضد تلك المدينة التي استعصى عليه اقتحام أسوارها، لولا تحالفه مع من أمر جنوده بعد انتصاره بقتلهم دون رأفة ولا شفقة.
جنكير خان ودون أن يرمش أو يرتد له جفن أمام تطاير رؤوس من خانوا أهلهم، خلدها وراءه عبارة وقاعدة تاريخية ثابتة: “إن الخائن يبقى خائنا، كما أنه لو كان يؤتمن جانب هؤلاء، ما غدروا بإخوانهم من أجلنا ونحن الغرباء”، والحقيقة، أنه كما التاريخ يعيد نفسه فإنه يعيد خونته وأنذاله وباعة ذممه على حساب الأبطال المغدورين والأوطان المغتصبة، لكن وسط كل ما سبق، فإن الثابت المؤكد والمفصول فيه، فإن ثمن الخيانة، أن ينتهي صاحبها ذليلا ومهانا وملعونا من طرف من كان دليلهم لمعاقل أهله..
قمة وقاهرة.. فأين المعز؟
بالتزامن ولعبة التتار في سماء غزة، حيث المقاصف مؤامرة معولمة، خرجت من دائرة الانتقام الوحشي لهيبة كيان صهيوني تم تمريغ وجوده قبل أنفه وجيشه في التراب، لتدخل تلكم المؤامرة ممنهجة التدويل، في خانة تصفية عرقية وتهجير قسري للعزل والمدنيين من سكان غزة أمام أنظار العالم السفلي، بالتزامن مع ما سبق من “جنكزة” لكل شيء في زمن تتارهم وهولاكم هذا، وعطفا ونزولا عند موجة ورغبة الجماهير العربية والغربية التي انتفضت من شوارع ثورتها، داعية الحكام العرب وسادة العالم للتحرك ووقف مذبحة غزة، احتضنت قاهرة كانت تنسب للعزة ولمُعز، قمة “الشالوم” العبري، تحت عنوان سلام بلا خيول، وخيول بلا فرسان والأكثر من ذلك مذلة ومهانة، عروش بلا قادة ولا قرار إلا من “مجامعة أعرابية في فراش جامعة أبو الغيط، والتي تمخضت قمة شالومها على حشر طوفان أقصى، اغتسلت فيه الكرامة العربية من أدران خنوعها، في خانة أعمال العصابات الإرهابية ، الواجب استئصالها حتى لا يتورط حكام الأمة في هكذا موقف، اسقط كل شرعية وكل رجولة عنهم.
بين ما كان منتظرا من قمة مفترضة القرار، وبين ما تمخض من قمامة، تجلت رائحتها العفنة في كلمة الأمين العام للجامعة أو “المجامعة” العربية ، بعد أن هوى به خنوعه لدرجة إدانة الضحية بدلا من “معاتبة” الجلاد كأقل تقدير لحفظ ماء وجهه، فإن مسمى قمة القاهرة للسلام، انتهت لشالوم عربي، بلا بيان ولا موقف موحد وواحد، فقط مهزلة أخرى، تضاف لتاريخ مصر كانت رمزا لشموخ الأمة وللذود عن قضاياها وقدسها، فإذا بشالوم قمتها، يعريها ويعري زمن “السيسي”، بعد أن بلغه وهو يرافع لاستسلام أمة من قمة عاره تلك، أن جنود الشالوم لم يكتفوا بمحرقة غزة كيانا ومكونا، ولكنهم على أبواب قاهرته، يبلغونه رسالة القصف، بعد أن اختار الكيان الصهيوني، أثناء انعقاد أشغال قمة الاستسلام، استهداف طائراته لبرج تابع لقوات حرس الحدود جنوبي رفح المصرية وإصابة تسعة جنود مصريين ، ليكون رد “شويش” الشالوم العبري، أن الحادث لم يكن متعمدا وأن جنكيز خان في تاريخ “اقطعوا رؤوس خونة أهلهم”، سيفتح تحقيقا في ملابسات الواقعة التي أصابت سادة العمالة والخيانة والخنوع في مقتل، مجسدة صورة جنكيز خان وهو يأمر جنوده باجتثاث رؤوس من باعوا بلدانهم، رغم أنه أعطاهم عهد الأمان، لكنه التاريخ يعيد أحداثه وخونته وأنذاله، فلا كرامة ولا قيمة ولا حتى رأسا محفوظة لمن فتح ثغور أمته لأعدائها، والعبارة الخالدة في تاريخ لا كرامة لخاذل أو خائن، “أنه لو كان يؤتمن جانب هؤلاء، ما غدروا بإخوانهم من أجلنا ونحن الغرباء”.
قمة بلا قيمة ولا مقام ولا بيان ختامي، فقط وحده نتنياهو من بصم على نهاية الأشغال المنعقدة في “جماع” واجتماع القادة بقصف، ليس غزة، موضوع الاجتماع ولكن، برج رفح ومع القصف، اعتذار بليد عن سوء تقدير الهدف، فقد كان الأولى، لو أن جنكيز خان، كان هو الحاضر، أن تسقط القنابل في قاعة اجتماعهم تلك، وتنهي زمن لو كان أهلا لأهلهم ما باعوا تاريخهم لأجلنا..
جورجيا ميالوني، وعدّة الطلاق، نتنياهو!
في ترسيخ على أن العمالة والخيانة والانبطاح ليس لهم من نهاية إلا مزبلة التاريخ كشاهد ردم على رائحة العار الذي يجب أن يدفن حتى لا يزكم عفنه مستقبل الأجيال، فإنه سواء تعلق الأمر بمن كان قمتهم قاهرة بلا عزة ولا معز لها، أو كانت “تل أبيب” استقبلت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا مالوني بالعناق، فإن لسان الحال كما خريطة الخيانة واحدة، حيث أحضان نتنياهو لجورجيا إيطاليا، كشف أنها ليست وحدها رئيسة الوزراء من تعيش أزمة طلاق مع بعلها الذي هجرته بمبرر أنه لا يحترمها، ولكن، حتى تلك المعلقة المسماة مملكة أمير المؤمنين، التي اختارت زواج المتعة في سرير الكيان الصهيوني، ظهر أنها مخدوعة ومطعونة من طرف بعلها المسيار، حيث حضن نتنياهو لجورجيا الإيطالية بمكتبه أظهر خريطة جغرافية معلقة على الجدار، ووسط تلك الخريطة، مرّ تفصيل صغير، كشف كم هو بائس، أن تقايض شرفك في مزاد وسرير التطبيع والعمالة، ثم تنتهي مركولا بعد نهاية صلاحية متعتك.
فعلى هامش لقاء نتنياهو بجورجيا ميالوني، التقطت صورة الأحضان والمعانقة بين الطرفين الإيطالي والصهيوني، صورة على جدار مكتب نتنياهو لخريطة المغرب والصحراء الغربية بمكتب نتنياهو، والصدمة الجغرافية في ذلك العناق التاريخي، ليست لهفة الأحضان بين طرفي الحرمان، ولكن في الخط الفاصل في الخريطة بين حدود المغرب وحدود الصحراء الغربية، وما أتعسها من طعنة حين تكتشف جارية برتبة مملكة، أنها باعت أغلى ما تملك من شرف الوجود وفي نهاية المطاف “تخرج من المولد بلا حمص” على رأي قمة القاهرة أو خريطة نتنياهو التي صفعت المغرب فيما يدعي أنها صحراؤه الغربية.
مشكلة كبيرة وصفعة تضاف لقاعدة جنكيز خان، أن من يبيع أمته، في مزاد المتعة والخيانة وغرف التطبيع، لن يفقد فقط نفسه أمام نفسه فقط ولكنه يفقد حتى احترام الشاري وتقديره.
منتهى الحكاية، في طلاق بلا عدة ولا مؤخر صداق، أن خريطة نتنياهو الذي باعته المملكة ومخزنها تاريخ شعب وأمة في صفقة تطبيع مقابل اعتراف بالصحراء الغربية، صفعت الجارية في سعرها وليس في شرفها المهدور، حين أخلى الناكح حتى بالتزامه بدفع أجرة زواجه المسيار بها، وهي النهاية المنطقية لتاريخ نكاح المتعة وما يترب عليه من هوان ومذلة.
يقال إنه في زمن وتاريخ سابق؛ لا علاقة بطلاق جورجيا إيطاليا ولا بصفعة الجارية بمملكة أمير المؤمنين ولا حتى بقمة المقصوفين في شالوم القاهرة العبري، أن جنودا دخلوا قرية، كانت خالية من رجالها، فقاموا باغتصاب نسوتها مثنى وثلاث ورباع، وبعدما غادروها ، خرجت أحداهن وهي تحمل رأس أحد الجنود وكلها فخر بدفاعها عن شرفها وسط استسلام الأخريات، لتكون ردة الفعل أن تهامست نسوة العار فيما بينهن، أنّ اقتلوا صاحبة الشرف، لأنها تفضح استسلامهم وخنوعهم، وهو الأمر الذي حدث في قاهرة المعز، حين نادى مناد أو أبو غيط منهم، واصفا المقاومة التي عرت رضوخ أمة لمغتصبها، بالعصابة، وكل ذلك ليخفي عار الخنوع والرضوخ والعمالة، ولسان حاله من لسان حال نسوة القرية المغتصبة، اقتلوا الشرف ليحيا العار.