في 10 ماي 2021، قبل ثلاثة أعوام شنّت المقاومة في غزة، أول هجوم صاروخي على الكيان الصهيوني، ردا على اعتداءات المستوطنين واقتحاماتهم للمسجد الأقصى وأيضا لإفشال مخططات أعدّها الاحتلال لترحيل سكان حي الشيخ جراح بالقدس، وقد استمرت هجمات المقاومة – حينذاك – حتى 21 ماي 2021، تحت اسم معركة “سيف القدس” التي توصف بأنها أسّست لمعركة “طوفان الأقصى” المتواصلة منذ 7 أكتوبر 2023، إلى غاية هذه اللحظة، ذلك أنّ “سيف القدس” مثّلت أول إعلان لانتقال المقاومة من استراتيجية الردع – القائمة على استخدام القدرة الصاروخية لمنع العدوان على قطاع غزة – إلى استراتيجية تهديد الكيان ذاته، أما معركة “طوفان الأقصى” فإنّها تمثّل التتويج التاريخي لهذه الإستراتيجية بضرب الكيان وإلحاق الهزيمة به – على كل المستويات – دون السماح له بالرد بالطريقة التي يريدها.
=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===
معركة “الفرقان” في 2008، معركة “حجارة السجيل” في 2012، “العصف المأكول” في 2014، “وحدة الساحات” عام 2022… هذه بعض المعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، لكن ثمة معركة يجب ذكرها اليوم وإعادة قراءتها في سياق الحرب التي يخوضها الفلسطينيون ضد الاحتلال الصهيوني؛ إنها معركة “سيف القدس”.
في أواخر مارس 2023، توعّد قيادي بارز – في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) – بتكرار معركة “سيف القدس”، ضدّ الاحتلال الصهيوني، موضّحا “أنّ المقاومة قادرة على ردع الاحتلال”، مضيفا بالقول: “جاهزون لتكرار نموذج (سيف القدس) في أي لحظة يتوجّب الأمر ذلك”، لافتا إلى أنّ “(سيف القدس) أوجدت معادلات سياسية وميدانية كبيرة”.
القيادي – وهو “خليل الحية” – اعتبر أنّ “معركة (سيف القدس) كانت الأكثر ضراوة ضد الاحتلال” الذي تفاجأ – حينذاك – بأنّ صواريخ المقاومة تصل إلى كل مكان في الأراضي المحتلة، مؤكدا أنّ الفلسطينيين يقتربون من “حسم الصراع” مع العدو، وأوضح خليل الحية أنّ “بوادر ضعف الاحتلال تظهر يوما بعد يوم”.
بعد مرور أكثر من 6 أشهر، بأيام قليلة – على تصريح الحية – وبالضبط يوم 7 أكتوبر 2023، انطلقت معركة طوفان الأقصى، التي خطّطت لها حركة حماس جيدا وتمكنت من تنفيذها باقتدار ونجاح، فقد أسفرت هذه العملية عن إذلال الجيش الصهيوني الذي كان يوصف بأنه لا يقهر، ودمّرت سمعة المؤسسة الصهيونية وجعلتها في أسوأ صورة لها.
الأكثر من ذلك أنّ وزير الدفاع الباكستاني الأسبق والجنرال المتقاعد نعيم خالد لودهي، قال إنّ ما قامت به المقاومة الفلسطينية من خلال “طوفان الأقصى” يمكن اعتباره “معجزة عسكرية بكل المعايير”، لكن التساؤل المطروح اليوم: ما الذي يربط معركة “سيف القدس” بمعركة “طوفان الأقصى” التي حقّقت انتصارات غير مسبوقة تاريخيا، وعلى كل المستويات؟
في مثل هذا اليوم – قبل ثلاثة أعوام – وبالضبط، مع بزوغ فجر يوم الجمعة 21 ماي، بدأ سريان وقف إطلاق النار بعد 11 يوما من المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني في جولة اتفق معظم المراقبين على أنها كانت مختلفة عن كل سابقاتها: إنها الجولة التي خرجت فيها المقاومة من إستراتيجية الردع القائمة على استخدام القدرة الصاروخية لمنع هجمات الاحتلال على قطاع غزة، إلى إستراتيجية تهديد الاحتلال ذاته وفي عقر “داره”.
هذا بالضبط ما حقّقته – نسبيا – معركة “سيف القدس” التي قرأت المقاومة نتائجها جيدا، وبدأت في تحضير نسخة جديدة – مطوّرة جدا – من المعركة ذاتها لكن، بأسلوب مختلف وأدوات أكثر قوة وفاعلية وقدرة هائلة وإمكانات عالية تتيح التحكم في مجريات الحرب بما يجعل العدو يفشل في استيعاب التطورات الميدانية ويظل دائما في وضع رد الفعل، وهو ما تحقق في “معركة طوفان الأقصى” التي أذهلت العالم.
“سيف القدس” التي مهّدت لمعركة “طوفان الأقصى”
بعد مرور ثلاثة أعوام على حدوثها، لا يزال المراقبون يعتبرون أنّ معركة “سيف القدس” بين الفلسطينيين والاحتلال الصهيوني، شكّلت نقطة تحوّل لصالح المقاومة وتيارها، وأنّ آثارها كانت واضحة ومؤثرة في الكيان على المستويين الرسمي والشعبي.
امتدت المعركة من العاشر حتى الحادي والعشرين من ماي 2021، إذ وجهت المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية في العمق الصهيوني كرد فعل على اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والمخططات الصهيونية لترحيل سكان حي الشيخ جراح في القدس.
تميّزت معركة “سيف القدس” بخصائص فريدة جعلتها معركة إستراتيجية في تاريخ الصراع الممتد لأكثر من سبعة عقود. وكانت هذه المعركة الأولى التي بدأت بمبادرة من المقاومة، إذ حدّدت ساعة انطلاقها وهدفها، مما زاد من قوة الردع التي أنشأتها في حرب 2014.
ومن التحوّلات المهمة في “سيف القدس” قرار المعركة ذاته، الذي مثل لأول مرة خروجاً من دائرة المطالبة برفع الحصار والدفاع عن قطاع غزة إلى اعتبار غزة جزءاً من الهم الوطني الفلسطيني الشامل، وهو ما أُطلق عليه “وحدة الساحات ووحدة الرد الفلسطيني”.
يعني هذا توسيع نطاق الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية لتشمل الدفاع عن كافة القضايا بكل أرض فلسطين وليس فقط قطاع غزة، مما يستدعي مشاركة غزة في العمل الوطني والشعبي الفلسطيني في جميع التجمعات الفلسطينية داخل الوطن وخارجه.
على الصعيد العملياتي، شكلت المعركة نقطة تحول خصوصا في بدايتها عبر توجيه الضربات إلى “وسط الكيان الصهيوني”، مما يشير إلى أن المقاومة الفلسطينية تعمل بصبر وثبات وجهد لتطوير قدراتها. والأكثر من ذلك، كشفت “سيف القدس” هشاشة الجبهة الداخلية الصهيونية ومدى الارتباك لدى المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الصهيونية.
كل هذه المعطيات وغيرها حول معركة “سيف القدس” تعطي الانطباع بأن المقاومة كانت منذ البداية تطمح إلى خوض حرب كبرى ضد الاحتلال الصهيوني في الوقت المناسب، وعندما حان السابع من أكتوبر، بدأت المقاومة، التنفيذ بناءً على خطة محكمة وشاملة تراعي جميع جوانب الحرب: ميدانياً، سياسياً، وإعلامياً… بالإضافة إلى إمكانية جعل قوة الاحتلال ترتد عليه.
لقد أسقطت المقاومة في معركة “سيف القدس” عددا من المعادلات المهمة التي ترسخت في السنوات الأخيرة من الصراع وأسست لمعادلات جديدة مع الاحتلال التي من خلالها تشكلت خطة “طوفان الأقصى”، المعركة الكبرى التي نسفت كل المعادلات التي فرضها الاحتلال ووضعت معادلات جديدة، وأعادت صياغة مختلف التوازنات ليس بالمنطقة فحسب بل عبر العالم.
أبسط دليل على جدية هذا التحليل تمثل في ما ذكره تقرير لموقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي أنه بعد مرور 24 ساعة فقط على عملية “طوفان الأقصى” رداً على جرائم الاحتلال الصهيوني وانتهاكاته، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد بدأ يتحدث عنها كحدث سيغير المشهد العالمي وستظل تداعياته متواصلة طيلة القرن الحادي والعشرين، بما يعني أن معركة “طوفان الأقصى” غيرت وجهة التاريخ.
وبالنظر إلى عمليات المقاومة التي تنفذها يوميا ضد جنود الاحتلال المرعوبين والحراك الطلابي الأمريكي الداعم لفلسطين وإمكانية إصدار محكمة الجنايات الدولية أوامر اعتقال لكبار قادة الكيان، وموجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومحاولة الدول الغربية تقليل احتكاكها بسلطة الاحتلال حتى لا تجلب لنفسها مزيدا من العار، يمكن القول إن المقاومة حققت الانتصار الكامل وما استمرار حرب الإبادة -ضد المدنيين- إلا رد همجي يمثل أحد أوجه الهزيمة الصهيونية من جانبها الأخلاقي.
هذا دون نسيان أن معركة “طوفان الأقصى” أسقطت صفقة التطبيع السعودية-الصهيونية، وكان دينيس روس، الذي شغل منصب مدير تخطيط السياسات في الولايات المتحدة سابقاً، وهو أيضاً مستشار في معهد واشنطن، قد قال إنّ “السبب الرئيس وراء شن حركة حماس هجوماً الآن، هو احتمال التوصل إلى اتفاق أمريكي سعودي صهيوني لتطبيع العلاقات، إذ إنها تدرك أنّ هذا حدث يٌعَدّ تحولاً ضخماً، وهي تحاول خلق ظرف يُصعّب التوصل إلى تطبيع، أو يمنعه”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن معركة “طوفان الأقصى” فضحت دول التطبيع العربي في مقدمتها الإمارات التي أصبحت -في نظر الجميع- عاصمة العمالة وقاعدة خلفية للصهيونية بالمنطقة، وإلى جانب الإمارات يقف نظام المخزن المغربي في وضع من الخزي أمام شعبه الذي يملا الساحات والشوارع يوميا مطالبا بتحرير المملكة من سطوة الصهيونية التي اخترقت مفاصل الحكم واستولت على المؤسسات السيادية في الرباط.
معركة “سيف القدس” بروفة لتحرير فلسطين
في حديث له، عام 2022، قال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية عن معركة “سيف القدس” بوصفها “بروفة لتحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال”، مضيفا – في حوار تلفزيوني – أنها معركة “أصابت الكيان الصهيوني بشلل تام، إذ وصلت صواريخ المقاومة – وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام – إلى كل جغرافيا الأراضي المحتلة بما فيها عاصمة الكيان التي تمثل قلبه الاقتصادي والحيوي، وأفشلت القبة الحديدة التي تغنّت بها “إسرائيل” طويلا”.
لكن السؤال الآن: ما الذي حققته معركة “سيف القدس” لتصبح بهذه الدرجة من الأهمية، إذ توصف بأنها فاتحة عصر إستراتيجي جديد، جوهره بدء أفول كيان الاحتلال وانكماش قدرته العسكرية على تأمين تفوقه المزعوم؟ وفي هذا الصدد عدّد الدكتور “عبد الله العقرباوي – في مقال له تم نشره بعد نهاية المعركة – إنجازات “سيف القدس”.
وقال الدكتور العقرباوي في مقاله إنّ تصدي المقدسيين وأهالي حي الشيخ جراح لسياسة الاحتلال وتهجيرهم من بيوتهم، شكّل رافعة لانطلاق هبة مقدسية فلسطينية، استطاعت أن تفرض نفسها على أجندة الجميع وتعيد قضية القدس إلى الواجهة. وجاء التحول الأبرز في هذه الأحداث –يضيف العقرباوي- بتدخل المقاومة في غزة واعتبارها الانتهاكات بحق المقدسات وأهل القدس دافعا ومبررا للدخول في جولة من القتال مع الاحتلال، خاصة بعد مناشدات المقدسيين لها وإصرار حكومة نتنياهو على فرض سياساتها على المسجد الأقصى.
منذ هذه اللحظة، بدأ الفلسطينيون تسجيل جملة من الإنجازات على صعيد قضيتهم، أهمها:
- دخول سلاح المقاومة في غزة على خط التأثير على الاحتلال في القدس، وقد يتطور ذلك في مشاهد أخرى ليشمل الاعتداءات الصهيونية في الضفة الغربية، وربما بحق فلسطينيي الداخل المحتل.
- هذه المعادلة، وبشكل مجرد، تمثل تحولا إستراتيجيا تبنته المقاومة، وقد يعد بمثابة مسار نضالي جديد يعيد القضية الفلسطينية -التي حاولت صفقة القرن واتفاقيات أبراهام تصفيتها- إلى مربعها الأول، وتثبيت رواية الشعب الفلسطيني التاريخية المتمثلة بأحقيته في هذه الأرض، وأن دولة الاحتلال هي مشروع إحلال لمجاميع سكانية مكان شعب له هويته وأرضه.
- الوحدة الفلسطينية النضالية في مواجهة الاحتلال في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، شكلت بديلا عمليا لمسار “المصالحة” أو مسار “الانتخابات الفلسطينية” الذي تبنته السلطة الفلسطينية والفصائل، ومضت سنوات دون إحداث اختراق حقيقي فيه. بل إن مسار الانتخابات قد فوت على الفلسطينيين فرصة الانتفاضة في وجه صفقة القرن وخطط الضم والتطبيع، وجاءت هذه الجولة من المواجهات لتعيد للفلسطينيين اعتبارهم.
- استطاعت هذه الجولة بشموليتها في القدس وغزة والضفة والداخل، تثبيت الحق الفلسطيني في القدس، وتفنيد رواية الاحتلال بأحقيته في تهويد القدس وأحيائها.
- قدّمت المقاومة في غزة نموذجا قتاليا محترفا، وقدرة عالية على مواجهة العدوان الصهيوني والتعامل مع خطط الاحتلال، بما يحد من قدرته على إطالة أمد عدوانه ضد الفلسطينيين.
- يضاف إلى ذلك هبة فلسطينيي الداخل المحتل التي برهنت -بما لا يدع مجالا للشك- أن سلطة الاحتلال أضعف مما تحاول تقديم نفسها به، وأن لدى الاحتلال خاصرة رخوة وحساسة لم تعد بمنأى عن الفعل الفلسطيني المقاوم والتأثر به.
- أثبتت هذه الجولة قدرة الفلسطينيين على إسقاط مشاريع “الأسرلة” الثقافية والديمغرافية في هذه المواجهة.
كيف أصبح زوال “إسرائيل” موضوع الساعة؟
استقراء التاريخ الصهيوني بالمنطقة يفتح مجالا واسعا للوقوف على أسباب تفكّك الكيان وانهياره؛ وذلك من خلال استلهام الدروس والعبر لمعرفة ما إذا كانت الأحداث المتلاحقة وتداعيات الحرب في غزة تُنذر بانهيار الكيان، وهل يمكن للكيان إذا انهار، أن يعاود النهوض من تحت الركام؟
سؤال كهذا، ما كان ليطرحه إسرائيليون لو لم تمهّد معركة طوفان الأقصى من طرف معركة سيف القدس، فقد كتب المؤرخ الإسرائيلي عوفري إيلاني في مقال له، موضحا أنّ ملايين من الناس في وقتنا الحاضر وُلدوا في دول لم تعد موجودة الآن، كتلك التي خرجت من عباءة الكتلة الشيوعية مثل يوغوسلافيا وألمانيا الشرقية واليمن الجنوبي، وبالطبع الاتحاد السوفياتي.
وعزا زوال بعض تلك الدول والكيانات السياسية إلى تطورات تاريخية شهدتها. وذكر من بينها دولة بروسيا، والجمهورية العربية المتحدة التي تفكّكت فعليا في عام 1961 عندما انفصلت سوريا عنها، وتم حلها رسميا في عام 1971. ووفقا للمؤرخ، فإن كثيرين لا يعتقدون أن الكيان الصهيوني، التي مضى على زرعه بالمنطقة 76 عاما، على وشك أن تنضم إلى قائمة تلك الكيانات السابقة التي لم يعد لها وجود.
لن تحتفل بعيدها المائة
غير أنه يعود ليقول إن الحديث عن أنّ “إسرائيل” تعيش سنواتها الأخيرة أصبح متداولا في وسائل الإعلام، ويجرى التعبير عنه في الاحتجاجات المناهضة لسلطة الاحتلال وفي تصريحات المثقفين بالداخل وحول العالم.
وغالبا ما يُعبّر عنه أيضا في شكل تحذير كالذي تضمنه مقال للكاتب ميراف أرلوسوروف في صحيفة “ذي ماركر” (بالعبرية) هذا الأسبوع، بأن “الطريقة التي تسير بها “إسرائيل” حاليا، لن توصلها إلى الاحتفال بعيد إنشائها المائة”. ويُقسِّم إيلاني أولئك الذين يتحدثون عن زوال الكيان إلى مجموعتين: أولئك الذين يأملون حدوث ذلك، وأولئك الذين يخشون حدوثه.
وقال إن المجموعة الأولى هي أعداء الكيان في العالم العربي وأماكن أخرى، وبعض المتظاهرين المناهضين للاحتلال في الولايات المتحدة وأوروبا. وهؤلاء “يرون أن “إسرائيل” كيان استعماري ينبغي تفكيكه، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل”.
وعندما يُسأل البعض عما يتوقعون حدوثه لمواطني “إسرائيل” اليهود بعد زوال كيانهم، يقولون إن عليهم “العودة إلى أوروبا”، بينما يتحدث آخرون عن فرض الديمقراطية على “الأراضي التي يحتلها النظام الصهيوني حاليا”، مثلما حدث في الاتحاد السوفياتي، أو في جنوب إفريقيا “التي لم تُحل ولكن نظامها تغير”.
ووصف المؤرخ الإسرائيلي تلك التصريحات بِالشائنة، لأنها تنطوي -كما يقول- على قدر كبير من التعالي والاعتداد بالنفس. فالإسرائيليون – برأيه – مصابون بصدمة نفسية شديدة لدرجة أنهم لا يصدقون أن تفكيك كيانهم يمكن أن يتم بسلاسة.
كابوس مرعب
وليس من المستغرب، إذن، أن ينظر معظم الإسرائيليين إلى احتمال زوال كيانهم على أنه كابوس مرعب؛ فتجارب التاريخ اليهودي تستحضر سيناريوهات محرقة ثانية، أو على الأقل سيناريوهات تدمير، على حد تعبير مقال الكاتب الذي يمضي إلى أنه ليس ثمة ما يدعو للاعتقاد بأن أكثر من 10 ملايين شخص سيحزمون حقائبهم ويستقرون في أوروبا أو الولايات المتحدة. ويضيف أنه باستقراء التاريخ الصهيوني خلال الأطر الزمنية الطويلة، فمن المرجح أن نستخلص منه أن هذا الكيان قد ينهار لكنه سينهض مرات ومرات.
وبغض النظر عن القناعة التي يتبناها هذا المؤرخ، وهي في الأصل قناعة لا تختلف عن تلك المستخلصة من الخرافات اليهودية، فإن مجرد تحول مؤرخ معروف على مناقشة موضوع زوال “إسرائيل” يعني أن معركة “طوفان الأقصى” فرضت واقعا لا يمكن التنكر له إلا من خلال الاستنجاد بالخرافة.
التتويج التاريخي بمعركة “طوفان الأقصى”..
هذه إستراتيجيات المقاومة الفلسطينية من منظور “سيف القدس“
مأمون أبو عامر – محلل سياسي فلسطيني
أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني، مأمون أبو عامر، أنّ ما حدث خلال معركة “سيف القدس” في ماي 2021، كان بدايةً ومقدمةً لما يجري اليوم ونتحدث هنا عن معركة “طوفان الأقصى” هذه العملية التاريخية التي شكّلت نقطةً فارقةً في مسارِ النضال والكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني الجائر الذي يتمادى اليوم في ارتكاب مجازر مروعة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ أبو عامر في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ عملية “سيف القدس” أسست لمعركة السابع من أكتوبر الماضي، حيث أنها نقلت حالة الدفاع التي كانت تتميز بها استراتيجية المقاومة في الدفاع عن قطاع غزّة، إلى التدخل في الدفاع عن المشروع الوطني أو على المقدسات والأرض الفلسطينية بشكلٍ عام، فكانت هذه المعركة أول ردّ للمقاومة الفلسطينية على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على المسجد الأقصى، وعلى عملية تهجير الفلسطينيين في القدس، ومن هنا جاءت بداية التأسيس لمرحلة جديدة، لم تعد فيها المقاومة تكتفي بتخزين وتعزيز قدارتها على القتال بل انتقلت إلى التأثير على قواعد الاشتباك ومحاولة لجم سياسة الاحتلال العدوانية على الأرض وعلى المقدسات الفلسطينية.
في السياق ذاته، أشار محدثنا، إلى أنّ الاحتلال الصهيوني كانت له جملة من المحاولات الحثيثة لاحتواء هذه التطورات وإيقافِ المقاومة، من خلال توظيف مؤثرات الضغط الاقتصادية والسياسية، إضافةً إلى التلويح باستخدام القوّة، إلاّ انّ المقاومة الفلسطينية أدركت يقيناً بأنّ الاحتلال الصهيوني بعد عملية “سيف القدس” سيضعُ مخططا لمهاجمة المقاومة في قطاع غزّة بهدف الحدّ من قدراتها القتالية وقدرات وحدات الأمن في داخل المجتمع الفلسطيني، بُغية منع المقاومة من التأثير في سياسة الاحتلال الإسرائيلي في ابتلاع الأرض، خاصةً في الضفة الغربية والهيمنة على المقدسات وتحديداً المسجد الأقصى المبارك.
على صعيدٍ متصل، أبرز الخبير في السياسة، أنّه وانطلاقاً من هذه المعطيات قامت المقاومة الفلسطينية بعملٍ استباقي لإسقاط مخططات الاحتلال، ونتحدث هنا عن عملية “طوفان الأقصى” بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، بعد استغلال معلومات تفيدُ بأنّ الاحتلال وجنوده في هذا التوقيت يكونون في لحظة استرخاء تام حتى أنّ أغلب أفراد القوات الإسرائيلية يكونون في إجازة بالتزامن مع الأعياد اليهودية.
كما أنّ المقاومة وحتى تتجنب أن يرصد الاحتلال تحركاتها، قامت بمناورات عسكرية وعمليات حشد للقوات ثم تم تفريقها مما أعطى انطباعا لدى الاحتلال بأنّ هذه المناورات لا قيمة لها، لكن الاحتلال فوجئ فيما بعد بأن هذه المناورات تم تنفيذها على الأرض مباشرة بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، وتم الهجوم على مقر القيادة العسكرية في قطاع غزة، وتم استهداف ما يعرف باسم “فرقة غزّة الأساسية” المخصصة والمعدة مسبقا لمهاجمة قطاع غزّة، خاصةً وأنّ هذه الفرقة مدربة على شوارع قطاع غزة من خلال المناورات المستمرة في مناطق مشابهة لأحياء وشوارع القطاع، يضيف المحلّل السياسي الفلسطيني.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ ما حدث على الأرض كان بخلاف توقعات الاحتلال الإسرائيلي، فالكيان الصهيوني كان يخطط في البداية لترحيل سكان قطاع غزة إلى سيناء، إلاّ أنّ ذلك باء بالفشل في ظل صمود وثبات الشعب الفلسطيني وإصرار مقاومته الباسلة على مواصلة القتال والكفاح ضد هذا العدوّ الجائر إلى آخر رمق، كل ذلك ساهم وبشكلٍ مباشر في تغيير قواعد المعركة على الأرض”.
إلى جانب ذلك، أفاد الأستاذ أبو عامر، بأنّه وعلى الرغم من أنّ قطاع غزّة هي منطقة منبسطة وتفقد أيّ قدرة على إيجاد مواقع طبيعية تسهل للمقاومين الاختباء والتخفي أثناء الاشتباك مع العدوّ، إلا أنّ المقاومة الفلسطينية وجدت البديل من خلال شبكة الأنفاق التي تمتد في شكل متاهات لمسافات طويلة تحت الأرض، الأمر الذي أفقد الاحتلال الصهيوني قدرته على متابعة أفراد المقاومة والتغلب عليها، وبدا ذلك بشكلٍ واضح وجليّ من خلال اضطرار الاحتلال إلى الدخول إلى أكثر من منطقة في القطاع من أجل مهاجمة المقاومة، لكن في كل المرة يدفع الثمن غاليا ويغادرُ وهو يجر أذيال الهزيمة خلفه.
خِتاماً، أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني، مأمون أبو عامر، أنّ معركة “طوفان الأقصى” وما أعقبها من تداعيات على كافة الأصعدة والمستويات، هي تكملة لمسيرة عملية “سيف القدس” التي لم تُظهر قدرات المقاومة فحسب “بل أظهرت هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وحجم الالتباس لدى المؤسسة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية”، وهذا ما أكّدت عليه وقائع السابع من أكتوبر الماضي.
في الذكرى الثالثة لمعركة “سيف القدس“..
كيف تغيّرت قواعد اللعبة في المنطقة؟
بقلم: ناصر قنديل – كاتب وصحفي لبناني
في 10 ماي 2021، قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال، شنّت المقاومة في غزّة أول هجوم صاروخيّ على تل أبيب ترجمة إنذار وجهته لكيان الاحتلال لوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى، فكان أول إعلان انتقال من جانب المقاومة من إستراتيجية الردع القائمة على استخدام القدرة الصاروخية لمنع العدوان على قطاع غزة، إلى إستراتيجية تهديد عُمق الكيان لتوفير الحماية للمسجد الأقصى، ثم جاءت وحدة الساحات لتشمل حماية الضفة الغربية بمظلة الردع الهجوميّة المتوسّعة وصولاً إلى طوفان الأقصى، الذي مثل هجوماً استراتيجياً شاملاً تجاوز حدود الاكتفاء بتهديد عمق الكيان مقابل توفير الحماية لمساحة من الجغرافيا والحقوق الفلسطينية إلى عمل بري نوعي طال ثلاثة أضعاف مساحة قطاع غزة، ليفتح باب فك الحصار عن قطاع غزة وضمان أمن المسجد الأقصى وتأمين حرية آلاف الأسرى.
على خلفيّة هذا التحوّل الذي صنعته المقاومة في غزة والذي أعقبه أول ظهور عملي ميداني لمحور المقاومة، بفتح جبهات قتالية مستدامة مثل جبهة اليمن في البحر الأحمر وجبهة جنوب لبنان في شمال فلسطين، ومساندة ناريّة من جبهة العراق طالت القواعد الأميركية في سورية والعراق ومواقع حيوية في عمق الكيان، دخلت المنطقة في أول حرب عربية إسرائيلية لا تخوضها الجيوش العربية، ولكنها تتحوّل الى أطول حروب العرب على الكيان، وأشدّها قسوة وتهديداً لأمن الكيان الاستراتيجي، ما استدعى حضوراً أميركياً وغربياً مباشراً، فشل هو الآخر في رفع هذا التهديد، ودخلت أميركا بموجبه في حرب استنزاف تآكلت معها قوة ردعها في ضمان أمن البحار، عبر ما شهده البحر الأحمر ولا يزال.
في ذكرى ثلاث سنوات لسيف القدس، وفي ضوء ما تلاه، يمكن القول بثقة إنه كان فاتحة عصر استراتيجي جديد، جوهره بدء أفول كيان الاحتلال واحتضار قدرة قوته العسكرية على تأمين تفوقه الاستراتيجي الذي ساد المنطقة ومثل سقفاً لتطوراتها لسبعة عقود متتالية، لندخل العصر الاستراتيجي الجديد وجوهره انتقال المبادرة الاستراتيجية في المنطقة من يد الثنائي الأميركي الإسرائيلي إلى يد محور المقاومة، الذي قدمت إيران خلاله بما تمثل من عمق استراتيجي للمحور، صورة عن انتقال تفوّق قدرة الردع لصالح المحور، عبر الرد الرادع على الغارة التي استهدفت قنصليتها في دمشق، بينما كانت تقف كل قوات الناتو الجوية والبحرية على ضفة توفير الحماية للكيان في التصدي للصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية.
من أبرز سمات هذا التحوّل الاستراتيجي ما نشهده من حرب نظامية مكتملة المواصفات في جبهتي البحر الأحمر وحدود لبنان، حيث يتقابل في جبهة البحر الأحمر، أقوى جيش في العالم مع قوة شبه نظامية، حيث يفشل الجيش الأميركي بإقامة توازن مع حركة أنصار الله، بينما يتقابل في جبهة حدود لبنان الجنوبيّة أقوى جيوش المنطقة مع قوة غير نظامية، فيفشل جيش الاحتلال عن استرداد زمام المبادرة من يد حزب الله الذي يفرض إيقاع الجبهة منذ ثمانية شهور، وهذا النوع الذي لم نعرف له مثيلا في الحروب، من مواجهة نظامية بين قوتين واحدة تتمتع بتفوق بائن في التجهيز والسلاح والقدرة النارية، والثانية تتمتع بالتفوق الأخلاقي والقدرة على تحمل بذل الدماء والدفاع عن حق بائن، وتجسيد أعلى مستويات الإخلاص لقضية والمثابرة في بناء القدرة والإتقان في توظيف التكنولوجيا، ويكون التفوّق للثانية في منازلة نظامية، وليس في حرب عصابات ومقاومة.
من سمات هذا التحول أيضاً، أنّ هذه الحرب العربية الإسرائيلية التي يخوضها العرب عبر تشكيلات مقاوماتهم في عدة دول، ويسجّلون فيها الإمساك بزمام المبادرة الاستراتيجية، أبقت الجيوش العربية بعيداً عن جبهات القتال، وأبقت العواصم العربية بمنأى عن التعرض للنيران، وأبقت الاقتصادات العربية ودورة الحياة الطبيعية لأغلب المواطنين العرب، بمنأى عن أغلب تداعيات الحرب بكل وجوهها، حيث تتحمّل عبء الحرب، أقليّات شعبية منظمة لكنها الأشدّ فقراً والأصغر حجماً، والأكثر تعرضاً للحصار والدمار، هي الشعوب في غزة واليمن وجنوب لبنان، وغالباً في ظل انقسام وطني داخلي في بلدانها حول خيارها المقاوم، وتحت مظلة استهداف عربي رسمي لها وصفها غالباً بأسوأ النعوت ولاحقا بأقسى التهم، فصار سمة هذا التحول أنه وضع معايير جديدة للدول الفاعلة، وهمّش الدول الكبرى والغنية وصاحبة ترسانات الأسلحة وثروات النفط، وتقدّمت عليها الأضعف والأصغر والأفقر بين العرب.
من سمات هذا التحوّل أنه أظهر أمامنا كيف يتم ربح الحرب الإعلامية في فرض السردية الفلسطينية على مساحة العالم، بالطريقة ذاتها التي انتصرت فيها المقاومة على الجيش الذي قيل إنه لا يُقهر، فهُزمت الآلة الإعلامية العملاقة للغرب أمام مقاومة إعلامية شعبية متواضعة الإمكانات، بمثل ما هُزمت الآلة العسكرية العملاقة أمام مقاومة عسكرية شعبية متواضعة الإمكانات.
تستحق معركة سيف القدس التي افتتحت هذه التحوّلات، أن تسجّل كعلامة فارقة في تاريخ العرب.
قواعد الحرب تتغيّر..
مقاومة غزة تهزّ أركان الكيان الصهيوني
بقلم: بهاء الخزعلي – محلل سياسي عراقي
باغتت المقاومة في طوفان الأقصى الكيان الصهيوني بالعودة لأسلوب رقعت الزيت بالهجوم على مستوطنات الغلاف ثم التقدم إلى الأهداف التي تليها لكن بأسلوب عسكري وتكتيك مغاير وجديد.
على ما يبدو أن التخطيط الاستراتيجي للمقاومة يقطف ثماره الآن ما بين سيف القدس وطوفان الأقصى وذلك من خلال عدة تكتيكات أهمها…
أولا: تغيير قواعد الحرب ما بين سيف القدس وطوفان الأقصى حيث قصفت المقاومة عمق الأراضي المحتلة في معركة سيف القدس مما استدعى وبحاجة ملحة للكيان الصهيوني أن يعمل على ترميم الجبهة الداخلية والاهتمام بأمن العمق الصهيوني وتعديل القبة الحديدية تحسباً لأيّ هجوم آخر من المقاومة.
لكن في طوفان الأقصى باغتت المقاومة الكيان الصهيوني بالعودة إلى أسلوب رقعة الزيت بالهجوم على مستوطنات الغلاف ثم التقدم إلى الأهداف التي تليها لكن بأسلوب عسكري وتكتيك مغاير وجديد.
ثانيا: الأسلوب الجديد لفصائل المقاومة حيث تبدأ العمليات بالتسلل نحو المستوطنات براً ويصاحب ذلك التسلل طيران مظلي من عناصر المقاومة مما يسهل عملية الاختراق المستوطنات، كما يصاحب ذلك الهجوم عمليات بزوارق بحرية من الفرقة الخاصة للمقاومة وهذا ما شاهدناه في عملية الابرار على سواحل عسقلان.
ثالثا: الجهد الاستخباري للمقاومة وضع الموساد والشباك في مأزق كبير حيث لم تتسرب أيّ معلومة عن عملية طوفان الاقصى لأجهزة أمن الكيان وذلك سيعدم الثقة بين أجهزة أمن الكيان الصهيوني ومصادرهم حيث لا تمتلك أجهزة أمن الكيان سوى تفسيرين لما حصل.
الأول: أن المقاومة كشفت عملاء الكيان الصهيوني وقامت بتضليلهم، والثاني: أن مصادر الكيان تم تجنيدهم من قبل المقاومة وقاموا بتسريب معلومات خاطئة لأجهزة أمن الكيان، وبكلا الحالتين هذا تطور خطير في مجال الأمن للمقاومة الإسلامية.
رابعاً: مصاحبة العمليات العسكرية بعمليات سيبرانية حيث أسقطت أسطورة الانذار المبكر الذي تبجح به الكيان الصهيوني كثيراً.
خامساً: رفض الكيان الصهيوني الإعلان عن الإحصائيات الحقيقية للقتلى والأسرى في صفوف الجيش الصهيوني خوفاً من الحقيقة التي قد لا يستوعبها المدنيون الصهاينة.
سادسا: فتح الجبهتين والذي سيجعل الكيان الصهيوني بين مطرقة الجبهة الداخلية وسندان الجبهة الخارجية ومع استمرار فقدان السيطرة الصهيونية داخل الأراضي المحتلة سيسهل من فرصة مؤاتية لاستعادة شبعا والجولان.
سابعا: إمكانية استخدام الأسرى من جيش الكيان الصهيوني كدروع بشرية في غزة لإحراج الحكومة الصهيونية.
فيما تتلخص الأهداف الاستراتيجية للمقاومة بثلاثة أهداف رئيسية وهذا ما كان واضحاً بترجمة خطاب السنوار على أرض الواقع ومن خلال متابعتنا لعمليات المقاومة في (طوفان الأقصى) تتلخص تلك الأهداف بما يلي…
أولا: تحرير السجناء من سجن عسقلان من خلال العمليات العسكرية البحرية والجوية والبرية.
ثانيا: فصل النقب عن مركز القيادة في تل أبيب مما يسهل عملية اقتحام النقب والسيطرة على مفاعل ديمونة النووي وهذا من خلال تقدم العمليات من غزة باتجاه الخليل.
ثالثا: كما أن وصول المقاومة من غزة إلى الخليل سيربط خط النار مع المجاهدين في بيت لحم ورام الله والضفة الغربية وبذلك يسهل تنفيذ الهدف الاستراتيجي الثالث وهو تطويق وتحرير القدس المحتلة.
أمّا فيما يتعلق بالرد الصهيوني فمن الطبيعي جداً أن يقوم الكيان الصهيوني بعمليات عسكرية مصاحبة لحملات إعلامية لتوجيه الرأي العام بالضد من المقاومة ويكون ذلك من خلال عدة تكتيكات أهمها…
أولا: تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف لبنان وغزة لإقناع الجمهور داخلياً وخارجياً بأن الكيان الصهيوني ما زال يمتلك القوة للرد وبإمكانه استخدام الردع العسكري بكل الأحوال.
ثانيا: تسليط الضوء على شرعية هجماتها العسكرية على جنوب لبنان وتحميل الحكومة اللبنانية والمواطنين اللبنانيين تبعات تدخل حزب الله من خلال تنفيذ عمليات عسكرية على المدن اللبنانية وكذلك الحال في غزة.
ثالثا: محاولة تحصين الجبهة الداخلية من خلال تسليط الضوء إعلامياً على بعض عمليات جيش الكيان الصهيوني.
رابعا: صناعة حسابات موثقة في مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء عربية من حملة الجنسية الإسرائيلية تقوم بحملات تضليل موجهة تارة للخارج بانتظار قوة الرد للكيان الصهيوني وتارة أخرى للداخل بنشر بعض مقاطع الفيديوهات والرسائل التي تدل على تعاطف كبير من قبل بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني مما يطمئن المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة.
بعدما أرست دعائمه معركة “سيف القدس”..
تحوّل تاريخي في ميزان الرّدع يحدثه “طوفان الأقصى“
بقلم: علي أبو حبله – محامي فلسطيني
معركة “سيف القدس” أسّست لمرحلة جديدة من الصّراع مع الاحتلال وأرست دعائم جديدة في فكر المقاومة وأسّست لمرحلة جيل جديد يؤمن بالمقاومة، وقد أسهمت معركة “سيف القدس” في تغيير ميزان الرّدع وشكّلت نقطة تحوّل لمصلحة المقاومة وتيارها، وأنّ ارتداداتها كانت مدوّية في “إسرائيل” على المستويين الرّسمي والشّعبي.
واستمرّت المعركة من العاشر حتى 21 ماي 2021، ووجّهت خلالها المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية في العمق “الإسرائيلي” على إثر اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والمخطّطات “الإسرائيلية” لترحيل سكّان حي الشّيخ جرّاح في القدس.
وفي قراءة مستفيضة في تلك الحقبة هناك استنتاج من قبل محلّلين أنّ معركة “سيف القدس” أرست دعامة واستراتيجية في تاريخ الصّراع مع الكيان الإسرائيلي الممتد منذ أكثر من 7 عقود، فبعد أن تناسى العرب قضيّة فلسطين في غمرة هذا الخريف العربي وليس الرّبيع العربي وأصبحت فلسطين في ذاكرة هؤلاء المستسلمون للمخطّط الأمريكي الصّهيوني من الماضي.
معركة “سيف القدس” كانت البداية التي أسّست ليقظة الضّمير العربي وأربكت الحسابات للنّظام العربي وتحرّكت الشّعوب العربية الثّائرة لحرّيتها وكرامتها ولسان حالها يقول إنّ فلسطين والقدس قضية قومية عربية وهي محور الصّراع وأولويّته مع أمريكا والصّهيونية وهي من تجمع الأمّة العربية وتوحّدها.
إنّ فلسطين كانت وستبقى أولوية العرب جميعهم، وتحرّك الشّارع العربي والأوروبي والأمريكي وهي بداية صحوة تذكر العالم أجمع وتنذر أنّ مصداقية الأمم المتّحدة فاقدة لوجودها منذ نكبة فلسطين ولغاية اليوم برفض “إسرائيل” للانصياع لمقرّرات الأمم المتّحدة.
إنّ مصداقية الأمم المتّحدة ومصداقية النّظام العربي بحسب الفهم العربي هو في كيفية الدّفاع عن الحقّ الفلسطيني المغتصب وعن حقوق شعوب الأقطار العربية في تخلّصها من التّبعية الاستعمارية ويقينًا إذا كانت معركة “سيف القدس” أحيت الضّمير العربي وحرّكت الشّارع العربي فإنّ معركة “طوفان الأقصى” وهي امتداد لمعركة “سيف القدس” قد غيّرت الكثير من المفاهيم والمصطلحات وأعادت القضيّة الفلسطينية لتتصدّر الاهتمام العربي والدّولي ويجب البناء عليها لاستعادة ثقة المواطن العربي بنفسه لتحقيق وحدة أقطارنا العربية ودفع النّظام العربي للانصياع للإرادة الشّعبية لتحقيق الوحدة العربية وتمكن الشّارع العربي ونظامه وجيوشه في الدّفاع عن الحقوق العربية وعلى رأس هذه الحقوق وأولويتها القضيّة الفلسطينية.
إنّ تضافر الجهود لقوى المقاومة وتراكم بناء القوّة والتحرّكات الدّبلوماسية والسّياسية في ظلّ تكامل الأدوار لكلّ مكوّنات الشّعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الصّهيوني مكّنت المقاومة الفلسطينية من تسجيل انتصار تاريخي بمفاجئتها للكيان الصّهيوني صباح يوم السبت السابع من أكتوبر 2023 في معركة أطلقت عليها معركة “طوفان الأقصى” بشنّ هجوم صاروخي وبرّي وبحري وتحقيق انتصارات على الأرض وتمكّن المقاومة من اجتياح السّياج الفاصل مع حدود غزّة وتمكّنها من اقتحام مستوطنات غزّة وإلحاق خسائر فادحه بالكيان الصّهيوني وأسر لعدد كبير من جنود الاحتلال وتمكّنها من قتل وإصابة المئات من جنود الاحتلال.
معركة “طوفان الأقصى” وبحسب بيان رئيس هيئة أركان المقاومة محمد ضيف تحمل أبعاد عسكريّة وسياسية وتهدف لتحرير الأسرى وتمكين الشّعب الفلسطيني من انتزاع كامل حقوقه وحقّه في تقرير المصير وهي حرب مفتوحة تحمل إمكانية تعدّد الجبهات.
معركة “طوفان الأقصى” شكّلت مفاجأة للاحتلال غير متوقّعة وشكّلت فشل استخباري وأحدثت ارتباك داخلي “إسرائيلي” وسجلت تداعيات على الدّاخل “الإسرائيلي” وعلى المستوى الإقليمي والدّولي وجعل جميع الأطراف كافّة؛ الدّولية منها والعربية والإقليمية تعيد حساباتها على إثر تداعيات أحدثتها معركة “طوفان الأقصى” وعلى كلّ المستويات وقد فرملت عجلة التّطبيع وجعلت القيادة السّعودية ومعها العديد من الدّول العربية تعيد حساباتها وكذلك العديد من القيادات العربية هي الأخرى تعيد رؤيتها من “إسرائيل” وقد شكّلت معركة “طوفان الأقصى” ضربة للشّرق الأوسط الجديد وإصابته في مقتل رغم عديد المحاولات التي تبذلها إدارة بايدن لعودة مسار التّطبيع ومحاولات إعادة تصنيع المنطقة.
ولا شكّ أنّ “معركة طوفان الأقصى” أصابت أمريكا ومخطّطاتها بخيبة أمل وهي تعيد حساباتها على ضوء تداعيات العمليّة وهناك خشية أمريكية وغربية وحتّى عربية من تمدّد العملية وفتح العديد من الجبهات ضمن مفهوم تعدّد الجبهات وأنّ جبهة اليمن والجنوب اللّبناني بات لها تداعيات على المنطقة برمّتها وهي تعيد خلط الأوراق والتّحالفات في المنطقة.
معركة “طوفان الأقصى” التي تقودها قوى المقاومة في فلسطين التّاريخية أكّدت فشل المخطّطات “الإسرائيلية” لضرب جذوة المقاومة وإسكات الشّعب الفلسطيني عن المطالبة بحقوقه الوطنية المشروعة وحقّه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس.
وفي وقفة تحليلية لنتائج وتداعيات معركة “طوفان الأقصى” وبناءً على أرض الواقع في الميدان، فإنّ قوى المقاومة ومعها الشّعب الفلسطيني، خرجت منتصرة على العدوان الصّهيوني وتمكّنت من تكبيد الكيان خسائر كبيرة والأهم هو اجتياز الحاجز ودخول مستوطنات غلاف غزّة على الرّغم من كل ما يملكه جيش الاحتلال من ترسانة عسكرية وتقدّم تكنولوجي قياسًا بما تملكه المقاومة الفلسطينية في ظلّ اللاتكافؤ في موازين القوى، ورغم الإعداد الأمني المسبق والدّعم الأمريكي وحلفاء الكيان الصّهيوني في المنطقة لصالح مشروع تصفية حركة المقاومة وجناحها العسكريّ، وكانت المفاجأة المذهلة لما حققته المقاومة في السّاعات الأولى، شكّلت ضربة غير مسبوقة في تاريخ الصّراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.
نجح الصّمود الشّعبي الأسطوري للشّعب الفلسطيني رغم محاصرته بتحقيق انتصار تاريخيّ على جيش الاحتلال، وخرج قادة جيش الاحتلال بهزيمة منكرة بما حقّقته المقاومة من انتصار تاريخي وتمكّنهم من قصف كافة الجغرافية في فلسطين المحتلّة وأسر لجنود الاحتلال وإلحاق خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة وأظهرت أنّ المقاومة تحظى بقاعدة شعبية وأنّ قوّة الدّرع الصّهيوني التي راهنوا على ترميمها أصيبت إصابة جديدة بالغة، مع ظهور قدرة المقاومة للشّعب الفلسطيني على الانتصار على أعتى قوّة في العالم والقدرة على هزيمة الآلة الصّهيونية الغاشمة.
مهما تكن التّقديرات التي حضرت في ذهن القيادتَين السّياسية والأمنية في تل أبيب، لدى اتّخاذ قرار العدوان على الشّعب الفلسطيني واستهداف مقاومته، وأنّ آخر ما ترغب فيه “إسرائيل” هو التّدحرج إلى مواجهة طويلة تصيب عمقها الاستراتيجي في مقتل وشلّ حياة مستوطِنيها.
معركة “طوفان الأقصى” كشفت هشاشة الأسس التي استند إليها “الإسرائيليون” في تقدير إنجازاتهم المفترضة. وبدلاً من أن يتحقّق تفكُّك السّاحات الفلسطينية، وفق ما راهنوا عليه، تَعزّز ارتباطها وأصبحت أكثر اتّحاداً، وتحوَّل هذا الواقع إلى محدّد رئيسٍ يحكم المرحلة. وهو معطى يؤكّد فشل الأهداف التي جاهرت بها “إسرائيل”، ويعمّق فقدان الجمهور “الإسرائيلي” ثقته بشعار أنّ “الجيش بات مستعدّاً لكلّ السيناريوات”.
انطلاقاً من ذلك، فإنّ المواجهة التي تخوضها المقاومة اليوم في معركة “طوفان الأقصى” لا تتعلّق بمتغيّرات ظرفية فقط، وإنّما هي جزء من مسار واستراتيجية أوسع نطاقاً وأخطر تأثيراً على الأمن “الإسرائيلي”. فجذورها وخلفيّاتها، كما أظهرت المواقف والشّعارات “الإسرائيلية” أيضاً، ترتبط بشكل وثيق ومباشر بمعركة “سيف القدس”.
وممّا يؤكد هذا الارتباط، العامل المباشر الذي دفع العدو إلى شنّ عدوانه الأخير في 2021، والمتمثّل في تداعيات اعتداءاته في الضفّة على مستوطنات “غلاف غزة”.
ولذا، فإنّ “إسرائيل” التي هدفت من الضّربات التي وجّهتها بشكل أساسيّ إلى “الجهاد”، في 2021 كانت محاولة لكبح نتائج معركة “سيف القدس”، والتي لا تزال تتوالى بفعل صمود المقاومة وتصاعد قدراتها. وهي محاولة ربّما ستتّخذ منعطفاً خطيراً، سيؤدّي إلى اتّساع نطاق المواجهة، في حال قيام الصّهاينة المتطرّفين باقتحام المسجد الأقصى وهو ما حصل نتيجة الاعتداء المستمر على الأقصى وبنتيجته معركة “طوفان الأقصى” ودخول حركة “حماس” على خطّ المعركة.
ومهما يكن، فإنّ ما قامت به المقاومة، ولا تزال، يعيد وصْل ما عملت “إسرائيل” على تفكيكه في السّنوات الماضية، على أمل أن يصبح لكلّ ساحة (غزّة والضفّة والقدس والدّاخل) قضاياها الخاصّة وأولوياتها التي تتحدَّد وفق ظروفها الجغرافية والسّياسية والمعيشية والأمنية. وتشكّل معركة “طوفان الأقصى” اليوم محطّة تأسيسية في إعادة تصويب البوصلة إلى المشترك البيني، وتجديد التّعاون والتّآزر في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على الشّعب الفلسطيني وعربدة المستوطنين وما بعد معركة “طوفان الأقصى” لن يكون ما قبله.
وتؤكّد التّجارب الطّويلة أنّ قوّة الشّعب الفلسطيني وإرادته في الثّبات والصّمود هو أقوى من جبروت الاحتلال الصّهيوني وأنّ أيّ جولة من جولات القتال التي تفرضها آلة الحرب الصّهيونية مهما بلغت فيها نسبة التّدمير بحُكم تفوّق “إسرائيل” العسكري، فهي لن تسلب إرادة الشّعب الفلسطيني ومقاومته في الردّ والدّفاع والرّدع، كما لن تؤدّي إلى إضعاف قدرات وخزّان الشّعب الفلسطيني الذي لن يدّخر أيّ وسيلة للدّفاع عن حقوقه المشروعة وحقّ تقرير المصير.
وباتت المرحلة تتطلّب وحدة وطنية حقيقية على أرض الواقع وتنحية الخلافات جانبًا وضرورة توحيد الخطاب السّياسي والإعلامي لأنّ معركة “طوفان الأقصى” باتت تفرض معادلات جديدة وأعادت للقضيّة الفلسطينية اهتمامها الإقليمي والدّولي وأنّ استجداء السّلام عبر بوابات التّطبيع أمر غير مجدي وضياع للحقوق، وأنّ استثمار مستجدّات وتداعيات معركة “طوفان الأقصى” على الكيان الصّهيوني سيكون له أهميّة في فرض الشّروط الفلسطينية إذا توحّدت الجهود وتحقّقت الوحدة الوطنية خاصّة وأنّ معركة طوفان الأقصى كسرت كلّ النّظريات الإسرائيلية وأخلّت بلعبة التّوازنات وإسقاط مقولة السّلام مقابل الأمن ومفهوم مقايضة الاقتصاد بالأمن وألحقت هزيمة بالمطبّعين الذين حاولوا استغلال القضيّة الفلسطينية لتمرير مخطّطهم وفرض الشّروط على الشّعب الفلسطيني للقبول بمخطّطاتهم الهادفة لتصفية القضيّة والانتقاص من حقوقه المشروعة وفقًا لإملاءات مشغلّيهم.
معركة “طوفان الأقصى” أيقظت الضّمير العربي وأربكت الحسابات للنّظام العربي وتحرّكت الشّعوب العربية الثّائرة لحريّتها وكرامتها وتأججت احتجاجات طلبة الجامعات في أمريكا والغرب انتصارًا لفلسطين والحق الفلسطيني.
إنّ فلسطين كانت وستبقى أولوية العرب جميعهم، وتحرّك الشّارع العربي والأوروبي والأمريكي بداية صحوة تذكّر العالم أجمع وتنذر أنّ مصداقية الأمم المتّحدة فاقدة لوجودها منذ نكبة فلسطين ولغاية اليوم برفض “إسرائيل” للانصياع لمقرّرات الشّرعية الدّولية.
إنّ مصداقية الأمم المتّحدة والنّظام العالمي ومصداقية النّظام العربي بحسب الفهم العربي هو في كيفية الّدفاع عن الحقّ الفلسطيني المغتصب وعن حقوق شعوب الأقطار العربية في تخلّصها من التّبعية الاستعمارية، ويقينًا أنّ معركة “سيف القدس” التي أسّست لمعركة “طوفان الأقصى” أحيت الضّمير العربي وحرّكت الشّارع العربي، ويجب البناء عليها لاستعادة ثقة المواطن العربي بنفسه لتحقيق وحدة أقطارنا العربية ودفع النّظام العربي للانصياع للإرادة الشّعبية لتحقيق الوحدة العربية وتمكّن الشّارع العربي ونظامه وجيوشه في الدّفاع عن الحقوق العربية وعلى رأس هذه الحقوق وأولويتها القضية الفلسطينية.