جاء “طوفان الأقصى” ليرسم خريطة جديدة للمواقف من المقاومة ضدّ المحتل الصّهيوني، وهذه الخريطة تعكس طبيعة المرجعيات التي تحكم تلك المواقف. والنّاظر المتأمّل في تلك المواقف يجد موقفًا متطرّفًا يزعم حبّه لفلسطين ولكنّه في الوقت عينه يرفض المقاومة ويرفض دعمها. وآخر مع المقاومة دون أدنى خجل أو وجل من هذا الموقف، وثالث يأخذ على المقاومة بعض ما تقوم به من تحالفات سياسية مع قوى مختلّفة على السّاحة العربية والإسلامية.
فالموقف الأوّل الذي يزعم حبّ فلسطين ولا يظهر تعاطفًا مع المقاومة يعكس مواقف عامّة الأنظمة العربية والإسلامية التي لها حساباتها السّياسية وتظنّ أنّها في موقفها هذا تبدو للعالم أكثر عقلانية وواقعية. وللحق إنّ تلك الأنظمة غارقة في الذلّ والمهانة وتخشى على نفسها من الآثار التي يمكن أن يتركها الطّوفان على شعوبها التي ترى في تلك الأنظمة مجرّد وكلاء للعدو الغربي الذي لم يتردّد في وصم المقاومة بالإرهاب وتبرير الإبادة الجماعية، وتدمير غزّة على رؤوس أهلها. وهذه تتضمّن فئات علمانية تفكّر بمادية خاصّة وتنطلق ممّا تزعمه مواقف وطنية. وأخرى إسلامية بنت موقفها على موقف “ولي الأمر” الذي غدا في نظرهم معصومًا عن الخطأ ولا تجب محاسبته حتّى لو شرب الخمر وزني علنًا.
وبالرّغم من التّناقض الفكري والعقدي بين الطّرفين، إلّا أنّهما اتّحدا في رفض دعم المقاومة، ولم تتردّد تلك الأنظمة في تشويه فكرة المقاومة أصلًا والتّنديد بالجهاد حلًا لقضية الاحتلال الصّهيوني.
أمّا الذين وقفوا مع المقاومة فقد تعدّدت أطيافهم وخلفياتهم الفكرية والسّياسية. فمنهم من وقف لأسباب إنسانية وأخرى إسلامية وثالثة قومية. وهذه الفئات اتّحدت على هذه الفكرة ولم تتردّد في العمل الجاد لنصرة المقاومة ماديًا وسياسيًا وإعلاميًا. فهؤلاء “إخوة في المقاومة” ولو تعدّدت مشاربهم وخلفياتهم. وهذه المجموعات تدرك خطورة النّظام الصّهيوني وعقليته المتحجّرة والمستندة إلى مقولات تلمودية تنزل بغير اليهودي إلى درك الحيوانية، ولا تميّز في ذلك بين مسلم وغيره.
كما أنّ هذه الفئة تشترك في رفضها للمادية الغربية التي بنت علاقتها مع الصّهيونية على قواعد استعمارية ومصالح تخصّها للسّيطرة على العالم ماديًا ومعنويًا. وهناك فئة رأت أن تقف مع المقاومة وفلسطين وتدعمها في حدود دنيا لا تتجاوز الكلام المعسول الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وإن كانوا أفضل ممّن أظهر وقاحة في عداوته لفلسطين وأهلها ومقاومتها.
إنّ الذين يقفون ضدّ المقاومة من التّابعين للأنظمة يبرّرون ذلك دينيًا بأنّه خروج على الإمام، وأنّ الجهاد لا تنعقد رايته إلّا بوجود ذلك الإمام، بل اعتبر بعض غلاة الوهّابية والسّلفية أنّ النتن ياهو هو إمام المسلمين في فلسطين، وهذا لم يقل به سوى الجبناء والحرفيين في الفهم أيّام التّتار. وغيرهم يبرّر مواقفهم المعادية بسبب الدّمار والخراب والقتل الذي يمارسه العدو، ولكنّها لا تقدّم أيّ شيء يذكر لنصرة المستضعفين الذين فقدوا كلّ شيء، بل إنّها تعتبر الحاضنة الشّعبية للمقاومة شريكة في هذا الدّمار.
إنّ الموقف الصّحيح في مواجهة العدو المحتل هو ما تفتّقت عنه أذهان محبّي الحرية والسّلام وأعداء الظّلم من نشاطات وفاعليات قادت إلى تعرية النّظام الصّهيوني ووضعته قرينًا للإجرام النّازي، وبيّنت بجلاء أنّ هذا النّظام عدو للإنسان الحر لا للفلسطينيين وحدهم. ولذلك صحّ أن نطلق عليهم مسمّى “أخوة النّضال”. وهذا هو الموقف الإنساني الصّحيح. إذ لم تفرّق المذاهب ولا القوميات ولا الوطنيات هذه المجموعات، بل وضعت خلافاتها خلف ظهرها واتّجهت متوحّدة لنصرة فلسطين وأهلها.
